.. اسمحوا لي أن أروي لكم اليوم مهزلة من العيار الثقيل ما زالت معفرة بتراب الواقع.
.. الجمعة الماضية اتفقت وزملائي ـ قيادات حزب «الغد» بمحافظة البحيرة ـ علي أن نقضي اليوم في حملة طرق أبواب جديدة بالبحيرة.
.. البرنامج تضمن زيارة لمركز إيتاي البارود ـ قرية التوفيقية ـ فضلاً عن المشاركة في الوقفة الاحتجاجية ضد التعذيب، وندوة حول مستقبل التغيير في مصر بالمشاركة مع الدكتور جمال حشمت والدكتور عمار علي حسن، وكان ختام اليوم لقاء مع الشباب من أعضاء الغد وأعضاء الجمعية الوطنية للتغيير.
.. في قرية التوفيقية تلقينا دعوة من أحد رموزها علي حفل غداء كان مقرراً سلفاً إقامته لمناسبة اجتماعية خاصة به، فلبينا الدعوة الكريمة بكرم أبناء الريف المصري ـ خاصة أهل البحيرة.
.. وفي الحفل الذي حضره قيادات من الحزب الوطني والمحليات وغيرها تبادلنا والحضور حديثاً اجتماعياً إنسانياً بعيداً عن السياسة وانصرفنا لجدولنا المضغوط بفعاليات وأنشطة سياسية، إلا أن المفاجأة أن أجهزة الأمن بجميع أنواعها وأشكالها ذهبت فور انصرافنا للمضيف الأستاذ محمد إبراهيم السروي في منزله وظلت لساعات متأخرة من ليل الجمعة تحقق معه وكأنه ارتكب جريمة كبري، وكما بلغنا من أحد الذين حضروا الحفل، فهو مطلوب للقاء طارق هيكل ـ مفتش مباحث أمن الدولة بالبحيرة ـ ظهر أمس السبت!!
.. وعقب انتهاء الوقفة الاحتجاجية ضد التعذيب في دمنهور انتقلنا لحضور الندوة التي دعا إليها الدكتور والصديق جمال حشمت، وبعدها انتقلنا إلي منطقة تحسين الصحة بدمنهور لحضور اجتماع مشترك بين شباب «الغد» وشباب الجمعية الوطنية للتغيير، الذي أقيم في «كوفي شوب» شهير في هذه المنطقة، بعد دقائق من بداية اللقاء تم قطع الكهرباء عن المكان والمنطقة وتدخل رجال أمن الدولة لإخلاء المكان من رواده غير المشاركين في اللقاء!! مما حملنا إلي الانتقال بالاجتماع والمجتمعين لإتمامه في أكبر ميادين دمنهور «ميدان الاستاد» وتحويله من اجتماع ضيق ومغلق إلي حملة لطرق أبواب دمنهور ولقاء مفتوح مع جماهير المدينة.
... وعقب نهاية حملة طرق الأبواب التي امتدت لمنتصف ليل الجمعة وردت أنباء ما حدث في التوفيقية للرجل الذي استضافنا، وكذلك أنباء عن مضايقات وتهديدات لصاحب الـ «الكوفي شوف» الذي أغلقوه وقطعوا الكهرباء عنه، مما حملني أن أقرر المبيت في المدينة بدلاً من السفر للوقوف إلي جوار كل من تعرض إلي التهديدات أو المضايقات المشار إليها.
.. بدأت رحلة البحث عن فندق بمدينة دمنهور للمبيت، ففي البداية ذهبنا إلي فندق اسمه «دهب»، حيث أبدي صاحب الفندق استعداداً لتوفير الغرف المطلوبة، وبعد دقائق وأثناء إنهاء إجراءات الدخول دق التليفون ليبلغنا بعده أن الفندق مغلق لوجود إصلاحات.
.. انتقلنا إلي فندق «الواحة» حيث أبدي موظف الاستقبال سعادة بالغة ووفر لنا سبع غرف وجناحاً في دور واحد.. وأثناء صعودنا الغرف دق التليفون ليبلغنا فوراً أن الفندق كله محجوز.
.. ومن «الواحة» إلي فندق «قصر الأنوار» الذي انتظرنا صاحبه علي الباب الخارجي لإبلاغنا بنفس الرسالة التي تكررت مراراً ونحن ننتقل من مكان لآخر داخل دمنهور وسط رقابة وتضييق ومضايقات أمنية غير مفهومة أو مبررة.
.. رحلة البحث عن مكان للمبيت منحتنا شرف زيارة وطرق أبواب أحياء المدينة ولقاء آلاف من البشر لم يكن مقرراً أو مخططاً لدينا سلفاً الالتقاء بهم!!
.. لكنها أيضاً كشفت عن أن النظام البوليسي الذي يحكمنا يدير أموره بأقل قدر من الذكاء والحنكة ويضرب عرض الحائط بجميع الحقوق والحريات، وبات لا يشعر بالخجل من كل هذا الهزل والعبط غير المسبوق.
.. قلت لزميلي وصديقي أحمد ميلاد ـ المحامي ورئيس لجنة «الغد» بالبحيرة: إنني اكتشفت اليوم أن هناك حقاً إنسانياً جديداً منتهكاً في مصر هو الحق في النوم!!
.. يا مثبت العقل والدين يا رب.. هل هناك نظام في العالم يمنع الناس من التزاور في البيوت لمناسبات اجتماعية، ويمنع الناس من الجلوس علي المقاهي أو السير في الشوارع، وأخيراً النوم في الفنادق؟!
.. حقاً وكما يقول المثل: « يارايح كتر من القبايح»
د. أيمن نور- الدستور
No comments:
Post a Comment