Tuesday, July 06, 2010

«المصرى اليوم» تحاور زوجين تخصصا فى جمع الوثائق النادرة: حق مصر فى مياه النيل «قانونى».. ولدينا «وثيقة خطيرة» تؤكد ذلك

جمعهما حب الحصول على الوثائق واقتنائها حتى ارتبطا عاطفياً ببعضهما البعض، فأصبحا من أشهر جامعى الوثائق على مستوى العالم بسبب المقتنيات المهمة التى حصلا عليها، والتى قاما بإهداء جزء كبير منها لمكتبة الإسكندرية، ممثلاً فى عدد من الخرائط والأطالس النادرة التى من بينها ما يحكى قصة النيل واتفاقاته.

فما قدمته المستشارة هايدى فاروق، والسفير مدحت القاضى، عضوا الجمعية الجغرافية المصرية، والباحثان فى الأرشيفين البريطانى والأمريكى، من وثائق ينفى مزاعم دول حوض النيل بأن اتفاقية تقسيم المياه «استعمارية»، وتشير إلى وجود اتفاقية تم إبرامها عام ١٩٠٢ بين السودان، وقت أن كانت تابعة للأراضى المصرية، وبريطانيا وإيطاليا وإثيوبيا (الحبشة) وأوغندا، وكانت هذه الاتفاقية عبارة عن اتفاقية «حدود» وليست اتفاقية مياه، مما يعنى أنها غير قابلة للتعديل «حسب القانون الدولى».

الباحثان كشفا أيضاً ـ خلال حوارهما لـ«المصرى اليوم» ـ عن أن الوثائق تؤكد أن الاتفاقات المبرمة عامى ١٩٢٩ و١٩٥٩، التى تصفها بعض دول الحوض بـ«الاستعمارية» ليست سوى «مخاطبات» متبادلة تمت بين محمد محمود باشا، رئيس وزراء مصر آنذاك، ووزير خارجية بريطانيا هندرسون، توثق وتعضد اتفاقية ١٩٠٢.

حول إهداءات الباحثين لمكتبة الإسكندرية، التى تضمنت أيضاً الخريطة الأصلية الوحيدة والنادرة للعالم الإدريسى، كان لـ«المصرى اليوم» معهما هذا الحوار:

■ بداية معالى السفير، قمتم بتسليم مكتبة الإسكندرية خريطة الإدريسى، فما قصة هذه الخريطة؟

ـ القصة بدأت عندما اجتمع ملك صقلية روجرز الثانى بالعالم الإدريسى، فى بداية القران الثالث وطلب منه رسم أول خريطة للكون، فظل الإدريسى يرسمها على مدار ١٥ عاماً، ثم سلَمها لروجرز، وظلت هذه الخريطة فى حوزته حتى اختفت إلى أن اكتشفها القائد الألمانى ملنر عام ١٩٢٣ وعمل نسختين منها، إحداهما إنجليزية موضوعة فى المتحف الألمانى، والثانية عربية على القماش اشتراها الملك فؤاد، وهى النسخة التى اختفت بعد حريق القاهرة، ثم ظهرت فى إحدى دول الخليج حتى ذهبت إلى العراق، وبعد الغزو الأمريكى عادت إلى مصر وقمنا بشرائها، ولم نجد أفضل من مكتبة الإسكندرية لإهدائها هذه الخريطة، التى استغرقت عملية الترميم الخاصة بها نحو ٦ أشهر داخل المكتبة بعد أن كانت «معذبة» قبل شرائها.

■ ماذا تقصد بـ«معذبة»؟

ـ نعم معذبة، فالخريطة يجب أن نتعامل معها على أنها كائن حى ولسان حال الفترة التى عاصرتها وتعبر عنها.

■ وفق معايير المكسب والخسارة، ألا يعد شراء الوثائق والخرائط العامة بالملايين بغرض تقديمها كهدايا إلى الجهات التى ترون أنها تستحقها خسارة؟

ـ بالطبع لا فلا أحد يحب الخسارة، ولكننا نحب ما نفعله ونشعر بأننا نقدم شيئاً مفيداً لبلدنا، فخريطة مثل خريطة الإدريسى التى أهديناها مؤخراً إلى مكتبة الإسكندرية كان من الممكن أن نبيعها بالملايين، لكننا رأينا أن أفضل مكان لها هو المكتبة التى اعتبرتها «درة التاج» وقامت بوضعها فى مقدمة مكتبة الخرائط التى أنشأتها مؤخرا تقديرا لقيمتها، حيث لا يوجد منها فى العالم سوى نسخة واحدة فقط هى التى أهديناها للمكتبة.

■ المستشارة هايدى، بالعودة إلى ما تجمعونه، هل تركزون فقط على جمع الخرائط؟

ـ بالطبع لا، فنحن لدينا خرائط ووثائق، لكن بالنسبة للوثائق فنوظفها لخدمة العمل الوطنى ونضعها فى المكتبة ليستفيد منها الجميع.

■ هل فكرتم فى تسويق هذه الخرائط بين الدول، خاصة أن بعضها يمكن استغلاله أو توظيفه سياسياً؟

ـ السفير «القاضى»: هذا المبدأ مرفوض تماماً، فلا يعنينا أن يستفيد طرف على حساب الآخر، ولا يهمنى أن أستفيد أنا منها مادياً، لكن يعنينى أن تكون فى مكانها الصحيح، لأننا، كفريق بحثى، لا نهدف إلى تصنيفها سياسياً ولكن نتركها أمام الباحثين فى المكتبة، والذين بدورهم يضعون التحليلات والتصنيفات لها، لأن تصنيف الخريطة لخدمة طرف على حساب آخر ليس قضيتى.

المستشارة هايدى: أتفق تماماً مع ما قاله سيادة السفير، فنحن نوظف الخرائط والوثائق طبقا لأهميتها وزمنها، ولكن لا نصنفها سياسيا لخدمة طرف على حساب الآخر.

■ هل هناك أسس محددة تسيران عليها فى جمع الوثائق؟

ـ السفير: زوجتى بدأت فى هذا المجال كهاوية، ثم تحولت إلى الاحتراف وساهمت فى أعمال داخل مصر وخارجها، والشىء نفسه بالنسبة لى فقد دخلت هذا المجال كهاو، وبالتالى لا توجد قواعد ثابتة، ولكن أى عمل يكون خاصا بمصر يجب أن نهديه لها بدافع وطنى، أما ما يتعلق بأى شىء خارج مصر نعطية للمكتبة بدون تصنيف لأن مصر لها علاقات دبلوماسية متعددة وجيدة مع عدد كبير من الدول.

■ إذا طلبت منكما إحدى الجهات وثائق أو خرائط.. هل تقدمان لها نسخا أصلية أم صوراً؟

ـ السفير: أتيحت لنا دعوة رسمية من مكتبة الكونجرس الأمريكية وأهديناها بعض المقتنيات بعد أن فوجئنا بأن أقدم خريطة فى الولايات المتحدة منذ عام ١٦٥٣، فى حين كنا نملك خريطة للبلاد قبل ذلك التاريخ بأكثر من ١٠٠ عام، وأهدينا لهم هذه الخريطة فنحن نضع كل خريطة فى المكان المناسب لها فإذا كانت تخص الولايات المتحدة فيجب أن نعطيها لها.

■ شملت إهداءاتكما لمكتبة الإسكندرية مجموعة من «أطلس» كانت مقررة على المدارس فى القرن الماضى، فهل كان التعليم فى هذه الفترة يركز على البعد الأفريقى والنيلى، أم كان يقترب من دول البحر المتوسط؟

ـ السفير: من خلال هذه الأطالس نستطيع التيقن من أن الثقافة المصرية فى هذا التوقيت كانت ثقافة نيلية ممتدة لأفريقيا، ثم عربية وكونية منفتحة على العالم، وبدءاً من عام ١٩١١ بدأنا فى إنتاج أول أطلس من وزارة المعارف وقبلها كانت تأتى من لندن، وكان أول أطلس مصرى هو «خرط الدنيا» وظهر به الاهتمام بتعليم الطفل فى المرحلة الابتدائية ما هى دول المنبع ودول المصب ومسار نهر النيل، وهناك ٩ أطالس مصرية تعود لحكم الملك فؤاد الأول، وكلها الآن متاحة فى المكتبة.

■ لماذا تختصان مكتبة الإسكندرية بالتحديد بهذه الإهداءات؟

ـ المستشارة هايدى: لا نحن لا نختص مكتبة الإسكندرية وحدها، فقد أهدينا من قبل دار الكتب والوثائق نسخة نادرة من «مزامير داوود» وعدد من الجهات الأخرى لكن المكتبة لها أهمية كبيرة، خاصة أننى أطمح فى أن تأتى الوفود إلى المكتبة من دول العالم لتعرف تاريخها وتوثقه، وأرغب فى أن تعود المكتبة إلى سابق عهدها وتصبح المكتبة الأولى على مستوى العالم وهى مهمة كل من يمتلك وثيقة أو مخطوطاً مهماً ونادراً، فإذا كان بناء المكتبة مشروعا قوميا، فإن الإيداع بها أيضا وتقديم الإهداءات إليها هدف قومى وواجب علينا، كما أن المكتبة هى المكان الطبيعى للمخطوطات والوثائق، لما بها من اهتمام وأساليب حفظ جيدة.

■ سيادة السفير، ألا ترى أن هناك صعوبة فى الجمع بين العمل فى السلك الدبلوماسى وبين احتراف جمع الوثائق؟

ـ مسألة جمع الوثائق والخرائط تقوم بها المستشارة هايدى بشكل أكبر، خاصة أنها على اتصال بصالات المزادات العالمية، وعندما نحصل على خريطة أو مخطوطة جديدة نبدأ فى عمل تحقيق وتقصٍ حولها، للتأكد من أنها نادرة وصحيحة ونتأكد من عمرها الزمنى وبعدها نصنفها ونقرر لمن سنعطيها.

■ كيف تتعاملان مع عامل الوقت؟

ـ السفير: أحيانا يستغرق الحصول على بعض المخطوطات والخرائط سنوات، لكن إحساسنا بأنها تمثل قيمة وفائدة قومية لمصر يدفعنا للاستمرار والبحث عن الجديد.

■ هل اكتسب أحدكما حب جمع الوثائق من الآخر، أم أن هذه الهواية هى التى كانت سببا فى زواجكما؟

ـ المستشارة: عندما تزوجنا كنت أمتلك ٣٥ مخزنا للوثائق والخرائط، كلها موظفة لخدمة مصر، والسفير كان مهتما أيضا بهذا المجال ومكتبه ملىء بالخرائط، بإلاضافة إلى أننا عضوان فى الجمعية المصرية الجغرافية وبعدها بدأنا ننتج كتباً ومؤلفات خاصة بنا لتحليل هذه الأعمال، لكن الذى جمعنا هو التاريخ والقانون والجغرافيا، وهو ما ساعدنا فى عملية الشراء كثيراً وتحديد وتصنيف الخرائط ومن سيحتاجها.

■ إذا شعرتما بأن ظهور وثيقة أو خريطة تمتلكانها سيؤدى إلى ظهور مشكلة بين بلدين، فكيف تتعاملان مع هذه المواقف؟

ـ السفير: المفترض أن ظهور الوثائق والمستندات يساعد فى حل القضايا والمشكلات، ولا يخلقها أو يزيدها تعقيدا، وإذا لم توجد الخريطة حلاً لإحدى المشكلات المثارة فلا أشتريها أو أحاول اقتناءها.

■ الوثائق والمستندات التى أهديتمانها إلى المكتبة شملت وثائق تتعلق بدول حوض النيل، فهل هناك ما يخدم مصر فى هذه القضية؟

ـ المستشارة هايدى: نعم بها ما يخدم مصر، فقصة حوض النيل أننا وقعنا فى ١٥ مايو عام ١٩٠٢ اتفاقية حدود مع الملك مينليك، ملك الحبشة، وليست اتفاقية مياه، وكانت بريطانيا وإيطاليا هما الضامنتان لهذا الاتفاق، الذى تم على إثره منح إثيوبيا أرضاً مصرية لتدشين خط سكة حديد بين إثيوبيا وأوغندا، ووقع ملك إثيوبيا فى البند الثانى من الاتفاقية على تعهد بألا يسمح بإقامة أى مشروع من شأنه الإضرار بحصة مصر فى المياه دون الرجوع إلى الحكومة المصرية.

■ إذن فهذا الاتفاق يختلف عن اتفاقية ١٩٢٩؟

ـ نعم، ففى عام ١٩٢٩ لم تكن هناك اتفاقية بمعنى اتفاقية وفق محادثات محمد محمود باشا وهندرسون، وإنما كانت عبارة عن مخاطبات متبادلة بين الطرفين توثق وتعضد اتفاقية ١٩٠٢، وهو ما تم التأكيد عليه أيضاً عام ١٩٥٩.

■ ماذا تعنين بأن اتفاقية ١٩٠٢ هى اتفاق حدود وليس اتفاق مياه؟

ـ المعروف أن اتفاقات الحدود لا يجوز تغييرها بالتقادم، ولأن هذه الاتفاقية ليست اتفاقية مياه، وإنما اتفاقية حدود فلا يجوز تعديلها وإلا تعدلت الحدود معها، وهو ما لن يحدث على الإطلاق، خاصة أن الاتحاد الأفريقى أقر مبدأ خاصاً باحترام الدول للحدود الموروثة عن الاستعمار لضمان استقرار القارة.

■ وما الوثائق التى تؤكد هذا الشأن؟

ـ وفق الأرشيف البريطانى الاتفاقية الموجودة، التى تنظم عملية حصص المياه، هى اتفاقية حدود لا يجوز تعديلها، ومصر مارست أعمال سيادة كاملة على حصتها فى المياه، من خلال مشروع الخزان الكبير لحامد سليمان فى أوغندا عام ١٩٥٤، والتى لم تعترض وقتها، وقالت إن حق مصر معترف به لكنها تخشى أن يؤثر الخزان على أراض موجودة بها، واستعاضوا عنها بخزان آخر، بالإضافة إلى وجود عدة مشاريع أقامتها مصر بصفة مطلقة بعد اتفاقية ١٩٠٢ فى إثيوبيا، ولكن فترة الاستعمار الإيطالى أوقفت هذه المشاريع ولم يعترض أحد عليها.

■ هل هذا الكلام موثق أو مثبت؟

ـ المستشارة هايدى: نعم مثبت فى كتاب قمت بتأليفه، ولكنه غير منشور ويحوى مستندات ووثائق وصورة أصلية من اتفاقية ١٩٠٢ لكن الكتاب غير متداول.

■ لماذا يقال إن هذه الاتفاقات استعمارية؟

ـ لأن الدول الأفريقية تعتبرها اتفاقية مياه، فى حين أنها اتفاقية حدود فى المقام الأول وأطلس خرط الدنيا عام ١٩١١، حدد الاتفاقيات التى حكمت جنوب السودان بجيرانه وكان من بينها اتفاقية مايو ١٩٠٢.

■ هل هذا الأطلس موجود فى المكتبة الآن؟

ـ لا لكنهم اطلعوا عليه، رغم أننا لم نقدمه ضمن الإهداءات الحالية.

■ معالى السفير، قدمتم خرائط أصلية عن الألغام الموجود فى مصر.. فهل تساعد هذه الخرائط فى إزالتها؟

ـ المشكلة الآن أصبحت فى وسائل التفجير وليست فى مكان الألغام، فاللغم الواحد تتم زراعته بـ٢٠ دولاراً فقط، فى حين تتم إزالته وتطهيره بـ٢٠٠ دولار.

■ لماذا لا تتقدمان كفريق بحثى جامع للوثائق بمبادرة لحل المشكلات المصرية، بما يفيد الأمن القومى من خلال توظيف هذه الخرائط؟

ـ السفير: لا، فنحن لم نذهب إلى المكتبة من أجل توظيف هذه الخرائط، ولكننا ذهبنا بصفتنا الشخصية وليس الوظيفية، والحكومة أصبح لديها الآن صورة واضحة من الوضع، ومصر قادرة على حماية أمنها المائى، والتناول الإعلامى يجب أن يراعى الهدوء والموضوعية والمصلحة القومية، فالقضية تحتاج للتعاون والحوار أكثر من أى شىء، ونهر النيل شأنه كشأن نهر عظيم يجب أن تحكمه التفاصيل العديدة، وبالتالى الحوار يجب أن يحقق المنافع لكل الأطراف ولا يستبعد طرفاً على حساب آخر، وأيضاً يجب أن نعلم أن الجغرافيا نفسها تحكم عملية سريان المياه، فالنهر يسير بانحدار ٢٥ درجة تجاه مصر ولا يستطيع أحد حجزه، لأنه بهذا يعرض نفسه للغرق، لكنهم يبحثون عن مشروعات للطاقة، فلماذا لا نساعدهم ونساندهم فى هذا، وبهذه المناسبة أعجبنى بشدة الملف التى قامت «المصرى اليوم» بنشره حول مياه نهر النيل فى عيدها السنوى.

■ ما الذى استوقفكما فى هذا الملف؟

ـ أنه رسم صورة بانورامية عن الوضع من زوايا جديدة وعديدة، بداية من رجل الشارع البسيط إلى المسؤول المختص، لكنى فى النهاية أؤكد أن موقف مصر قوى وفق الوثائق والقانون والتاريخ.

■ لكن ألا تحاولان الاستفادة من هذه الخرائط مادياً، بما يحقق لكما الاستمرارية فى جميع الوثائق ويكون عائدا مناسباً؟

ـ المستشارة هايدى: العائد هو الراحة النفسية وأن يعرف الناس تاريخها، فالقرآن الكريم إذا ما أغفلته تكون قد ارتكبت وزراً والشىء نفسه بالنسبة للوثيقة أو الخريطة.

■ أخيراً بالنسبة لأماكن شراء هذه الوثائق، هل هو معلوم أم تعتبرونه مصدراً سرياً؟

ـ المستشارة ضاحكة: لا هى مصادر سرية لا يمكننى الكشف عنها.

حوار أشرف جمال ومحمد أبوالعينين - Almasry Alyoum

No comments: