صحوت مع إشراقة الصبح على صوت ينادينى باسمى غير المكتوب، لا يعرفه أحد من الإنس أو الجن، منذ الطفولة لم أؤمن بوجود «الجن»، فى المدرسة كان المدرسون يؤمنون بوجودهم ذكوراً وإناثاً، فى البيت لم يكن أحد يؤمن بهم، حتى جدتى الفلاحة، لم تذهب أبداً إلى المدرسة، كانت تقول الجن هم العفاريت أولاد حواء وآدم، أمى قالت الجن والعفاريت من اختراع الحكومة واللصوص، أبى قال ورد ذكرهم فى كتب دينية لكن ليس كل ما يخرج من المطبعة حقيقياً، وكيف أعرف الحقيقة يا أبى؟، ليس من المدرسة يا ابنتى، المدرسون سبب البلاء فى البلاد، لا يشوه العقل مثل التعليم فى مدارسنا.
هذا كلام أبى فى الأربعينيات من القرن العشرين، وكان رائدا من رواد التعليم، حاول إصلاحه دون جدوى، لم ينل إلا النفى والردع من وزارة المعارف العمومية، كان أبى يسميها وزارة المقارف العمومية، ويضيف أبى: منذ العصور العبودية كانت الحكومات على التوالى تلغى العقل المصرى بثلاث قوى: البوليس، التعليم، التربية، أصبحت أسمع ما يقوله المدرسون بأذن ثم أطرده من الأذن الأخرى، من مقولاتهم الأساسية: أن الله خلق عقل المرأة ناقصا، تخوف أبى أن أفقد ثقتى فى عقلى وقال لى: عقل المدرسين ناقص وليس عقل المرأة.. يشرح أبى كل شىء لى ولأخى بصوت هادئ، لا يزجرنا، لم يضربنا،
فى المدرسة كان للمدرسين صوت خشن، فى أيديهم العصا، يضربون التلاميذ على أصابع أيديهم وأقدامهم، أخى ضربوه أيضاً.. كنت أشرح لأخى جدول الضرب ومسائل الجبر والهندسة، وأساعده فى الإجابة عن الأسئلة الصعبة، مهما تفوقت لم يؤمن المدرسون بأن عقلى أذكى من أخى، أو على الأقل لا ينقص عنه شيئاً،
بل كانوا يرددون هذه العبارة دائما «الرجل عقله أكبر من المرأة ويحق له تأديبها بالضرب»، أطاع أخى الأكبر المدرسين، أمسك العصا، ضربنى مرة واحدة فى عمره، لم يكررها، لم يستطع أحد أن يضربنى، كنت أمتلك عصا سحرية تشبه عصا موسى، تبتلع أفاعى السحرة فى قصر فرعون، هكذا تخيلت فى طفولتى، السحر لا يغلبه إلا سحر أشد منه، من لم يضربه أبوه والمدرسون يعجز الكون عن ضربه، بعض الزملاء والزميلات الحاسدات قالوا عنى إننى ساحرة.. الحكيمات الذكيات اللاتى عرفن مبادئ علم الطب فى العصور الوسطى، تم حرقهن فى أوروبا، بتهمة السحر، والخروج عن دائرة الدين، لعدم إيمانهن بأن ماء الكنيسة المقدس يشفى الأمراض،
كشفت الحكيمات «الساحرات الشريرات» كذب الكهنة، «مندوبو الله على الأرض».. ذلك اليوم من عام ١٩٤٤، شددت العصا من يد أخى الأكبر قبل أن تسقط فوقى، كانت يدى أقوى من يده، مارست رياضتى الكرة وألعاب القوى، وعلم الرياضات الجبر والهندسة، هو يفضل النوم، الكسل للذكور كان مشروعا لأن الله ميزهم على البنات، ضربت أخى الأكبر حتى بكى واستنجد بأبى، حين خذله أبى استنجد بالله، حين خذله الله استنجد بأمى، كانت تشفق عليه بحكم غريزة الأمومة الموروثة منذ العبودية.
لم تتحول الأمومة عند أمى إلى تمييز الولد عن البنت، بسبب تأثير أبى عليها، وليس أبيها، جدى شكرى بيه، كان يصلى ويشرب الخمر ويخون زوجته (جدتى آمنة)، ماتت جدتى من الحزن، بعد أن ذاب سواد عينيها فى البياض، من طول البكاء.
لم تكن الذكورة عند أبى ميزة، لم تكن الأمومة عند أمى تعنى قبول الظلم، كان أبى يحترم أمى، يتناقشان معا فى كل شىء، يأخذان بالرأى الأصوب. عمى الشيخ محمد، الأستاذ بالأزهر، الأخ الأكبر لأبى كان يؤنب أبى فى غضب، ويقول له: أتسمع كلام مراتك وتخالف أمر الله؟
رفض عمى دخول ابنته فوزية الجامعة لأن الله حرم اختلاط الجنسين، وتزوج عمى أكثر من زوجة، لأن الله أباح تعدد الزوجات، أبى أدخلنى كلية الطب مع الرجال، وأخلص أبى طول عمره لأمى، لم ينظر إلى امرأة أخرى، أيهما أطاع الله: أبى أم عمى؟
ذلك الصباح الأحد ٢١ مارس ٢٠١٠ أفقت من النوم على صوت عصفورة تغرد اسمى: ماما نوال، ماما نوال، اصحى النهارده عيد الأم كل سنة وانتى طيبة.
ما رأيك نبدأ الحوارات يا أمى بمناسبة عيد الأم؟ أول سؤال:
ما رأيك فى الأمومة؟ هل يجب على كل امرأة أن تكون أما؟
التربية فى البيوت والمدارس تعتبر الأمومة ضرورية لتكون المرأة كاملة الأنوثة والشخصية، لكن المرأة يمكن أن تكون كاملة الشخصية والأنوثة دون أن تحمل أو تلد، الأبوة تعتبر غير ضرورية للرجل ليكون كامل الرجولة والشخصية، الرجل كامل دون حاجة إلى زوجة أو أطفال أو أسرة، يتمتع الرجل الفرد بكل حقوقه كإنسان فرد، لكن المرأة الفرد لا يحق لها أن تكون إنسانة كاملة دون نسبها للآخرين، للزوج، للأطفال، للأسرة.
منى: لذلك تسعى المرأة للزواج بأى ثمن، وتسعى للأمومة بأى ثمن، قد تضيع المرأة حياتها مع زوج فاسد دون أن تملك الشجاعة لتواجه كلمة الطلاق، وقد تدفعها الأمومة إلى قبول الهوان والظلم لتظل بجوار أطفالها، يستغل كثير من الرجال أمومة المرأة لسلبها حقوقها.
نوال: الأمومة التى تتربى عليها البنات أمومة متضخمة مريضة، فى حاجة إلى علاج، لإنقاذ الأمهات والأطفال (والآباء أيضاً) من حياة أسرية مريضة لا تعرف السعادة، لماذا يفشل الزواج فى تحقيق السعادة للنساء والرجال والأطفال؟
منى: وما هى السعادة؟
نوال: قبل أن نتكلم عما هى السعادة أود أن أسألك هل هناك أمومة طبيعية غير متضخمة؟
منى: هناك نساء من جيلى تحررن من عبودية الأمومة (أعنى الأمومة البيولوجية)، أنا مثلا لم أقابل حتى اليوم الرجل الذى يصلح لأن أتزوجه، ولم أنجب أطفالا، لكنى سعيدة فى حياتى، ومشاعرى الإنسانية تكفى لإغراق الكون بالحب.
نوال: ثلاثة ملايين طفل وطفلة يعيشون فى الشوارع، دون رعاية فما بال الحب؟ الأمومة والأبوة البيولوجية تفتقدان الإنسانية، الحيوانات تحب أطفالها أيضاً، فهل يختلف الإنسان عن الحيوان فى هذا؟ الأب لا يحب ولا يرعى طفلا لم يلده من صلبه، الأم لا ترعى ولا تحب طفلا لم يخرج من رحمها، هل هذه هى الإنسانية أم الحيوانية، أم الأنانية؟؟
للحديث بقية.
No comments:
Post a Comment