أحمد الدسوقي- مصراوي - الانتحار حرام هكذا تنص كافة الاديان الدينية وعندما يهدد احد اهله او اصدقائه بالانتحار؟ يكون الجواب الطبيعي الوافي "عايز تموت كافر وتخسر اخرتك".
اجابة رادعة تعيد الصواب الي صاحب التهديد وتجعله يراجع نفسه ويعود الي رشده من جديد فذا كان تعيسا في دنياه فلماذا يحصد التعاسة في اخرته.
ظاهرة الانتحار لم تعد حالة فردية او قصة عاشق ولهان رفض اهل محبوبته ارتباطه بها فقرر اتباع قصص العشاق القدامي وأقدم علي الانتحار كي يذكره التاريخ ويخلد قصة حبه وهو ما ثبت زيفه بعد ذلك لانه لا يذكر الا تندرا او من قبيل السخرية وقلة العقل.
الانتحار الان اصبح منهج وأقرب الوسائل واسهلها للتخلص من المشاكل فبدلا من معاناة الاكتئاب او الفشل في الحصول على فرصة عمل او تعويض الخسائر المالية أو فقدان الوظيفة او الهروب من النكد الزوجي أصبح من السهل ان تتناول مبيدا حشريا او سم الفئران ولو كنت صلبا فعليك باختبار قوة مترو الانفاق وقضبانه الحديدية ام اذا كنت تقليديا فاستخدم الطريقة العشماوية او اذهب الي كباري النيل وما اكثرها في مصرنا.
ارقام مخيفة
الارقام التي أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء مفزعة ومقلقة ومزعجة ولك ان تطلق عليها من الالفاظ والمفردات ما تشاء يكفي أن أقول لك ان هناك 104 الف محاولة انتحار بين بنات وشباب مصر خلال عام وأغلبهم من الشباب في المرحلة العمرية من 15 إلي 25 عامًا بنسبة تقدر بـ66.6%.
والمفزع حقاً في هذه الاحصائية ان هذا الشباب وهذه الأعمار ليس من المفترض علي الإطلاق أن يتجه تفكيرهم لإنهاء حياتهم بل علي العكس يجب أن يتجه الي كيفية تكوين مستقبلهم وهناك 11 ألف حالة في مركز السموم انقسموا ما بين 8500 إنثي "بنات وسيدات" و2500 شاب من سكان القاهرة والجيزة نقلوا الى مركز السموم بمستشفى الدمرداش مصابون بحالات التسمم الحاد أثر محاولتهم الانتحار بالمبيدات الحشرية أو المواد المخدرة خلال 12 شهرا.
وهناك 43 الف شخص ذكور وإناث من مختلف الاعمار بمختلف المحافظات في الريف والحضر حاولوا الانتحار بمختلف الوسائل وهناك 54 الفاً اجمالى من حاولوا الانتحار خلال الفترة من يونيو 2008 الى يونيو 2009 تمكن 4 الاف منهم من الانتحار ولفظوا آخر انفاسهم سواء قبل أو بعد اسعافهم بينما تدخل القدر في انقاذ 50 الفا ممن اقدموا على الانتحار.
ومما يؤكد تعاظم وانتشار الظاهرة انه منذ أربع سنوات فقط وتحديداً عام 2005 شهدت مصر 1160 حالة انتحار الا انه ارتفع إلى 2355 في 2006، ثم واصل ارتفاعه إلي 3700 حالة في 2007، ليصل الى 4200 في 2008 ثم يكسر حاجز الخمسة آلاف
منتحر في عام 2009 بمتوسط 14 حالة انتحار في مصر يومياً لنقارب أعلي معدلات الانتحار عالمياً والتي تحتكرها الدول الإسكندنافية ولكن الفارق أنهم هناك ينتحرون جراء الرفاهية المطلقة ونحن ننتحر هنا جراء الفقر المدقع والبطالة والغلاء الفاحش.
هذه الأرقام المخيفة كشفت عنها دراسة صادرة من مركز المعلومات بمجلس الوزراء ضمن عدة دراسات عن جرائم الانتحار في مصر وأسبابها ومسبباتها.
شملت الدراسة الأدوات المستخدمة في محاولات الانتحار منها المبيدات الحشرية أو الأدوية والاقراص المخدرة واكدت ان 66 الفا من الفتيات والشباب الذين حاولوا الانتحار استخدموا هذه المواد كما ان 98% من المنتحرين يعانون امراضا نفسية او عضوية، في حين ان 2% منهم لا يعانون اي مرض وقد انتحروا مختارين.
النساء في المقدمة
وتشير التقارير الي أن محاولات الانتحار بين النساء اكثر منها بين الرجال، وفي الشباب "بنين وبنات" اكثر من الكبار كما ان محاولات النساء دائما ما تتسم بعدم الجدية، حيث يستخدمون وسائل ضعيفة مثل العقاقير والآلات الحادة البسيطة وعادة ما يطلقون رسالة انذار اما الرجال فهم اكثر جدية من النساء عند الانتحار فهم يستخدمون الآلات والادوات الحادة مثل المسدس والمطواة وغيرهما، وعادة فإن الرجال لا يفصحون عن رغبتهم في الانتحار كما ان المستوي الثقافي والعوامل الاقتصادية والدينية تلعب دورا كبيرا في تحديد نسبة المنتحرين ويعد عامل الدين اقوى العوامل في تقليل اعداد المنتحرين.
كما كشف تقرير صادر من مؤسسة ملتقي الحوار للتنمية وحقوق الانسان ان ربات البيوت الاكثر في محاولات الانتحار وان اسباب الاقدام على الانتحار الخلافات الزوجية والظروف المادية للاسرة والفقر وحاجة البيوت.
واضاف التقرير ان اسباب انتحار الرجال هو الفقر والحاجة للمال والبطالة عن العمل او تعاطي المخدرات التي تذهب بالعقول.
ويؤكد احمد علام رئيس جمعية الرسالة لمساعدة المكتئبين والراغبين في الانتحار، ان المركز يتلقي العديد من الاتصالات اصحابها من الجنسين ومن اعمار مختلفة وكلهم يشعرون بالازمة.
ويقول: عدد الذين يتصلون بنا يوميًا 20 شابا، علي الرغم من أن الخط الساخن لا يعمل سوي خمس ساعات يوميا و70% من هذه المكالمات من الشباب و30% منهم من الفتيات.
ويشير احمد علام الي ان اسباب الاكتئاب والسعي للانتحار تتفاوت فما بين 60% منهم يعانون من البطالة علي الرغم من انهم اصحاب مؤهلات عليا، و30% منهم يعانون من الكبت العاطفي، و10% مشاكل اسرية، كما ان بعضهم يعملون في وظائف ولكن دخولهم لا تكفي لمواجهة ارتفاع الاسعار.
ويوضح علام ان الاصغر سنًا اكثر تهديدا بالانتحار، ولكن الاكبر سنًا اكثر تنفيذا له، في حين نجد النساء اكثر تهديدا، والرجال الاكثر تنفيذا ويقدر عدد الرجال المنتحرين بضعف عدد النساء تقريبا، بالاضافة الي ان المتزوجين اقل انتحارا من غير المتزوجين.
كما ان الحالة الصحية والجسمانية لها علاقة مباشرة بالاكتئاب والانتحار فالمرضي والمصابون بأمراض مستعصية كالإيدز والسرطان اكثر اقبالا علي الانتحار وتتراوح نسبتهم بين 15 و18% اما مرضي انفصام الشخصية "الشيزوفرينيا" 10% والمدمنون 15%.
قصص مأساوية
وراء كل حادث انتحار قصة مثيرة وحكاية يستطيع ان سيناريست أن يحولها الي قصة سينمائية أو تليفزيونية تحكي قسوة ظروف أو معاناة حقيقية مجتمعية تجعلنا نتساءل هل هؤلاء المنتحرون جناة أم مجني عليهم وهل جريمتهم التي ارتكبوها في المقام الاول بحق انفسهم تستحق التعاطف معهم والشفقة عليهم والترحم علي ارواحهم ام اننا سنحرمنهم منها كما حرموا منها خلال حياتهم.
اقرأ بتمهل ولا تكتفي بالامتعاض ومصمة الشفاه وفكر في حل ينقذنا من دوامة الانتحار الجامحة التي اقتلعت تقاليدنا وعاداتنا وثوابتنا الدينية الراسخة.
شهد كوبري قصر النيل الأسبوع الماضي حادث مأساوي غريب من نوعه حيث قام شاب مصر (31 سنة) بشنق نفسه ، حيث ربط رقبته بحبل وقفز من أعلى الكوبري فلقي مصرعه فى الحال .
وكشفت التحقيقات أن الشاب المنتحر متزوج من سيدة منذ 12 عاما ويعيش معها فى منطقة فيصل، وتعرف الشاب المنتحر على فتاة تدعى منى وأحبها حباً شديداً، وعندما تقدم إلى خطبتها من أسرتها فوجئ برفضهم له، فأصيب بعدها بحالة نفسية سيئة واكتئاب وقرر الانتحار والتخلص من حياته إلى الأبد.
وبعد هذه الحادثة المؤسفة بيومين فقط تمكنت شرطة المسطحات المائية بالجيزة من إنقاذ شاب (23 سنة) ألقى بنفسه من أعلى كوبرى بالجيزة فى النيل بعد أن أغفل الشاب 2 من أصدقاءه كانا يسيران معه لمحاولة إخراجه من الحالة النفسية التى كان يمر بها.
وتبين من التحريات أن المجنى عليه مرتبط بقصة حب مع فتاة (20 سنة) تعيش معه بنفس الشارع وذلك منذ فترة وعندما تقدم لخطبتها من أسرتها رفضوا لفقره وعدم قدرتة على توفير متطلبات الزواج لأبنتهم .
وبعد فترة علم الشاب بأن أحد الاشخاص تقدم للزواج منها ووافقت الاسرة .. فأصيب بأزمة نفسية وحالة إكتئاب شديدة فقرر الانتحار.
كما انتحر شاب فى العقد الثانى من عمره يعمل نقاشاً، حيث ألقى بنفسه من أعلى سطح العمارة التى يسكن بها فى مدينة بنى سويف الجديدة شرق النيل لفشله فى تدبير واستكمال الزواج ومروره بضائقة مالية قبل عيد الأضحى.
تبين من تحقيقات المباحث أن المنتحر حاول الانتحار والتخلص من حياته من قبل لفشله فى تدبير نفقات الزواج، وأنه كان من المقرر أن ينهى إجراءات الزواج فى العيد وأنه يمر بضائقة مالية.
وشرع شاب حاصل على ليسانس آداب منذ عام 1998 ويعمل "حدادا مسلحا" بالانتحار بعد أن مزق شرايين يده اليمنى بسبب فشله فى الحصول على فرصة عمل ومروره بضائقة مالية.
وفي بورسعيد تخلص شاب من حياته بالانتحار فى حديقة عامة وتبين من التحريات ان المنتحر كان مصابا بالفشل الكلوي وانه طلب من احد اصدقائه ايجاد فرصة عمل له وقد باستدانة 5 جنيهات من اجل شراء عشاء ثم توجه الي احدي الحدائق العامة ثم أخذ يتحدث إلى نفسه بصوت مرتفع، وأخرج من طيات ملابسه "شفرة حلاقة" وبدأ فى تقطيع ذراعه اليسرى ثم سقط مضرجاً فى دمائه.
وتخلص موظف بالبريد من حياته ألقى نفسه من الطابق الرابع لمروره بأزمة مالية، ومحاولته الانتحار أكثر من مرة، وأنقذه الأهالى تم نقل الجثة إلى المستشفى التي وأخطرت النيابة فتولت التحقيق وصرحت بالدفن بعد عرضها على الطب الشرعى.
وبسبب فقر الحال والعجز عن تلبية مطالب الأبناء فى العيد، تخلص أب فى المنصورة من حياته ليلة العيد بإلقاء نفسه فى أعماق النيل ليلقى حتفه غرقاً وأوضحت التحريات أنه كان يعانى ضائقة مالية، ورفض والده مساعدته، وأنه عاد قبل 10 أيام من إيطاليا بعد سنوات من الاغتراب أصيب خلالها فى حادث طريق أعجزه عن العمل.
وأوضحت زوجته أمام النيابة أنه كان يسافر لإيطاليا منذ 7 سنوات، وعندما اقترب العيد طلب من والده مساعدته لشراء ملابس واحتياجات العيد لأولاده، إلا أن والده رفض مساعدته.
وأضافت وهى تبكى: "عجز زوجى عن شراء احتياجات الأولاد، ويوم العيد تشاجر مع والده وأخبرنا بأنه سينتحر.. وخرج لينفذ تهديده بالفعل".
بينما سكبت ربة منزل فى بنى سويف "الكيروسين" على جسدها، وأشعلت فيه النيران حتى فارقت الحياة وأكدت التحريات أنها متزوجة وأنجبت ولدين، وارتبط زوجها بزوجة أخرى وتركها وولديه تطاردهم الديون، وأنها عجزت عن تدبير مصاريف العيد، فأغرقت ملابسها بالكيروسين وأشعلت النار فى نفسها.
وامام قسم شرطة قليوب بمحافظة القليوبية، فوجئ المارة بأحد عساكر القسم يصرخ بكلمات يعبر من خلالها عن حالة غريبة من الكبت والألم، ثم اخرج مشرطا وراح يقطع جسده، بينما حاول المارة التدخل لمنعه من الانتحار، الا انه قاومهم وهددهم بالقتل اذا لم يبتعدوا ثم أخرج مسدسًا وأطلق رصاصتين علي رأسه، ليخرّ علي الارض جثة هامدة.
وفى محافظة 6 أكتوبر، حاولت ربة منزل التخلص من حياتها، وتناولت مبيداً حشرياً أصيبت على إثره بحالة تسمم ونقلت فى حالة سيئة للعلاج وأفادت التحريات بأن مشاجرة نشبت بين ربة المنزل وزوجها بسبب مصروفات البيت، فاعتدى عليها بالضرب، وأصابها بكدمات وجروح، قبل أن تهرب من المنزل، وتحاول الانتحار بتناول المبيد الحشرى.
ولا ننسي مذبحة النزهة الشهيرة عندما أمسك رجل أعمال بطبنجة وأمطر زوجته وابنه وابنته بالرصاص ثم انهى حياته بطلقة فى الرأس كشفت التحريات ان رجل الاعمال مر بضائقة مادية ادت الي اصابته بالتوتر ولجأ الي السهر خارج المنزل وشرب المواد الكحولية والمواد المخدرة والإقامة فى الفنادق وترك أسرته لأسابيع وتدخل والد الزوجة وحاول ان يتحدث مع الزوج،وكان يتعلل الزوج دائما بانه يمر بحالة نفسية سيئة لخسارته أموالا فى العديد من المشروعات التجارية.
توجه والد الزوجة إلى الزوج فى مصنعه بمنطقة شبرا وعرض عليه مساعدته ولكنه رفض، واكد له انه حصل على ميراث من والده.
وبعد أيام علم والد الزوجة ان الزوج خسر أموال الميراث أيضا وفي اليوم الاخير في حياة افراد الاسرة ففى الصباح عاد الأب بعد فترة غياب كان يقضيها فى الفنادق.
صعد إلى شقته بعد أن ألقى السلام على البواب وزوجته، دقائق قليلة وسمعت زوجة البواب أصوات صواريخ - هكذا قالت زوجة البواب - تصدر من اعلى العمارة، اعتقدت أن أطفالا يلهون خلف العمارة ، صعدت إلى اعلى ولكنها لم تكتشف شيئا، واثناء مرورها أمام باب شقة الأسرة سمعت صوت التليفزيون عاليا وأصواتا أخرى لهواتف محمولة ترن بالداخل، لم تطرق باب الشقة نزلت إلى أسفل.
وفى الثانية عشرة ظهرا صعدت مرة أخرى وطرقت الباب لتنظيف الشقة كما كان الاتفاق مع ربة المنزل ولم يجب أحد صوت التليفزيون والهواتف ما زال عاليا.
وفى المنزل المقابل يبدو أن والد الزوجة هو الذى كان يتصل على الهاتف ولم يجبه أحد مرات عديدة حاول الأب الاطمئنان على ابنته وأسرتها كعادته فى كل صباح.
وفى العاشرة مساء تسلل القلق إلى قلب الأب وتوجه إلى منزل ابنته وجد صوت التليفزيون مرتفعا ولم يجبه أحد.
استدعى الأب ابنه ومعه البواب وزوجته كسروا الباب ليكتشفوا المذبحة، وجدوا الابنة ملقاة على سريرها ومصابة بطلقات نارية والابن والام وزوجها فى الغرفة الثانية مصابون أيضا بطلقات نارية والدماء تسيل منهم.
لم يتحمل الأب المشهد سقط على الأرض، صرخات شقيق الزوجة والبواب وزوجته لم تتوقف تجمع الجيران والأقارب، وتحولت إلى العمارة صرخات عالية.
وفي المقالة القادمة سنكشف فيها خريطة الانتحار في مصر وآراء رجال الدين وخبراء علم النفس والاجتماع في كيفية التصدي لتلك الظاهرة الدخيلة على المجتمع المصري ؟
No comments:
Post a Comment