قدم بعض الإعلاميين والصحفيين فى الجزائر أمثلة عديدة فى الكذب والسباب خلال الأيام الماضية لمصر وللمصريين وللرئيس وأسرته.. واستخدموا منابرهم الإعلامية والصحفية فى توجيه أقذع الألفاظ والأوصاف للمصريين.. كل هذا ليس مهماً.. فهذا شأنهم.. ولكل إنسان أن يختار مايلائمه من أخلاق.
ولكن المهم أن كثيرا من إعلاميينا انزلقوا معهم فى مواجهات، ونزلوا لهذا المستوى المتدنى من الإعلام.. وقد فوجئت بمذيع رياضى مصرى فى قناة محترمة يصف سفير الجزائر بالقاهرة بأنه حقير، ويقول «اللى يجيب سيرة مصر أديله بالجزمة».. وآخر قال إن معظم عاهرات أوروبا جزائريات.. والمؤسف أن كثيرين من المذيعين انتهجوا نفس هذا المنهج.. وربما كان هناك تصور أن من يحاول أن يكون عاقلاً فى هذا الحدث، سيكون خائناً ومتراجعاً ومفرطاً.
والأيام الماضية فرضت علينا مجموعة من التساؤلات المهمة.. فمن هو المذيع؟ وما صلاحياته؟ وما حدود مسؤولياته؟ وهل يحق للمذيع أن يتكلم فى كل شىء وبأى شىء؟ وهل يحق له أن ينفعل لدرجه توجيه السب العلنى؟
كانت البرامج المسائية الكبرى فى المحطات الفضائية المصرية والتليفزيون المصرى قد وصلت لمستوى جيد من الحرفية، وتمكنت من جذب قطاع كبير من المشاهدين من مختلف الأطياف والأنواع.. بل إن البعض وصفها بأنها تحدد أجندة مصر السياسية.. وكانت الشكوى الوحيدة أنها تتشابه فى كثير من الأحيان فيما تقدمه..
ولكن مع الأزمة الأخيرة خرج كثير من هذه البرامج المسائية الكبرى والبرامج الرياضية المصرية من نطاق الإعلام المحترف لدائرة السباب والردح ، ووقعت فى أخطاء مهنية أخرجتها عن السياق المهنى، وفتحت فترات بثها للسب، ومنحت الحرية للجمهور كى يتواصل ويشتم، كما استضافت الفنانين والصحفيين والمطربين الشعبيين، الذين تعرضوا للمهانة بعد المباراة كى يستفيضوا فى شرح ماتعرضوا له بالسودان على أيدى المشجعين الجزائريين.. سوق حرة للكلام المفتوح والمزايدات.
وقد كان حريا بالمذيع المصرى أن يكون أكثر حصافة وتوازنا وهدوءاً.. فلكل برنامج هدف.. ولو اقتصرت المعالجات الإعلامية على الردح والصراخ والسباب، لما خرجنا بأى نتيجة، ولتحول الأمر برمته إلى مجرد ملء مساحات زمنية بكلام مكرر، وزيادة جرعات الشحن، لدرجة ربما لاتتحملها الجماهير ضد كل ما يمت بصلة للجزائر.. وفقط.. وربما حاول عدد قليل للغاية من المذيعين المحترفين البحث عن إجابة للسؤال الوحيد الذى يفرض نفسه علينا منذ بدء الأزمة دون جواب شافٍ كافٍ.. ماذا ستفعل الحكومة لاستعادة كرامة المصريين بعد كل هذا الشحن؟ وما الأدوات المتوفرة لديها؟ ولكن محاولات هؤلاء المذيعين القليلين كانت تنتهى بالفشل فى نهاية البرنامج.
لم يستطع أى برنامج أن يتوصل إلى الإجراءات الرسمية الممكنة على المستوى الأعلى من المستوى الكروى.. فالجزء الخاص بمباراة الكرة بين مصر والجزائر كان الجزء السهل، وقد حمل رئيس اتحاد الكرة المصرى ملفاً للاتحاد الدولى يتضمن شرحاً للموقف.. ولكن للقضية شقين أكثر أهمية.. الأول جنائى والآخر سياسى.. أما الجنائى فلم يتم تحرير سوى ٩ محاضر فقط فى كل أقسام الشرطة السودانية وكلها مقيدة ضد مجهول.. وأما السياسى فليس لدينا سيناريو واحد واضح للتعامل السياسى مع الحكومة الجزائرية لكيفية استرداد الكرامة المصرية، التى تبعثرت على أيدى بلطجية جزائريين..
لم يكن لدينا أى شىء واضح.. كل ما قيل كلام إنشائى ليس له معنى من قبيل أن كرامة المصرى فوق كل اعتبار، وأنه لابد من وقفة.. وأن ما حدث لن يمر مرور الكرام.. وربما حاولت الإعلامية منى الشاذلى طرح السؤال دون جدوى، ونوهت إلى أن الأمر سينتهى للاشىء.. وبالفعل فقد بدأت إجازة العيد، وهدأت الأمور قليلا.. وسنعود بعد الإجازة لعاداتنا القديمة.. وستعود البرامج لسابق عهدها قبل هجمات ١٨ نوفمبر ٢٠٠٩.. وسينسى الجميع ما حدث.
أستطيع القول إن الجزائر هزمت مصر ١/صفر سياسياً وإعلامياً تماماً كما هزمتها كروياً.. وإنها تمكنت من النيل من كرامة المصريين بعد أن صورها الإعلام المصرى بجناحيه الحكومى والخاص على أنها معركة تتعلق بالكرامة..
فطالما تعلق الأمر بالكرامة وجب أن يكون الرد سريعاً ورادعاً للحفاظ عليها.. ولكن الهزيمة مستمرة.. فبينما كنا نحن منشغلين بإظهار مأساة المشجعين المصريين «المتبهدلين»، وبينما كان الإعلام المصرى يواصل شحن المصريين فى داخل الحدود المصرية، كانت الجزائر تستأجر مساحات إعلانية ضد مصر على أتوبيسات لندن الشهيرة لتواصل حربها الإعلامية.. وتمكنت من تأليب عدد كبير من صحف وفضائيات العالم ضد مصر..
بل إننا فشلنا فى إثبات الحالة إعلامياً رغم هذا الإزعاج الإعلامى.. فاكتفينا بعرض صور عن الزجاج المكسور والمشجعين غارقين فى دمائهم، وعجزنا عن تصوير بلطجى جزائرى واحد وهو يهاجم المشجعين المصريين ولو من بعيد، أو حتى مشجع جزائرى يحمل طوبة فى يده.. ولو جمعنا ما حدث خلال الأيام الماضية لنحلل الخطاب الإعلامى المصرى، لن نجد إلا بكاء وعويلاً وصراخاً ونحيباً، ولن تجد أى شىء إيجابى عملى على أرض الواقع.
لدينا إمكانيات إعلامية هائلة.. ولدينا مذيعون أكفاء للغاية.. وطاقات بشرية جبارة تعمل فى مجال الإعلام.. ولكن كل هذا يضيع لأننا ننفعل جدا فننسى قواعد الاحتراف ونسير على غير هدى.. وطالما لم تتضمن الرسالة الإعلامية إجابات للأسئلة التقليدية الخمسة.. لماذا، وكيف، وماذا، وأين، ومتى؟ لن تصيب الرسالة أى هدف.
لقد خسرنا.. وسنخسر إذا استمر هذا الإهدار للطاقات والإمكانيات وتركناها على صورتها العشوائية الحالية.
بقلم أسامة هيكل ٢٨/ ١١/ ٢٠٠٩
osamaheikal@hotmail.com
osamaheikal@hotmail.com
No comments:
Post a Comment