ارتبط الاحتفال بوفاء النيل بعروس النيل التى كانت تزف اليه كل عام عذراء حلوة من أجمل فتيات مصر فى ابهى زينتها قربانا للوفاء فيأخذها النيل بين أحضانه فى مهرجان شعبى حافل تنشد فيه الاغانى وتعزف الموسيقى وتدق الدفوف وتعـم البهجة والأفراح بطول مصر وعرضها
0 تعالوا معى الى كرمة بن هانىء دار أمير الشعراء احمد شوقى التى تطل على النيل لنشاهد صورة حية لعروس النيل فى الشوقيات :ونجيبة بين الطفولة والصبا عذراء تشربها القلوب وتعلقكان الزفاف اليك غاية حظها والحظ ان بلغ النهاية موبقنعم كان الزفاف الى النيل غاية تتمناها كل فتاة فى مصر تعبيرا عن قداسة هذا النهر العظيم الذى تصوره المصرى القديم إنسانا وجعلوه الها وسموه حابى
لقد كان النيل ملهم الشعراء منذ ألاف السنين وموضع الاحترام والتقدير والتقديس وعروس النيل قصة حب حية تعيش فى وجدان المصريينيقول الفقيه والمؤرخ ابوالقاسم عبدالرحمن بن عبدالحكم فى كتابه فتوح مصر والمغربلما فتح عمر بن العاص مصر أتى أهلها الى عمر حين دخل شهر بؤونة فقالوا له : أيها الأمير ان لنيلنا هذا سنة لا يجرى الا بهافقال لهم وماذاك ؟
قالوا : كلما جاءت الثالثة عشر من هذا الشهر عمدنا الى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليه من الحلى والثياب أفضل مايكون ثم ألقيناها فى النيل 0
فقال لهم عمر: هذا لا يكون فى الإسلام وان الإسلام يهدم ما قبله 0
فأقاموا شهور بؤنة وابيب ومسرى والنيل لا يجرى كثيرا ولا قليلا حتى هموا بالجلاء
0فلما رأى عمر بن العاص ذلك كتب الى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه بذلك فكتب اليه عمر بن الخطاب أن قد أصبت ان الإسلام يهدم ماقبله وقد بعثت اليك ببطاقة فالقها فى النيل إذا أتاك كتابى فلما قدم الكتاب على عمر بن العاص فتح البطاقة فإذا فيها :من عبد الله أمير المؤمنين الى نيل مصر اما بعد فان كنت تجرى من قبلك فلا تجر وان كان الواحد القهار هو الذى يجريك فنسال الله الواحد الجبار ان يجريك 0
فالقى ابن العاص البطاقة فى النيل قبل يوم الصليب بشهر وكان أهل مصر قد تهياوا للخروج منها والجلاء لأنه لا يقوم بمصلحتهم إلا النيل وأصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله تعالى ستة عشر ذراعا فى ليلة واحدة واستراحوا من ضحاياه هذا العام وما بعده من أعواموظل المؤرخون بعد ابن الحكم يتناقلون هذه الرواية فيما كتبوه مثل المقريزى والكندى وابن تغرى بردى والقطاعى وابن دقماق والسيوطى وياقوت الحموى وابن اياس 0
وظلت حكاية إهداء عروس للنبل كل عام فى عيد وفاء النيل راسخة فى الأذهان واستمرت عادة إلقاء دمية خشبية على شكل فتاه أدمية بدلا من الفتاة الآدمية التى كانت تزف الى النيل جزء من مراسم الاحتفال حتى ألان ومازال كتاب محدثون وكتاب وشعراء يرددون الحكاية حتى السينما أخذت من حكاية عروس النيل موضوعا لأفلامها 0
ولقد بالغ الناس فى تجسيد الاسطورة فقالوا إن الفتاه تظهر مرة اخرى وقد تحول نصفها الأسفل الى سمكة لان النهر لا يلتهم عرائسه بل يجعلها تعيش فى فى أعماقه كالأسماك
0ومنذ كشف شامبليون أسرار اللغة المصرية القديمة بعد اكتشاف ظابط الحملة الفرنسية بوشارد لحجر رشيد أثناء الحملة الفرنسية على مصر بدء الباحثون دراسة جادة للتاريخ المصرى القديم من هؤلاء الباحث الفرنسى بول لانجيه الذى تفرغ لدراسة حكاية عروس النيل وخرج الباحث من دراسته بان المصريون القدماء كانوا لا يلقون بفتاه فى النيل ولكنهم كانوا يحتفلون بإلقاء سمكة من نوع الاطم وهذا النوع من السمك قريب الشبه بالإنسان ويصفه بعض العلماء بإنسان البحر تتميز انثاه بان لها شعر كثبف فوق ظهرها ولها مايشبه أرداف المرآة اما وجهها فاقرب الى كلب البحر وحين تسبح فوق الماء تتمايل كأنها راقصة0
وكان المصريون القدماء يزينون سمكة الاطم بالوان زاهية ويتوجون رأسها بعقود الورد والزهور ثم يزفونها الى النيل فى عيد وفائه
0 ومنذ أعوام تم كشف سمكة من هذا النوع فى بحيرة قارون بالفيوم
0اما القاء عروس حقيقية فى النيل فلم تعرفه مصر الا فى عهد المماليك حيث جاءوا بالفتيات المدربات على السباحة تدريبا جيدا والقوا بهن فى النهر ثم يتركن ليسبحن حتى الشاطىء فى كرنفال الاحتفالإن إلقاء عروس حية فى النيل ليس الا خرافة فجميع من أرخوا لمصر قبل ابن عبدا لحكم مثل هيكاه وهيرودوت وتيودور الصقلى وبلوتراك وكليمان السكندرى الذين كتبو عن الحياة والعادات الفرعونية والغرائب والتقاليد فى مصر القديمة لم يتناولوا من قريب او بعيد حكاية عروس النيل كما ان عبدا لحكم كتب هذه الحكاية بعد فتح عمر بن العاص لمصر بمئتان وثلاثون عاما ولم يكن من معاصريها وربما رويت له وواضح من متن الرواية ان النيل استمر ثلاثة شهور لم يجر فيه كثير ولا قليل ولو حدث هذا لهلك كل من فى مصر كما انه من المستحيل علميا ارتفاع النيل سته عشر ذراعا فى ليلة واحدةويؤكد الباحث مختار السويفى ان الحضارة المصرية حضارة راقية لم تعرف على مر العصور الضحايا البشرية لاى اله او معبود مهما علا شانه ويقول السويفى اذا كان للنيل عروس فهى ارض مصر التى يدخل عليها النيل فى موسم الفيضان كما يدخل الرجل على عروس فى ليلة زفافها 0
كما ان نقوش المعابد المصرية والبرديات التى عددت مظاهر الحياة والتقاليد والعبادات لم تذكر حكاية عروس النيل ولو كانت هذه حكاية حقيقية لما اغفلتها النقوش وتذكر الدكتورة نعمات احمد فؤاد إحدى عاشقات الحضارة المصرية فى كتابها القاهرة فى حياتى ان حكاية عروس النيل ليس لها أساس تاريخى ولم ترد غير القصة التى ذكرها بلوتراك والتى تقول ان ايجيبتوس ملك مصر أراد اتقاء كوارث نزلت بالبلاد فأشار اليه الكهنة بإلقاء ابنته فى النيل ففعل ثم الم به ندم شديد فالقى بنفسه فى النيل فهلك مثل ما هلكت ويقول الأستاذ عباس محمود العقاد فى كتابه عبقرية عمر إن رواية عروس النيل على علاتها قابلة للشك فى غير موضع فيها عند مضاهاتها على التاريخ وقد يكون الواقع منها دون مارواه الرواة بكثيرورغم ذلك عاشت الاسطورة فى وجدان مصر وتناولها الأدباء والشعراء والفنانون والسينما ومازالت كتب كثيرة ترددها كواقع 0
لكن الحضارة المصرية باصالتها وعمقها تؤكد كل يوم وعيها وتحضرها
0 لقد قدست مصر النيل العظيم شريان الحب والنماء نبع الخير والخضرة والازدهارواحتفت به وظلت تناجيه فى اناشيها المقدسة وصاغت الملاحم فى عشقه ولكنها أيضا قدست الإنسانية والإنسان ولم تضح بروح إنسان من اجل فيض النهر الخالد وهذه شهادة لمصر لاضدها
No comments:
Post a Comment