انقلبت الدنيا فى القاهرة.. يوم الخميس 28 يوليو 1966..
لأن القناة السابعة فى تليفزيون ماسبيرو.. أذاعت فيلم (مال ونساء) بطولة يوسف وهبى وأمينة رزق وسعاد حسنى وصلاح ذو الفقار.. وهو من اخراج حسن الامام..
وكان السبب هو ظهور صلاح ذو الفقار.. وهو يلتقى بسعاد حسنى فى عشة فراخ.. ويقول لها: يا حلاوتك ياواد.. يا بتاع الفريكيكو!
انقلبت الدنيا..
لأن صلاح ذو الفقار استخدم كلمة هابطة هى (الفريكيكو)..
وجرى رفع تقرير للقيادات السياسية العليا.. يحمل الرقم الكودى (ن 5/7/4555). (لدى نسخه منه).. وكان الكلام يدور حول استخدام العبارات الهابطة فى تليفزيون الحكومة..
وهو أمر لا يصح..
علاوة على أن يوسف وهبى الموظف البسيط.. وافق على قبول رشوة بعد أن أصبح ألعوبة فى يد الباشكاتب الذى قال له فى الفيلم: .. لما أقولك ده أبيض.. وهو أسود تقول أبيض.. غمض.. تغمض.. فتح تفتح.. أوعى الدنيا تغلبك يا شحاتة!
وقال التقرير ان الفيلم يروج لقبول الموظف الصغير الرشوة ومخالفة ضميره.. بناء على تعليمات من رؤساء العمل..
وهو أمر لا يصح..
وينطوى على نشر الفساد والرشوة.. لأن التليفزيون يدخل البيوت.. وهذا أمر لا يليق (علاوة على أن البطل استخدم فى مخاطبته للبطلة كلمة هابطة.. هى فريكيكو).
ودارت الأيام..
واذا برئيس الوزراء الأسبق على لطفى يخرج علينا مخاطبا رئيس مجلس الشعب الدكتور سرور.. قائلا له: يا ويكا!
والفرق بين الحالتين كبير..
لأن صلاح ذو الفقار.. كان يخاطب سعاد حسنى فى (عشة الفراخ).. قبل أن ينادى شعبان عبدالرحيم باعتباره رجل الساعة.. بإغلاق عشش الفراخ..
أما على لطفى فكان يخاطب فتحى سرور على الملأ فى احتفال أقامه مواطن سعودى فى واحد من أكبر فنادق القاهرة. قال له: فتحى سرور ياويكا.. الكل يحبك حب الفرخة للديكا.. أما حبك للقانون فهو فى دمك وكلاويكا (!!) وهمس أحد الحاضرين للجالس بجواره.. بمقطع طريف هو: وخربت مصر.. ناقص أمريكا!!
والمفارقة هنا.. ان صلاح ذو الفقار لم يكن يحب بطلة الفيلم.. حب الفرخة للديكا رغم تواجدهما فى عشة الفراخ..
أما على لطفى فقد كان أكثر دقة عندما قال لسرور (الكل يحبك حب الفرخة للديكا).. باعتبار اننا نعيش فى عشة فراخ كبيرة.. نحن نعيش فى العشة الكبري.. العشة المحورية.. العشة الرائدة على كل الأصعدة.. وفى أزهى العصور. عصور العشش كلام عشوائي.. فى زمن عشوائي.. ومسئولون عشوائيون يخافهم الناس خوف الفرخة للديكا.. فى دولة كوستاريكا.
والمثير فى الموضوع ان على لطفى تجاهل دعوة شعبان عبدالرحيم لمكافحة أنفلونزا الطيور.. باعتبار ان حب الفرخة للديكا.. لم يعد من أمور حسن (البوليتيكا).. ولا حتى فى البوليتيكا الدولية.. التى يجيدها حكامنا.. إجادة ليس لها نظير.
وكان يتعين عليه.. ولو من باب الكياسة.. ان يشير الى ان المقصود هو (الديك المجمد).. و(الفرخة المجمدة).. المستوردة من المملكة العربية السعودية. من باب الاشادة بالمواطن السعودى العاشق للثقافة المصرية.. والأدب المصري.. ويضرب عصفورين بحجر واحد.. ويعود لمنزله عودة العائد من المعركة برأس كليب.
أما الأكثر اثارة فهو ان الأجهزة االسياسية زمان.. قلبت الدنيا.. عندما قال صلاح ذو الفقار لسعاد حسنى فى عشة الفراخ يافريكيكو.. أما الآن فلم يتحرك أحد.. ولم يطالب أرباب الفتاوى بسفك دماء على لطفى الذى يدعى ان اعضاء مجلس الشعب يحبون فتحى سرور حب الفرخة للديكا.. بينما يضم المجلس سيدات فاضلات.. لا يمكن أن نتصور ان واحدة منهن تحب سرور.. حب الفرخة للديكا..
كيف يتجاسر على لطفي.. الى حد وصف العلاقة بين نائب بالبرلمان.. ورئيسه.. بأنها علاقة دواجن.. فى الوقت الذى لا تزال فيه قصة سودة بنت زمعة ماثلة للأذهان.. عندما خرجت ليلا.. ورآها عمر بن الخطاب فعرفها.. وقال لها: انك والله ياسودة ما تخفين علينا.. فرجعت الى النبى صلى الله عليه وسلم.. فذكرت له ذلك وهو فى حجرة عائشة. يتعشي.. فقال لها (قد أذن الله لكن ان تخرجن لحوائجكن). أى ان المرأة لا تخرج من بيتها إلا لقضاء الحاجة.. وحضور جلسات المجلس الموقر.. والمجالس القومية المتخصصة.. وليس كى تحب رئيس المجلس حب الفرخة للديكا..
ومفهوم طبعا انه لو ان مجلة (ابداع) كانت قد نشرت قصيدة على لطفي.. لما نالها ما نالته قصيدة الشاعر الكبير حلمى سالم..
لقد أغلق حكامنا.. مجلة أدبية.. تنشر الابداع.. وترعى تراثنا العربي.. بسبب قصيدة شعر.. تختلف حولها الآراء..
ولم يتحركوا لاستنكار ما جرى على لسان رئيس وزراء مصر الأسبق.. حول عشة الفراخ. والسبب واضح.. ويعكس التدهور المروع الذى حدث فى الذوق العام خلال الثلاثين سنة الماضية.. والذى نلمس ملامحه فى البرامج التليفزيونية التى تدخل بيوتنا.. وفى الحوارات التى تجرى على ألسنة أبطال المسلسلات.. والسلوكيات التى نلمسها فى التعامل الهابط المهين.. مع كل من له قيمة فى مجال تخصصه.
انظر الى البرنامج الذى يعرض على القناة الأولي.. وقت ذروة المشاهدة.. وسط ديكورات قصر أشبه بقصور أمراء الأندلس وهو يستضيف المطرب اللامع الذى قدم للفن العربى أغنية (ادلعى يا بطاطس.. مفيش خضار فى السوق.. فول يا مدمس.. سوق فى دلالك سوق).. وانظر الى الحوار الذى تناول مواهبه ونشأته.. وانظر الى الطهاة الذين تخصصوا فى تقديم الأطعمة لضيوف البرنامج التافه.. الذى يعرض على الشاشة بلا أى خجل.. وكل أسبوع..
فى الوقت الذى اختفى فيه برنامج (نادى السينما).. على سبيل المثال.
أصبح الهبوط.. من أهم سمات حياتنا.. ولم يعد لشيء له قيمة مكان فى هذا البلد. أصبحت التفاهة هى الطابع المميز.. لمن يملكون زمام أمورنا.. ويبتكرون أساليب التطوير للقضاء على أساتذة الجامعات وإخضاعهم للحرس الجامعي.. والهبوط بالتعليم.. والقضاء على نجوم الفكر والأدب والصحافة..
لسبب بسيط هو انهم لا يجيدون التحدث باللغة العربية الصحيحة.
انحطاط اللغة يؤدى لانحطاط التفكير..
لأن اللغة ليست مجرد وسيلة للتخاطب.. وإنما هى أيضا وسيلة للتفكير.
ويقول الشاعر الأستاذ أحمد عبدالمعطى حجازى ان انحطاط التفكير لم ينتشر بين الدهماء وحدهم.. وإنما انتشر أيضا فى أوساط النخبة من الوزراء والرؤساء ونجوم المجتمع.. وضرب لذلك مثلا بالزجل الذى ألقاه على لطفى لتحية فتحى سرور.. والذى أشار فيه الى أن نواب المجلس الموقر مجموعة من الديوك والفراخ.. واننا مجموعة كبيرة من الدواجن.
وعلى الرغم من الانتقادات الناعمة التى وجهت لرئيس الوزراء الأسبق.. بسبب جملة (الحب بين الفرخة والديكا) إلا اننا نرى أنها تصيب كبد الحقيقة.. لأنها توصيف علمى دقيق لأحوالنا.. ويتعين علينا ان نقدم له عليها الشكر.
هو يريد أن يقول ان نواب مجلس الشعب هم طائفة من المدجنين. لعمرى ما العيب فى ذلك؟
بقلم: محمد فهمي
نقلا عن جريدة العربي
No comments:
Post a Comment