بنفس الحماسة التى اعتادها متابعوه والتى تمتزج بها رزانة الفكرة، يتحدث معلناً أن مصالحته للوطن استغرقت، كما يقول، بعضاً من سنوات عمره، ولكنها تمت فى العام ٢٠٠٥، وينتقد حال الخطاب الدينى فى عالمنا العربى، واصفاً رجاله بحصر مبدأ تطوير ذلك الخطاب، فى تجديد «الخطبة الدينية»، وهو مفهوم يشوبه القصور،
لذا يرفض أن يسير فى ركب المحدثين به، رافضاً فى ذات الوقت، عزل الخطاب الدينى عن التعليمى، والسياسى، والاقتصادى أيضاً، مؤكداً أن ثوابت الدين معلومة، وما عداها من حق العقل التفكير فيه، ومقاومة تيارات باتت تسيطر على المجتمعات العربية هدفها تقليص القضايا التى يمكن التفكير فيها، مقابل زيادة مساحة غير المفكر به، لتكون محصلة التفكير الدينى فى تلك الفترة من حياة المسلمين «صفراً»،
مشدداً على ضرورة الفصل بين «النقد، بحرف الدال»، و«النقض بحرف الضاد»، مشيراً إلى أن الأمل فى تحقيق نهضة فكرية فى عالمنا العربى، يستلزم وجود حزمة متكاملة ومتزامنة من الإصلاح، تطول الكيانات السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والتعليمية، والإعلامية، وقبل كل هذا، محاربة الفساد.
الحوار مع الدكتور نصر حامد أبوزيد، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة ليدن فى هولندا، أستاذ كرسى ابن رشد بجامعة «أوتر يخت» الهولندية، الذى يزور مصر الآن، لإلقاء عدد من المحاضرات بمركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، التى وإن كانت لا تثير نفس الجدل، الذى أحدثته آراؤه التى أعلنها فى منتصف التسعينيات، إلا أنها تدور فى السياق ذاته،
مؤكدة، رغم تنوع مضمونها، شعار أن العقل ليس جريمة، والنهضة لن تتحقق إلا بالحرية، التقته «المصرى اليوم» فى حوار، تنوع حديثه فيه بين الشأن الدينى والعام.
* تحمل عناوين محاضراتك بجامعة الإسكندرية عناوين صادمة للبعض.. ألم تخش تكرار الهجوم عليك كما حدث فى التسعينيات؟
- لم أشعر بالخوف فى أى وقت، فأنا لا أخلص إلا للفكر، لست محسوباً على الغرب أو الشرق، ودعينى أقل لك شيئاً، لم أشعر يوماً أننى تركت مصر لأننى مضطهد، وأذكر أنه عند حضورى أول ندوة فى هولندا، بدأتها بالبسملة والشهادة، ورفضت عرض اللجوء السياسى هناك، لأن ما حدث معى لم يحدث لكونى نصر حامد أبوزيد،
لكن لوجود تيار يرفض أى فكر جديد أياً كان صاحبه، وعندما سافرت هولندا كنت أظن أننى انسلخت عن ثقافتى العربية والإسلامية، ولكن عندما جعلونى مسؤولاً عن كرسى ابن رشد، وأصروا على تسميته بمسماه العربى، بدلاً من كلمة «أفور ويس» التى يعرف بها فى الغرب، شعرت بأننى جزء من تلك الحضارة.
* متى صالحت ذاتك على الوطن؟
- كنت أرى مصر فى أحلامى بالليل، فأصحو مكتئباً مقسوماً بين شعور بالوحشة والحزن، خاصة مع وفاة الكثير من الأحباء هنا فى مصر، وظللت هكذا حتى جاء عرض التدريس بالجامعة المصرية لزوجتى الدكتورة ابتهال، وهو ما رفضته هى فى البداية رافضة تركى بمفردى فى هولندا، لكننى أقنعتها بالعودة، وفى العام ٢٠٠٣ قررت زيارة مصر لأول مرة منذ خروجى منها، وحتى ذلك التاريخ كان هناك حالة من اللاصلح الداخلى معها، ولكن ما إن جئت حتى تبخر جبل الجليد بينى وبينها فى الذوبان، ولينتهى الأمر بالصلح التام عام ٢٠٠٥.
* الفكر الإسلامى هو محور محاضراتك هنا، ولكن لأيهما يحتاج هذا الفكر، لتجديد أم لتطوير الخطاب الدينى؟
- نحن بحاجة لتنوير، بعد أن سُرق مفهوم «تجديد الخطاب الدينى»، وبات مقصوراً على الخطبة الدينية وحسب، وفرق كبير بين الاثنين، فالخطبة مجرد نمط من أنماط الخطاب الذى من المؤكد أنه بحاجة لتحليل ونقد، والتنوير يعنى استعادة احترام منطق التفكير، وهو ما يستدعى وجود حريات يفتقدها المجتمع العربى لضمان الحياة لهذا الفكر، لأنه إذا غابت الحرية والفكر، غابت التنمية، وكل حديث عن التنمية فى غياب هذين العنصرين، يصبح حديثاً عن استيراد أشكال من الخارج، تُبنى اليوم وتُهدم غداً.
وهناك عبارة تقول: «ليكن الوطن محلاً للسعادة المشتركة بيننا، نبنيه بالحرية والفكر والمصنع». تأملوا معى هذا الترتيب وكيف جاء المصنع بعد الحرية ثم الفكر، وهذه العبارة تلخص مشروع النهضة، الذى تبناه الأفغانى وكان يسعى لتبنى الحداثة، فى القرن ١٩، وهو المشروع الذى لم يكتمل، لماذا؟! لأن غياب الحرية، يُجهض الفكر، ويؤثر فى غياب الإنتاج، ونوعيته.
والخطاب الدينى جزء من السياق الثقافى العام، يتطور بتطوره، ويتراجع بتراجعه. وفى تحليلى للخطاب الدينى فى عالمنا العربى الآن، لا أستطيع فصله أو عزله عن الخطاب التعليمى والسياسى والاقتصادى، الذى يتضح فيهم التراجع والتدهور بشكل كبير، وهو ما أثر على نوعية الفكر العربى بوجه عام.
ولا يمكن تطوير الخطاب الدينى إلا فى وجود تحليل نقدى للفكر، وتحليل المصالح السياسية التى تحكم هذا الخطاب. نحن بحاجة لشىء أبعد من التجديد، الذى تحول لإعادة طلاء، فبدلاً من اللون الداكن، نضع لوناً مبهجاً، ويظل المضمون كما هو.
* هل يعنى هذا ضرورة التفكير مجدداً فى إعادة قراءة القرآن؟
- بالطبع، فالسياق الحالى المعروض فى الغرب تحت ما يسمى «فوبيا الإسلام»، وبخاصة بعد حادث الحادى عشر من سبتمبر، وما نتج عنه من تشويه لصورة الإسلام، ليقدم للعالم بوصفه ديناً إرهابياً، إقصائياً، يستلزم ذلك. لا لإعادة تقديم أنفسنا للغرب ولكن لتحقيق التقدم والتنمية التى نتحدث عنها ليل نهار فى مجتمعاتنا العربية.
فالفقه ليس قانوناً ولكنه نقاش حول مسائل قانونية، وفى هذا النقاش يدخل المجتهد وينتقى رأياً، كما فعل الأئمة الأربعة الذين أعملوا العقل واجتهدوا، واختلفوا، ونحن نحرم على أنفسنا نفس ما فعلوه. ولا يعلم الكثيرون أن عملية التفكير مجدداً فى التراث، بدأت ولم تتوقف منذ القرن الثامن عشر،
كما لم تتوقف عملية مفاوضة «المعنى» القرآنى، بطرق، وأساليب، ومناهج شتى، منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى الآن، ولذا يجب علينا الإلحاح ليس بالمطالبة بضرورة الاستمرار فى عملية التفكير، وإعادة التفكير مجدداً فى التراث، وفى معنى القرآن، بل فى ضرورة أن يحاول المسلمون، أينما كانوا، التقدم خطوة أبعد فى هذه العملية، من أجل إنجاز منهج تأويلى واضح، وليكونوا مشاركين نشطين فى صياغة معنى حياتهم فى العصر الذى يعيشون فيه، بدلاً من أن يكونوا مجرد متلقين سلبيين للمعانى التى تفرض عليهم بالقهر والانصياع.
* تتحدث مجدداً عن التأويل الذى يراه البعض أمراً غير وارد فى التعامل مع القرآن؟
- نعم لأننا بحاجة للتأويل، الذى يعنى الدخول فى عالم النص سواء كان لغوياً أو غير ذلك، كما أننا بحاجة للمجاز الذى يعنى استخدام اللغة بشكل لا يؤدى لفهمها فهماً حرفياً، وإنكار المجاز كارثة معرفية ودينية فى ذلك الوقت، لماذا؟ لأن فهم القرآن يتطلب قبل كل شىء فهم اللغة التى كتب بها، وكيفية استخدام العرب لها ولتعبيراتها فى فترة نزول القرآن.
ليس هذا فقط بل فهم العقل العربى الذى كان يستقبل القرآن أيضاً، لفهم السياق الاجتماعى والثقافى والدينى المحيط بنزول القرآن. ولذا فالعلاقة بين المجاز والتأويل فى الفكر الإسلامى، علاقة حيوية ومهمة منذ المعتزلة وحتى ابن رشد.
* لماذا يتعامل الفكر الإسلامى مع «التأويل» بنظرة تتأرجح بين الرفض والإنكار والريبة؟
- يظن البعض أن التأويل، يعنى فرض الرؤى الشخصية، والمفاهيم الأيديولوجية على معانى النص الدينى. كما يرى هؤلاء أن ما طرحه السلف من معان، هو الأكمل فى التفسير دون غيره، تبريرهم فى ذلك أن السلف كانوا الأقدر على الفهم من الأجيال التالية لهم، لأنهم الأقرب زمانياً لفترة العصر الذهبى للإسلام،
بالإضافة إلى أنهم كانوا أكثر تقوى مما نحن عليه، وهذا فهم غير تاريخى لكلمة التأويل، بدليل أننا لدينا فى التراث موسوعة تفسير «محمد بن جرير الطبرى» الذى عاش فى القرن الثالث الهجرى.
وعنوانها «جامع البيان فى تأويل آى القرآن»، وهو ما يعنى أن كلمة «تأويل» لم تكن تحمل أى معنى سلبى فى تلك الفترة من التاريخ الإسلامى، والأصح أنها لم تحمل تلك الدلالات السلبية إلا فى إطار الصراع الفكرى بين السُنة والشيعة فى القرن الرابع الهجرى. وكما أننا بحاجة للتفسير بما يعنيه من شرح للمفردات اللغوية الصعبة والغامضة فى لغة القرآن، فإننا بحاجة أيضاً للتأويل الذى هو سعى لاستنباط دلالة التركيب بالعودة إلى السياق.
* ترى أن التعامل مع القرآن يجب أن يكون على أساس أنه «خطاب» لا «نص».. ما تفسير ذلك؟
- لم يدرك المفسرون والعلماء المسلمون بشكل كامل، أهمية الظاهرة الحية للقرآن بوصفه «خطاباً»، حيث دأبوا على التعامل معه من خلال نفس المنظور التراثى فى التعامل مع القرآن بوصفه «نصاً»، وهو أسلوب يشجع إمكانيات التفسير والتفسير المضاد، كما يسمح بإمكانية التلاعب الدلالى، ليس فقط بالمعانى، بل بالمبنى القرآنى نفسه.
وكنت فى وقت ما أحد المؤمنين «بالنصية»، لكننى أدركت فيما بعد، خطورة التعامل مع القرآن بوصفه نصاً فقط، لأنه يقلل من شأن حيويته، ويتجاهل حقيقة أنه مازال يمارس وظيفته فى الحياة اليومية للمسلمين، بوصفه «خطاباً» وليس مجرد نص.
كما أنه لم يعد كافياً، مجرد البحث عن سياق لمقطع، أو مجموعة من الآيات، حين يكون الهدف مناظرة الفكرة بالفكرة، كالأصوليين الذين يعتنقون مبدأ «الحاكمية»، على سبيل المثال، أو حينما نناقش بعض الممارسات التاريخية التى باتت غير ملائمة لحياة المسلمين فى العصر الحديث.
* تنتقد عبارة «معلوم من الدين بالضرورة» لماذا؟
- لأنها باتت تستخدم فى الكثير من القضايا التى تمس حياة المسلمين، على الرغم من أن هذا المعلوم يتركز فى أساسيات الدين وأركانه، كالإيمان بالله، والرسول العربى، محمد صلى الله عليه وسلم، والأنبياء، والزكاة والحج والصلاة. وقد ميز علماء المسلمين بين العلوم الضرورية وبقية العلوم، والانتقال بينها لابد أن يتم عبر الاستدلال أى إعمال العقل، لذا فكلما اعتمدنا على مقولة «معلوم من الدين بالضرورة، تراجعت مساحة العقل وفرصة التعامل مع النص من خلاله. لأنه طالما أنه معلوم من الدين بالضرورة فلا داعى للتفكير فيه، أو بمعنى أصح إعمال العقل فيه.
وعلى الرغم من حاجة المسلمين الماسة لتحليل النص القرآنى والعمق فى معانيه، إلا فإنه للأسف نجد أن مجتمعاتنا العربية تنظر لكلمة «النقد» بعداء، وبسبب العمى اللغوى لدينا، نخلط بين «النقد»، و«النقض» ليكون معنى النقد فى بلادنا، هو الهدم، رغم أن العقلية النقدية جزء من الهوية البشرية،
كما لا يمكننا إطلاق وصف «مثقف» على أى إنسان دون أن يكون ناقداً، وللعجب فإنك حينما تتحدث عن قضية ما أو تنتقد ظاهرة فى المجتمع فلابد أن تكون صاحب مصلحة، أو منتمياً لفكر ما تدافع عنه، لماذا لأننا مجتمعات سلطوية يسود فيها فكر القبيلة، التى يظل الدفاع عنها وعن مصالحها الغاية الأسمى،
وأذكر أننى تحدثت ذات يوم فى لقاء تليفزيونى عن حق الإخوان فى إنشاء حزب سياسى، ولم يكن لرأيى هذا أى علاقة بتعاطفى مع الجماعة لكنه كان منطلقاً من باب الحرية، والحقوق السياسية التى لابد أن يكفلها الوطن لمواطنيه، وفوجئت بعدها بمن يقول إننى أهادن الإخوان، والأدهى أننى وجدت الإخوان يتصلون بى فى هولندا لحضور إفطارهم السنوى فى رمضان!
كل هذا لأننى قلت رأيى المنطلق من قناعاتى الخاصة، فقط، لا فكر دون نقد، والأمثلة عديدة فى الحضارة البشرية، فلو لم ينقد «كانت» فكر «ديكارت» لما كان هذا الفيلسوف العظيم، ولو لم ينقد مارتين لوثر الكنيسة لما ظهرت البروتستانتية التى أسهمت فى نقل الغرب من مجتمعات شبه إقطاعية لمجتمعات صناعية.
* الفكر المسيحى رفض العقل هو الآخر، ومر بمرحلة سكون استمرت نحو ثمانى قرون، حتى فجر عصر النهضة، السؤال لماذا لم يستطع الفكر الإسلامى هو الآخر التطور وقبول العقل بعد فترة السكون التى قاربت ١٠٠٠ عام؟
- هذا السؤال يمكن أن يطرح بشكل آخر، لماذا تقدموا ولماذا تأخرنا؟ ولكن قبل الإجابة عنه لابد من الإشارة إلى أنه نهضة الفكر المسيحى، لم تكن لتتم دون وساطة الثقافة العربية، فمن خلال إيطاليا وصقلية تطور الغرب بفضل الترجمة للحضارة الغربية، وهنا أستشهد بمقولة للكاتب محمد حسنين هيكل تقول: «الحضارة محيط، تزوده بحار، والبحار تزودها أنهار، فالأنهار هى الثقافات تصب فى البحار التى هى الحضارات، لتصب فى النهاية فى المحيطات التى هى الحضارة الإنسانية مكتملة»،
وهذا أمر طبيعى لأن الحضارة البشرية عبارة عن التقاء حضارات تماماً كمن يقف أمام مرآة ليكتشف ذاته ويرى نواقصه، ومدى حاجته للتغيير، والثقافة الإسلامية مرت بعصر ذهبى كانت أوروبا نائمة فيه،
وعندما استيقظت أوروبا كانت الحضارة الإسلامية مقسمة بين ثلاث امبراطوريات، الأندلس، وبغداد، ومصر، إلى جانب بعض الدويلات الصغيرة، ومع الحروب الصليبية، وحالة الانقسام التى شهدتها تلك الحضارة، انغلق الفكر الإسلامى وتم تجريم الكثير من العلوم، كعلم الفلسفة وعلم الكلام والعلوم الطبيعية، ولم ينجح من تلك المذبحة سوى علم الفقه، لينغلق العالم الإسلامى على نفسه ولا يصحو إلا ليجد الهوة الواسعة بيننا وبينهم، فإهمالنا للفكر هو سبب تخلفنا، وقد حاول الأفغانى ومحمد عبده الإجابة عن سؤال لماذا تخلفنا، وأكدوا منذ ما يزيد على ١٠٠ عام،
أننا يجب إعادة قراءة التراث الإسلامى لإعادة فهم الإسلام، وإعادة وصل المعنى الدينى بالعصر الذى نحياه، لأن المعنى الدينى السابق مرهون بالعصور التى ظهر بها، ولذا يبقى الفارق بيننا وبين أوروبا، أن التغيير لديهم وفق آليات ومؤسسات تقوم على العقل والحرية، بينما الإصلاح لدينا يرتبط بآليات سلطوية،
وأعود لأستشهد بمقولة الكاتب محمد حسنين هيكل حينما شبه حلم التقدم فى العالم العربى بامرأة حبلى، تحتاج لأن تضع مولوداً فى هدوء، ولكنها تدخل غرفة ولادة تغرق فى الضجيج، فتجهض جنينها، وهو ما ينطبق على فكرنا فى المنطقة الملىء بالصخب والضجيج، والنظر للفكر على أنه رفاهية لا يتحملها المجتمع الآن، رغم أنك لا تستطيع إطفاء الحريق دون فهم أسبابه، تماماً كما يحدث فى فلسطين بين فتح وحماس، إلى جانب أن المحرمات فى الثقافة الغربية ضئيلة، ولكن المحرمات لدينا تزداد كل يوم، ولدينا خطوط من كل لون وليست حمراء فقط.
* كيف السبيل للخروج من صندوق الخوف من الفكر؟
- يجب أن نعى أن الفكر البشرى، لم يتقدم فى أى مرحلة من مراحل تطوره، سوى بمحاولات الخروج خارج الصندوق، حتى لو حدثت أخطاء، ففى مجال الفكر الدينى المسيحى، نجد أنه لم يكن ليتقدم ويتطور، لولا وجود ما سمى بالهرطقة، ودون البدع لم يكن الفكر الإسلامى ليتقدم، فالفكر لا يمكن أن يسير فى مناطق آمنة دوماً، لأن الفكر الساعى لإحداث تطور، يقتحم مناطق يتصور البعض أن بها خطورة،
وما كان خطراً فى عصر، يصبح آمناً فى عصر آخر، فمن قال إن ما جاء به عيسى لم يكن بدعة عند ظهوره، حتى صار له أتباع، ومن قال إن ما جاء به نبى الإسلام محمد، لم يجد معارضة شديدة من مجتمعه بصفته فكرًا جديدًا، لم يعتادوه، حتى صار الإسلام دينًا لأمة كاملة، لذا فالحل فى نظرى يكمن فى وجود حزمة متكاملة ومتزامنة من الإصلاحات،
تطول السياسة والمجتمع والتعليم والثقافة، ويقع على إعلامنا عبء كبير فى تحقيق هذا الإصلاح، بعد أن أثر الإعلام على إمكانيات الفكر، وأفسد المثقفين بإغراءات الشهرة، والمقابل المادى، فتحول المثقف لسلعة، وبات الإعلام يقوم على الإثارة والتسلية، لا على فكر التنمية والتطوير، ولو عملنا تصنيفاً للسلع المُعلن عنها فى إعلامنا، لعرفنا نوعية الجمهور الذى يتعامل معه،
وعلى الرغم من طغيان الإعلان على الإعلام الغربى إلا أن النظام الاقتصادى هناك قائم على الإنتاج لا الاستهلاك، وبالإضافة إلى كل هذا على المواطن العربى تدشين فكر المقاومة لتحقيق التقدم الفكرى عبر تمكين الفرد، ومدخل هذا التمكين هو التعليم وإعادة النظر فى البنية الاجتماعية، ومحاربة الفساد الذى لم يعد سمة مصرية وحسب، بل بات سمة عربية أيضًا،
وللأسف لم يؤثر فقط على تدهور الحالة الاقتصادية والسياسية فى بلادنا، ولكنه أثر على سلوكيات العنف التى سادت شرائح مختلفة فى المجتمع
حوار نشوى الحوفى ٢٧/ ١٢/ ٢٠٠٨
No comments:
Post a Comment