تشاء صدفتا الميلاد والنشاط العام أن أقضى عيد ميلادى السبعين (٣/١٢/١٩٣٨-٣/١٢/٢٠٠٨) بين مدينتى جنيف السويسرية وأطلانطا الأمريكية. وفى المدينتين التقيت رئيسين سابقين هما الرئيسة السابقة لجمهورية أيرلندا، د. مارى ربنسون، والرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر
. وكانت قضية حقوق الإنسان فى قلب اللقاءين، بالإضافة إلى أهم المستجدات على المسرح العالمى، وهو انتخاب رئيس أمريكى شاب وواعد. وقد ساعد فرق التوقيت (٧ ساعات) أن أكون موجوداً فى بلدين وقارتين مختلفتين، وأن أتناول الإفطار مع رئيس سابق محترم، والعشاء مع رئيس سابق آخر محترم أيضاً.
ونادراً ما أستخدم صفة «محترم» مع أى من الرؤساء الحاليين أو السابقين، إلا إذا كان هذا الرئيس يستحق هذه الصفة فعلاً. وفى استخدامى هذا الوصف مع أى رئيس لا بد من توافر شرطين على الأقل.
الأول، أن يكون قد أتى إلى منصب الرئاسة هذا من خلال انتخابات ديمقراطية شفافة ونزيهة، والثانى أن يكون قد ترك منصبه فى نهاية مدة ولايته الدستورية سلمياً، ومارس حياة عامة منتجة «كرئيس سابق».
وقد استحق الرئيس جيمى كارتر والرئيسة مارى ربنسون صفة الرئيس المحترم بجدارة. مع الرئيسة مارى ربنسون،
كنت العربى الوحيد ضمن لجنة من عشر شخصيات، عُهد إليها الإعداد للاحتفال بالذكرى الستين «الإعلان العالمى لحقوق الإنسان»، وهى تلك الوثيقة التى صدرت عن الأمم المتحدة يوم ١٠ ديسمبر ١٩٤٨، وتحتوى على ثلاثين مادة، تنص كل مادة منها على أحد الحقوق، التى اعتبرها المجتمع الدولى وقتها حقوقاً أساسية لكل مخلوق بشرى، مهما كان جنسه، أو دينه، أو لون بشرته. ولأن معظم الثلاثمائة مليون عربى المعاصرين اليوم، بمن فيهم هذا الكاتب نفسه، لا يزالون محرومين من كل أو معظم هذه الحقوق.. ولأن الأجيال الجديدة لم تتعلمها فى الأسرة، أو المدرسة، فمن المهم أن تستذكرها،
ودون تفصيل فإنها:
١ - الحق فى المساواة.
٢ - الحق فى الحرية من التمييز.
٣ - الحق فى الحياة والأمن.
٤ - الحق فى الحرية من العبودية.
٥ - الحق فى عدم الخضوع للتعذيب.
٦ - الحق فى الاعتراف بالذات أمام القانون.
٧ - الحق فى المساواة أمام القانون.
٨ - الحق فى التقاضى أمام المحاكم.
٩ - الحق فى الحرية من الاحتجاز التعسفى أو النفى.
١٠ - الحق فى محاكمة علنية.
١١- الحق فى البراءة إلى أن يتم إثبات غير ذلك.
١٢- الحق فى الحرية الخاصة وحرمة الأسرة والمسكن والمراسلات.
١٣- الحق فى حرية الحركة داخل الوطن وخارجه.
١٤ الحق فى اللجوء إلى خارج الوطن تفادياً للاضطهاد.
١٥ - الحق فى الجنسية، وفى تغييرها.
١٦ - الحق فى الزواج وتكوين أسرة.
١٧ - الحق فى التملك.
١٨ - الحق فى حرية الدين والعقيدة.
١٩ - الحق فى حرية الرأى وتداول المعلومات
٢٠- الحق فى حرية التجمع السلمى وإنشاء الروابط
٢١ - الحق فى المشاركة فى الحكومة، وفى الانتخابات الحرة.
٢٢ - الحق فى الضمان الاجتماعى.
٢٣ - الحق فى عمل مرغوب وفى عضوية النقابات.
٢٤ - الحق فى الراحة ووقت الفراغ.
٢٥ - الحق فى مستوى معيشة لائق.
٢٦ - الحق فى التعليم.
٢٧ - الحق فى المشاركة فى الحياة الثقافية للمجتمع.
٢٨ - الحق فى نظام اجتماعى يكفل ما ورد فى هذه الوثيقة.
٢٩ - الحق فى تحمل الواجبات الضرورية لتنمية حركة كاملة.
٣٠ - الحق فى الحرية من تدخل الدولة أو الأفراد فى إنكار الحقوق السابقة.
لقد تعمدت النص الكامل لهذه الحقوق كما وردت فى الإعلان العالمى، الذى أقرته الأمم المتحدة يوم ١٠ ديسمبر ١٩٤٨ لأن معظم القرّاء المصريين والعرب ربما لم يطّلعوا على مواد الميثاق كاملة.
وربما يُباهى حاكم عربى، هنا أوهناك، بأنه منح شعبه أو مواطنيه هذا الحق أو ذاك، وهو ادعاء غير صحيح.
فبمجرد دخول أى دولة للأمم المتحدة فإنها لا بد أن تقر بقبول هذا الإعلان. وبجعل هذا القبول بالإعلان العالمى لحقوق الإنسان منه جزءاً لا يتجزأ من المنظومة القانونية للدولة. فإذا تعارض أى قانون أو مادة فى القوانين الوطنية مع ما ورد أعلاه، فإن الأسبقية تكون للمواثيق والمعاهدات الدولية.
من ذلك، أن المادة ١٩ الخاصة بحق حرية التعبير كانت، وما زالت، فى نظر المراقبين هى الأهم فى الإعلان العالمى، لأنها شرط الضرورة للدفاع عن بقية الحقوق التسعة والعشرين الأخرى الواردة فى الإعلان. وربما لهذا نشأت جمعية فى لندن تحمل رقم هذه المادة (١٩). ومن الواضح أن بعض القضاة المصريين إما لم يسمعوا عن هذه المادة، وإما سمعوا بها، ولكنهم يتجاهلونها، إرضاء لصاحب السلطة الأعلى أو طمعاً فى رضائه وعطاياه مستقبلاً.
جالت هذه الخواطر والمُفارقات بعقلى، مرة فى جنيف، بجانب الرئيسة مارى ربنسون، ونحن نُدشن لوحة استذكارية للراحلة الينور روزفلت، زوجة الرئيس الأمريكى الأسبق فرانكلين، والتى رأست لجنة من ثمانى شخصيات دولية، كان منهم اثنان عرب هما المصرى د. محمود عزمى واللبنانى د. شارل مالك، واستغرقت ثلاث سنوات. وأقرتها كل الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة وقتها (١٠/١٢/١٩٤٨)، وبينها سبع دول عربية مستقلة (مصر، لبنان، سوريا، العراق، الأردن، اليمن، السعودية)، وقد احتفلنا بالمناسبة نفسها مع الرئيس الأمريكى جيمى كارتر، وقرينته روزالين، فى مدينة أطلانطا، على نحو ما ذكرت فى فقرة سابقة.
ويعتبر الرئيس كارتر الإعلان العالمى لحقوق الإنسان أهم وثيقة عرفتها البشرية منذ الكتب السماوية الثلاثة (التوراة، الإنجيل، القرآن). ومع ذلك فقد تعجب مما إذا كان يمكن إقرار الإعلان نفسه بالأغلبية نفسها لو أعيد التصويت عليه اليوم فى الأمم المتحدة؟! لقد كان عدد أعضاء الأمم المتحدة عام ١٩٤٨، حينما عُرض للتصويت أقل من أربعين، معظمهم تحكمه أنظمة ديمقراطية. أما الآن فإن عدد الأعضاء قد تجاوز المائة والثمانين، نصفهم تحكمه أنظمة غير ديمقراطية... ولا تحترم ما ورد فى الإعلان من حقوق.
كذلك، فحتى الأعضاء الأصليون الذين أقروا الميثاق عام ١٩٤٨، لأنهم كانوا ديمقراطيين، ولكنهم لم يعودوا كذلك، ومنهم مصر وسوريا. وحين سمعت اسم مصر فى هذا السياق أحسست بحسرة حقيقية. وكانت حسرتى تتضاعف وأنا أستمع لشهادات المنظمات الحقوقية الدولية، وهم يذكرون الدور المصرى الرسمى المناوئ لمشروعات القرارات التى تُدين الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان فى كل من السودان (دارفور) وزيمبابوى. وتقود مصر فى هذا الصدد ثلاث مجموعات دولية.. هى المجموعة الأفريقية، والمجموعة العربية، والمجموعة الإسلامية. وهى معاً تزيد على نصف أعضاء المنظمة الدولية.
ورجعت بى الذاكرة لكتاب جمال عبدالناصر فلسفة الثورة، الذى كان أول من تحدث فيه عن الدوائر الثلاث الحيوية التى تنتمى لها مصر فى خمسينيات القرن الماضى، فى سنوات حركات التحرير التقدمية، التى ناصرت حقوق الإنسان وحقوق الشعوب. وربما لم يخطر ببال عبد الناصر أن الانتماء للدوائر الثلاث، سيوظف لا من أجل معارك حقوق الشعوب إنما معارك لتحصين الأنظمة المستبدة، ضد شعوبها وضد حقوق الإنسان
. فسبحان مُغير الأحوال من النقيض إلى النقيض. ولا بد أن يكون د. محمود عزمى، أحد رموز مصر الليبرالية، وعبدالناصر أحد رموز مصر التقدمية يتقلبان فى قبريهما. فلا مصر حافظت على ليبراليتها من العهد الملكى، ولا على تقدميتها من العهد الثورى. ولم تقطع رحلة الذكريات هذه إلا أصوات غناء يقودها جيمى كارتر وروزالين «عيد ميلاد سعيد... عيد ميلاد سعيد يا سعد... عيد ميلاد سعيد يا سعد!».
عندئذ تذكرت زملاء آخرين غنوا لى الأغنية نفسها فى سجن مزرعة طرة، فى اليوم نفسه منذ خمس سنوات..
ومرة أخرة قلت لنفسى سبحان مُغير الأحوال!
بقلم- د. سعد الدين إبراهيم
نقلا عن المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment