Saturday, August 09, 2008




المخرج يوسف شاهين ينتمى إلى الذين دفعتهم السينما إلى الوعى بأبعاد مجتمعه والاحساس بنبض الشارع ومشاكله، حاملا الكاميرا معه إلى عالمه الخاص "الشارع" ليصور ما يجرى فيه ويخرج منه بسينما، و أبطال من لحم ودم فى رؤية بصرية باهرة وفانتازيا، ممتزجة بذات شاهين وتفاصيله الشخصية
.بداية عمله فى السينما لم يكن يعنيه الوعى الاجتماعى أو السياسى كثيرا، وخاصة فى فيلم "بابا أمين"، وظهرت أولى صور تضامنه مع الفلاح المصرى فى فيلم "ابن النيل" عام 1952، حيث سافر بنفسه إلى أحد قرى الصعيد، وصور هناك الفيضان، وهو يجتاح قرى بأكملها، وخلط التسجيلى بالدرامى ليخلق ويؤرخ لتاريخ مصر، ما يزيد على الخمسين عاما، ويؤكد على وعيه الاجتماعى وانحيازه الواضح لطبقة الفلاحين وإيمانه بمبادئ ثورة يوليو.
أكمل الدرب ليسافر متطوعا إلى احتفال جمع الرئيس جمال عبد الناصر والزعيم السوفييتى الراحل نيكيتا خورتشوف، وهما يضغطان على زر تفجير الجبل الجرانيتى فى أسوان، إيذانا بتحويل مجرى النيل "1964"، حيث سمح له عبد الناصر بالتصوير الحى. وحين جاء موعد ضغط الزر، فوجئ حرس الرئيس الراحل بشاهين يقتحمهم ليصل إلى أذن الرئيس هامسا: "لو سمحت، لا تضغط على الزر إلا بعد أن أقول لك أوكى.."! فابتسم عبد الناصر موافقا، وبعدها بثوان قال شاهين أوكيه يا ريس، فضغط عبد الناصر على زر التفجير وليكلف بعدها بسنوات بإخراج فيلم "الناس والنيل".كانت هزيمة يونيه هى الكابوس الأكثر أثرا على فكر شاهين، ليشارك فى تظاهرات يونيه1967، التى خرجت تطالب الرئيس عبد الناصر بالتراجع عن قراره بالتنحى، لتظهر مشاعره جلية فى فيلم "العصفور"، لم يكن حزنه على رحيل عبد الناصر الذى شارك ككل المصريين فى جنازته، أكبر من تخوفه من القادم الجديد، بكل ما تعنيه رياح التغيير ليرصدها فى فيلم "عودة الابن الضال". للحرية معنى خاص جدا عند شاهين، حين خرج من بيته ليشارك فى اعتصام نقابى ضخم عام 1988 يطالب بتغيير اللوائح النقابية، وهو ما ظهر جليا فى فيلم "إسكندرية كمان وكمان" .تضامنه مع أهالى جزيرة الدهب ضد تحويل الجزيرة إلى منتجع سياحى والتصدى لقرار إخلائها، شارك تظاهرات الطلاب والمثقفين أمام جامعة القاهرة ضد غزو العراق عام 2003، ليظهر مدى الغضب العربى المتصاعد ضد الغطرسة الأمريكية، ويجسد هذا الواقع فى فيملى " الآخر" و"إسكندرية نيويورك"، وتحمل قرار منعه من العرض فى مهرجان نيويورك للسينما، بحجة تأجيج العداء بين العرب وأمريكا
.بالرغم من بلوغه الثمانيين إلا أنه شارك فى إحدى مظاهرات حركة كفاية، وكاد يموت اختناقا من القنابل المسيلة للدموع، ووجه انتقادات حادة للرئيس مبارك والانتخابات الرئاسية، وأعلن أنه لن ينتخبه ولن ينتخب نجله، وأن هذه الانتخابات مزورة، منددا بالقبضة الحديدية للشرطة التى أرهبت الشعب المصرى
.أخرج فيلم "هى فوضى" معبرا عن الحالة القمعية والفوضى، التى يعيشها المجتمع المصرى، والذى خرج اسمه تلقائيا عقب سماعه لخطاب الرئيس مبارك، واتخاذه قرارت التعديلات الدستورية، ومنعه المرض من استكمال كتابة سيناريو "الشارع لمين" والذى كان سيستخدم فيه ما صوره من مظاهرات واعتصامات ضد التعديلات الدستورية وانتخابات الرئاسة، وامتدت روح المقاومة لدى شاهين إلى الجزائر ضد المستعمر بفيلمه "جميلة"، وفى أبريل 2005 سافر إلى لبنان ليحيى مع اللبنانين ذكرى مرور 30 عاما على قيام الحرب اللبنانية، ومهنئا بانتفاضة الشباب اللبنانى بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريرى، وسجل كل تلك اللحظات.

No comments: