Saturday, December 08, 2007

برافو فنزويلا

برافو شعب فنزويلا لوعيه الديموقراطي ومقاومته الشعارات الغوغائية والرشوة البترولية ؛ وبرافو لوزارة داخلية فنزويلا؛ و«ميكرو برافو» لرئيسها هيوغو شافيز الذي قبل (على مضض) قرار الاغلبية البسيطة
(2%) اذ رفض 51% من الناخبين مشروعه بالتربع على كرسي الديكتاتورية عن طريق التصويت الديموقراطي، مقابل 49 % ابتلعوا الشعارات الغوغائية.
رفضت الامة الفنزويلية عضوية نادي امم افريقيا والشرق الاوسط بجوقته من المنشدين تأييدا لزعماء الانقلابات العسكرية غير المشروعة ليصبحوا رؤساء مدى الحياة.
سلم اعضاء النادي مستقبلهم لخيارين: تغيير البيولوجية، بعد عمر طويل عادة، ما لا تستطيعه الامة دستوريا تغييره غالبا شكلا وليس جوهرا عندما يضمن الرئيس المتدكتر (اي تحول ديكتاتورا بإرادة الشعب) استمرارية النظام بتحديد خلفه (سوريا والكونغو على سبيل المثال لا الحصر)؛ او بالتغيير بانقلاب عسكري آخر، حيث اثبت التاريخ انه اقصر الطرق الى الكارثة الحتمية بلا استثناء واحد.
لم يخطر ببالي انني ساقول يوما «برافو» مهما صغر حجمها، لمهرج جاء من الثكنات العسكرية ليجمع السلطات في يده بالتهديدات وإهانة الخصوم واتهام معارضيه بالخيانة، والعمالة، للاستعمار وبقية مفردات قاموس ميكروفونات الانظمة الشمولية غير الشرعية، وشراء الشعبية عبر الاعلام اليساري، او المرتزق، محليا وإقليميا وحول العالم، بفضل خزانة تنتفخ بـ 150 مليون دولار يوميا. لكن، وللموضوعية، ومقارنة بعدد هائل من «زعماء» الانقلابات العسكرية، نفطيين وغير نفطيين، في المنطقة التي يهتم بها قارئ الشرق الاوسط نقول برافو، على استحياء، للبهلوان، المهووس بفكرة الثورة الاشتراكية.
لم يحاول شافيز تزوير الانتخابات، ولم ينزل الجيش للشوارع، او يسوق اعوانه من قومسيونية الشعارات جموع الشعب، بالتهديد، او ترغيبا بيوم «اوفرتايم» للتظاهر بهتافات رفض «الهزيمة» الانتخابية والمطالبة بعدم التنحي عن مشروع الرئاسة مدى الحياة وتجاهل نتائج الديموقراطية المستوردة من الاستعمار.
برافو على استحياء بسبب رد فعل شافيز الذي يصدر البترول رخيصا مدعوما من قوت الشعب الفقير لمن يفوقونهم ثراء في لندن لدعم صديقه عمدتها اليساري كين ليفنغستون لكسب قلوب الناخبين بتوفير الوقود لباصاته، لأنه يشاركه كراهيته لأمريكا ويشاركه اسلوب دعم مظاهرات انفق عليها من ميزانية دافعي الضرائب اللندنيين، لإهانة الرئيس الامريكي عند زيارته، وإنفاق اموال مواطني لندن على «الاحتفال بالذكري 60 لثورة كاسترو الاشتراكية». علق شافيز بأن العيب في شعب فنزويلا وليس في مشروع التدكتر عبر صندوق الاقتراع، بما معناه ان الشعب لم ينضج بما فيه الكفاية للتحول نحو الثورة الاشتراكية!
وكغيره من المهرجين من الزعماء الثوريين الاشتراكيين المسلحين بالثروات الطبيعية، فهو يعتقد انه مفكر وفيلسوف يقود شعبا جاهلا متخلفا لا يزال امامه مشوار طويل من التطور الذهني ليلحق بالزعيم. وربما يطلع علينا شافيز بروايات ادبية وكتب في الفلسفة الملونة والتاريخ لتثقيف شعبه وتهيئته ذهنيا كي يتوجه لصناديق الاقتراع بعقلية اكثر نضجا في المرة القادمة.
ولا اعرف ما إذا كان المُهللون له من أبناء منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، الذين هللوا لنصف قرن لزعماء حركة التحرر الثورية والقومية العربية والاشتراكية البعثية والثورات المتعددة الالوان، وغيرهم من المتدكترين، فساقوا اممهم، وسط مظاهرات التأييد والمطالبة بعدم التنحي، اي الرئاسة مدى الحياة، ليفتحوا آفاقا غير مسبوقة من الفقر والخراب والهزائم والجهل، سيقفون لحظة محاسبة مع انفسهم، ويبدون، ولو على استحياء، اعجابهم بشعب فنزويلا بدلا من رئيسه، ويصفقون للناخب الذي اختار الحرية والديموقراطية وشد «فرامل» العربة المندفعة بسرعة جنونية قبل ان تقع في الهاوية؟
هل سنسمع «هتيفة» الفضائيات «الحنجورية» ونقرأ ملاحم رؤساء تحرير الصحف القومجية الثورجية الناصرية الاشتراكية الوحدوية، وتحليلاتهم العبقرية تنصف شعب فنزويلا لارتفاع وعيه وإدارته ظهره لمحاولة شراء ولائه برشوة اسمها السلع المدعومة بثروة البترول، فتحل محل اغاني المديح ومقالات الثناء على الزعيم الاشتراكي وملهم حركة التحرر الجديدة في العالم الثالث بعد ان نصبته حناجرهم الفضائية وأقلامهم النارية قائدا للعالم الثالث في المواجهة الثورية الحتمية مع الاستعمار والصهيونية والعولمة (حلت محل الرأسمالية والإقطاع في حنجوريات الخمسينات والستينات)؟
وهل سيشاركونني برافو الكبيرة جدا لوزير داخلية فنزويلا وأجهزة الامن والشرطة فيها، وجهاز الاشراف على الانتخابات؟ فهذه الاجهزة ثبت انها تتمتع بالأمانة والحرفية والإخلاص للمهنة والوطنية والمسؤولية تجاه الامة بما يكفي للتأكد من نزاهة الانتخابات وحريتها وعدم وجود الصناديق المحشوة مسبقا ببطاقة «نعم» التي ارسلها من درجت اسماؤهم على كشوف الناخبين، من المتوفين والمساجين والمهاجرين؛ وعدم شطب اسماء المعارضين من الكشوف نفسها، او سد طريق وصولهم الى لجان الاقتراع، او اغلاقها مبكرا. كان يكفي ان تزور لجنتان او ثلاث في منطقة جبلية نائية النتائج بمعدل 1.5% فتنقلب النتيجة لصالح مشروع الديكتاتورية. ومما يناقض تهريج شافيز بعدم نضج الشعب ان الناخب نفسه الذي سبق وانتخبه بحرية، لديه من الوعي ما يمكنه من ادراك الخطر الكامن في منح الزعم «كرت بلانش» ليحتكر السلطة كديكتاتور مدى الحياة فلا يزيحه إلا انقلاب آخر او تقرير من المخابرات الامريكية بامتلاكه اسلحة دمار شامل؛ وهي خيارات لا يريد شعب واع ان يرهن مستقبله بها.
ورغم قبول شافيز بالنتائج فلا يوجد رجل سياسة ديموقراطي حقيقي تحت ثيابه او تحت جلده. فهو بهلوان خطر على مستقبل امته واقتصادها، ويوشك على تغيير العملة النقدية للبلاد في وقت ترتبك فيه السياسة المالية والاقتصادية لفنزويلا حيث تبلغ معدلات التضخم 20%. وينتشر الفساد في القطاعين حيث «يخنصر» (تعبير مصري للبقال الذي يسرق جزءا من بضاعة الزبون اثناء تغليفها) مديرو البنوك من اصدقائه وحلفائه السياسيين الملايين بممارسة الـArbitraging بالتلاعب تجاريا في الاسواق في مساحة الفارق بين السعر الرسمي للعملة وسعر السوق السوداء وبين الاسواق الخارجية والداخلية بشراء السلعة نفسها وبيعها في الوقت نفسه بفارق كبير. وخطورة شافيز على شعبه انه رغم تفشي الفساد على مستوى ابتدعه مستثمر امريكي: «فساد الفساد»the corruption of corruption
(اي عدم التزام المسؤول بتقديم التسهيلات مقابل الرشوة بعد تسلمها) لما يدور في بلد افريقي كبير، فانه مصر على المضي في ثورة بناء الاشتراكية على نموذج المحليات السوفيتية البلشفية، ويعد، رغم نتائج الاستفتاء، بالمضي في ثورته الاصلاحية بالتفويض الذي استمده من انتخاب الشعب له.
فشافيز يمثل نموذجا من الآيديولوجيا والذهنية الديكتاتورية اختبرها، ولا يزالون، ابناء منطقة الشرق الاوسط وأفريقيا وكلفتهم ثمنا باهظا لا يزالون يدفعونه
عادل درويش
الشرق الأوسط 8/12/2007

No comments: