فوجئت أثناء إدارتي لاحدي جلسات المؤتمر الافتتاحي لمركز "دراسات الشرق الأوسط للحريات" مؤخراً بتعقيب من أحد الحاضرين يقول فيه دون لف أو دوران: "أنا مواطن قبطي ولا أوافق علي مطالبتكم بنزاهة الانتخابات النيابية أوغير النيابية. لأن اجراء أي انتخابات حرة الآن لن تكون له سوي نتيجة واحدة هي الانتصارالكاسح لمرشحي الاخوان المسلمين".
وظل هذا التعقيب المرير يؤرقني بضعة أيام إلي أن تلقيت يوم السبت الماضي دعوة كريمة من اسقفية الشباب بالكنيسة القبطية للمشاركة في ورشة عمل حول "الأقباط والبرلمان" أشرف علي تنظيمها سمير زكي وأدارها الدكتورعبدالمنعم سعيد مدير مركز الابحاث والدراسات الاستراتيجية.
وفي بداية هذه الورشة المهمة رصد منير فخري عبدالنور نائب رئيس حزب الوفد وعضو مجلس الشعب السابق الملامح الرئيسية التالية للمشهد السياسي المصري فيما يتعلق بموضوعنا:
1
مشكلة الأقباط ذاتهم الناتجة عن ابتعادهم عن العمل السياسي
2
مشكلة المناخ العام الذي يشهد تمييزا بين المسلم وغير المسلم نتيجة حالة ثقافية ليس مهما الآن التوقف أمام ما إذا كانت مستوردة من الخارج أم نابعة من الداخل. بيد أنها حالة جعلت القبطي يخشي ممارسة العمل السياسي. وإذا فعل فانه يجد مقاومة.
3
مشكلة الحزب الوطني الحاكم الذي اثبتت الاحداث في رأيه عدم تمتعه بحس الوحدة الوطنية والحرص علي تمثيل الجميع في المجالس النيابية. فلم يرشح قبطياً واحداً في انتخابات مجلس الشوري ولم يرشح سوي قبطي واحد في انتخابات مجلس الشعب لأنه وزير.
4
مشكلة النظام الانتخابي: حيث ثبت أن نظام الانتخاب الفردي في ظل هذا المناخ الردئ يفاقم المشكلة والحل ليس في نظام "الكوتا" الذي رفضه أجدادنا ومن المهين طرحه علي الاقباط اليوم بعد ستين عاماً من رفض أجدادهم له. وانما الحل في الأخذ بنظام القائمة النسبية الذي يمكن ان يدفع الاحزاب للبحث عن أقباط لوضعهم في قوائمهم والاستفادة من الجماهير القبطية باعتبارها كتلة تصويتية.
هذه الصورة الشاملة التي رسم معالمها منير فخري عبدالنور بصراحة وموضوعية فتحت شهية الآخرين للادلاء بآرائهم فقال الدكتور مصطفي الفقي رئيس لجنة الشئون العربية بمجلس الشعب وصاحب رسالة الدكتوراه الشهيرة عن الاقباط أن الخط البياني لتمثيل الاقباط في المجالس النيابية كان يتصاعد مع نزاهة الانتخابات ودخول حزب الوفد إلي الحكم قبل ثورة 23 يوليو 1952 وينخفض مع وصول احزاب الاقلية إلي الحكم لكن تمثيل الاقباط حتي في أسوأ الاوضاع قبل 1952 كان أفضل مما هو عليه الآن متذكراً كيف أن ياسين أحمد باشا نقيب الأشراف كان يلقي هزيمة منكرة في الانتخابات بدائرة قنا أمام مكرم باشا عبيد القبطي وهو أمر من المستحيل أن يحدث الآن. وأشار الدكتور مصطفي الفقي إلي أن تدخل الدولة بهذا الصدد تدخل سلبي فالحزب الوطني لا يرشح أقباطاً وكان تدخل الحزب الوطني لاسقاط منير فخري عبدالنور في دائراة الوايلي أمراً مؤسفاً أما نجاح يوسف بطرس غالي فهو "نجاح وزراء" مثلما كان نجاح رامي لكح "نجاح للمال".
واستنتج ان هذا يأتي في سياق ترد للمناخ العام الذي اصاب الشخصية المصرية بالتلوث. بحيث إن بعض المصريين أصبحوا ينظرون إلي الأقباط اليوم علي أنهم "دخلاء"! وفي نفس الوقت تقوم السلطة التنفيذية بتكريس ذلك فلا نجد مثلاً رئيس جامعة مسيحي.
أما الدكتور أسامة الغزالي حرب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية فقد رأي أن كل الأحزاب والتنظيمات القائمة شكلية وديكورية. وبالتالي لا معني للحديث عن مغزي تمثيل او عدم تمثيل الاقباط لأن الغالبية المسلمة في رأيه ليست ممثلة هي الأخري.
وربط بين ذلك وبين تدهور الثقافة وانخفاض درجة التسامح في المجتمع المصري. كما ربط بين هذا التمييز المتزايد وبين عنصر خارجي ناجم عن الاحتكاك مع دول الخليج وعنصر داخلي هو تزايد دور الاخوان المسلمين.
لكنه شاء نقد الجماعة القبطية وتحميلها مسئولية جزء من ذلك نتيجة لعاملين:
الأول هو تكريس فكرة مشاركة المسيحيين في الحياة الاقتصادية بدلاً من الحياة السياسية.
والثاني هو الميل لدي كثير من العناصر القبطية لتأييد الحزب الوطني في السنوات العشرين الأخيرة بعد أن أفلح الحزب الحاكم في اقناعهم بأن البديل لهم الأخوان المسلمون.
أما الدكتور محمد أبوالغار الأستاذ الجامعي المرموق ومؤسس حركة 9 مارس المنادية باستقلال الجامعة فقد لفت الأنظار إلي ظاهرة سلبية بدأت تظهر في الحرم الجامعي يطلق عليها الطلاب إسم CH وهي أماكن منعزلة يجتمع فيها الطلاب الاقباط معاً بين المحاضرات بدلاً من الامتزاج مع باقي الطلاب وهي ظاهرة خطيرة تبين المدي المروع الذي وصلت إليه حالة الفرز الطائفي في المؤسسة التعليمية.
وقال الدكتور أبوالغار إن دخول السياسة في الدين هي أحد أسباب سلبية الأقباط
وفي نفس الاتجاه أكد الكاتب الصحفي نبيل عمر أن الموضوع اكبر من تمثيل الاقباط في البرلمان وان التفكير من هذا المنظور تكريس للواقع المشوه القائم علي تقسيم المجتمع إلي طوائف وفئات "قضاة أساتذة جامعة صيادلة أطباء مسلمون أقباط 100%" وأن هذا المنهج يمثل خطراً شديداً لأنه يجعلنا نفكر في هذه الفئة أو تلك الطائفة وننسي أن نفكر في مصر.
أما الدكتور عماد جاد الباحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام ومدير مركز مناهضة التمييز فقد ذهب إلي القول بأن المسألة أكثر سوداوية مما نتصور. خاصة وأن نظام التعليم ذاته قائم علي الفصل بين المسلمين والمسيحيين وليس عجيبا والأمر كذلك أن نري الاتجاه الطائفي يصل إلي النوادي الرياضية لدرجة أن يلجأ بعض المسيحيين إلي إنشاء ناد رياضي واجتماعي قبطي مؤكداً أن المجتمع المصري يتجه بقوة وسرعة صوب اليمين بكل ما يتضمنه ذلك من تكريس لسياسات التمييز والفرز الطائفي.
لكن الدكتور سمير فياض نائب رئيس حزب التجمع كان أقل تشاؤما رغم تأكيده علي أن المادة الثانية من الدستور محبطة لكل تقدم بيد أنه زرع بذرة للأمل بتأييده لنظام القائمة النسبية علي ان يكون المرشح المسيحي رقم 3 في القائمة حتي تزداد فرص نجاحه في الانتخابات. ولفت الدكتور فياض النظر إلي حقيقة مدهشة هي أن 32% من أطباء مصر مسيحيون وأكثر من 50% سيدات ومع ذلك يكتسح الاخوان المسلمون انتخابات نقابة الاطباء لأن الاغلبية لا تشارك فيحظي الاخوان المسلمون بالكعكة كلها ب 21% من الاصوات فقط.
وبينما وافق مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين علي معظم الأسباب السابقة فإنه شاء تسجيل عدة ملاحظات مهمة:
1
أنه لا يوافق علي تعليق مسئولية عدم تمثيل الاقباط في رقبة ثورة 23 يوليو.
2
أن المؤسستين الدينيتين. الأزهر والكنيسة. بقيا علي جمودهما ولم يتجددا وما لم نتفهم مسئولية الازهر والكنيسة سنظل بعيدين عن الحل. وهو أمر يتطلب حرثا ثقافيا للأمة.
3
أننا نواجه ميراثا عميقا من عزلة الاقباط علي مدي سبعين عاما. وهو ميراث يحتاج جهداً ضخماً لتبديد هذه العزلة.
4
أن بعض الاقباط يخطئون في توصيف ما يحدث في مصر. فنجد نفراً منهم يعمد إلي تصوير أي علاقة غرامية بين فتي مسلم وفتاة
مسيحية علي أنها مؤامرة واختطاف. ونجد نفراً لا يستنكف الاستقواء بالاجنبي بينما نري انفصالاً يتزايد بين الكنيسة والمجتمع.
ولفت مكرم محمد أحمد النظر إلي أهمية المجتمع المدني في محاربة هذا التمييز المتصاعد. وإلي أهمية قيام حركة تجديد ثقافي بطول البلاد وعرضها دفاعاً عن الدولة المدنية ومبدأ المواطنة.
وللحديث بقية
بقلم : سعد هجرس
موقع الحوار المتمدن
No comments:
Post a Comment