Saturday, December 08, 2007

هي فوضي" حالة العداء بين السلطة والمجتمع "

يرصد فيلم "هي فوضي" للمخرج الكبير يوسف شاهين والمؤلف ناصر عبدالرحمن حالة الإعياء الشديدة التي أصابت مجتمعنا وجعلته عاجزا عن الحركة للأمام.. حيث يتناول قضايا ومشكلات عديدة في مقدمتها اضطراب العلاقة بين الشرطة والمجتمع وفساد العملية التعليمية والبطالة.. ولم يتوقف فريق العمل عند الطرح وكشف السلبيات وانما قدم الحل في شكل ثورة نظيفة يقودها أفراد توحدت ارادتهم علي هدف واحد وهو محاربة الظلم والقهر.

تبدأ أحداث الفيلم داخل قسم شرطة شبرا، حيث يتم تعذيب مجموعة من الشباب الذين تم القاء القبض عليهم في المظاهرات.. ويظهر فيالصورة أمين الشرطة »حاتم« أو خالد صالح بملامح غاضبة ونظرات لا تعرف معني الرحمة.. وهو شخص جاهل بمفهوم السلطة ويتلذذ بإرهاب الآخرين، ولأن الحياة مجموعة تناقضات نري نموذجا مغايرا ومخالفا تماما لأمين الشرطة وهو وكيل النيابة »شريف حافظ« أو يوسف شريف الذي يتعاطف مع المتظاهرين ويصدر قرارا بالإفراج عنهم وهنا يحدث الصدام بين السلطتين القضائية والتنفذية حيث يتجاهل القائمون علي العمل بقسم الشرطة قرار الإفراج وكأنه لم يكن ويصرون علي حبس المتظاهرين.

وتمضي الأحداث ويشتد الصراع بين أمين الشرطة ووكيل النيابة ولكن في منطقة أخري بعيدة عن محيط العمل.. وتكون »نور« أو منة شلبي محور الصراع أو الخلاف فهي فتاة ذات جمال ودلال وتعمل مدرسة في مدرسة حكومية وتحب وكيل النيابة ابن مديرة المدرسة التي تجسد دورها هالة صدقي لكنه لا يشعر بها بسبب ارتباطه بفتاة منحلة اخلاقيا.. ومن سوء حظ »نور« الجميلة ان أمين الشرطة يسكن بجوارها ومن فرط حبه لها يطاردها في الشارع والحمام لكنها لا تشعر بوجوده.. وفي تطور سريع يكتشف »شريف حافظ« أن »سلفي« التي كان ينوي الارتباط بها غير مناسبة ويحدث الانفصال وعن طريق الأم مديرة المدرسة تبوح »نور« بحقيقة مشاعرها لوكيل النيابة الذي ينجذب اليها ويتقدم لطلب يدها رسميا.. وما أن يعلم أمين الشرطة بذلك إلا ويقرر الانتقام ويدبر الأمر بمكر وخبث ويخطف نور، وفي مكان مهجور يعتدي علي بكارة إحساسها ويهدر عذريتها.

وعندما تسترد »نور« وعيها وتكتشف الأمر تعود الي امها هالة فاخر وفي مشهد أكثر من رائع تتلاقي عيون الأم والابنة العائدة بملابس ملوثة بدماء الجريمة وتحدث مصارحة صامتة وتسقط الدموع معلنة حجم الكارثة.. ويتولي وكيل النيابة القضية وتقود الأم ثورة شعبية ويستجب لها كل الشرفاء الذين تجرعوا مرارة الظلم والقهر.. وتتجه الجماهير الغفيرة الي قسم الشرطة ويحاول المأمور والضابط الفاسد التستر علي »حاتم« ولكن تفشل جهودهما وعندما يحاول حاتم الهروب يمسك به الأهالي.. ورغم سقوطه يتمادي في عناده وغيرته ويخرج مسدسه ويطلق النار علي وكيل النيابة الذي يرفض الاستلام ويظل واقفا رغم الألم.. وينهار حاتم أمام نفسه وينتحر وقبل أن تهجر روحه الجسد سأله المأمور لماذا تبكي فيرد بأنه لن يري »نور« مرة ثانية.. وهذا المشهد يعد من أقوي المشاهد في الفيلم.

فيلم »هي فوضي« يؤكد أن يوسف شاهين مبدع وأن جينات العبقرية تتجدد من تلقاء نفسها رافض الخمول والسكون مهما كان الواقع مؤلما.. ويؤكد أيضا ان المخرج خالد يوسف صاحب رؤية خاصة ومختلفة عن أبناء جيله.

نجح المؤلف وكاتب السيناريو ناصر عبدالرحمن في اظهار جهل أمين الشرطة من خلال العديد من المواقف اهمها قيامه بتقطيع لوحة أثرية عمرها 130 سنة واعجابه بلوحة مزورة أكثر من الأصل.. كما استطاع ان يجبر الجمهور علي التعاطف مع شخصية »حاتم« رغم تجاوزاته وذلك بتقديمه كضحية لظروف اجتماعية واقتصادية خارجة علي ارادته.. كعادته دائما تألق الموسيقار ياسر عبدالرحمن فيوضع موسيقي تصويرية تحتوي علي تنويعات مختلفة وجاءت معبرة ومناسبة لكل المشاهد والحالات الانفعالية.

أداء الممثلين أكثر من رائع فقد قدم خالد صالح دوره بحرفية شديدة تؤكد أنه يرتقي بأدواته كممثل من وقت لاخر.. منة شلبي تعايشت مع الشخصية الي حد التطابق، يوسف شريف موهبة تجمع بين الجدية والهدوء.. هالة فاخر كانت في أحسن حالاتها، أحمد فؤاد سليم وعمرو عبدالجليل وهالة صدقي كانوا جميعا متميزين ولهم حضور خاص.. ولا شك أن مشاهد التجمعات تم تنفيذها بشكل جيد ويرجع ذلك الي البراعة في التنظيم لهذه الحشود ومهارة مدير التصوير رمسيس مرزوق الذي قدم صورة مبهرة.

باختصار فيلم »هي فوضي« تجربة سينمائية مكتملة العناصر ورصد لواقع مرير تعيشه مصر الآن.. وإن كنت أري أن انتهاك عذرية الحسناء »نور« أمر فيه رمزية عالية وربما أراد المؤلف الايحاء بأن مصر هي »نور« والعكس وأن المعتدين فئة من الجهلاء لا يعرفون قدر وقيمة هذا البلد العظيم
صفوت دسوقي
موقع حريتنا

No comments: