الحكومة تستخدم إستراتيجية البديل المستحيل مع "الإخوان"
ثنائية الدولة والتيار الديني سبباَ في انسداد الأفق
محمود أباظة هو الرئيس الخامس لحزب الوفد، أقدم الأحزاب السياسية في مصر والحزب الوحيد الذي استمر منذ الفترة الملكية حتى الآن، وتم حظره عام 1954 ضمن بقية الأحزاب التي كانت قائمة وقتها، وقد عاد الحزب للحياة السياسية عام 1978 حيث تولى رئاسته أحد زعمائه التاريخيين هو فؤاد سراج الدين - سكرتيره العام نهاية الأربعينيات ورفيق كفاح مصطفى النحاس- حتى توفي عام 2000 فتولى الرئاسة نائبه الأول نعمان جمعة أستاذ القانون والمحامي الشهير والذي أدار الحزب بطريقة فردية ومستبدة، وحاد به عن مبادئ الوفد التليدة حتى اعتبر المراقبون المرحلة التي تزعم فيها الوفد قطعاَ مع تاريخ الوفد، وأقيل نعمان جمعة عام 2006 وانتخب محمود أباظة رئيساَ للحزب بأغلبية كبيرة، إلا أن نعمان جمعة ومناصروه لم يرتضوا الإقالة، واقتحموا الحزب بقوة السلاح صبيحة الأول من أبريل 2006، فتنادى أعضاء الحزب في القاهرة والجيزة وتجمعوا أمام القصر الشهير في الجيزة حيث مقر الحزب العريق في محاولة لاستعادته، فكانت مجزرة لم تشهدها الحياة السياسية في مصر طوال تاريخها، أصيب فيها سبعة وعشرون وفدياَ برصاص أحد أنصار نعمان جمعة الذي كان متحصناَ داخل إحدى غرف القصر، وبعد ثمانية ساعات كاملة ووسط الدماء والخراب والحرائق التي أشعلها أنصار جمعة داخل مقر الحزب أستطاع شباب الحزب أن يحطموا الأسوار ويستعيدوا حزبهم من أيدي المعتدين.ومحمود أباظة واحداَ من جيل لم يشهد الوفد القديم، فهو من مواليد عام 1948، وهو محام درس القانون في جامعة القاهرة، وأكمل دراساته العليا في القانون الدولي في فرنسا، وعمل محامياَ في باريس، وعاد للقاهرة ليعمل محامياَ بها في سبعينيات القرن الماضي، ثم ترك المحاماة ليتفرغ للعمل السياسي والحزبي، وهو سليل عائلة من أعرق العائلات في مصر ويمثل بلدته (التلين – محافظة الشرقية) في البرلمان منذ سنوات طويلة، وأباظة مثقف من العيار الثقيل يقرأ بعدة لغات، وهو فضلاَ عن ثقافته القانونية الرفيعة، قارئ جيد للتاريخ، وعلى اطلاع واسع بما يجري في العالم كله. الحوار المتمدن التقت محمود أباظة، وكان معه الحوار التالي:
نبدأ بما أطلق عليه "الائتلاف الديمقراطي" أو الجبهة التي شكلتها أربعة أحزاب معارضة، ما هي أهدافها؟
• هذه الجبهة تشكلت مؤخراَ من أحزاب "التجمع" و"الناصري" و"الجبهة الوطنية" و"الوفد" نتيجة للدعوة التي قدمها حزب الوفد لإجراء حوار وطني واسع حول كافة القضايا وقد توصلنا إلى وضع ميثاق مشترك يتضمن ثلاث قضايا رئيسة، هي الإصلاح السياسي،
والإصلاح الاقتصادي، والإصلاح الاجتماعي.
•
وما هي أهم ملامح هذا الميثاق؟
الإصلاح السياسي ملامحه معروفة ومتفق عليها ونحن ندعو في هذا الصدد إلى تداول حقيقي للسلطة في كافة المواقع، واستقلال تام وغير منقوص للقضاء، وحرية رأي كاملة وغير منقوصة. وفيما يتعلق بالجانب الاجتماعي فنحن نطالب بسياسة اقتصادية واجتماعية تضع حداَ لظاهرة التهميش الاجتماعي والاقتصادي، فليس مقبولاَ مثلاَ أن يكون في مصر 2 مليون طفل شوارع، فقد وصلنا إلى مرحلة من التهميش الاقتصادي الحاد الذي يجعل تلك الأسر لا تستطيع حتى الحفاظ على أبنائها. وفي الجانب الاقتصادي نطالب بسياسات جادة لإصلاح الاختلالات الاقتصادية، وبالطبع فليس هناك خلاف حول حرية السوق، ولكن يجب أن تكون هناك سياسات لإصلاح اختلالات السوق
.•
ولكن البعض يعتقد أن الأوضاع في مصر تستعصي على الإصلاح؟
• بالفعل الأوضاع أسوأ مما نتصور، ولكنها لا تستعصي على الإصلاح، نحن في مصر نشبه مجموعة من الأشقاء يمتلكون بيتاَ للعائلة، إلا أن أحدهم استأثر بالبيت وطرد الآخرين منه، ومهمتنا الآن أن نعيد بقية المصريين لبيت العائلة ونضع حداَ لهذا الشقيق الذي اغتصب البيت وطرد إخوته.•
وهل كانت هناك ثمة خلافات حول هذا الميثاق بين الأحزاب الأربعة المكونة للجبهة خاصة وأن حزبي "الوفد" و"الجبهة الديمقراطية" لهما توجه ليبرالي، وحزبا "التجمع" و"الناصري" لهما توجه اشتراكي؟
• كانت هناك خلافات بسيطة تم تجاوزها خاصة أننا نعمل في إطار جبهة تقوم على الأشياء المشتركة المتفق عليها وهي كثيرة جداَ، وقد تناقشنا كثيراَ ووصلنا لاتفاقات جيدة، والمشكلة التي يتفق عليها الجميع في مصر أننا لا يوجد لدينا تداول للسلطة، ولدينا قوتين فاعلتين في المجتمع هما الدولة والتيار الديني، وأنا أقول الدولة وليس الحزب الوطنيإستراتيجية البديل المستحيل
• أنت تفترض إذاَ أن الدولة والحزب الوطني الحاكم كياناَ واحداَ؟
• نعم، وإذا أخرجت الدولة من الحزب الحاكم لن يكون هناك حزب ولا حاكم، المهم أن هذه الثنائية (الدولة والتيار الديني) هي التي تسد الأفق وتجعل المستقبل غامضاَ وبالتالي يجب فتح هذا الانسداد بوجود قطب ثالث، وكل من التيار الديني والدولة "مرتاح" لهذه الثنائية، فالتيار الديني يعمل خارج قيود الشرعية التي تكتف بقية الأحزاب والقوى السياسية المعارضة، وهنا هو مستفيد مرتين الأولى لأنه يبدو كضحية والناس تتعاطف دائماَ مع الضحايا، والثانية أن من لا يطيق الوضع القائم لا يجد أمامه سوى الإخوان، والدولة أكثر حرصاَ على هذه الثنائية حتى يكون البديل الوحيد لها بديلاَ غير مقبول.
• تقصد إستراتيجية البديل المستحيل؟
• بالضبط ... تماماَ، ولكن المشكلة التي قد لا يدركها أولي الأمر في الدولة أن البديل المستحيل يمكن أن يتحول في يوم من الأيام إلى البديل الوحيد، لأن قوى التغيير يمكن أن تتجمع في لحظة واحدة رغم كل تناقضاتها، وإلا فهل كنت تتصور في يوم من الأيام أن "العماد ميشيل عون" يمكن أن يتحالف مع حزب الله في لبنان.
• وهل الجبهة التي شكلتموها مفتوحة لانضمام أحزاب أو قوى سياسية أخرى؟
• نحن لدينا برنامج واسع أعتقد أن معظم المصريين متفقين عليه، والباب مفتوح لانضمام كافة القوى والتيارات السياسية الموجودة في المجتمع.
• بما فيها الإخوان المسلمين؟
• نحن نتحاور مع الإخوان المسلمين ونلتقي بهم ونتفق معهم في كثير من المطالب التي يتفق عليها الشارع السياسي في مصر، ولكننا نختلف معهم جذرياَ في مسألتين أساسيتين هما "المواطنة" و"الوحدة الوطنية"، فنحن نعتبر أن المواطنة هي المناط الوحيد للحقوق والواجبات، وأنه لا يجوز التفرقة بين الناس على أساس الدين أو المذهب أو العرق أو الجنس، وإخضاع المواطنة لأية مرجعية دينية يعد مساساَ بالوحدة الوطنية، وهو هنا مساس بأهم ثوابت الوفد الذي قام منذ ما يقرب من 90 عاماَ على ركيزتين أساسيتين هما: سيادة الأمة بمعنى الاستقلال في مواجهة الخارج الذي كان المحتل حينئذ، واستقلال الإرادة تجاه الحاكم في الداخل، والركيزة الثانية هي الوحدة الوطنية، وفي أدبياتنا أن المجتمع الذي يهمش الفئات الأضعف أو الأقل عدداَ هو مجتمع لا يمكن أن تلتئم فيه الوحدة الوطنية، ولهذا لا يمكن أن نلتقي سياسياَ مع الإخوان.
• لكنكم تحالفتم معهم في الانتخابات التشريعية للعام 1984.
• نحن تحالفنا معهم في هذه الانتخابات على برنامجنا وشعاراتنا، وفؤاد سراج الدين اشترط عليهم ألا يتسللوا إلى تنظيمات الوفد، وأن يلتزموا برأي أغلبية الهيئة البرلمانية ومواقفها داخل البرلمان، وخلافنا الحالي معهم يتعلق بمسألتي الوحدة الوطنية والدولة الدينية.خطر كبير
• إذاَ أنتم ترفضون الدولة الدينية؟
• نحن نرفض تماماَ الدولة الدينية لأسباب كثيرة أهمها أنها قد تؤدي لتقسيم مصر إلى دولتين على الأقل، فعندما يكون لدي في العمل السياسي مرجعية دينية في مجتمع يدين بديانتين مختلفتين فإنني سوف أصل بالضرورة إلى دولتين.
• ولكن ألا ترون أن الدولة الدينية خطر على المسلمين أيضاَ؟
• بالطبع خطر كبير لأنها تؤسس للشقاق، لأنني بداية لو سمحت بقيام حزب على أساس مرجعية دينية، فلن يكون لدينا حزباَ واحداَ ذو مرجعية إسلامية، بل سيكون لدينا حزباَ للإخوان وحزباَ للجماعة الإسلامية وحزباَ لتنظيم الجهاد وحزباَ للسنة وحزباَ للشيعة، وعل الناحية الأخرى سيكون لدينا حزباَ للأرثوذكس وحزباَ للكاثوليك وحزباَ للبروتستانت، وكما تعلم فهناك أربعة أحزاب دينية إسلامية تحت التأسيس الآن أحدها هو حزب الإخوان المسلمين. ومن ناحية أخرى فإنه من غير المقبول أن نعود إلى الوراء، فنحن كنا في دولة دينية دامت حوالي 1300 سنة هي الخلافة، وقد تجاوزناها، كما كانت الإمبراطورية الرومانية دولة دينية في أوروبا ثم تجاوزتها المجتمعات الأوروبية، والبشرية كلها بدأت بالخلط بين الدين والدولة، وانتهت إلى الفصل التام بينهما.
• ولكنهم يقولون أن الإسلام دين ودولة، ويزعمون أن الدولة الدينية كانت قائمة في عهد الخلفاء الراشدين؟
• هذا ليس صحيحاَ، الإسلام دين ودنيا، ولكنه ليس دين ودولة، ولم يكن أبداَ كذلك، والدليل أنه عندما توفي الرسول (صلعم) اختلف أصحابه فيما بينهم، لم يختلفوا على الدين ولكن اختلفوا على الدولة، معنى ذلك أن الدين ترك الدولة للناس، ولو كان الله يريد الدولة الإسلامية لكان قد نظمها كما نظم المواريث والزواج والطلاق، والصحابة هم أول من اختلفوا على الدولة وتحاربوا وتقاتلوا وقتل بعضهم بعضاَ.انقسامات كثيرة•
كان حزب الوفد القديم تاريخياَ من دعاة الوحدة العربية، وكان زعيمه مصطفى النحاس وراء إنشاء الجامعة العربية عام 1945، فلماذا تراجعت اهتمامات الحزب عربياَ في السنوات الأخيرة؟
• اهتماماتنا العربية لم تتراجع، ولكن المسألة مسألة أولويات، والمشاكل الداخلية في مصر كثيرة جداَ لدرجة تبعدنا عن الاهتمام بعلاقات الحزب الخارجية، ولكن الوفد كان دائما له مواقف مشهودة ومتميزة في كل القضايا العربية، فقد كنا أول من اتخذ موقفا صلباَ ضد الغزو العراقي للكويت، وأيدنا الحل العسكري لتحرير الكويت في الوقت الذي كان هناك تيار عارم في مصر والعالم العربي ضد التدخل الأميركي، وضد مشاركة قوات عربية معه، وقد تسببت هذه المسألة في انقسامات كبيرة داخل العديد من الأحزاب المصرية، ولكن فؤاد سراج الدين قال في خطابه الشهير عقب الغزو مباشرة " أن ما فعله صدام حسين أصاب حلم الوحدة العربية في مقتل، وأنه تفكيك للتضامن العربي لأن كلاَ منا أصبح يخشى غدر الشقيق، كما كان لنا موقفاَ أيضاَ من العدوان الإسرائيلي على لبنان.
• والآن كيف ترون الأوضاع العربية؟
• العالم العربي كله في مفترق طرق، وهذه المنطقة كلها على حافة بركان، ونحن نعيش فترة استثنائية جداَ وخطيرة بسبب الأزمة العراقية التي أدخلت الفيل الأميركي في "متجر (أطقم المائدة) الصيني" فأخذ يكسر كل شيء، وما يحدث في إيران (الخلاف النووي الأميركي الإيراني) وفي سوريا وفي لبنان وفي جنوب تركيا في السودان، كل هذه الأحداث لا يمكن أن نفصلها عن الأزمة العراقية، وأنت مثلاَ لا يمكن أن تطالب إيران أن تتراجع عن برنامجها النووي بينما هناك مائة وستون ألف عسكري أميركي على حدودها الغربية.
• ولكن ديكتاتورية النظام العراقي هي من أتى بالفيل الأميركي للمنطقة؟
• نظام صدام حسين يندر أن تجد نظاماَ أسوا منه في العالم، ولكن العلاج كان خاطئاَ، وهناك أشياء عندما تنكسر لا يمكن إصلاحها، وفي أحد اللقاءات مع "كوندوليزا رايس" قلت لها أن هناك أغنية إنكليزية للأطفال تقول ما معناه " أن هناك بيضة وقعت فانكسرت، واجتمع كل عساكر الملك ولم يستطيعوا أن يعيدوها.كلنا شركاء
• وما العمل في رأيكم؟
• للأسف كلنا شركاء فيما وصلت إليه الأحوال العربية، فخلال الربع قرن الأخير كانت هناك إرهاصات كثيرة تنبئ بما نحن فيه، العديد من الأزمات تعاملنا معها بإهمال وبعدم اكتراث، مثلاَ نحن ارتكبنا خطيئة كبرى بمساندة العراق في حربه مع إيران، في الوقت الذي كان يجب أن نبذل جهداَ لوقفها.
• تقصد مصر؟
• ليست مصر وحدها بل الكويت والسعودية، جميعهم ساعدوا نظام صدام حسين بالمال والسلاح في الحرب العراقية الإيرانية، كما تركنا لبنان رهينة لسوريا وتأخر الحل الذي تم في "الطائف" 15 سنة كاملة.
• والسودان؟
• ما يحدث حالياَ، وما يمكن أن يحدث مستقبلاَ في السودان هو نتيجة لإهمال السياسة المصرية للسودان طوال عدة عقود، والسودان معرض للتقسيم حالياَ، ونحن في حزب الوفد لدينا علاقات جيدة بكافة الأطراف السودانية ولكننا لا نستطيع التأثير، ونطالب الحكومة المصرية بأن تتدخل بما لديها من تأثير لدى كافة الأطراف السودانية، ولقد قال لي مرة الزعيم الجنوبي الراحل "جون جارانج" أن البديل لوحدة السودان ليس تقسيمه لدولتين، ولكن لعدة دويلات صغيرة وضعيفة
.• ولكن "جون جارانج" هذا خاض حرباَ طويلة من أجل استقلال الجنوب؟
• لا ... لقد كان مناوراَ كبيراَ، كان يحارب من أجل الضغط على حكومة الشمال لأنه كان يريد أن يحكم السودان كله ... السودان الموحد.•
وهل لديكم علاقات مع أحزاب عربية؟
لدينا علاقات قوية وتاريخية مع حزب الاستقلال المغربي، وتاريخياَ كان للوفد علاقات قوية مع الزعيم المغربي "علال الفاسي" في المغرب، ومع "الحبيب بورقيبة" في تونس، وأنا كعضو في البرلمان المصري لدي العديد من العلاقات مع زملائي في البرلمانات العربية
• وهل تعتقدون بوجود ديمقراطية في العالم العربي؟
• نعم، وإلى حد كبير، في بعض الدول مثل لبنان والمغرب والكويت، وأذكر أنني حضرت في فبراير الماضي برفقة وفد برلماني مصري إحدى جلسات مجلس الأمة الكويتي وكانت مخصصة لمناقشة استجواب برلماني مقدم ضد وزير الصحة الكويتي وقتها وهو الشيخ احمد العبد الله الصباح، وقد استمرت تلك الجلسة حوالي ست ساعات وكانت المناقشات ساخنة جداَ من مقدم الاستجواب وبقية النواب، رغم أن الوزير المستجوب كان أميراَ، وتم استكمال المناقشات في جلسة أخرى لم نحضرها وفي نظري هذه ديمقراطية كبيرة. وقد قلت لأعضاء البرلمان الكويتي أن ما يجمع بين مصر والكويت هو ارتباط الاستقلال بالديمقراطية في كل منهما، فقد أنشأتا برلمانيهما عقب الاستقلال مباشرة، وقبل الاستقلال كان الكويتيون يبحثون مسألة الدستور،ولذلك فقد استقطبت الكويت كبار فقهاء القانون الذين خرجوا من مصر في الستينيات أمثال الدكتور وحيد رأفت الذي عمل مستشاراَ دستورياَ في الديوان الأميري، والدكتور عثمان خليل الذي ساهم في إعداد الدستور الكويتي، والفقيه القانوني الكبير الدكتور السنهوري وغيرهم، واستقطاب هذه العقول يكشف عن توجه الكويت نحو سيادة القانون والديمقراطية منذ وقت بعيد.
• كنتم شركاء في مرحلة نعمان جمعة، ثم اختلفتم معه؟
• أولاَ نحن ليس لدينا مراحل، ونحن أيضاَ كنا شركاء في مرحلة فؤاد سراج الدين، وكان نعمان جمعة شريكاَ فيها، بل كان نائباَ أول لرئيس الحزب وكان يعمل مع فؤاد سراج الدين، وكان قريباَ جداَ منه.
• إذاَ ماذا حدث؟
• المشكلة أن فؤاد سراج الدين كان له "كاريزما" خاصة، وذلك لأسباب شخصية وتاريخية ولأنه كان سكرتير عام الوفد القديم، وكان ذو شخصية قوية جداَ فكانت الفترة التي تزعم فيها حزب الوفد تتميز بنوع من النظام الأبوي لإلى حد ما، لكن لا يستطيع أن ينكر أحد أن سراج الدين برغم ذلك كان ديمقراطيا، وذلك بحكم تربيته والمناخ الذي عاش فيه، ولأنه ينتمي إلى جيل يعرف كيف يتفق وكيف يختلف، في تلك الفترة كان رئيس الحزب يملك سلطات كثيرة وكانت مدة رئاسته غير محددة.•
وما المشكلة؟
• المشكلة أن نعمان جمعه فاته أن ما كان يصلح لفؤاد سراج الدين لا يصلح لغيره، وفاته أن سراج الدين لم يكن يستمد تلك السلطات من كونه رئيساَ للوفد، ولكن رئاسة الوفد هي التي استمدت هذا النفوذ وهذا التأثير من شخصه، وبالتالي عندما حاول نعمان جمعة أن يستمر بهذه الطريقة أخطأ أخطاء كبيرة، ثم تراكمت هذه الأخطاء، ونحن تحملناه في البداية على أنها مسألة مؤقتة إلى أن انفجرت الأزمة.
• وما هي نقطة التحول التي فجرت الأزمة؟
• نقطة التحول كانت انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2005 التي ترشح فيها نعمان جمعة، فقد كان يأمل أن يكون مرشح المعارضة الوحيد، خاصة بعد اعتذار خالد محيي الدين وضياء الدين داوود وعدم رغبة رفعت السعيد في التقدم للانتخابات، وكان يأمل أن يتم منع أيمن نور من التقدم لتلك الانتخابات.•
لماذا؟
• لأنه كان يكرهه، ولأسباب كثيرة منها أنها كان متصوراَ أن السماح لنور بحزب سياسي مؤامرة حكومية وسياسية على الوفد وعليه شخصياَ، ولذلك أدار جمعة الحوار منفرداَ مع الأحزاب حول انتخابات الرئاسة، وعندما لم يتحقق له أن يكون مرشح المعارضة الوحيد قرر عدم التقدم للانتخابات.
• ولكنه في النهاية تقدم وخاض تلك الانتخابات؟
• من هنا بدأت الأزمة الحقيقية ففي اجتماع الهيئة العليا لحزب الوفد المخصص لمناقشة الموضوع كان قد أعد ورقة تتضمن إعلان الحزب عدم خوض الانتخابات، وفوجئ برفض الأغلبية لاقتراحه، وكانت تلك أول مواجهة علنية بينه وبين الهيئة العليا فاضطر للرضوخ ولكنه أدار المعركة بشكل سيئ، وخلال الفترة التالية استطاعت مؤسسات حزب الوفد أن تفرض التغيير بدون انقلاب وبدون عنف.قمة العنف•
وما حدث في أول أبريل، أليس قمة العنف؟
أم كان محاولة انقلاب مضادة؟
• ما حدث في أول أبريل كان قمة "البلطجة" وكان انقلاباَ مضاداَ بكل معنى الكلمة، وهو مسألة تأتي خارج السياق السياسي والديمقراطي تماماَ فعقب الانتخابات الرئاسية تفاقمت الأزمة بين جمعة وكافة مؤسسات الحزب فقررت إقالته ولكن تم إرجاء الأمر حتى انتهاء الانتخابات التشريعية في ديسمبر 2005، ثم اجتمعت الهيئة العليا للحزب في 18 ديسمبر وجددت به الثقة شريطة أن ينفذ قراراتها التي تتضمن إلغاء العديد من قراراته المنفردة المتعلقة بالحزب والجريدة إلا أنه حاول الالتفاف على قرارات الهيئة العليا بل حاول تغيير هياكل الحزب بشكل منفرد، وفي الاجتماع التالي للهيئة في 18 يناير 2006 رفض عقده فانتقلنا إلى غرفة أخرى فحاول عرقلة الاجتماع عن طريق بعض الخارجين على القانون الذين استقدمهم من خارج الحزب إلا أن الاجتماع تم وقررت الهيئة العليا إقالته بأغلبية 34 صوتاَ من 42 عضواَ حضروا الاجتماع، فرفض التوقيع على القرار أو تنفيذه ورفض تسليم مكتبه فتم دعوة الجمعية العمومية في 10 فبراير فصدقت على قرار إقالته بأغلبية 95% من أعضائها وتم تغيير اللائحة بتحديد مدة الرئاسة بأربعة سنوات تجدد لمرة واحدة فقط وهو الأمر الأهم بالنسبة لنا، فاتفق مع المحامي أحمد ناصر على اقتحام الحزب بقوة السلاح وبمساعدة الخارجين على القانون، وكان ما كان في أول أبريل.•
ولكنكم كنتم طوال تلك الفترة تحتفظون بعلاقات جيدة مع نعمان جمعة؟
• الخطأ في ممارسة السياسة مسألة واردة دوماَ وهي مسألة تغتفر في العمل السياسي، أما الخطأ الأخلاقي فلا يمكن تجاوزه أو التسامح فيه، لقد حاولت من جانبي منذ يناير حتى نهاية مارس 2006 التفاوض مع جمعه، وعرضنا عليه تعيينه رئيساَ شرفياَ للحزب – بلا سلطات – مدى الحياة، ولكنه رفض كل العروض، وكان ما حدث في أول أبريل فكانت القطيعة الدائمة لأنه صار بيننا وبينه دماء سبعة وعشرون وفدياَ أصيبوا في تلك الأحداث.
• وهل تعتقدون أن جمعة كان لديه ضوءاَ أخضر من أطراف في السلطة لاقتحام الحزب وقتها؟
• لا أعلم، ولكنه كان رئيساَ للحزب فترة طويلة ولديه الكثير من العلاقات، وأنا أعتقد أن وجود حركة إصلاحية داخل حزب سياسي تنجح وتفرض التغيير السلمي من خلال مؤسسات الحزب أثار مخاوف وارتباك العديد من الجهات،ولكنني أعتقد أيضاَ أنه لولا وجود المحامي أحمد ناصر و"البلطجية" الذين أحضرهم من قريته (ناهيا) ومن المنصورة لما كان قد حدث ما حدث.
وهل التقيتم بصفوت الشريف وجمال مبارك أثناء تلك الأحداث كما تردد؟
• هذا الكلام ردده نعمان جمعة وأنصاره، كما رددوا أننا خونة وعملاء لأمريكا، لكنني أؤكد لكم أنني لم ألتق بصفوت الشريف سوى بعد تلك الأحداث وبعد استقرار الأوضاع في الحزب بعدة شهور أثناء مناقشة التعديلات الدستورية، وقد تم اللقاء في مكتبه وبطلب منه، وعلى ما أتذكر كان حاضراَ وقتها الدكتور مفيد شهاب وجمال مبارك وتناقشنا فقط في وجهة نظر الوفد حول تلك التعديلات.
• هل يمكن أن تلخص لنا وجهة نظر حزبكم في تلك التعديلات ؟
• نحن اقترحنا أن يقر الدستور حق البرلمان في إقالة الحكومة دون تعليق الأمر على استفتاء شعبي، ورفضنا المادة 76 المتعلقة بحق الترشيح لرئاسة الجمهورية، ورفضنا المادة 179 التي تقضي بتعطيل البابين الأول والثاني من الدستور الخاصين بالحريات العامة عند تطبيق قانون مكافحة الإرهاب، واختلفنا حول مسألة الإشراف القضائي على الانتخابات، وتقدمنا باقتراحات تتعلق ب16 مادة من ال34 مادة التي تم تعديلها، كما أننا قبلنا مادة المواطنة وبعض المواد الأخرى.
• ولكنكم تطالبون الآن بتغيير الدستور وتقولون أنكم بصدد إعداد مشروع دستور جديد؟
• نحن نطالب بانتخاب جمعية عمومية لإعداد دستور جديد، ووضعنا عدداَ من المبادئ العامة، ولكن لا يمكن لأي حزب أو تيار سياسي أن ينفرد بوضع الدستور لأنه يجب أن يكون هناك توافق واسع من كل القوى حول ذلك الدستور.
• ولكن هل تعتقدون أن المناخ السياسي والاجتماعي الحالي في مصر مهيأ لوضع دستور جديد؟
• لا... فالمناخ الحالي سيئ، ولا يسمح بإقرار دستور جديد، ولكننا نعتقد أن الإصلاح السياسي ضرورة وسوف يأتي في يوم ما، وعندما يأتي هذا اليوم فلن يخرج الإصلاح عن المبادئ العامة التي أعددناها
وما السبب في هذا المناخ السيئ؟، وهل هناك حل؟
• السبب هو انسداد الأفق، والمشكلة تتلخص في أن المجتمع أصبحت تتنازعه ثلاثة أضلاع للأزمة هي: الحنين إلى ماض لن يعود، وضيق بحاضر مر، وخوف من مستقبل مجهول، وفي النهاية فإن هذه الأزمة لابد أن تنتهي، ولكن السؤال هو: سوف تنتهي بأي ثمن؟، ومن الذي سوف يدفع الثمن؟. ونحن نسعى ألا يكون الثمن فادحاَ، وهذا الوضع المزعج لن يتم حله إلا إذا تم حل مشكلة المستقبل المجهول، لأنه في هذه الحالة سوف يكون الحاضر المر ممكناَ احتماله.
ملحوظة : هذا الحوار نشر في جريدة النهار الكويتية بتاريخ 26/11/2007
No comments:
Post a Comment