Wednesday, October 10, 2007

النظام في أزمة ولابد من تغييره وأتمني أن نكون مثل موريتانيا

لم ألتق الدكتور سعدالدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية ورئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية من قبل سوي مرة واحدة.. وكانت أثناء حضوري المنتدي الاستراتيجي العربي، الذي انعقد في دبي العام قبل الماضي عندما بادرت بمصافحته..
واكتشفت أن الرجل يعرفني جيداً ويلقبني بـ«الجندي المجهول» في «المصري اليوم» بحكم عملي وكنت قبل عدة أشهر قد كتبت أن سعدالدين إبراهيم لن يعود إلي مصر بعد البلاغات التي تم تقديمها ضده واتهمته بالخيانة بعد مقابلته الرئيس الأمريكي «جورج بوش»..
وقبل عدة أيام التقيت الرجل في سويسرا قادماً من مدينة برن إلي زيورخ وكان ألقي فيها محاضرة ضمن عدة محاضرات ألقاها في المدن الرئيسية بدعوة من منظمة العفو الدولية.. وعندما سألته السؤال المصري المعتاد أزيك يا دكتور جاءت الإجابة تحمل مرارة كان يحاول إخفاءها (مسافر زاده الخيال العشق والفن والخيال).
كان الرجل فرحاً عندما رآني واثنين آخرين كانا في استقباله لتوصيله إلي الفندق، الذي سيتناول فيه طعام الغداء قبل أن يلتقي «عدلي أبادير» زعيم أقباط المهجر وهو اللقاء الذي انفردت بنشره «المصري اليوم» قبل عدة أيام ويغادر بعدها متجها إلي بيروت لإلقاء بعض المحاضرات.
وأثناء الغداء الذي لم يستغرق سوي نصف ساعة دار هذا الحوار في عشرين دقيقة كان لدي خلالها تساؤلات كثيرة ولكن الوقت كان قد انتهي.
* من وجهة نظرك لماذا تراجع دور مصر علي كل المستويات؟
ـ مصر كقوة سكانية وجغرافية موجودة منذ ٦ آلاف سنة كأكبر دولة في الإقليم فهي دولة ذات حدود ثابتة ودورها السياسي يرتفع وينخفض وفي مد وجذر ويتوقف ذلك علي النظام الحاكم وعما إذا كان لديه مشروع للمنطقة ككل ويبشر به ومنذ قدماء المصريين عندما كان هناك مشروع حضاري كانت مصر هي التي تقود وحينما تكون القيادة وحكام مصر لا يوجد لديهم مثل هذا المشروع فدور مصر يتدهور وتتحول إلي دولة تابعة سواء من خارج المنطقة أو من داخلها.
* هل ضعف مصر من الداخل هو السبب وراء ظهور دول علي الساحة مثل السعودية وقطر؟
ـ بالتأكيد وما كان لهذه الدول أن تظهرلولا ضعف مصر وما سمعته من بعض الأخوة اللبنانيين ومنهم مسؤولون زاروا مصر مؤخراً يؤكد ذلك حيث قالوا إن غياب الدور المصري أدي إلي أن دولا من داخل المنطقة العربية هي التي تملأ الفراغ وذكر السعودية وقطر ودول من خارج المنطقة مثل إيران.
* هل يؤثر ذلك علي وزن مصر علي المستوي الدولي؟
ـ نعم والدليل أن جميع المنتديات الدولية التي ترشح فيها مصر مرشحين منها دائماً ما تفشل أو تتعثر وأيضاً في المجال الأفريقي.
* هل ضعف الدور المصري سيغير من شكل الجغرافية السياسية للمنطقة؟
ـ نعم هذا يحدث بالفعل فهناك قوي أخري بعضها مؤهل اقتصادياً وبعضها مؤهل اقتصادياً وروحياً وآخر مؤهل ثقافياً ولكن لا توجد قوة مؤهلة في كل الأشياء معا ناهيك عن التأهيل العسكري فتظل الأدوار القيادية الطامحة إلي ملء الفراغ تملؤه جزئياً ولا تملؤه بشكل كامل لأنه لا توجد دولة فيها تملك كل المقومات مجتمعة، حيث تحمل أي واحدة مقوما أو اثنين ولكنها لاتحمل الخمسة.
* من يعمل بالعمل العام لابد أن يتحمل تبعاته.. هذا ما قلته لي نصا في إحدي المرات تليفونياً.. كيف تطبق ذلك علي حالتك؟
ـ نعم أنا تحملت تبعات ذلك من قبل بدخولي السجن ٣ مرات ومحاكمتي ٣ مرات أيضا والهجوم علي شخصي في إعلام الدولة بشكل مستمر والفصل الأخير المعرض فيه للملاحقة القضائية بواسطة بلاغات تقدم بها أعضاء في الحزب الوطني وتعمدوا فيها أن تكون من أقباط، وأخري من أهل محافظتي الدقهلية التي أنتمي إليها، حتي يقولوا إن أهلك الذين تدافع عنهم انقلبوا ضدك، وهو مخطط ساذج لمزيد من العزلة والحصار والترويع، وإنما لدي إيماني برساتي وبنفسي وطلابي ومن يعملون معي وبالرأي العام المصري الذي بدأ يستيقظ بفضل الإعلام المستقل الذي نما في الأربع سنوات الأخيرة وبدأ في تكوين رأي عام مستقل بعيداً عن المخدرات الأمنية والإعلامية.
* إذن، هناك معركة بينك وبين النظام؟
ـ نعم هناك معركة ولكنها غير متكافئة ولا تزال كذلك ولكن هناك هامشا يحارب أمثالي من خلاله وهو ما ظهر تباعاً ووجدناه في السنوات الأربع الأخيرة، حيث ظهر تباعاً، إذ ظهرت قوي كثيرة تتحرك لحصار النظام سواء من بدو سيناء أو من عمال المحلة الكبري أو عمال الموانئ في الإسكندرية أو من الطلاب أو القضاة أو الصحفيين.
* متي تعود إلي مصر؟
ـ أعود حينما يقول النائب العام إنه أغلق ملف البلاغات أو إنه لن يعتد بها أو حينما يعلن الرئيس أن الدولة لا شأن لها بهذه البلاغات وأنها لن تأخذ موقفاً وفي هذه الحالة سأعود.
* وإذا عدت ولم يتم ذلك ماذا تتوقع؟
ـ أتوقع أن يتم القبض علي بدعوي التحقيق معي وحبسي تحفظياً بدعوي الخوف من هربي إلي خارج البلاد، وحالات الحبس التحفظي في مصر تبدأ من يومين وحتي ١٥ سنة.. وأظن أن هنالك حادث انتحار لرجل تم في السجن له ١٥ سنة دون إحالته إلي المحاكمة وظهرت حالته في العديد من الدوائر الحقوقية وهو نحر، وقيل كالعادة - وهو سكربت معد سلفا - أن ضميره أنّبه ولم يطق نفسه فانتحر وهو ما يمكن إن يحدث لي، وهو وسيلة من وسائل النظام ويومها سيقولون إن سعدالدين إبراهيم أنّبه ضميره ولم يطق نفسه لأنه باع بلده فانتحر وقد تم ذلك لعدد ٥ أو ٦ حالات بهذه الطريقة حتي إنه لا يوجد إبداع فيها وهي عادة تتكون من سلك وشباك.
* لماذا تم التركيز علي مسألة الاتهام بالخيانة في هذه الفترة تحديداً هل لأنك التقيت الرئيس جورج بوش؟
ـ الاتهام بالخيانة سابق لمقابلتي مع جورج بوش وهو منذ المقابلة الأولي، لأن سدنة النظام وغلمانه لا يتصورون أن مواطناً عادياً يمكن أن يقابل رئيس دولة ولأنهم أصنام فلا يتصورون أن مواطناً عادياً يقابل رئيس دولة أو ملكا.
* من وجهة نظرك كيف تتعامل الدولة مع أمريكا بهذه الازدواجية رغم أنها من أكبر الدول التي تتلقي معونات منها؟
ـ هناك كلمات في الفلكلور المصري معبرة جداً ومن هذه الكلمات «فاجر وقارح واختر منها ماتشاء» ففي الأحياء الشعبية حينما تتشاجر النساء وتتهمن بعضهن بكل الاتهامات يسمي ذلك «بالفجر» أو «القرح» وهذا ما ينطبق علي النظام المصري الذي هو أكبر متلق للمساعدات من الولايات المتحدة، وهو الذي فتح سماء مصر ومياهها وترابها لأمريكا ومع ذلك إذا تحدث مواطن أو تنظيم مجتمع مدني مع طرف أوروبي أو أمريكي يسارع النظام باتهامه بأنه عميل أو خائن ولأن هذا سبق أن تردد في إعلام النظام فلم أعد أعتد به وأعتقد أن أناساً كثيرين لا يصدقونه.
* هل ستحضر مؤتمر أقباط المهجر في أمريكا الذي ينعقد في شيكاغو في الفترة من ١٨ إلي ٢٢ أكتوبر الجاري؟
ـ لم اتلق دعوة حتي الآن.
* وإذا تلقيت دعوة ستذهب؟
ـ نعم إذا لم يكن لدي أي ارتباطات أخري.
* هل ستشارك بورقة عمل؟
ـ حسبما يطلبونه مني وإذا كان هناك متسع من الوقت.
* لماذا أنت في زيورخ؟
ـ أنا في سويسرا بدعوة من منظمة العفو الدولية لإلقاء عدد من المحاضرات في المدن الرئيسية وقد سبق ذلك جولة في هولندا بدعوة من المنظمة أيضا وهذا كان بمناسبة صدور تقرير خاص عن مصر هذا الشهر وجزء كبير منه عن التعذيب الذي أصبح طريقة حياة في السجون وأقسام الشرطة وقد وصل إلي حدود غير مسبوقة.
* هل تعتقد أن ما يحدث معك حالياً هو لإفساح المجال للتوريث؟ ـ
أعتقد ذلك وهو لا ينفصل عما يحدث للصحافة المستقلة ورؤساء تحريرها وما يحدث للإخوان أو ما يحدث لأي قوي منظمة أو ما يحدث للأخوين أنور وطلعت السادات وهو جزء من مخطط التشويه أو الإبعاد أو العزل أو الحصار ولأن كل واحد مهيء لأن يحدث له هذا المسلسل الخبيث فيتم التخلص منه وذكرت هذا في مقال نشر في الواشنطن بوست وقدمت الدلائل عليه ولم يرد عليه أحد من كتبة النظام.
هل النظام فى أزمة؟
;ـ نعم النظام في أزمة محتدة وتحتد يوماً بعد يوم ولكن كأي نظام فاقد للشرعية وبدلاً من أن يعالج أزماته بطريقة صحية وهي المشاركة والانفتاح يبالغ في التنكيل بالمواطنين وبخاصة الذين يصرون علي ممارسة حرية التعبير والتنظيم وحرية الحركة.
* هل هذه الأزمة التي تتكلم عنها خلقت أزمة للمجتمع؟
ـ المجتمع المصري أكبر من النظام ولكن الأزمة خلقت أزمة للفئات الكادحة والتي تعاني من الغلاء أما الفئات المتوسطة فتعاني من الكبت والقهر.
* كيف نخرج من هذه الأزمة؟
ـ نخرج من هذه الأزمة بتغيير النظام أو أن يقوم النظام بتغيير نفسه من الداخل.
* ماذا تعني بكلمة من الداخل.. هل بالمشاركة مثلاً؟
ـ نعم بالمشاركة ويتمثل ذلك في أن يفتح الباب لذلك وقد تغيرت أنظمة كثيرة سلميا بهذه الطريقة حتي لا يحدث له ما حدث للنظام الروماني في ظل «شاوشيسكو» الذي أصر علي ألا يغير قيد أنملة أي شيئ بعكس الأنظمة في أوروبا الشرقية ووسط أوروبا والاتحاد السوفيتي التي بدأت في التغيير تدريجياً ولأن «شاوشيسكو» رفض ذلك سالت الدماء ونرجو ألا يحدث ذلك في مصر.
* هل تتوقع أن يتم حبس رؤساء تحرير الصحف الذين صدرت ضدهم أحكام بالحبس؟
ـ هذا يتوقف علي رد فعل الرأي العام المصري إذا وقف معهم مثلما وقف مع القضاة في أزمتهم وإذا حدث ذلك سيتراجع النظام لأنه نظام فاقد للشرعية بالفعل وهو ما بدأ يتكشف للعالم الخارجي بالفعل، وفي أمريكا بدأت الأصوات ترتفع سواء في الصحف أو من خلال الخارجية الأمريكية وأيضا في أوروبا ولندن حيث لم يعد النظام في مصر بمنأي عن المراقبة خاصة من أصدق أصدقائه الذين دعموه مادياً ومعنويا طيلة ربع قرن.
* أحد شيوخ القضاة قال: إن القضاة غير المستقلين خطر علي المهنة ما تعليقكم؟
ـ نعم أي مهني غير مستقل خطر علي المهنة سواء كان أستاذاً أو صحفياً أو قاضياً أو مثقفاً فهو يخون المهنة لأن المهنة غير الصنعة غير الحرفة، ولأن ضميرك فيها هو فقط الرقيب عليك، لأنك إذا خنت ضميرك واستمعت إلي أصوات الأمن أو من بيدهم المال أو السلطة فأنت تخون مهنتك.
* بماذا تفسر تكرار الاعتصامات رغم أن أي مواطن أصبح الآن يعتصم حتي لو كانت مشكلته بسيطة مما أفقد الاعتصام من وجهة نظري قيمته؟
ـ أنا أختلف معك في هذا لأن الاعتصام هو وسيلة للتعبير عن الرأي وإذا لم تكن لديك قنوات أخري للتعبير فهو أضعف الإيمان وبالعكس هو العصيان المدني الذي أدعو إليه منذ سنوات ونبراسي في هذا هو ثورة ١٩١٩ والمهاتما غاندي، ولأنني لا أريد أن تسيل الدماء في وادي النيل، فمصر بلد جميل ومسالم ولكن تحكمه حكومة قبيحة والتعامل مع القبح لا يكون باستخدام الرصاص أو الأسلحة البيضاء أو الانسحاب من الحياة والاعتصامات والإضرابات والمظاهرات وهي وسائل سلمية للتعبير عن الرأي والاستنكاف والرفض وهذا أسلوب محترم يليق بمصر وبشعبها ونرجو أن يؤتي ثماره.
* نحن مقبلون علي ثورة أم أن الشعب قابل للانفجار؟
ـ ثورة بالمعني الكلاسيكي لا أعتقد والانفجارات تحدث بالفعل وإنما إلي الآن لم تحدث بشكل واسع مثلما حدث في مينامار أو في جورجيا أو أوكرانيا أو بورما، ولكنها لابد أن تحدث في مصر.
* الدكتور أحمد كمال أبوالمجد نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان اعترف ضمناً بتقرير الحريات الدينية رغم أنه لم يذكر في تقريره أي شيء عن الأقباط؟
ـ كأي شخص قريب من النظام وله وضع خاص والدكتور أبوالمجد يحظي باحترام دوائر كثيرة، وأنا من الذين يحترمونه ويجلونه، وقد وقف معي في المحاكمات الثلاث التي تعرضت لها، وقربه من النظام يجعل شهادته فيها نوع من الاحتشام وشأنه في ذلك شأن النظام الذي يقول إنه - مثلاً - تم سجن ٦٠ ألف شخص فيرد عليك الدكتور أبوالمجد لا ليسوا ٦٠ ألفاً ولكنهم ٥٠ ألفاً والسؤال هنا: لماذا تنكر علي شخص حريته الدينية أو المدنية فاذا فعلت ذلك فإنك تنكر علي الناس جميعهم حريتهم.
* من وجهة نظرك لماذا تصاعدت وتيرة الأحداث الطائفية في الفترة الأخيرة؟
ـ أي شيء يحدث علي نطاق واسع للأقباط في مصر في تقديري هو من تدبير الأجهزة الأمنية خاصة جهاز أمن الدولة وأنا أقول هذا الكلام بناء علي أدلة وقرائن لأنني لا أملك شواهد ومن خلال تعاملي مع هذا الملف منذ ٣٠ سنة وأخذت علي نفسي الدفاع عن حقوق الأقليات خاصة الأقباط، وأن الاحظ النمط نفسه وطريقة التعامل وتحديداً منذ أخذت وزارة الداخلية هذا الملف وأسندته إلي جهاز مباحث أمن الدولة والتوترات والفتن لا تتوقف.
* ماذا تتمني للفترة المقبلة.
ـ أن نكون مثل موريتانيا.. فالأحلام الكبيرة تحولت إلي صغيرة ثم توقفنا عن الحلم في ظل هذا النظام

No comments: