Sunday, August 12, 2007

بنك القلق

بصرف النظر عن صواب أو خطأ قرار الحكومة خصخصة بنك القاهرة.

وبغض النظر عن الطريقة الملتوية التي أعلنت بها الحكومة هذا القرار واعترف بعض أقطابها بأنها كانت طريقة خاطئة وضعت الحكومة موضع الشبهات

.تبقي الحقيقة التي لا خلاف عليها وهي أن هناك انقساماً عميقاً في المجتمع إزاء هذا القرار حيث يقف فريق من الموالاة في جانب ومعظم المعارضة في جانب آخر، وبين الموالاة والمعارضة ينقسم الرأي العام أيضاً بصورة واضحة للعيان

، بحيث تحول بنك القاهرة إلي بنك القلق الوطني اذا استعرنا عنوان المسرحية الشهيرة لكاتبنا الكبير توفيق الحكيم

.ويستطيع المراقب المحايد أن يشهد للمعارضة بأنها خاضت حتي الآن معركة ناجحة واستطاعت جذب قطاع عريض نسبياً من المجتمع والنخبة إلي جبهة معارضة خصخصة هذا البنك

. وأن يشهد أيضاً بأن حزب الوفد كان هو صاحب المبادرة الأكثر وضوحاً من اللحظة الأولي حيث لم يكتف بمعارضة قرار الحكومة وإنما طرح بديلاً محدداً هو الدعوة إلي شراء المصريين للبنك حتي لا يقع في أيدي الأجانب.

وفي إطار هذه الحملة السياسية والاقتصادية المتصاعدة أرسل رئيس الوفد، محمود أباظة، خطاباً إلي كاتب هذه السطور - ضمن قائمة واسعة من الكتاب والصحفيين والمفكرين والأدباء والفنانين والشخصيات العامة

يقول فيه:"في هذه اللحظة الاستثنائية من تاريخ مصر، وإزاء ما يفرضه المستقبل علينا من مسئوليات تجاه حاضر هذا الوطن وتجاه أجيالنا القادمة، نرسل إليكم هذا الخطاب مؤكدين علي عدة حقائق نري ضرورة الاستمساك بها حتي لا تتوه في زحمة الأحداث وفوضي السياسات الرسمية.أولاً: لابد أن تكون للحكومة سياسة مصرفية يتم الإعلان عنها، لتكون محل نقاش وطني واسع، وهذا ادني ما تستدعيه الشفافية، وأدني ما تعنيه المحاسبة. ولابد لهذه السياسة أن تأخذ في اعتبارها الحقائق الثابتة في تاريخنا الاقتصادي وتجاربنا السابقة، كما تلتزم بأهدافنا الوطنية الرامية إلي تأمين مسيرة التنمية الاقتصادية في المستقبل.ثانيا: نحن في الوفد لا نعبد القطاع العام، لكننا نرفض إضاعة ممتلكات الأمة المصرية، ولهذا لابد من ترشيد التحول نحو الخصخصة لتحقيق أهداف وطنية، وليكون المواطن شريكاً فيها، وليكون مستفيداً منها. لأن الخصخصة بأساليبها الحالية ينظر إليها المواطن بعين العداء، لأنه يشعر أنها تلحق به الضرر ولا تجلب له المنفعة.ثالثاً: علي عكس ما تعتقد الحكومة، فإن الوفد يثق في قدرة المصريين علي شراء بنك القاهرة، لاسيما في هذه الآونة حيث فائض السيولة أدي إلي ارتفاع أسعار جميع العقارات، بما فيها الأرضي الزراعية، لأنها لا تجد فرصا استثمارية منتجة، كما يثق في قدرة المصريين علي إدارة البنك علي أحسن ما تكون المعايير الدولية.رابعاً: اتساع دائرة الشكوك بين الحكومة والرأي العام يصيب الوطن بحالة من الانقسام الفادح الذي يشل الحركة ويعطل التحرك نحو المستقبل. لهذا نؤكد علي ضرورة أن تكون صناعة القرار الاقتصادي والسياسي شأنا مشتركاً بين الحاكم والمحكوم، وعلي أهل الحكم أن يخرجوا عن الصمت، وأن ينزلوا من عليائهم، وأن يلتقوا مع الشعب علي كلمة سواء.ولكل ما سبق، فإن حزب الوفد يلتمس مشاركتكم بما تملكون من رأي وجهد وخبرة، لنقف معاً ونتكاتف ليبقي بنك القاهرة ملكاً للمصريين عبر اكتتاب عام"

.انتهي نص الرسالة

، وليس المهم هو الموافقة عليها أو رفضها، وإنما الأهم أن الملابسات التي تجئ رسالة رئيس حزب الوفد في إطارها أصبحت تستدعي إحياء الدعوة التي طالبنا بها من قبل إلي عقد مؤتمر اقتصادي وطني يضم كل المدارس الفكرية والسياسية من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار دون استبعاد أحد، من أجل بحث الأوضاع الاقتصادية الراهنة، بما في ذلك برنامج الخصخصة، وبخاصة خصخصة البنوك المملوكة للدولة - أي للشعب - والتوصل إلي رؤية وطنية تتوافق عليها الأغلبية

، وهذه الدعوة ليست بدعة، فقد تم عقد مؤتمر اقتصادي مماثل في بداية تولي الرئيس مبارك للسلطة، ثم ان كثيراً من الدول الكبري، التي تنتهج سياسة الاقتصاد الحر - بحق وحقيق - تراجع الآن برامج الخصخصة علي ضوء خبرات السنوات الماضية، بحلوها ومرها. فمثل هذه الأمور لا يحق لفريق بعينه أن ينفرد بأن يبت فيها لأنها تمس المجتمع بأسره، وتؤثر علي مستقبل الأجيال القادمة، وتنعكس تداعياتها علي الأمن القومي.فلماذا العناء والإصرار علي فرض الوصاية علي خلق الله؟

سعد هجرس

hagrassaad@hotmail.com

الحوار المتمدن - العدد: 2006 - 2007 / 8 / 13

No comments: