أن تلتصق صفة الإرهاب واستخدام العنف بأشخاص يتمتعون بقدر عالٍ من العلم والمعرفة، ليس بالأمر الجديد أو الغريب على أسماعنا منذ أن أطلق ابن لادن العنان لقاعدته تغزو هنا وتنتشر هناك باسم ( الجهاد الإسلامي ضد الكفار) ومنذ أن تعرفنا على صديقه وذراعه الأيمن السيد الطبيب أيمن الظواهري، ومنذ اكتشافنا لمستوى منفذي اعتداء الحادي عشر من سبتمبر والميزات العلمية والصفات الأخلاقية لمعظمهم، والتي بالغت ربما الكثير من دور الإعلام بنشرها وتضخيم بريقها، وهانحن نطلع من جديد على دفعة جديدة من مرتكبي أعمال العنف من أجل العنف وبحقد أعمى على كل من له سحنة مختلفة عنهم، أو كل من ينتمي لدين مختلف ويعيش في بلد غربي يشاركهم فيه حياتهم وأيامهم ، فتح لهم صدره ومدارسه وجامعاته ومستشفياته ليتدرب ويتلقى العلوم ويعمل ويكسب رزقه، لكنه في الوقت نفسه يضمر له الشر ويخطط لقتله والقضاء عليه...الإنسان الذي يرتدي المريول الأبيض كحمامة سلام وصلة رحمة وإنقاذ، الإنسان الذي تطرق بابه دون وجل أو تردد وترى فيه ضالتك وعونك من أجل البقاء والحياة ...يحمل بدلا من زرقة الترياق ومبضع الحكيم ..قنبلة موقوتة ورصاصة يصوبها لصدرك أو لصدر ابنك وزوجتك، ويكفي أن تكون من سكان المدينة التي تأويك وإياه..يكفي أن تستخدم نفس الحافلة التي تقل أهل الحي أو الشارع ، الذي قرر له الموت ، وأعلن عليه حقده واعتبره مارقاً وسببا في تعاسته وتعاسة بلده..هكذا ترى روحه الآخر ، وهكذا تصور له نفسه أن أسباب ضعفه وهوانه وأسباب قصوره وفشل وطنه وبلده ...مؤسسة على هذا المواطن المختلف..ولو أنه يعلم جيداً ..أن هذا الآخر مسالما مثله وآمنا ...يذهب لعمله ويحمل في جنباته قلب الأب والأم والأخت والطفل ...يحلم بالسلم والوئام في عالم تسوده الأخوة والمحبة...أو ربما يكون شريرا أو رديئا...لكن هل لنا أن نميزه بين هذه الجموع ؟..إذن من أين جاء هذا الحقد الأعمى؟لماذا يتم تركيز منظمي الإرهاب على أناس معينين وعلى مستوى لائق من العلم كالأطباء؟ما هي الأسباب التي تدفع بهؤلاء ليسقطوا بسهولة بين أيدي القائمين على الإرهاب لتجنيدهم؟بكل تأكيد أن الأسباب متنوعة ومتعددة ، ومن الصعب الإلمام بها ضمن هذا السياق وفي هذا المقال ، لكننا سنلقي الضوء على أهم النقاط وأكثرها تجلياًعلنا ندرك ونستوعب كي لا نقع أو يقع البعض في حفرة الانزلاق والخطر..الحقد الأعمى تولد نتيجة لثقافة سادت منذ عقود في المجتمعات العربية والإسلامية المتزمتة والمغلقة على نفسها، والتي يتحكم بها شيوخ يقرأ ون الإسلام بطريقتهم السلفية العمياء الخاصة بهم وبمآربهم، يمارسون الحقد على كل من يحبو ويتحرك..ويستخدمون الإسلام ذريعة لتمرير مصالح سياسية من أجل نفوذهم وسيطرتهم على البلدان ، التي يمكنها أن تكون لقمة سائغة وسهلة لهم، منتهزين وجود سلطات قمعيه واستبدادية نشأت وقامت في هذه البلدان، وساهمت بشكل فاعل بقتل كل بادرة علمانية أو يسارية نشأت وحاولت العيش والانتشار، ناهيك عن عجز تلك القوى وضعفها وعدم توفر الإمكانيات الموضوعية والذاتية لها كي تعيش، مما سهل وهيأ كل الطرق والوسائل للحركات السلفية والراديكالية أن تطفو ويزداد نفوذها يوما بعد آخر ، وخاصة أن سلاحها المعترف به اجتماعيا وستارها الذي يتخفون وراءه ، هو الـــدين.... المتجذر أصلاً بفعل عوامل زمنية وتاريخية في بلاد العرب والإسلام. وما ساعد على قيام مثل هذه الحركات وتغلغلها هو استغلالها من قبل الدول الغربية خلال حقبات معينة من الحرب الباردة التي دارت بين الغرب الليبرالي والإتحاد السوفييتي سابقا ، هذه الفئات تشبعت وتتلمذت على أيدي شيوخ سلفيين راديكاليين، يريدون عودة العالم لقرون خلت، فقد فشلت ثقافة الاستقطاب والتحرر في استمالتهم، ولعبت سياسة الدول الغربية الكبرى وأطماعها دورا كبيرا في تقوقعهم نحو محاراتهم الدينية، لأنهم باتوا يرون في هذه الغزوات، التي جاءت تحت ستار الحرية والديمقراطية، فزعزعت الأمن والاستقرار ، كما كشفت عن أطماع خاصة بها ..وما الحرب الأفغانية والعراقية ، إلا ذريعة ودليلا تتخذ منه هذه الفئات سلاحها البتار من أجل استقطاب الشباب الصغار تحت مظلة الوطنية لمحاربة القادم من هناك ليحتل ويقتل ويسلب...هذا جانب، أما الجانب الثاني فهو العامل الاجتماعي والبيئي والسياسي القائم في هذه البلدان، فالقمع المجتمعي والعزل بين الجنسين، والكبت بكافة صنوفه..يجعل بالتالي من هؤلاء الشباب أشباحا تحمل الكثير من العُقَد والنفوس المضطربة وغير المتوازنة، وعند هجرتها للعالم الغربي من أجل التحصيل العلمي وإطلاعها على حياة مختلفة أكثر انفتاحاً، تشكل لها صدمة واختلافا لما تحمله معها من عقلية وتربية ودين تتناقض جميعها مع محيطها الجديد، وتساهم المجتمعات الجديدة من خلال أساليب تمارس الغيتو والعنصرية غالباً ، فشلت معظمها في سياسة الاندماج للمهاجرين العرب والمسلمين، فلم تخضع لخطط ناجحة إلا نادرا وفي بعض الأحياء والمجالات وعلى نطاقات قليلة وضيقة، كما أن هذه الجاليات نفسها لا تبذل جهوداً حثيثة أو مدروسة من أجل الاندماج ، ولا تدخل المجتمعات بثقة بقدراتها وثقافتها ، كما لا تحاول أصلا الاندماج بل تحمل معها كل تاريخها وعاداتها وتقاليدها وتعمل على تكريسها وعلى تقوقعها داخل كانتونات خاصة ومميزة وتريد فرضها على المجتمع المضيف مما يعزز الفصل ويعمق الاختلاف ويبرز الكثير من أنواع الحقد متعددة المناحي والدوافع....كل هذه الأسباب تجعل من هذه البؤر ..تربة ناجحة لنشوء الإرهاب وأبواباً واسعة لدخول صانعي الإرهاب تلقى الترحيب وتحمل صوراً بطولية بدلا عن الإرهابية...فتحمل شعار الجهاد بوجه المختلف الكافر..وتُحَّمله أسباب التمييز والقصور ..كما تحمله أسباب الاعتداء والاحتلال ..وتجعل من سلاح الانتقام والاقتصاص طريقها لتمرير غايات الكبار الذين يديرون هذه الأيدي الصغيرة المتحمسة والمتهورة والمشحونة بكل أنواع الحقد والضغينة فتجندها وتسخرها لعمليات الضرب والقتل، كما تشحنها من خلال تضخيم السلبيات وتقليص الايجابيات والمكتسبات ، التي يحصل عليها المواطن المهاجر في البلد المضيف، ولم يكن يحلم بها أو يمارسها في بلده الأم ، وأهمها الحريات العامة والفردية والاجتماعية والسياسية...لكنها مع هذا لا تجد تبصراً نتيجة لعمليات الغسل والشحن الحاقدة لدرجة الجنون، فكيف يمكننا أن نستوعب إذن ، أن الطبيب المعالج ومانح الحياة، يمكنه أن يحمل سكين القتل؟وكيف يمكننا ألا نفهم ما سينتج عن هذه المظاهر وردود الأفعال الاجتماعية لدى الدول الغربية ومجتمعاتها وموقف أهلها من الطلاب القادمين للتدريب والتحصيل العلمي كأطباء وغيرهم؟ هل استوعب الإرهاب ما يجنيه ويفعله بأبناء جلدته قبل الغريب الكافر؟مادام هذا الغريب كافرا، لماذا نأتي إليه في عقر داره؟ ولماذا ننهل عنه العلم والمعرفة والطبابة والتكنولوجيا؟...ألا نكتفي بالدين الإسلامي وعلمه ومعرفته وطرقه في الطب والاستشفاء من حجب وكتب وأرقية وأدعية؟ يريدون إعادتنا إلى عصر الحريم وعصر السلف الصالح وقوانينه الشرعية، العودة تعني كلياً...فلماذا الحاجة للعلم الغربي والتكنولوجيا الكافرة ؟.من صنعها ومن برمجها ومن نظمها ؟ هل هي الأيدي المسلمة ؟. هل هي الأدوات والوسائل المصنعة في المدينة المنورة أو قم والنجف؟تعود للواجهة كل ظواهر العنف والإرهاب ..وتنتشر كالهشيم ويزداد فتكها، البارحة في اليمن، وقبلها في لندن، وحتى اليوم في الباكستان ( المسجد الأحمر)، وكيف يتحصن به طلاب مسلحون!! لماذا يحمل طلاب المعاهد العلمية سلاحاً ويمارس القتل ؟ ..هل السلاح أحد أدوات المعرفة؟ وكل يوم في العراق ولبنان وفلسطين...ومنذ أيام وإن بصورة مختلفة... ما صدر من فتوى إيرانية جديدة ومتجددة بحق الكاتب سليمان رشدي ــ بغض النظر عن موقفنا منه ومما يكتب أو كتب ــ لكنه موقف من حرية التعبير ككل ..موقف من أن كل ما يمس الدين الإسلامي يعتبر تابو ويجب أن يقام حد القتل على صاحبه وكأن الدين بحاجة مستمرة ودائمة لحراس وحُماة...وهذا يعني عدم ثقة بالدين نفسه وبقدرته على الإقناع والثبات رغم كل تاريخه الطويل وانتشاره!!.ربما نستطيع فهم واستيعاب ، القتل كرد فعل على الاحتلال فوق أرض محتلة، ربما نفهم فشل السلام وانعدام الثقة بدُعاته وما يترتب عليه من نتائج في بلاد كفلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان...لكن نقل الإرهاب إلى بلاد أخرى لمجرد أن سكانها ينتمون لدين آخر، أو أن حكوماتهم مسؤولة بهذه النسبة أو تلك عما جرى لبلادنا دون أن ننسى أو نغفر للقائمين فوق رؤوسنا ونعفيهم من المسؤولية ، أو نعفي أنفسنا أيضا فنعلق كل سوءاتنا وضعفنا وتراجعنا وتقصيرنا على الآخر فنبحث عن سبل عمياء لا تميز ، بعيدة عن الإنسانية وعن الخُلق فنلصق كل تخلف وكل حقد وثأر ومرض بالإسلام ونوقع المسؤولية على المختلف عنا؟!.المواطن البريطاني والفرنسي والاسباني، والأمريكي الذي خرج للساحات والشوارع وتظاهر من أجل حرياتنا وضد حكومات بلاده أكثر مما خرجت أو جرؤت جموع عربية ومسلمة...نكافئه بالموت! ونقدم له القنابل هدية من يد مَن يرتدي ثوباً أبيضاً يحمل الشفاء بيد والقذيفة بأخرى!!احذروا يا أطباء العرب والمسلمين..حين تأتون للتعلم والتدريب في بلاد الغرب...احذر أيها المريض قبل أن تدخل عيادة طبيب تأمل أن تجد فيها الدواء الناجع، فربما تلقى السم الزعاف ...
فلورانس غزلان
No comments:
Post a Comment