حرب التخلف والحداثة العربية تدور رحاها على ارض شمال لبنان ,
وفي غمرة اشتداد المعارك ووضوح الضوء في نهاية النفق , نستطيع فعلا القول وفي اللحظة الراهنة إن القوى الوطنية المضحية للجيش اللبناني تقود وبوعي معركة القرن الواحد والعشرين للأجيال العربية المتطلعة نحو مستقبل التقدم والأمن والحرية ووضوح الرؤيا , رغم الحيز الضيق لموقع المعركة وطبيعة القوى المشاركة فيها والاهم من هم ورائها
. منذ ان سطر قلم عبد الرحمن الكواكبي ( طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ) نهاية القرن التاسع عشر وبداية الوعي الليبرالي العربي الشرق أوسطي , بضرورة الخلاص مما أوصلتنا إليه قرون السيطرة والحكم المطلق الظلامية العثمانية وما تردت فيه مجتمعاتنا من تخلف وجهالة قياسا لما عليه العالم من حولنا , وما أصاب الفرد منا من أمراض عضوية ونفسية جعلته يتقبل الجور واستبداد الحاكم وكأنه أمر واقع أو قدر الهي منزل .
قاوم مثقفوا الأمة وتعالت أصواتهم . كما انتفض العنصر الوطني التركي الواعي ضد الرجل العثماني المريض . وتمضي السنون والأحداث ويسوق الوالي جمال الدين السفاح عام 1916 خيرة أبناء الأمة نحو المشانق لمطالبتهم بالحرية والمساواة مع شعوب ودول العالم المتمدن . ويبدأ بذلك من ارض لبنان والشام أول صراع ينسبه السفاح شخصيا إلى التدخل الأجنبي في شؤون إمبراطوريته المريضة المنحلة حاملة أختام الشريعة والإسلام , رغم انه وأمثاله من قوميوا الطورانية يفضلون تركيا علمانية لها صلات واسعة بالغرب وعلومه أي انه يحلل لنفسه مايحرمه علينا نحن رعاياه
. ذهبت إلى غير رجعة الإمبراطورية العثمانية , وبقيت أدواتها وأشكالها في مرآة التخلف العربي , التربة الخصبة من فئات تعتاش على كراهية الآخر , والغزو في القرن العشرين , وصولا إلى أحداث معارك نهر البارد
. الجيش اللبناني أكثر قوة عسكرية عربية استقامة ووعيا ومحاولة الوقوف بعيدا عن المناورات والاستغلال السياسي من جانب أهل الحكم أو الراغبين فيه ورغم كل ما مر به لبنان من ظروف ومحن وحروب أهلية وخارجية بقيت الأكثرية والنواة الصلبة للجيش صامدة متوحدة ملتفة حول العلم اللبناني لاتغريها لذة كراسي الحكم أو الانقلابات ولا تفرق وحدتها خلافات طوائف لبنان وتنوع الثقافات فيه .
فتح الإسلام شوكة هجينة من نبت الصحراء القاحلة العربية , زرعوها في سهول وجبال لبنان الخضراء لتتوالد وتنمو ليس أول جنين غير شرعي ترميه الأنظمة العربية في وجه الحضارة التي علمت الإنسانية الكلمة والحرف سواء في لبنان او العراق , ليجري من بعدها الإنكار , والتبروء من الخلق والأبوة , ويكبر اللقيط متحولا إلى ورم سرطاني مدمرا أول من احتواه وهو مخيم اللاجئين الفلسطينيين حيث شعب لاحول له ولا قوة إلا من معاندة الظروف القاسية , ومحاولة تجاوز الواقع المؤلم , والعيش بكرامة , ثم الحلم , رغبة وإرادة العودة إلى ارض لهم ووطن ملكهم , لا مخيم مؤقت استكثرته عليهم قوى الغيب التي أنجبت فتح الإسلام من رحم قديم انشق عن فتح الأصالة العائدة إلى ارض الوطن رغم الاحتلال لتؤسس من جديد ,
ويبني المنشق مع السوري الشقيق فتح الانتفاضة ويبدأ الدخول في مسرح اللامعقول , فالانتفاضة على من ؟ مادامت المكاتب في الشام وطرابلس بدل رام الله والقدس ! هنا تتوضح حكمة المرحوم ياسر عرفات وهو يدور بين العواصم طالبا ومتوسلا بشرف أي بقعة من ارض الوطن يرفع فيها علمه الوطني بعيدا عن محبة وأحضان الأشقاء ,
دخل الإسلام على الخط ! الاسم لا المعنى وكأنه تعويذة أو موضة تتستر بها الفاشية لتمرير مخططاتها بعد أن جف الضرع القديم العروبة والقومية وتجمع الخليط الجديد , ليقول للاجئين في شمال لبنان ليست فلسطين هي الحلم والخلاص بل فرع الإمارة الإسلامية في عكار وطرابلس , والعدو المباشر المتواجد هو الجيش اللبناني , ومن حولكم وليس منا ومنكم هم الأعداء , وأموالهم وبنوكهم هي غنائم لكم تحصلونها بالغزو والنصر لنا
. وهذه الحكاية ليست للتسلية في العام 2007 ولكنها واقع أرادوا له أن يحرق لبنان وتنتشر النار من الشمال إلى الوسط والجنوب كما يحدث الآن في العراق ولكن الفرق بين الحالتين هي في تواجد الجيش اللبناني ونوعية بنائه التي رفضت دوما الانحلال ويعود الجيش صلبا ويحمي الوطن , كما إن لا محتل قد تدعي فتح الإسلام محاربته وإسرائيل هي إلى الجنوب حيث جيش لبنان وحزب الله واليونفيل يحاسبونها على الشاردة والواردة .
فلماذا قتل وذبح إذا مقاتلوا فتح الإسلام أفراد من الجيش اللبناني يتولون الحراسة على أرضهم وفي وطنهم ووسط أهلهم ؟
حيث لا أمريكان ولا إسرائيليون ولا حتى عملاء للمحتل !
التسليح حديث من الرشاشة إلى الاربي جي إلى الهاونات إلى الكاتيوشا . ومختلف أنواع العتاد , وأنفاق احتماء وهروب تحت المخيم بدل خدمات تقدم للساكنين في المخيم .
سعوديون سوريون سودانيون عراقيون فلسطينيون ولبنانيون , تناوبوا قتل الجنود ,
والسؤال هو عن ماكان سيحدث بعدها لو تساهل أو تمهل أو تخاذل الجيش اللبناني عن أداء واجبه . كم ذبيحة بشرية كانت ستسمع نداء الله اكبر قبل قطع رأسها وتصوير المشهد تلفزيونيا ؟ ياخسارتك ياقناة الجزيرة .
عندما انتقل الجيش اللبناني إلى الفعل توارد رد الفعل . بين المبدئي والانتهازي والمسئول والمنتظر والمندهش والمستغرب .
فلسطينيا وكالعادة فتح أبو عمار تلقت الرسالة وهي مستوعبة الدرس وكان ردها مبسطا ومركزا وسريعا فلسطين ولبنان شعبا ومسئولين معا ضد الإرهاب . وهذا ماتفهمه كما اعتقد أكثرية الفلسطينيين من سكنه مخيمات لبنان .
باقي التنظيمات انتظرت سقوط التفاحة وكلها تدعي الثورية أكثر من فتح وتعيب عليها المساومة .
حاولت حماس التوسط ولكن بين من ومن ؟ ومن يتبنى رسالة فتح الإسلام وهي محاصرة غير الظواهري ومجاهدي كهوف تورا بورا ! .
منظمات اليسار الفلسطيني تصمت ثانية وهي تعلم ! ولكنها التحالفات المفروضة !
لبنانيا قائد الجيش السابق ورئيس الجمهورية الحالي أميل لحود أحس بها (حسكة) سورية اكبر من قدرته على ابتلاعها فنطق عسكريا لبنانيا ثم سكت .
رئيس مجلس النواب نبيه بري يخاطب الجيش اللبناني بين الخوف والتخويف بأنه يتخوف من انتقال حال نهر البارد إلى أماكن أخرى والعاقل يفهم .
جنرال وقائد سابق آخر للجيش هو العماد عون اخرج نفس الحسكة من زوره وصمت بانتظار تسقط الأخطاء
. السيد حسن نصر الله التقط الخيط بتصريح سابق لأوانه يساوي بين القاتل والقتيل في الخطوط الحمراء وكل الحق على التمويل والدعم . أهل السلطة والحكومة لامشكلة لديهم والصورة واضحة وراء الجيش حتى النصر المحسوب من بعد لبنان الوطن وبقائه للقوى اللبرالية حتما . التي عرفت تماما إن ديمقراطيتها هي المستهدفة ولا يستطيع احد بعد الآن اتهام تيار الحريري وأغلبيته السنية بالطائفية حيث إن المعركة تدور على ارض سنية وضد مقاتلين يصلون إلى درجة التكفير علنا لمن هو غير سني ,
إذا هي معركة تمدن وتخلف لا ديانة وطائفة
كيف تستطيع المخابرات السورية كمقاول ثانوي وبواسطة أدوات واضحة المعالم مثل شاكر العيسى تجنيد وخداع شباب سلفي جهادي سعودي سوداني لبناني فلسطيني وسوقه نحو الموت والانتحار أحيانا بلا سبب واضح (لو استثنينا الأهداف الإيرانية السورية ) كما هي حال أحداث نهر البارد ؟
الفاشية السورية وقوى المجتمع المساندة لها لا تستطيع أبدا ترك لبنان يذهب بعيدا ومنفردا بديمقراطيته . نعود إلى البطل الحقيقي للأحداث الجيش اللبناني وهو يسير رافعا علم بلاده يعلقه على كل قطعة ارض أفلتت لأسباب شتى من تواجده وليرى العرب قبل غيرهم النتيجة . مايرفع من درجة التقدير للجيش اللبناني ليس فقط وعيه وتضحياته وهي كبيرة , ولكن الهم هو تكتيكه العسكري وخبرته وسعة اطلاعه وحسن تقدير قيادته لسير المعارك , فقد تعود الحكام العرب أن يزجوا بالجنود مهما بلغت أعدادها لتقتل او تؤسر او تنتصر أو تنهزم , والإنسان هو الضحية الأول والحاكم هو الرابح الأول ولكن خطة الكثافة النارية والصبر كانت هي الحل الأمثل لهزيمة أناس امتهنوا الموت والانتحار من اجل صكوك غفران من نوع جديد , وحتى لا تزحق مجانا أو رخيصة أرواح شباب لبناني يحب الحياة كما يحب وطنه , ولتدمر المباني ولتحرق الآلات ويبقى الإنسان أثمن رأسمال يعيد بناء ماتهدم ويستعيد اللاجئ الفلسطيني مقره المؤقت ويفهم آخرون إنها تجربة بلا جدوى .
ختاما نتمنى أن لا تلعب دهاليز السياسة لعبتها وتتميع وتتسرب وتختفي الأدلة والأهداف الحقيقية على مذبح المنافع الشخصية
. ألا يستحق الجيش اللبناني التحية والهتاف له لان قدره وضعه كما لبنان لخوض معركة مفصلية بين التقدم والتأخر العربي
No comments:
Post a Comment