لم تعرف مصر عهدا امتلك مهارة تسكين الأزمات وترحيل المشكلات، مثلما جري في العصر الحالي ، فعلي مدار أكثر من ربع قرن امتلك الحكم مهارات نادرة في تمييع كل شيء وفي عدم حسم أي أمر، ورحل ببراعة نادرة مشكلات متراكمة، حتي تفاقمت وصارت مستعصية علي الحل، وتحولت أخطاؤه إلي خطايا حين تجاهل مشكلات الحاضر، لتخصم من رصيد المستقبل.
وعلينا أن نقر منذ البداية ببراعته في تسكين أحوال البلاد والعباد، بصورة جعلت نظاما محدود الكفاءة منعدم الخيال يستمر كل هذه الفترة بدون أن يتعرض لتحديات حقيقية من داخله أو خارجه، ونجح عبر هذه المسكنات أن يصمد أكثر من ربع قرن
وعلينا أن نقر منذ البداية ببراعته في تسكين أحوال البلاد والعباد، بصورة جعلت نظاما محدود الكفاءة منعدم الخيال يستمر كل هذه الفترة بدون أن يتعرض لتحديات حقيقية من داخله أو خارجه، ونجح عبر هذه المسكنات أن يصمد أكثر من ربع قرن
، ولكن علي ما يبدو أنه لن يستطيع الفكاك من خطر النهاية، وسيعلن قريبا عن فشل سياسة المسكنات هي الحل
والحقيقة أن الحكم اعتمد في استمراره علي لا مشروع ولا نظام ، بحيث إنه لم يخلق بناء سياسياً متماسكاً يدفع الآخرين إلي مواجهته أو الاتفاق معه وفق معايير واضحة ، ولكنه رتب لمشروع وحيد هو مشروع التوريث يجري في الظلام ، ولم يعرف النور معتمدا علي سياسة التمويه والخداع ، وروج للرأي العام علي اعتبار أنه لا يوجد مشروع للتوريث، مستخدما نفس الطريقة التي تقوم علي عدم المواجهة والحسم، متصورا أن التقدم الذي حققه ببطء علي أرض الواقع يمكن أن يصل إلي الهدف المنشود وهو السلطة.
وقد حقق هذا المشروع تقدما وراء الكواليس، ولكن بثمن باهظ قام علي دفع المجتمع المصري «بهدوء» نحو الجمود والعجز عن الفعل والحركة والانشغال في المعارك الصغيرة، وترك المجال الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، بدون أي محاسبة ولحالة فوضي عشوائية لا يحكمها أي رقيب، واستخدمت سياسة المسكنات في التعامل مع ملفات ساخنة، كالقضاة والطلاب وأساتذة الجامعات والأطباء والصحفيين وموظفي الدولة، وحققت قدراً من النجاح، ولكنها تعثرت في حل مشكلات العمال، وستتعثر أكثر لأنها مشكلات تطلب ثمنا حقيقيا لا يقدر النظام علي دفعه ولا تقدر سياسة المسكنات علي حله.
و«بهت» هذا الوضع الساكن علي كل الكيانات السياسية والنقابية ومؤسسات الدولة، فالجميع في حالة صراع داخلي، لأنه لا يوجد خصم خارجي واضح المعالم ولا أمل في التغيير، إنما حالة من السيولة جعلت كل المبادرات المنظمة في موقع الدفاع بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، وتحولت الأحزاب إلي كيانات فارغة، وصار النظام يمتلك حصانة داخلية بفضل الواقع السياسي الذي خلقه، ونجح في أن يحول كل كيان منظم إلي كيان مترهل، ومنشغل بمشاكله الداخلية وعاجز عن الفعل.
وبالتالي نجح عبر سياسة المسكنات في أن يكون في منأي عن أي تهديد من هذه الكيانات
وقد حقق هذا المشروع تقدما وراء الكواليس، ولكن بثمن باهظ قام علي دفع المجتمع المصري «بهدوء» نحو الجمود والعجز عن الفعل والحركة والانشغال في المعارك الصغيرة، وترك المجال الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، بدون أي محاسبة ولحالة فوضي عشوائية لا يحكمها أي رقيب، واستخدمت سياسة المسكنات في التعامل مع ملفات ساخنة، كالقضاة والطلاب وأساتذة الجامعات والأطباء والصحفيين وموظفي الدولة، وحققت قدراً من النجاح، ولكنها تعثرت في حل مشكلات العمال، وستتعثر أكثر لأنها مشكلات تطلب ثمنا حقيقيا لا يقدر النظام علي دفعه ولا تقدر سياسة المسكنات علي حله.
و«بهت» هذا الوضع الساكن علي كل الكيانات السياسية والنقابية ومؤسسات الدولة، فالجميع في حالة صراع داخلي، لأنه لا يوجد خصم خارجي واضح المعالم ولا أمل في التغيير، إنما حالة من السيولة جعلت كل المبادرات المنظمة في موقع الدفاع بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، وتحولت الأحزاب إلي كيانات فارغة، وصار النظام يمتلك حصانة داخلية بفضل الواقع السياسي الذي خلقه، ونجح في أن يحول كل كيان منظم إلي كيان مترهل، ومنشغل بمشاكله الداخلية وعاجز عن الفعل.
وبالتالي نجح عبر سياسة المسكنات في أن يكون في منأي عن أي تهديد من هذه الكيانات
ولكنه أصبح يعاني من خطر التحلل والانهيار من الداخل، بحكم قوانين الطبيعة والبيولوجيا قبل أن تكون قوانين علم الاجتماع ، لأنه نظام لا يمتلك أي ديناميكية داخلية، وهو يركض في مكانه، ويصرخ أحيانا ويطنطن بشعارات وطنية أحياناً أخري، ولكنه عمليا ثابت في نفس مكانه لا يتحرك.
فلا مانع أن يتصارع المواطنون حتي الموت في الانتخابات أو في الطرقات وفي الأزقة ، وليست هناك مشكلة كبيرة في أن يموت الناس من العطش في كفر الشيخ ، أو يصابوا بكل الأمراض المزمنة ، وأن يتركوا في عرض البحر يغرقون ضحايا للإهمال والفساد ، وأن تختفي السياسة، وتتفكك دولة القانون وتنهار المؤسسات، فالنظام لن يحاسب موظفاً أخطأ ، لأنه لا يحاسب مسؤواًل أجرم ، ويمكنه أن يحاسب الاثنين في حال إذا ما أراد أن يقدم كبش فداء ، أو رسالة سياسة.
لقد عاشت مصر عهدا مديدا عرف كل أشكال المسكنات الطبية المعروفة وغير المعروفة ، حتي في الحالات التي كانت تطلب بتراً أو عمليات جراحية، استخدمت فيها أيضا سياسة المسكنات حتي تدهور الحال إلي ما وصلنا إليه.
فالتعامل بالمسكنات لم يكن فقط سياسة إنما كان ثقافة شاملة امتدت لكل المجالات ، فلم تعرف مصر إصلاحا جذريا لمؤسسة واحدة ، وتركت كل شيء رهنا بسياسة «المسكنات القاتلة»، فهل يعقل أن يستمر نظام التعليم أسير هذه السياسة ونتاجها، بعد أن بات طاردا لكل العقول النابهة في هذا البلد، هل من المنطقي أن نتعامل مع أزمة المرور بهذه الطريقة حتي سيأتي اليوم وتتوقف حركة السير في القاهرة تماما، بفضل الغزو العشوائي للميكروباص، وانطلاق الناس في نهر الشارع بعد أن هدمت الدولة الأرصفة، وألغت أماكن عبور المشاة الآمنة في طرق ممتدة لعشرات الكيلومترات، لصالح الطرف الأقوي أي أصحاب السيارات.
الحقيقة أن عصر «المسكنات هي الحل» لم يقتصر فقط علي المجال السياسي ، إنما امتد لكل مجالات الحياة ، وإذا كانت السياسة هي مربط الفرس والتي من خلالها يتفرع ما يعرف بالسياسات العامة التفصيلية والمعاشة ، فإن سياسة إدارة الدولة المصرية بطريقة المسكنات جعلت هناك إحساسا عاما وغير مسبوق بأن النظام ليس له صاحب ، وأن معظم من في النظام يؤيدون الحكم في العلن وينتقدونه في السر، لأنه بلا ملامح سياسية واضحة ولا يتحرك إلا في اللحظة الأخيرة حين تتحول المشكلة إلي مصيبة، أما ما دون ذلك فهو يستعمل قفاز التسكين الناعم في مظهره الخارجي ، فتتعقد المشكلة وتتفاقم، حتي تصبح معضلة وأزمة مستعصية علي الحل.
ولم تمنع هذه البلادة من أن يتحرك الحكم بجدية وإصرار في مجال واحد فقط، هو ترتيب البيت الداخلي من أجل تمرير مشروع التوريث ، وهنا استفاد من مناخ المسكنات، ومن انقسام المعارضة، وعجز الكيانات السياسية المنظمة علي الفعل والمبادرة، ولكن هذا المناخ سيكون في الحقيقة العقبة الرئيسية أمام نجاح هذا المشروع، لأنه خلق حالة من السيولة والميوعة جعلت المؤيدين لهذا المشروع منقسمين بين أقلية لا تتعدي أصابع اليد مؤمنة به ومؤيدة له في العلن والسر، أما غالبية «المؤيدين»، فهم يؤيدونه باعتباره المشروع الذي يحكم الآن، الذي مازال في السلطة، ولا يبدو أنه توجد معارضة حقيقية له، وهم علي استعداد للتخلي عنه عند أول منعطف أو تحد أو ثمن يضطرون إلي دفعه.
إن نجاح الحكم في نزع نفس المقاومة والرفض السلمي المنظم من الشارع المصري، وإنهاء دور الكيانات السياسية المنظمة، أدي أيضا إلي أن يحمل الحكم نفس تلك الحالة من غياب المناعة الداخلية والقدرة علي الصمود، والهشاشة والضعف، متصورا أن تلك الحالة المتبلدة ضحية سياسة المسكنات، يمكنها أن تقبل عملية جراحية كبيرة من نوع «انقلاب التوريث»، وهو أمر لن ينجح لأنه يتطلب نمطا من المؤيدين له في الحكم، يختلف عن هؤلاء الذين ترعرعوا في عصر المسكنات، ولأن مقاومته ستأتي من خارج هذا الجسد المرئي والظاهر، سواء كان في الحكم أو المعارضة وقتلته سياسة المسكنات
فلا مانع أن يتصارع المواطنون حتي الموت في الانتخابات أو في الطرقات وفي الأزقة ، وليست هناك مشكلة كبيرة في أن يموت الناس من العطش في كفر الشيخ ، أو يصابوا بكل الأمراض المزمنة ، وأن يتركوا في عرض البحر يغرقون ضحايا للإهمال والفساد ، وأن تختفي السياسة، وتتفكك دولة القانون وتنهار المؤسسات، فالنظام لن يحاسب موظفاً أخطأ ، لأنه لا يحاسب مسؤواًل أجرم ، ويمكنه أن يحاسب الاثنين في حال إذا ما أراد أن يقدم كبش فداء ، أو رسالة سياسة.
لقد عاشت مصر عهدا مديدا عرف كل أشكال المسكنات الطبية المعروفة وغير المعروفة ، حتي في الحالات التي كانت تطلب بتراً أو عمليات جراحية، استخدمت فيها أيضا سياسة المسكنات حتي تدهور الحال إلي ما وصلنا إليه.
فالتعامل بالمسكنات لم يكن فقط سياسة إنما كان ثقافة شاملة امتدت لكل المجالات ، فلم تعرف مصر إصلاحا جذريا لمؤسسة واحدة ، وتركت كل شيء رهنا بسياسة «المسكنات القاتلة»، فهل يعقل أن يستمر نظام التعليم أسير هذه السياسة ونتاجها، بعد أن بات طاردا لكل العقول النابهة في هذا البلد، هل من المنطقي أن نتعامل مع أزمة المرور بهذه الطريقة حتي سيأتي اليوم وتتوقف حركة السير في القاهرة تماما، بفضل الغزو العشوائي للميكروباص، وانطلاق الناس في نهر الشارع بعد أن هدمت الدولة الأرصفة، وألغت أماكن عبور المشاة الآمنة في طرق ممتدة لعشرات الكيلومترات، لصالح الطرف الأقوي أي أصحاب السيارات.
الحقيقة أن عصر «المسكنات هي الحل» لم يقتصر فقط علي المجال السياسي ، إنما امتد لكل مجالات الحياة ، وإذا كانت السياسة هي مربط الفرس والتي من خلالها يتفرع ما يعرف بالسياسات العامة التفصيلية والمعاشة ، فإن سياسة إدارة الدولة المصرية بطريقة المسكنات جعلت هناك إحساسا عاما وغير مسبوق بأن النظام ليس له صاحب ، وأن معظم من في النظام يؤيدون الحكم في العلن وينتقدونه في السر، لأنه بلا ملامح سياسية واضحة ولا يتحرك إلا في اللحظة الأخيرة حين تتحول المشكلة إلي مصيبة، أما ما دون ذلك فهو يستعمل قفاز التسكين الناعم في مظهره الخارجي ، فتتعقد المشكلة وتتفاقم، حتي تصبح معضلة وأزمة مستعصية علي الحل.
ولم تمنع هذه البلادة من أن يتحرك الحكم بجدية وإصرار في مجال واحد فقط، هو ترتيب البيت الداخلي من أجل تمرير مشروع التوريث ، وهنا استفاد من مناخ المسكنات، ومن انقسام المعارضة، وعجز الكيانات السياسية المنظمة علي الفعل والمبادرة، ولكن هذا المناخ سيكون في الحقيقة العقبة الرئيسية أمام نجاح هذا المشروع، لأنه خلق حالة من السيولة والميوعة جعلت المؤيدين لهذا المشروع منقسمين بين أقلية لا تتعدي أصابع اليد مؤمنة به ومؤيدة له في العلن والسر، أما غالبية «المؤيدين»، فهم يؤيدونه باعتباره المشروع الذي يحكم الآن، الذي مازال في السلطة، ولا يبدو أنه توجد معارضة حقيقية له، وهم علي استعداد للتخلي عنه عند أول منعطف أو تحد أو ثمن يضطرون إلي دفعه.
إن نجاح الحكم في نزع نفس المقاومة والرفض السلمي المنظم من الشارع المصري، وإنهاء دور الكيانات السياسية المنظمة، أدي أيضا إلي أن يحمل الحكم نفس تلك الحالة من غياب المناعة الداخلية والقدرة علي الصمود، والهشاشة والضعف، متصورا أن تلك الحالة المتبلدة ضحية سياسة المسكنات، يمكنها أن تقبل عملية جراحية كبيرة من نوع «انقلاب التوريث»، وهو أمر لن ينجح لأنه يتطلب نمطا من المؤيدين له في الحكم، يختلف عن هؤلاء الذين ترعرعوا في عصر المسكنات، ولأن مقاومته ستأتي من خارج هذا الجسد المرئي والظاهر، سواء كان في الحكم أو المعارضة وقتلته سياسة المسكنات
د.عمرو الشوبكى ١٢/٧/٢٠٠٧
المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment