ماذا تعني في هذا العصر كلمة «رموز مصر»؟،
المؤكد أن معني الكلمة ودلالته اختلفا من عصر إلي آخر، ليس فقط بسبب اختفاء الرموز أو تشوههم، إنما أيضا لأن معني الرمز في الثقافة كما الزعيم في السياسة تغير، واختلف عما كان عليه الحال طوال القرن الماضي.
والسؤال المطروح، أولا: ماذا نعني بكلمة الرموز، وهل بقيت هناك رموز في مصر، وأي رموز نبحث عنها في الألفية الثالثة؟
في الحقيقة أن رموز مصر هم هؤلاء السياسيون والعلماء والمبدعون وكبار الفنانين، الذين أثروا حياتنا الثقافية والسياسية منذ تأسيس محمد علي الدولة المصرية الحديثة في ١٨٠٥، حتي ربما بداية الألفية الجديدة. فمصر أنجبت أهم مفكري النهضة العربية الحديثة كرفاعة الطهطاوي ومحمد عبده، وأنجبت أيضا مفكرين علمانيين كباراً، مثل طه حسين ولويس عوض وغيرهما، وأدباء عالميين في مقدمتهم نجيب محفوظ،،
وفنانين شكلوا الوجدان العربي في فترة من الفترات، كمحمد عبدالوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، عرفنا صحفيين وكتاباً كباراً مثل أحمد بهاء الدين ومحمد سيد أحمد ولطفي الخولي ومصطفي وعلي أمين وموسي صبري، ومبدعين من كل صوب واتجاه.
وظهر في مصر أيضا زعماء عظام مثل محمد علي وأحمد عرابي وسعد زغلول ومصطفي النحاس وجمال عبد الناصر، وجماعات سياسية جعلت التاريخ المصري الحديث أكثر ثراء وتنوعا من كثير من البلدان العربية، فعرفنا إشعاع حزب الوفد الليبرالي في الثلاثينات والأربعينيات، واحتجاجات التنظيمات الشيوعية، ودور جماعة الإخوان المسلمين في تنوع الجدل الفكري والسياسي بل وإثرائه، وشهدنا صعود الناصرية وانكسارها.
والمؤكد أن من لايزال بيننا من هؤلاء المبدعين بدا وكأنه خارج "قيم هذا العصر، مثل محمد حسنين هيكل، وفهمي هويدي وسلامة أحمد سلامة، وآخرين ممن تعرضوا لإهانات بالغة، لا تعكس فقط حجم الانهيار الذي شهدته الحياة الثقافية والسياسية، إنما أيضا القدرة علي تشويه وهدم الرموز الملهمة لصالح الفراغ والجهل والابتذال.
والمؤكد أن في كل حقبة من حقبات مصر رموزها، التي يختلف علي ما تقوله أو تفعله، ولكن لا يختلف عليها، فالمؤكد أن سعد زغلول ومصطفي النحاس وعبدالناصر كانوا من هؤلاء الزعماء الكبار الملهمين، والسادات كان رئيسا سياسيا بامتياز، وظل هؤلاء يثيرون الجدل في حياتنا الفكرية والسياسية، إلي أن انتقلنا من مرحلة النقد والاختلاف إلي مرحلة الهدم والتشويه،
واختزل البعض تاريخ الوفد الناصع في حادثة وصوله إلي الحكم في فبراير ١٩٤٢ علي أسنة الدبابات البريطانية، وعبدالناصر كقائد وبطل تحرر قومي في هزيمة ١٩٦٧، وأصبحت هناك في هذا العصر حالة من عدم الراحة إلي وجود رموز ملهمة في تاريخنا، وحرص علي أن يكون الجميع سواء الزعماء والموظفين، والقادة والرؤساء.
والحقيقة أن هذه الطريقة التي تم بها التعامل مع رموز السياسة والاقتصاد والعلم، لم تنسحب علي المجالات الآمنة الأخري، وأقصد رموز كرة القدم وفنانات الفيديو كليب ورجال الدين الحكوميين الذين يتحدثون في عام ٢٠٠٧ عن شرب بول الرسول، ويدعون لإرضاع الكبير،
هؤلاء الرموز المريحون الذين لا يتحدثون في السياسة ويكرهون العقل، هم نتاج النظام الحالي، الذي فرضهم علي المجتمع، ليصبحوا رموزه الدائمين، أما رجال العلم والسياسة فهم من المغضوب عليهم، ليس لهم تأثير يذكر علي الأجيال الجديدة وشباب المدارس والجامعات الحكومية.
فهل يعقل أن تستضيف الجامعة الأمريكية الراحل إدوارد سعيد وأحمد زويل ونعوم شوميسكي وعزمي بشارة ومحمد حسنين هيكل، في حين لا يحلم طلاب جامعة القاهرة، أن يروا أياً من هؤلاء، رغم أنهم لا يحملون فكراً إرهابياً أو ظلامياً، وبعضهم كزويل لا يمتلك إلا علمه حتي لو حاول أن يتكلم في السياسة، ورغم ذلك ظلت هذه الرموز المصرية والأجنبية، علي ما فيها من تباين، مثار عدم راحة لأنها «تشغل عقلها»، وتمنع من التواصل مع الأجيال الجديدة، الذين سقطوا في براثن نظام تعليمي متخلف، و«مفكرين» مختارين شغلوا عقولهم بخرافات بعيدة عن العلم والدين معا.
المؤكد أننا أهدرنا فرصة تاريخية في أن نحول ظاهرة الرموز الملهمة والاستثنائية في تاريخنا، إلي رموز كفئة ومخلصة ونزيهة في العصر الحالي، لأن عصر الزعامات التاريخية والاستثنائية في السياسة اختفي تقريبا من العالم كله، وأصبحنا أمام عصر الرؤساء أو الرموز، أصحاب الرؤية السياسية والكفاءة والإخلاص، وهذا يتطلب في الحقيقة بناء نظم منسجمة مع طبيعة العصر الجديد، ومع هؤلاء الرؤساء،
فالمؤكد أن انتقال مصر من مرحلة الزعماء التاريخيين إلي عصر الرؤساء العاديين، كما جري مع الرئيس مبارك، كان يمكن أن يمثل أهم انتقال سياسي وديمقراطي في تاريخ مصر المعاصر، في حال إذا كان النظام نجح في أن يطور من داخله آلية لتداول السلطة بين أجنحته المختلفة، فيحكم الرئيس مبارك ١٢ عاما، وبعده كنا شاهدنا مثلا المشير أبوغزالة، ثم بعده رئيساً ثالثاً.
من المؤكد أننا نعيش في عصر لا يحتاج إلي زعامات تاريخية وإلي رموز استثنائية، فعبدالناصر في القرن الماضي اكتسب زعامته وشعبيته الهائلة، ليس فقط من قدراته الشخصية ونزاهته واستقامته، إنما أيضا وربما أساسا من طبيعة المعارك التي دافع عنها، وأهمها التحرر الوطني والقومي من الاستعمار، وحين استقلت مصر والعالم العربي، وأصبحت تحدياتها هي «الهموم الصغري» حياة كريمة وتداول السلطة ودوران النخبة، بقي النظام كما هو لم يتغير، فالمؤسسات التي انزوت في عهد الرموز التاريخية، انهارت في عهد الرؤساء العاديين، لأننا أبقينا الإرث الفرعوني، ولكن دون قدرات الفرعون ومواهبه.
بالتأكيد أن مصر لا تحتاج الآن إلي الرموز الاستثنائية في مجال السياسة، لأن العصر لا يتطلبها، بل هي تحتاج إلي رموز كفئة وملهمة تفهم العصر الذي تعيشه، وتتنافس مع نخب أخري لديها المواهب والقدرات نفسها، وهذا في حال حدوثه سينعكس علي كل المجالات،
وسيخلق حالة جديدة ستؤثر في كل مؤسسات المجتمع، وتفتح الطريق أمام جامعات للعلم ومراكز أبحاث للفكر، ومصانع للعمل، ومسؤولين ليسوا فوق المحاسبة، ويصبح هناك مكان لكل المبدعين من مفكرين وكتاب، ويصبح التنافس بين عناصر كفئة ومهنية، حتي لو كان من الصعب أن نجد بينهم هيكل جديداً، لكن علي الأقل سيكون الصحفي والكاتب من بين هؤلاء الذين يقرأون ويكتبون، وليس من بين هؤلاء الذين صاروا كتابا وهم لا يصلحون قراء
والسؤال المطروح، أولا: ماذا نعني بكلمة الرموز، وهل بقيت هناك رموز في مصر، وأي رموز نبحث عنها في الألفية الثالثة؟
في الحقيقة أن رموز مصر هم هؤلاء السياسيون والعلماء والمبدعون وكبار الفنانين، الذين أثروا حياتنا الثقافية والسياسية منذ تأسيس محمد علي الدولة المصرية الحديثة في ١٨٠٥، حتي ربما بداية الألفية الجديدة. فمصر أنجبت أهم مفكري النهضة العربية الحديثة كرفاعة الطهطاوي ومحمد عبده، وأنجبت أيضا مفكرين علمانيين كباراً، مثل طه حسين ولويس عوض وغيرهما، وأدباء عالميين في مقدمتهم نجيب محفوظ،،
وفنانين شكلوا الوجدان العربي في فترة من الفترات، كمحمد عبدالوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، عرفنا صحفيين وكتاباً كباراً مثل أحمد بهاء الدين ومحمد سيد أحمد ولطفي الخولي ومصطفي وعلي أمين وموسي صبري، ومبدعين من كل صوب واتجاه.
وظهر في مصر أيضا زعماء عظام مثل محمد علي وأحمد عرابي وسعد زغلول ومصطفي النحاس وجمال عبد الناصر، وجماعات سياسية جعلت التاريخ المصري الحديث أكثر ثراء وتنوعا من كثير من البلدان العربية، فعرفنا إشعاع حزب الوفد الليبرالي في الثلاثينات والأربعينيات، واحتجاجات التنظيمات الشيوعية، ودور جماعة الإخوان المسلمين في تنوع الجدل الفكري والسياسي بل وإثرائه، وشهدنا صعود الناصرية وانكسارها.
والمؤكد أن من لايزال بيننا من هؤلاء المبدعين بدا وكأنه خارج "قيم هذا العصر، مثل محمد حسنين هيكل، وفهمي هويدي وسلامة أحمد سلامة، وآخرين ممن تعرضوا لإهانات بالغة، لا تعكس فقط حجم الانهيار الذي شهدته الحياة الثقافية والسياسية، إنما أيضا القدرة علي تشويه وهدم الرموز الملهمة لصالح الفراغ والجهل والابتذال.
والمؤكد أن في كل حقبة من حقبات مصر رموزها، التي يختلف علي ما تقوله أو تفعله، ولكن لا يختلف عليها، فالمؤكد أن سعد زغلول ومصطفي النحاس وعبدالناصر كانوا من هؤلاء الزعماء الكبار الملهمين، والسادات كان رئيسا سياسيا بامتياز، وظل هؤلاء يثيرون الجدل في حياتنا الفكرية والسياسية، إلي أن انتقلنا من مرحلة النقد والاختلاف إلي مرحلة الهدم والتشويه،
واختزل البعض تاريخ الوفد الناصع في حادثة وصوله إلي الحكم في فبراير ١٩٤٢ علي أسنة الدبابات البريطانية، وعبدالناصر كقائد وبطل تحرر قومي في هزيمة ١٩٦٧، وأصبحت هناك في هذا العصر حالة من عدم الراحة إلي وجود رموز ملهمة في تاريخنا، وحرص علي أن يكون الجميع سواء الزعماء والموظفين، والقادة والرؤساء.
والحقيقة أن هذه الطريقة التي تم بها التعامل مع رموز السياسة والاقتصاد والعلم، لم تنسحب علي المجالات الآمنة الأخري، وأقصد رموز كرة القدم وفنانات الفيديو كليب ورجال الدين الحكوميين الذين يتحدثون في عام ٢٠٠٧ عن شرب بول الرسول، ويدعون لإرضاع الكبير،
هؤلاء الرموز المريحون الذين لا يتحدثون في السياسة ويكرهون العقل، هم نتاج النظام الحالي، الذي فرضهم علي المجتمع، ليصبحوا رموزه الدائمين، أما رجال العلم والسياسة فهم من المغضوب عليهم، ليس لهم تأثير يذكر علي الأجيال الجديدة وشباب المدارس والجامعات الحكومية.
فهل يعقل أن تستضيف الجامعة الأمريكية الراحل إدوارد سعيد وأحمد زويل ونعوم شوميسكي وعزمي بشارة ومحمد حسنين هيكل، في حين لا يحلم طلاب جامعة القاهرة، أن يروا أياً من هؤلاء، رغم أنهم لا يحملون فكراً إرهابياً أو ظلامياً، وبعضهم كزويل لا يمتلك إلا علمه حتي لو حاول أن يتكلم في السياسة، ورغم ذلك ظلت هذه الرموز المصرية والأجنبية، علي ما فيها من تباين، مثار عدم راحة لأنها «تشغل عقلها»، وتمنع من التواصل مع الأجيال الجديدة، الذين سقطوا في براثن نظام تعليمي متخلف، و«مفكرين» مختارين شغلوا عقولهم بخرافات بعيدة عن العلم والدين معا.
المؤكد أننا أهدرنا فرصة تاريخية في أن نحول ظاهرة الرموز الملهمة والاستثنائية في تاريخنا، إلي رموز كفئة ومخلصة ونزيهة في العصر الحالي، لأن عصر الزعامات التاريخية والاستثنائية في السياسة اختفي تقريبا من العالم كله، وأصبحنا أمام عصر الرؤساء أو الرموز، أصحاب الرؤية السياسية والكفاءة والإخلاص، وهذا يتطلب في الحقيقة بناء نظم منسجمة مع طبيعة العصر الجديد، ومع هؤلاء الرؤساء،
فالمؤكد أن انتقال مصر من مرحلة الزعماء التاريخيين إلي عصر الرؤساء العاديين، كما جري مع الرئيس مبارك، كان يمكن أن يمثل أهم انتقال سياسي وديمقراطي في تاريخ مصر المعاصر، في حال إذا كان النظام نجح في أن يطور من داخله آلية لتداول السلطة بين أجنحته المختلفة، فيحكم الرئيس مبارك ١٢ عاما، وبعده كنا شاهدنا مثلا المشير أبوغزالة، ثم بعده رئيساً ثالثاً.
من المؤكد أننا نعيش في عصر لا يحتاج إلي زعامات تاريخية وإلي رموز استثنائية، فعبدالناصر في القرن الماضي اكتسب زعامته وشعبيته الهائلة، ليس فقط من قدراته الشخصية ونزاهته واستقامته، إنما أيضا وربما أساسا من طبيعة المعارك التي دافع عنها، وأهمها التحرر الوطني والقومي من الاستعمار، وحين استقلت مصر والعالم العربي، وأصبحت تحدياتها هي «الهموم الصغري» حياة كريمة وتداول السلطة ودوران النخبة، بقي النظام كما هو لم يتغير، فالمؤسسات التي انزوت في عهد الرموز التاريخية، انهارت في عهد الرؤساء العاديين، لأننا أبقينا الإرث الفرعوني، ولكن دون قدرات الفرعون ومواهبه.
بالتأكيد أن مصر لا تحتاج الآن إلي الرموز الاستثنائية في مجال السياسة، لأن العصر لا يتطلبها، بل هي تحتاج إلي رموز كفئة وملهمة تفهم العصر الذي تعيشه، وتتنافس مع نخب أخري لديها المواهب والقدرات نفسها، وهذا في حال حدوثه سينعكس علي كل المجالات،
وسيخلق حالة جديدة ستؤثر في كل مؤسسات المجتمع، وتفتح الطريق أمام جامعات للعلم ومراكز أبحاث للفكر، ومصانع للعمل، ومسؤولين ليسوا فوق المحاسبة، ويصبح هناك مكان لكل المبدعين من مفكرين وكتاب، ويصبح التنافس بين عناصر كفئة ومهنية، حتي لو كان من الصعب أن نجد بينهم هيكل جديداً، لكن علي الأقل سيكون الصحفي والكاتب من بين هؤلاء الذين يقرأون ويكتبون، وليس من بين هؤلاء الذين صاروا كتابا وهم لا يصلحون قراء
بقلم د.عمرو الشوبكى ٧/٦/٢٠٠٧
المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment