في الظروف الطبيعية، تبتهج أي جماعة مهنية، حينما يطالب المجتمع، وتستجيب السلطة المعنية، برفع سن المعاش أو التقاعد، فهذا اعتراف بالتقدير للعاملين في المهنة، والاعتزاز بالدور الذي يقومون به، والرغبة في مزيد من الاستفادة المجتمعية من عطائهم ومهاراتهم وخبراتهم المتراكمة،
لذلك لم يستوعب الرأي العام المصري سر مقاومة أغلبية القضاة المصريين، ممثلين في ناديهم العتيد، لمشروع القانون الذي اقترحته السلطة التنفيذية، ممثلة في وزارة العدل، والذي يقضي برفع سن الإحالة علي المعاش إلي سن السبعين بدلاً من الثامنة والستين،
وحقيقة الأمر أن جمهرة القضاة رأوا في هذا التعديل لقانون سلطتهم، وبلا موافقة الجمعية العمومية لناديهم، تدخلاً سافراً في الشأن القضائي الذي يحرصون أشد الحرص علي صيانة استقلاله، ثم أنهم اشتموا من الهرولة في استصدار التعديل، خدمة عدد محدود من القضاة، الذين تعتبرهم السلطة التنفيذية من الموالين لها، وهو أمر يتنافي مع «روح القوانين»، منذ أصّل لذلك الفيلسوف الفرنسي «تشالز مونتيسكيو» في كتابه الأشهر بنفس العنوان (والذي صدر عام ١٧٤٨)، وفحواه أن القاعدة القانونية الصحيحة، ينبغي أن تتصف بالتجرد والعمومية والموضوعية، أي ألا يصدر التشريع لخدمة مصلحة شخصية، أو لحفنة من الأفراد، أو لمجرد ظرف طارئ.
ويعتقد القضاة، وبحق أن ما يفعله النظام بهذا التعديل، هو حلقة في سلسلة متصلة من حرب الاستنزاف التي يشنها علي استقلال السلطة القضائية، التي ما تزال هي السلطة الوحيدة الباقية التي تقف في وجه استبداده وفساده فقد طوع السلطتين الأخريين (التنفيذية والتشريعية) تماماً لكي تفعلا كل ما يريده أو يأمر به النظام واستقلال القضاء في أي بلد هو عنوان استقلالها الوطني، وبطاقة عضويتها في المجتمع الدولي ككيان مكتمل السيادة.
لقد كانت أعظم مفاخر العصر الليبرالي في مصر (١٩٢٣ـ١٩٥٢) هو تبلور ونمو المؤسسة القضائية المستقلة، وقد كان دستور ١٩٢٣ أعظم دساتير مصر علي الإطلاق، خلال المائتي سنة الأخيرة، وقد كرّس هذا الدستور الفذ استقلال القضاء، وتوّج ذلك بإنشاء محكمة النقض، كمحكمة عليا، ومرجعية أخيرة في كل المنازعات، سواء بين الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين، أو بينهم وبين الحكومة والدولة.
حتي حينما تعقدت الحياة المصرية المعاصرة، واستلزمت محاكم متخصصة، مثل مجلس الدولة والقضاء الإداري، فإن نفس تقاليد العصر الليبرالي في استقلال القضاء ظلت هي السائدة، واحترمت الحكومات المتعاقبة خلال ذلك العصر هذا الاستقلال، وحرصت علي تنفيذ أحكام القضاء، ونادراً ما حدث انتهاك لحرية أو حقوق الإنسان، حتي أن حوادث تعذيب الإخوان المسلمين في السجون في أواخر العصر الليبرالي (١٩٤٩-١٩٥٠)، والتي ارتبطت بـ «العسكري الأسود»، كانت من نفحات وزارة الداخلية، بعد أن اغتال أحد الإخوان، رئيس الوزراء وقتها، محمود فهمي النقراشي باشا، في مدخل مبناها بلاظوغلي، مما اعتبرته أجهزة تلك الوزارة امتهاناً لهيبتها، فدخلت في عملية ثأر مع تلك الجماعة، ما زالت مستمرة إلي اليوم، أي حتي تلك البقعة السوداء في أواخر العصر الليبرالي، لم يكن للمؤسسة القضائية شأن بها.
وظل استقلال القضاء ونزاهته محل ثقة المصريين منذ العصر الليبرالي والشعب ينتفض مع القضاة، وفي كل مرة تحاول أي حكومة أن تنال من هذا الاستقلال. وكان آخر المشاهد الدرامية لهذا الترابط الشعبي مع القضاة، أثناء «المحاكمة التأديبية» للمستشارين الجليلين هشام البسطويسي ومحمود مكي عام ٢٠٠٦، بعد أن كشفا عن وقائع التزوير في الانتخابات البرلمانية في أواخر عام ٢٠٠٥، وهو المشهد الذي تحول معه قلب القاهرة إلي ما يشبه الثكنة العسكرية،
فقد انتشر حوالي عشرين ألف مسلح من قوات الأمن المركزي، حول المربع العمراني، الذي يقع فيه مبني محكمة النقض، حيث كانت تجري المحاكمة، ولكن أعداداً أكبر من جماهير الشعب المصري، من القاهرة وخارجها فرضوا كردوناً حصارياً أوسع، أحاط بقوات الأمن المركزي، ومبني المحكمة العريقة، ولم يكن واضحاً في اليومين الرهيبين اللذين تكرر فيهما نفس المشهد، من يحاصر من، أو كيف يمكن أن يتطور هذا الحصار المتبادل؟
وفي لحظة حكمة نادرة، لم نتعودها من النظام، تراجعت الحكومة، وصدر قرار يحفظ وجهها من ناحية، بتوجيه لفت -فقط-نظر أحد المستشارين، ولكن الأهم أنه أنهي حالة الحصار المتبادل التي كانت تنذر بمواجهة دموية في قلب العاصمة، وهو الأمر الذي لم يحدث منذ حريق القاهرة، في ٢٦ يناير ١٩٥٢، وكان مقدمة لثورة الجيش بعد ذلك بستة شهور،
ومنذ المظاهرات العارمة في فبراير ١٩٥٤، تأييداً للرئيس محمد نجيب والديمقراطية والدستور، وانتهت المواجهة الأخيرة (٢٠٠٦) بسلام مؤقت، ولكن حرب الخنادق والاستنزاف استمرت بين النظام، ووزير عدله وحزبه الوطني من ناحية، وجمهرة القضاة من ناحية أخري، وتستخدم الحكومة في حرب الاستنزاف هذه كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، بما في ذلك «الخديعة» و«المباغتة».
وقد تجلت الخديعة في المعركة الأخيرة، وهي تعديل قانون السلطة القضائية، لرفع سن تقاعد القضاة، بأن تظاهر كل رموز النظام بأنهم لن يقدموا مشروع التعديل في الفصل التشريعي الحالي (الذي ينتهي في آخر يونيو من كل عام)، وأنهم سينتظرون إلي أن ينتهي القضاة أنفسهم من إبداء الرأي وإدخال ما يرونه من تعديلات، وإلي أن يقره مجلس الشوري (الأكثر حكمة ووقاراً)، وجاءت التأكيدات علي لسان د. فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب، والذي يتحكم في جدول الأعمال، وما ينظر في كل فصل تشريعي، بل وفي كل جلسة من جلسات المجلس، كما جاءت نفس التأكيدات من د. زكريا عزمي، رئيس ديوان رئاسة الجمهورية وعضو مجلس الشعب، ولجنة السياسات، وأكثر المسؤولين قرباً الرئيس،
كما أقسم د. عبد الأحد جمال الدين، زعيم الأغلبية المفترضة للحزب الوطني في المجلس، علي أن مشروع القانون لن يقدم في المستقبل المنظور، ولكن الذي حدث يوم الأحد ٢٢/٤/٢٠٠٧ كان شيئاً غير مسبوق في تاريخ الحياة البرلمانية في مصر والعالم، وقد اعترفت صحيفة الأهرام (الحكومية) نفسها بذلك، وها أنا أنقل عنها، تحت عنوان اختارته هي، هو «أطول يوم في التاريخ» (٢٥/٤/٢٠٠٧).
يبدو أن يوم ٢٢ من أبريل كان يوماً «مبروكاً»، امتدت ساعاته إلي أكثر من ٢٤ ساعة، ففيه أرسل الدكتور أحمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب خطاباً حول التعديلات في قانون السلطة القضائية، ووزير العدل بدوره طلب من الهيئات القضائية في اليوم نفسه أن تنعقد الجمعيات العمومية لاستطلاع رأي أعضائها، فعقدت الجمعيات العمومية للهيئات القضائية اجتماعاتها العاجلة في اليوم نفسه،
وأرسلت خطابات عاجلة لوزير العدل تخبره بالموافقة في نفس اليوم، ونتيجة لهذه الموافقات أرسل السيد وزير العدل خطاباً للدكتور أحمد فتحي سرور في اليوم نفسه بخطوة موافقة الهيئات القضائية علي المشروع، فأحاله الدكتور فتحي سرور نفس اليوم أيضاً للمجلس، هكذا أصبح يوم ٢٢/٤/٢٠٠٧ أطول يوم في التاريخ، هذا ما كشف عنه تقرير اللجنة والتاريخ المدون عليه، وهذا ما قاله النائب المستقل أحمد ناصر.
وهكذا خدع وكذب وباغت أساطين الحزب الوطني في مجلس الشعب المستقلين والإخوان من النواب والقضاة والشعب المصري، وقد أصبح ذلك هو أسلوب النظام في التعامل مع خصومه السياسيين، وهم يعتبرون ذلك مهارة وشطارة! ولا بد أن وراءها «غرفة عمليات»، ربما تفوق غرفة العمليات التي أدارت حرب أكتوبر، فما عرفناه عن تلك الحرب والإنجاز الرفيع لقواتنا المسلحة كان مرجعها التكتم والسرية، والتمويه والخداع، ثم المباغتة والتنسيق الدقيق بين فروع القوات المسلحة، ولا بد أن شيئاً مماثلاً قد أعد له ونفذ بدقة في حالة تعديل قانون السلطة القضائية،
إذ لابد أن فتحي سرور أعد وأرسل في كتمان شديد رسالته إلي وزير العدل، ولابد أن هذا الأخير قد أعد وأرسل في كتمان شديد نفس الرسالة لرؤساء الهيئات القضائية، المعينين أصلاً من السلطة التنفيذية، ليكونوا في مواقعهم (القتالية) في ساعة الصفر المتفق عليها، وأن يكونوا قد حشدوا ما يكفي من حد أدني لنصاب قانوني لجمعياتهم العمومية، ولابد أن الأنصار الموالين للحكومة كانوا هم أيضاً جاهزين في مواقعهم (القتالية) حتي يصوتوا بـ «نعم» علي التعديلات، ويرسلونها للوزير قبل نهاية يوم العمل، وقام الوزير بدوره بإرسال الردود بنفس الطريقة التي استلم بها رسالة فتحي سرور.
إنها عملية أشبه بـ «الاختطاف»، والمختطفون هنا هم أعوان النظام أما الضحية المختطفة فهي القانون، واستقلال القضاء، وإرادة الأمة
لذلك لم يستوعب الرأي العام المصري سر مقاومة أغلبية القضاة المصريين، ممثلين في ناديهم العتيد، لمشروع القانون الذي اقترحته السلطة التنفيذية، ممثلة في وزارة العدل، والذي يقضي برفع سن الإحالة علي المعاش إلي سن السبعين بدلاً من الثامنة والستين،
وحقيقة الأمر أن جمهرة القضاة رأوا في هذا التعديل لقانون سلطتهم، وبلا موافقة الجمعية العمومية لناديهم، تدخلاً سافراً في الشأن القضائي الذي يحرصون أشد الحرص علي صيانة استقلاله، ثم أنهم اشتموا من الهرولة في استصدار التعديل، خدمة عدد محدود من القضاة، الذين تعتبرهم السلطة التنفيذية من الموالين لها، وهو أمر يتنافي مع «روح القوانين»، منذ أصّل لذلك الفيلسوف الفرنسي «تشالز مونتيسكيو» في كتابه الأشهر بنفس العنوان (والذي صدر عام ١٧٤٨)، وفحواه أن القاعدة القانونية الصحيحة، ينبغي أن تتصف بالتجرد والعمومية والموضوعية، أي ألا يصدر التشريع لخدمة مصلحة شخصية، أو لحفنة من الأفراد، أو لمجرد ظرف طارئ.
ويعتقد القضاة، وبحق أن ما يفعله النظام بهذا التعديل، هو حلقة في سلسلة متصلة من حرب الاستنزاف التي يشنها علي استقلال السلطة القضائية، التي ما تزال هي السلطة الوحيدة الباقية التي تقف في وجه استبداده وفساده فقد طوع السلطتين الأخريين (التنفيذية والتشريعية) تماماً لكي تفعلا كل ما يريده أو يأمر به النظام واستقلال القضاء في أي بلد هو عنوان استقلالها الوطني، وبطاقة عضويتها في المجتمع الدولي ككيان مكتمل السيادة.
لقد كانت أعظم مفاخر العصر الليبرالي في مصر (١٩٢٣ـ١٩٥٢) هو تبلور ونمو المؤسسة القضائية المستقلة، وقد كان دستور ١٩٢٣ أعظم دساتير مصر علي الإطلاق، خلال المائتي سنة الأخيرة، وقد كرّس هذا الدستور الفذ استقلال القضاء، وتوّج ذلك بإنشاء محكمة النقض، كمحكمة عليا، ومرجعية أخيرة في كل المنازعات، سواء بين الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين، أو بينهم وبين الحكومة والدولة.
حتي حينما تعقدت الحياة المصرية المعاصرة، واستلزمت محاكم متخصصة، مثل مجلس الدولة والقضاء الإداري، فإن نفس تقاليد العصر الليبرالي في استقلال القضاء ظلت هي السائدة، واحترمت الحكومات المتعاقبة خلال ذلك العصر هذا الاستقلال، وحرصت علي تنفيذ أحكام القضاء، ونادراً ما حدث انتهاك لحرية أو حقوق الإنسان، حتي أن حوادث تعذيب الإخوان المسلمين في السجون في أواخر العصر الليبرالي (١٩٤٩-١٩٥٠)، والتي ارتبطت بـ «العسكري الأسود»، كانت من نفحات وزارة الداخلية، بعد أن اغتال أحد الإخوان، رئيس الوزراء وقتها، محمود فهمي النقراشي باشا، في مدخل مبناها بلاظوغلي، مما اعتبرته أجهزة تلك الوزارة امتهاناً لهيبتها، فدخلت في عملية ثأر مع تلك الجماعة، ما زالت مستمرة إلي اليوم، أي حتي تلك البقعة السوداء في أواخر العصر الليبرالي، لم يكن للمؤسسة القضائية شأن بها.
وظل استقلال القضاء ونزاهته محل ثقة المصريين منذ العصر الليبرالي والشعب ينتفض مع القضاة، وفي كل مرة تحاول أي حكومة أن تنال من هذا الاستقلال. وكان آخر المشاهد الدرامية لهذا الترابط الشعبي مع القضاة، أثناء «المحاكمة التأديبية» للمستشارين الجليلين هشام البسطويسي ومحمود مكي عام ٢٠٠٦، بعد أن كشفا عن وقائع التزوير في الانتخابات البرلمانية في أواخر عام ٢٠٠٥، وهو المشهد الذي تحول معه قلب القاهرة إلي ما يشبه الثكنة العسكرية،
فقد انتشر حوالي عشرين ألف مسلح من قوات الأمن المركزي، حول المربع العمراني، الذي يقع فيه مبني محكمة النقض، حيث كانت تجري المحاكمة، ولكن أعداداً أكبر من جماهير الشعب المصري، من القاهرة وخارجها فرضوا كردوناً حصارياً أوسع، أحاط بقوات الأمن المركزي، ومبني المحكمة العريقة، ولم يكن واضحاً في اليومين الرهيبين اللذين تكرر فيهما نفس المشهد، من يحاصر من، أو كيف يمكن أن يتطور هذا الحصار المتبادل؟
وفي لحظة حكمة نادرة، لم نتعودها من النظام، تراجعت الحكومة، وصدر قرار يحفظ وجهها من ناحية، بتوجيه لفت -فقط-نظر أحد المستشارين، ولكن الأهم أنه أنهي حالة الحصار المتبادل التي كانت تنذر بمواجهة دموية في قلب العاصمة، وهو الأمر الذي لم يحدث منذ حريق القاهرة، في ٢٦ يناير ١٩٥٢، وكان مقدمة لثورة الجيش بعد ذلك بستة شهور،
ومنذ المظاهرات العارمة في فبراير ١٩٥٤، تأييداً للرئيس محمد نجيب والديمقراطية والدستور، وانتهت المواجهة الأخيرة (٢٠٠٦) بسلام مؤقت، ولكن حرب الخنادق والاستنزاف استمرت بين النظام، ووزير عدله وحزبه الوطني من ناحية، وجمهرة القضاة من ناحية أخري، وتستخدم الحكومة في حرب الاستنزاف هذه كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، بما في ذلك «الخديعة» و«المباغتة».
وقد تجلت الخديعة في المعركة الأخيرة، وهي تعديل قانون السلطة القضائية، لرفع سن تقاعد القضاة، بأن تظاهر كل رموز النظام بأنهم لن يقدموا مشروع التعديل في الفصل التشريعي الحالي (الذي ينتهي في آخر يونيو من كل عام)، وأنهم سينتظرون إلي أن ينتهي القضاة أنفسهم من إبداء الرأي وإدخال ما يرونه من تعديلات، وإلي أن يقره مجلس الشوري (الأكثر حكمة ووقاراً)، وجاءت التأكيدات علي لسان د. فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب، والذي يتحكم في جدول الأعمال، وما ينظر في كل فصل تشريعي، بل وفي كل جلسة من جلسات المجلس، كما جاءت نفس التأكيدات من د. زكريا عزمي، رئيس ديوان رئاسة الجمهورية وعضو مجلس الشعب، ولجنة السياسات، وأكثر المسؤولين قرباً الرئيس،
كما أقسم د. عبد الأحد جمال الدين، زعيم الأغلبية المفترضة للحزب الوطني في المجلس، علي أن مشروع القانون لن يقدم في المستقبل المنظور، ولكن الذي حدث يوم الأحد ٢٢/٤/٢٠٠٧ كان شيئاً غير مسبوق في تاريخ الحياة البرلمانية في مصر والعالم، وقد اعترفت صحيفة الأهرام (الحكومية) نفسها بذلك، وها أنا أنقل عنها، تحت عنوان اختارته هي، هو «أطول يوم في التاريخ» (٢٥/٤/٢٠٠٧).
يبدو أن يوم ٢٢ من أبريل كان يوماً «مبروكاً»، امتدت ساعاته إلي أكثر من ٢٤ ساعة، ففيه أرسل الدكتور أحمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب خطاباً حول التعديلات في قانون السلطة القضائية، ووزير العدل بدوره طلب من الهيئات القضائية في اليوم نفسه أن تنعقد الجمعيات العمومية لاستطلاع رأي أعضائها، فعقدت الجمعيات العمومية للهيئات القضائية اجتماعاتها العاجلة في اليوم نفسه،
وأرسلت خطابات عاجلة لوزير العدل تخبره بالموافقة في نفس اليوم، ونتيجة لهذه الموافقات أرسل السيد وزير العدل خطاباً للدكتور أحمد فتحي سرور في اليوم نفسه بخطوة موافقة الهيئات القضائية علي المشروع، فأحاله الدكتور فتحي سرور نفس اليوم أيضاً للمجلس، هكذا أصبح يوم ٢٢/٤/٢٠٠٧ أطول يوم في التاريخ، هذا ما كشف عنه تقرير اللجنة والتاريخ المدون عليه، وهذا ما قاله النائب المستقل أحمد ناصر.
وهكذا خدع وكذب وباغت أساطين الحزب الوطني في مجلس الشعب المستقلين والإخوان من النواب والقضاة والشعب المصري، وقد أصبح ذلك هو أسلوب النظام في التعامل مع خصومه السياسيين، وهم يعتبرون ذلك مهارة وشطارة! ولا بد أن وراءها «غرفة عمليات»، ربما تفوق غرفة العمليات التي أدارت حرب أكتوبر، فما عرفناه عن تلك الحرب والإنجاز الرفيع لقواتنا المسلحة كان مرجعها التكتم والسرية، والتمويه والخداع، ثم المباغتة والتنسيق الدقيق بين فروع القوات المسلحة، ولا بد أن شيئاً مماثلاً قد أعد له ونفذ بدقة في حالة تعديل قانون السلطة القضائية،
إذ لابد أن فتحي سرور أعد وأرسل في كتمان شديد رسالته إلي وزير العدل، ولابد أن هذا الأخير قد أعد وأرسل في كتمان شديد نفس الرسالة لرؤساء الهيئات القضائية، المعينين أصلاً من السلطة التنفيذية، ليكونوا في مواقعهم (القتالية) في ساعة الصفر المتفق عليها، وأن يكونوا قد حشدوا ما يكفي من حد أدني لنصاب قانوني لجمعياتهم العمومية، ولابد أن الأنصار الموالين للحكومة كانوا هم أيضاً جاهزين في مواقعهم (القتالية) حتي يصوتوا بـ «نعم» علي التعديلات، ويرسلونها للوزير قبل نهاية يوم العمل، وقام الوزير بدوره بإرسال الردود بنفس الطريقة التي استلم بها رسالة فتحي سرور.
إنها عملية أشبه بـ «الاختطاف»، والمختطفون هنا هم أعوان النظام أما الضحية المختطفة فهي القانون، واستقلال القضاء، وإرادة الأمة
بقلم د. سعد الدين إبراهيم ٢٨/٤/٢٠٠٧
المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment