Friday, July 30, 2010

أكون أو لا أكون

كان يوسف شاهين يخجل من حذائه المقطوع. هو الفقير بين أرستقراطية الإسكندرية في مدرسة فيكتوريا كوليدج (تخرج فيها ملوك وتجار ونجوم من الملك حسين إلي إدوارد سعيد مروراً بعمر الشريف). أحلامه كبيرة. متعثرة. لا يقدر علي شراء بدلة علي الموضة ولا حذاء أبيض. يملك فقط خفة الدم. ومهارة الرقص مع البنات في كوكتيلات الطبقة العليا. هذه أدواته في لفت الانتباه وسط محيط الأغنياء المتعجرفين. ولد يوسف شاهين يوم 26من يناير 1926 في عائلة مهاجرة وتحلم بهجرة أخري. الأجداد تركوا «زحلة» النائمة في أحضان جبل لبنان وأبحروا إلي الاسكندرية. مدينة «العالم» التي كان يعيش بها 600 ألف «خواجة». تمتزج ثقافاتهم... وأفكارهم وتتصارع رغباتهم في ملعب الطموح السياسي والمالي.. بينهم كان يوسف: نصف خواجة. بربع إمكانيات مالية. وعناد شخصي لا حدود له. أبوه محامٍ يحلم بأن يعبر الابن من خندق الفقر عبر الاقتراب من عالم الأثرياء. الإنجليز أصحاب السلطة والسطوة. والمصريون الذين سيختارهم الإنجليز وزراء وأصحاب نفوذ. العائلة متوترة علي سطح من رغبات مكتومة في هجرة ثانية.. إلي درجة أعلي في سلم البرجوازية. كان الشاب مرتبكاً دائماً ويتكلم بسرعة لكي لا يلحظ أحد توتراته الداخلية. ظل معذباً برغبات العائلة وأحلامها في الصعود. وبمحاولة إقناع المحيط الغريب من حوله بإمكانية قبوله. في مرة كان عليه أن يذهب إلي حفلة ولم يستطع؛ لأن الاختيار كان إما أن يشتري بدلة مناسبة، أو تشتري أخته فستاناً جديداً. لم يذهب. لكنه عاد في اليوم التالي إلي المدرسة بفكرة اكتشف معها طريقة جديدة لاستعراض مواهبه. وإثبات أنه متفوق. يستطيع السيطرة علي الانتباه. وقف أمام فصل من 30 تلميذاً «همج كما وصفهم». وألقي مونولوج الملك «ريتشارد الثاني» أحد أبطال تراجيديا شكسبير.المونولوج كان في لحظة حكم علي الملك فيها بالتنازل عن كل شيء. مصير قاس لشخص يهوي من علي عرش إمكانياته وجبروته إلي التسليم. والشاب لعب بكل أعصابه للسيطرة علي المشاعر الهائجة والساخطة وأنهي المشهد بدموع ساخنة. وهم استقبلوه بتصفيق حاد. يومها اكتشف الفن كطريقة من طرق إثبات الوجود. واكتشف المسرح، وشكسبير. هنا تحول الحلم من اللحاق بطابور الجامعة (والتخرج محامياً مثل والده أو موظفاً في بنك ينتظر الراتب أول كل شهر كما قالت أمه) إلي التمثيل. النجومية. هوليوود. وهنا جمعت العائلة كل طاقاتها المالية (باعوا قطعاً من الأثاث والبيانو)، لكي يسافر الشاب الطموح ويركب السفينة إلي «باسادينا» في العالم الجديد (أمريكا). هناك اكتشف أنه لا يصلح لكي يكون ممثلاً. هذا قبل أن يعود (يحب الآن أن يشبه عودته إلي مصر ببطل فيلمه «ابن النيل» المغامر الذي اكتشف وجه المدينة الشرير وعاد ليبحث عن تحقق في بلده.. عاد ليكون مخرجاً مصرياً.. وليس فقط لأن أحوال عائلته المالية بعد موت الأب تدهورت بشكل كبير). المهم عاد يوسف.. وقابل المصور الإيطالي ألفيزي أورفانيللي الذي فتح الباب أمام أول تجربة له: «بابا أمين» ليصبح مخرجاً وعمره 23 سنة فقط.

المسافة طويلة بين هذه البدايات و بين نهايته السعيدة عندما أصبح أشهر مخرج سينما في مصر والعالم العربي.نجم ينافس نجوم التمثيل.ارتبط يوسف شاهين بنقلة نوعية حين بدأ الفيلم ينسب إلي المخرج، لا الممثل. عرفه الناس وحفظوا لزماته وأثارتهم تهتهاته. رغم أن النظرة العمومية تراه: مخرجاً «متحذلقاً». وهذه واحدة من اختصارات طالت يوسف شاهين.

كل سنة.. أنت في الذاكرة

- الدستور

Thursday, July 29, 2010

مصر تذهب إلى السيرك

أين ذهبت الحرب بين قبيلة المحامين وقبيلة القضاة؟
بعد أن كانت حديث الصباح والمساء، وبعد أن حققت معدلات متابعة غير مسبوقة فى أسبوعى عرضها الأول والثانى، تراجعت القضية إلى ترتيب متأخر للغاية فى قائمة الأكثر مشاهدة، وكأن المنتج قرر فجأة أن يضحى بالإيرادات من أجل أهداف أخرى خفية.

لم نعد نصحو وننام على بيانات من جنرالات الحرب تفوح منها رائحة البارود وتتطاير حمم التهديد بالقتال حتى آخر جندى دفاعا عن شرف القبيلة وامتيازاتها.

الحاصل أن القضية لم تأخذ طريقها للحل، لكن جرى سحبها من دور العرض لتنام فى الأدراج، لم يقل لنا أحد لماذا اشتعلت على ذلك النحو المروع، وماذا جرى فيها، ولماذا سكتت المدافع فجأة، ومتى سنفيق على جولة جديدة من الصراع؟

فى المقابل صعدت قضايا أخرى إلى السطح، وأريد لها أن تستحوذ على نسب مشاهدة هائلة، ولا يزال النفخ فيها مستمرا، منها مثلا قضية قتل مذيع لزوجته، ورغم أنها مجرد حادثة أسرية تحدث أحيانا، إلا أن ثمة إلحاحا غريبا على التوسع فى نشر تفاصيلها، وتعمد المط والإطالة فيها على طريقة مسلسلات الصابون.

وبالتزامن مع ذلك تأتى قضية المصريين المحورية وهى أزمة الصراع على الكابتن جدو، بين الأهلى والزمالك، وهى قضية أرشيفية مؤجلة منذ أكثر من ستة شهور، حيث كانت قد خرجت إلى النور لفترة ثم أرجئت، إلى مرحلة لاحقة.. وهى تكرار سخيف وممل لقضايا عديدة سابقة من هذا النوع.

وبالتزامن مع ذلك، لا مانع من ضخ قضايا أخرى أكثر إثارة فى السوق، اختفاء وعودة زوجة الكاهن، وما تلاها من توابع طائفية مثل صراع الإرادات بين مطران مغاغة ومحافظ المنيا، والاشتباك على أرض عزبة الهجانة بين أقباط ومسلمين، ومسلسل خطف وقتل، فى أسبوع من الاحتقان الطائفى المخجل.

وكأن هناك من يقف خلف الستار يحرك العرائس والمعارك الصغيرة فى سيرك منصوب طوال الوقت يجرى اقتياد المصريين إليه عنوة، بحيث يظل المواطن يلهث وراء تفاصيل ذات نكهة حراقة، بما يجعله مشغولا دوما بأشياء أخرى بعيدا عن الحقيقى والجاد من المشاكل والقضايا.

وإذا كان من الصعب القطع والجزم بمن يقف وراء إشعال كل هذه الحرائق فى هذا التوقيت بالذات، فإن الثابت أن الدولة بدستورها وقوانينها غائبة عن كل هذه الملفات، أو بالأحرى تكتفى بدور المتفرج أحيانا، ودور الوسيط فى أحيان أخرى، بحيث بدا أن هناك نوعا من الاجتراء على القانون، والاستهتار بالدستور، واعتماد سياسة ممارسة الضغوط لبلوغ الهدف، وهذا طبيعى للغاية طالما لا يطبق القانون على الجميع، وطالما يسود أسلوب المواءمات، والمساومات أحيانا

وائل قنديل- الشروق


إضرابات تفضلوا بقبول فائق الاحترا

لا ضرائب بدون تمثيل، لا ضرائب بدون مشاركة، هذه هي القاعدة الذهبية في الدول الديمقراطية، معناها أن المواطن لن يدفع ضرائب إلا إذا كان مشاركا في الحكم وقادرا علي وضع القوانين أو رفضها ولديه تمثيل في البرلمان يمثل صوته ورأيه ويدافع عن مصالحه وعارف الضرائب دي بتروح فين، من غير كده مش دافع، لأن نصيبي في الفلوس يساوي نصيبي في المشاركة، لو منعتم مشاركتي أمنع فلوسي، هذا بالضبط المنطق الذي يربط الحكم بالمواطن في المجتمعات الحرة الديمقراطية، أما لدينا فالضرائب في هذا العصر المبارك جباية تشبه ما كان يفعله المماليك في الماضي حين أطلقوا عليه نظام الملتزم حيث كانوا يمنحون مملوكا منهم إقطاعية المنوفية مثلا ويدفع عليها سنويا مائة ألف درهم وبعدها هو حر يجمع من الناس في المنوفية مكوسا وضرائب كما يحلو له يطلع بمائة، بمليون هو ونصيبه وهو ورزقه وربنا يبارك له !

وقد يقول قائل: ولكن الضرائب تستخدم في الصرف علي المرافق العامة والتعليم والصحة والخدمات، والإجابة: وأنا إيش عرفني، أليس من الجائز أنهم يسرقونها، أو ربما يوزعونها علي بعض، أو بغير كفاءة أو بانعدام ضمير، جائز جدا، ويجوز أيضا أن يكونوا ملائكة بجناحين (تخيل يوسف غالي ملاكا.. متركبش خالص، لأ وكمان بجناحين..) الذي يضمن الضرائب وطريقة تحصيلها وصرفها هي الديمقراطية، هي مشاركة دافعي الضرائب في القرار والحكم وهذا غير متوفر مع انتخابات مزيفة واحتكار سلطة وحكم رئاسي مطلق ورئيس بصلاحيات شبه إلهية.

الحاصل الآن علي الساحة انعكاس لهذا الخلل وعكس للمفروض واللازم، فالمواطنون يعتصمون ويضربون كل يوم بسبب الفلوس، المحامون والصيادلة مثلا لا يريدون أن يدفعوا والأطباء والمدرسون والموظفون يريدون أن تدفع لهم الحكومة !

وجوهر هذا الصدام (الذي يحسمه الرئيس مبارك دائما بحكمته التي نتمني أن تمنع هذه الحكمة بعد ذلك اشتعال الحريق لا أن تكتفي بحكمتها في إطفائه) أن المواطن لا يدخل في حساب الحكومة فمجلس الشعب صار هيئة تنفيذية تمريرية تصفيقية لأي قرار ينزل من الباب العالي، فيجد المواطن نفسه أمام طريق السلامة أو الندامة أو اللي يروح ما يرجعش، ولأنه في لحظة غضب ويأس يقرر أن يذهب في آخر طريق يمكن أن يلجأ إليه مواطن مصري، طريق اللي هو يروح ما يرجعش حيث الإضراب والاعتصام ، الإضراب في أغلب أنحاء الدنيا وسيلة لرفع مطالب لكن يتحول عندنا إلي وسيلة لرفع صوت ورفع ظلم وطلب مشاركة، الصيادلة أجبروا الدولة علي أن تسمعهم وتجلس معهم، أي مشاركة في اتخاذ قرار، المحامون يطلبون سماع صوتهم ورأيهم في قانون رفع الرسوم، عمال السكة الحديد والمترو وعشرات الآلاف من موظفي التربية والتعليم المنسيين في الكادر وسائقو المقطورات وجميع أطراف المجتمع المصري تطالب بالمشاركة والدولة تتعامل معهم باعتبارهم مواطنين إمعات المفروض يسمعوا الكلام وينفذوا أوامر البيه الوزير والست الحكومة كما تعودت وكما عودوها، والمواطن يترك الرئيس بحكومته يعمل ما بدا له وكما شاء في كل شيء لكن عند الضغط الشديد والغشيم علي مصلحة المواطن ورزقه في لحظة عميقة السواد اقتصاديا يصرخ المواطن بالاعتصام، كل هذه الإضرابات والاعتصامات لن تغير في النظام شيئا ولن تدفع مبارك لعمل أي تغيير حقيقي ولا طبعا ستجبر أحدا علي الرحيل (وهذه ذقني لو خرج بطرس غالي من أي تشكيل وزاري !!) فهي إضرابات تنتهي مطالبها بتفضلوا قبول فائق الاحترام، هي صرخات استغاثة وليست صيحات غضب، والدليل أنها تنفض بمنتهي السهولة ومع أول قعدة وبشائر أول تنازل من الدولة، لأنها حركات ذات طموح محدود ومطالب منخفضة السقف والتماسية استغاثية وليست مطالب بالمشاركة في الحكم بل دعوة لعدم المشاركة في الرزق

إبراهيم عيسى -الدستور

محاكمة قتلة خالد سعيد

عندما ينادي اليوم حاجب محكمة جنايات الإسكندرية قائلاً: «محكمة» !! علينا أن ننظر للمشهد بعمق يتجاوز صورة القضاة، وهم يدلفون للمنصة، متوشحين بالأوشحة الخضراء، وممثلي الادعاء بأوشحتهم الحمراء، والمخبر عوض ورفيقه الفلاح وهما يقفان خلف القفص بملابسهما البيضاء..

.. علينا أن ننظر بعمق في خلفية المنصة، لنجد صورة ـ أشبه بالعلامة المائية ـ يتوسطها وجه خالد سعيد مبتسمًا وإلي جواره صور لغرقي عبارة السلام في قاع البحر الأحمر، وأخري لغرقي علي شواطيء الهجرة، وأخري لقتلي عربات الترحيلات، وأخري لحرقي القطارات وأشلاء مزقتها عجلات المركبات.. ضحايا كثر للإهمال والفساد والفقر والاستبداد.

.. وفي الصورة موتي آخرون، لكن علي قيد الحياة، أدقهم الظلم والقهر، وأرقهم الشوق للعدل، فدفعوا ثمناً من حريتهم أو وظيفتهم وهم يسعون لتلك اللحظة التي وقف فيها حاجب محكمة جنايات الإسكندرية وقال: «محكمة»!! من بين هؤلاء مئات من الشباب المصري الذي خرج مدافعاً عن شخص لا يعرفونه، وهم يعرفون جيدًا ما يمكن أن يتعرضوا له.

.. في قلب الصورة «المضيئة» لمن دفعوا ثمناً باهظاً للوصول لكلمة «محكمة» وجه إعلامي بارز ترددت الأنباء مؤخرًا أنه أُبعد عن عمله، وتوقف بث برنامجه، بسبب موقفه الرائع والمشرف من قضية خالد سعيد!! فلم يعد سراً أن الإعلامي معتز مطر توقف برنامجه «محطة مصر» علي قناة «مودرن مصر » بسبب طلب الأمن ذلك من إدارة المحطة عقابًا له علي حماسه في الدفاع عن الشهيد خالد سعيد وفضحه محاولات إغماط حقه وتلويث سمعته حياً وميتاً..

.. فوق صورة معتز مطر الماثلة إلي جوار صورة خالد سعيد تبدو علامة استفهام كبيرة حول مصداقية بعض الإعلام نصف الحكومي الذي يسمي نفسه القنوات الخاصة، ومدي الحقيقي والزائف في استقلال يدار من مكاتب الأحلام في أمن الدولة ليمنع هذا، ويسمح بذلك!!

.. هذه الصورة البانورامية تعكس صورة وجه مصر الحقيقية، المظلومة، المقهورة، المثخنة بجراح عميقة كالتي أحدثها الاعتداء الوحشي علي وجه الشهيد خالد سعيد!!

.. بعد ساعات قليلة من مصرع خالد، استقبلت في منزلي بالإسكندرية شقيقًا وصديقًا مشتركًا، وحضرت اللقاء زميلتنا في الغد نجلاء فوزي التي طلبتُ منها أن تضع فورًا الصور التي قدمها لي شقيق خالد لجثته علي صفحتي بالفيس بوك مشفوعة بصورته الجميلة قبل العدوان الوحشي عليه!!

.. عندما امتعضت الزميلة نجلاء من نشر صورة الجثة حرصاً علي مشاعر الناس والرأي العام الذي لم يكن اتصل علمه مطلقًا بعد بالحادثة قلت لها: ضعي الصورة الأولي لوجه هذا الشاب الوسيم قبل ما تعرض له وضعي تلك الصورة الصادمة لهذا الوجه المحطم والمشوه، لعل الناس تري فيه الفارق بين مصر التي نحبها، ومصر ووجهها بعد أن فعل بها الاستبداد والفساد ما فعل!!

.. هكذا كانت قضية خالد منذ بدايتها بمثابة مؤشر جامح لأوجاع المصريين المتقاطعة، التي اجتمعت فجأة تحت صورة خالد لتقول «لا » عالية مدوية لكل أشكال غياب العدالة، والكرامة، والإنسانية!!

.. عندما نشرت صور خالد لأول مرة علي موقعي وصفحتي بالفيس بوك وبعدها 14 مقالاً بجريدة «الدستور» لم أكن أتوقع حجم الوجع الذي ستفجره هذه القضية داخلنا، لكني كنت علي يقين أنها ستترك بصمة عميقة وغائرة في ضمائرنا وذاكرتنا..

.. وعندما اشتدت حملة النظام والإعلام ضد خالد وكل من يطلب حقه أدركت أن قضية خالد ستخرج من النفق المظلم وتصل إلي القضاء لتبدأ رحلة جديدة في البحث عن الجناة، كل الجناة والمحرضين.

.. أذكر أنه في عام 1985 قتل شاب مصري في مركز شرطة " فوه " وخرجت المدينة لتعرب عن غضبها، وإذ بمباحث المركز تعلق أن القتيل كان يتعاطي المخدرات فنشرت يومها بالوفد صورة رئيس المباحث ومعاونه وهما يدخنان الحشيش ويقطعانه بأسنانهما والدخان الأزرق يحوم فوق رأسيهما!!

وكانت تلك الصورة ـ شاهدوها علي صفحتي علي الفيس بوك ـ مؤشرا قلب معايير القضية التي ألقي فيها القبض علي زميلنا بالغد المحامي الكبير أحمد عاشور بتهمة تحريض الجماهير، ثم أفرج عنه، وحوكم رئيس المباحث وسجن!!

.. وأذكر أنني عندما نشرت سلسلة من المقالات والصور، عن التعذيب في السجون المصرية -استمر نشرها منذ 1985 وحتي 1988- حققت معي نيابة أمن الدولة عدة مرات بتهمة بث شائعات كاذبة تكدر الأمن العام وانتهي الأمر بإحالة 44 ضابطاً من أمن الدولة للمحاكمة الجنائية في واقعة فريدة في تاريخ مصر..

.. فالمحاكمة التي بدأت اليوم هي حلقة مهمة وبارزة في مسلسل نضال الشعب المصري ضد القهر والاستبداد الذي قد يفلت مرة أو مرات، لسنة أو لبضع سنوات، لكنه لن يفلت أبدًا..

.. اليوم سنجد صورة خالد في صدارة منصة المحكمة، لكن علينا أن نسأل عن آخرين اختفوا وأزهق الفساد والاستبداد أرواحهم ولم يحاكم أحد.. علينا أن نسأل اليوم: أين معتز مطر؟.. ولو صح ما أشيع أنه دفع الثمن فعلينا أن نتضامن جميعاً معه.. كي يعود حق خالد سعيد ويعود معتز مطر

- الدستور

حكاية عم أحمد إسماعيل بين حبيب وعادل السعيد

لا أظن أن اللواء حبيب العادلي- وزير الداخلية- يعرف المدعو أحمد إسماعيل، نعم أحمد ليس من سادة الناس ولا من قادة العصابات أو الحركات الاحتجاجية، وليس له اتصال بجهات أجنبية أو نشاط مؤيد أو معارض للنظام.

.. عم أحمد إسماعيل مجرد مواطن مصري عادي جداً، في العقد السادس من العمر، يرتدي جلباباً وعمامة تدل علي أصوله الصعيدية، رغم إقامته في الإسكندرية منذ سنوات.

.. مجرد تاجر أدوات منزلية يعيش تحت مستوي الفقر في منطقة الدخيلة التي تعيش تحت مستوي الستر، لا يمكن أن يمارس البلطجة لأنه كما قلنا في العقد السادس من العمر، ولا الإرهاب لأنه حتي 16 أكتوبر 2000، كان يعيش في سلام تام، ولم يتاجر في المخدرات أو العملات الصعبة لأن أصعب عملة يتعامل معها هي «الجنيه»!! ولا يمكن أن يسرق بنكاً أو وطناً أو يغتصب فتاة أو طفلاً لأنه ببساطة لا يستطيع أن يفعل وهو يقارب السبعين!!

.. رغم هذا كله وغيره من الأسباب التي تُغلب الظن أن اللواء حبيب العادلي لا يعرف عم أحمد إسماعيل فإن العم أحمد لا يعرف غير اسم اللواء حبيب العادلي، وأكثر ما أدهشه في حياته أن يكتشف فجأة أن وزير الداخلية يعرفه، ويصدر باسمه وتوقيعه عشرات من قرارات الاعتقال للعم أحمد بوصفه خطراً علي البلد والمجتمع والناس مما أدي لاعتقاله 22 شهراً «قرابة عامين» بقرارات اعتقال متتابعة جميعها صادر موقع باسم وزير الداخلية!!

.. قصة العم أحمد مأساة تراجيدية من العيار الثقيل، فالرجل الصعيدي البسيط تحوَّل فجأة إلي بطل من أبطال المسرح الإغريقي تلاحقه العواصف والزلازل وكوارث الطبيعة وأشدها ظلم البشر.

.. قصة الرجل بدأت يوم 16 أكتوبر عام 2000، عندما شهد في واقعة تلفيق قضية مخدرات لمحام يدعي رزق الصافي، وبشهامة الرجل الصعيدي رفض عم أحمد إلا أن يشهد بالحقيقة التي أدت للحكم ببراءة المحامي من التهمة الملفقة له!!

.. شهادة العم أحمد أغضبت المقدم عمرو البنداري- رئيس مباحث الدخيلة السابق ورئيس مباحث مكافحة المخدرات بغرب الإسكندرية الحالي- مما دفع البنداري لاستدعاء العم أحمد وتوجيه إهانات بالغة له، وهو ما رفضه العم أحمد وحوَّل المقابلة إلي مشادة انتهت بتوعد البنداري بأنه سيرسل عم أحمد وراء الشمس!!

.. في أوائل يونيو 2001 صدر قرار عن اللواء حبيب العادلي باعتقال المدعو أحمد إسماعيل مستنداً إلي عدد من القضايا والأحكام والسوابق الجنائية والإجرامية التي لا صلة للرجل بها من قريب أو بعيد، منها القضايا أرقام 10743 لسنة 98 جنح الدخيلة و3739 لسنة 98 جنح الدخيلة و6859 إداري الدخيلة، فضلاً عن عدد من قضايا الاتجار بالمخدرات.. مثل القضية 8934 لسنة 95 جنايات الجمرك ضد شخص آخر اسمه إسماعيل محمد إسماعيل ووالدته اسمها فردوس بسيوني، بينما والدة أحمد إسماعيل محمد إسماعيل اسمها عطرة حسين سيد، فضلاً عن أن زوجة المتهم الحقيقي- وفقاً للثابت في هذه القضية ص41- اسمها نجلاء فتحي بينما زوجة العم أحمد سعاد حسن، فضلاً عن الفارق في السن والصورة وغيرهما من الأمور الواضحة إلا علي الراغبين في الانتقام من الرجل.

.. ظل الرجل رهن الاعتقال قرابة عامين- 22 شهراً- يصرخ من القهر والظلم ووزير الداخلية يصدر القرار تلو الآخر بإعادة اعتقال العم أحمد حتي خرج الرجل بعد قرارات الإفراج المتعددة التي صدرت لصالحه ورفض الوزير تنفيذها وأعاد اعتقال الرجل «الخطر» علي أمن مصر!!

.. منذ أن خرج العم أحمد من اعتقاله الطويل لم يترك باباً إلا وطرقه.. أرسل عشرات الشكاوي لرئيس الجمهورية، يتضرر فيها مما تعرض له ظلماً إلا أن مأمور القسم الحالي عبدالعزيز رزق كتب ردوداً للرئاسة مزورة تفيد بنفس الاتهامات التي لفقها البنداري وزميله أحمد سعد.

.. ذهب العم أحمد إلي النيابة العامة والمدهش حقاً أنه ظل يتردد علي النيابة العامة قرابة عشر سنوات ولم يفقد الأمل رغم صدور عدة قرارات حفظ من هيثم وجيه- وكيل النيابة- الذي حرر عدة مذكرات بالحفظ خالفت الحقيقة وأجَّلت إنصاف العم أحمد.

.. مؤخراً ومنذ ساعات نشر زميلنا محمد فؤاد- مدير مكتب جريدة «الشروق» بالإسكندرية- نص قرار المستشار عادل السعيد- مدير المكتب الفني- وقرار النائب العام بالتحقيق مع خمسة من ضباط المباحث بتهمة اصطناع سجل إجرامي مزور وكاذب للعم أحمد إسماعيل!!

.. بعد عشر سنوات ظل فيها هذا الرجل البطل رغم بساطته يدافع عن حقه ويحمل أوراقه ويتجه من جهة إلي أخري، طالباً حقه فيما تعرض له من ظلم بشع واعتقال متعسف علي سند من مستندات مزورة!!

.. رغم قرارات الحفظ والضغوط لم يفرط عم أحمد في حقه الذي أُهدر وحريته التي اعتدي عليها وظل يطالب ويطالب حتي استجاب القدر.

.. تحية لهذا الرجل المصري الصلب المظلوم وتحية للمستشار عادل السعيد الذي أنصفه وللنائب العام الذي أصدر القرار ولزميلنا محمد فؤاد الذي نشر نص التحقيقات.

.. والسؤال، هل كان يعرف وزير الداخلية أنه استعمل محررات مزورة في القرارات الصادرة عنه والموقعة بخط يده؟! في الغالب أنه لم يكن يعلم!! ولكن ماذا يفعل بعد أن علم؟!.. هل سيعتذر العادلي لعم أحمد بعد أن يستقبله في مكتبه ويبادر بتعويض الرجل عن الأضرار التي تعرض لها؟! لا أظن!! لأن الداخلية في مصر لا تخطئ أبداً

خضة للتاريخ

أعتقد أن مصر تمر بمرحلة حرجة، وبعنق الزجاجة، وبفترة عصيبة، وبنقطة تحول تاريخية، وبأزمة مؤقتة.. من ساعة ما عرفناها وهي بتمر ولا عسكري الدرك، لما جالها دوالي في رجليها من كتر المرور. أظن أنه من واجبنا رصد الظواهر الناتجة عن المرور بعنق الزجاجة الطويل قوي ده، خاصة أنها ظواهر ليست غريبة علي المجتمع المصري فحسب، بل غريبة علي الإنسانية جمعاء، وذلك من أجل تسجيل خضتنا للتاريخ.

أيها السادة، بعد النجاح منقطع الجماهير الذي بذله النظام المصري في سبيل رفع معدلات الانتحار، تمكن هذا النظام من تحقيق كامل أهدافه برفع معدلات قتل الزوجات والأزواج. هو كان موجودا في البرنامج الانتخابي ده؟

مالكم يا رجالة وستات مصر؟ بتموتوا بعض ليه؟ ها؟ الناس تتزوج وتطلق، تتزوج وتخلع، تتزوج وتمرمط بعضها في المحاكم، تتزوج وتفضح بعضها علي رؤوس الأشهاد، تتزوج وتؤجر بلطجية علي بعضهم البعض، كل ده شغال، بتموتوا بعض لييييييييه؟

كنت ذكرت أن المصري كان فلاحا، ومن ثم كان مؤمنا، ومن ثم كان لا ينتحر. لكنه تحول من فلاح إلي سائق توك توك، ثم إلي كافر - السواقين بيسبوا الدين ليل نهار - ثم إلي منتحر. وها أنا أذكركم بأن المصري كان فلاحا، ومن ثم كان طويل البال، ومن ثم كان لا يتشاجر لأتفه الأسباب، ومن ثم حتي حين تنفجر فيه زوجته لأنها تعبت من عشرته - المصري طول عمره خانق مراته دي مش حاجة جديدة يعني، راجع ابن كثير والمقريزي وابن إياس، طول عمر المصريات بيشدوا شعورهن من أزواجهن - كان يفعل أي شيء حتي لا يستجيب لانفعالاتها بانفعالات أكبر يندم عليها. يعني: حين تفتح حنجرتها عليه يخرج من البيت ويجلس علي المقهي حتي تهدأ ثورة زوجته، ثم يعود بكيس فاكهة، أو حلوي للأولاد، ولا يتحدث معها حتي لا تصرخ: انت سبتني وأنا باكلمك ومشيت؟ ولكن يضغط عليها عاطفيا بملاعبته لأطفاله، حتي تشعر بمدي حب الأولاد له، فتراجع نفسها وتقول: ياللا.. أهو أحسن من قلته... أبو عيالي.

وكانت الزوجات المصريات فلاحات أيضا، يعني صبر جمال، وتحمل ما لا يطيقه بشر، وحين يفيض بها الكيل تمسك أحد أبنائها وتوسعه ضربا بالشبشب بالبلاستيك. أو تزن. أو تصرخ لها صرختين. أو تسند رأسها علي كفها وتهز جسدها وهي تبكي علي بختها. لكنها بنت نكتة، وما إن يطلق زوجها قفشة من قفشاته خفيفة الظل حتي تنفجر ضاحكة. وخلاص. فيحدث زوجها نفسه: والله طيبة وبنت حلال.. كفاية مربية العيال.

إيه بقي؟ ها؟ إيه؟ ماذا حدث؟ كيف بدأت الأسرة المصرية في حرق كل مراحل التفاهم، والشجار، والفراق، حتي وصلت إلي القتل؟ هي دي معدلات النمو التي وعدنا بها الحزب الوطني في برنامجه؟ أنا ما أخدتش بالي أنهم كانوا يقصدون نمو الجنان

- الدستور

Wednesday, July 28, 2010

سرور وعلى بين معاول الهدم والدولة الهُزؤ

طالعتنا الصحافة المصرية الأحد والاثنين ٢٥ و٢٦ يوليو الماضيين بتصريحات لاثنين من قيادات الحزب الوطنى الديمقراطى هما الدكتور فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب، والدكتور على الدين هلال، أمين الإعلام. وقد تشارك الرجلان فى اتهام المعارضة بالهدم والتقصير، وعدم التنظيم، مقابل حزب حاكم ناجح، كما دافعت التصريحات عن مجلس الشعب، وانتقدت الدكتور محمد البرادعى، ورأت ضرورة بقاء المادة ٧٦، وأن محاولات تعديل الدستور لمصلحة فرد تجعل من الدولة المصرية دولة «هُزؤ».

بداية، ندعو القراء، قبل أى شىء، للاطلاع على مؤلفات صاحبى التصريحين وهما من أساتذة الجامعة حول تقييمهما للنظام المصرى، وهنا، وفى عجالة، أشير إلى كتاب الأول «منهج الإصلاح الدستورى»، الذى يصف فيه مواد الحريات فى الدستور بأنها فوق دستورية أى لا ينالها أى تعديل دستورى بسبب رفعتها، وهو نفسه الذى أشرف على العصف بها عند تعديل المادة ١٧٩ التى علقت بعض هذه المواد فى إطار ما تسميه بحماية الأمن والنظام. وكذلك مؤلفات الثانى التى لا تحصى، دفاعاً عن النظام الديمقراطى.

ثانياً: إن صاحب تصريح الدولة الهُزؤ -والنظام الهُزؤ- التى تعدل الدستور لمصلحة شخص البرادعى، لم يُجب عن وصف الدولة - والنظام- التى تعدل الدستور لمصلحة مرشح الحزب الحاكم، كما حدث عام ٢٠٠٧. وفى الاتجاه نفسه لم يُجب صاحبا التصريحين عن وصف الدولة التى تضحك على شعبها، فالعنوان الكبير هو تعديل الدستور للحد من سلطات رئيس الجمهورية لصالح رئيس الوزراء والوزراء ورئيسى مجلسى الشعب والشورى، والحقيقة، أنه هو القابض على تعيين وعزل كل هؤلاء!!

ثالثاً: إن الدفاع عن مجلس الشعب فى إطار حديث الأول ينتفى معه دور المجلس المقيد بحكم الدستور وحال الخلل البين فى التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. فهذا الخلل يجعل أى منصف يرى أن المجلس برىء من أى تقصير فى أداء مهامه، بسبب الأغلال التى تكبل معصميه وقدميه وتطالبه بأن يقفز إلى الأمام. وحتى لا يكون الحديث مرسلاً، نسأل صاحب التصريح، منذ التعددية الحزبية فى نوفمبر ١٩٧٦،

كم أنجز المجلس من تشريعات قدمتها الحكومة، وكم مرة أنجز اقتراحاً بقانون للأعضاء؟ وكم تشريعاً عدله المجلس وما نسبة التعديل وكم تشريعاً خرج كما دخل؟ وكم مرة حول المجلس اتهامات المعارضة لمسؤولى الحكومة لجهات التحقيق؟ وكم استجواباً مر ولم تستخدم فيه عبارة الانتقال إلى جدول الأعمال؟ وكم محاولة سحب ثقة من المعارضة تجاه الحكومة قدمت وكم نجح منها؟ وهل هناك نائب متهم بالفساد نجح رئيس المجلس فى تحويله لجهات التحقيق أم أن هذا كما يقول رئيس المجلس فى تصريحه: «وانا مالى»؟.

رابعاً: الدفاع عن عدم تداول السلطة فى مصر مفهوم من صاحبى التصريحين، فصاحب التصريح الأول نفسه قابع على رأس مجلس الشعب منذ عام ١٩٩٠، وهو ما يتماشى مع حال التكلس الرهيب على مستوى النخبة الحاكمة، وهو تكلس يسميه رئيس الدولة استقراراً ويسميه العامة ركوداً. يبرر رئيس مجلس الشعب بقاء المادة ٧٦ بالخوف من تدخل أجنبى، رغم أن القيادى بالحزب الوطنى مصطفى الفقى أكد عليه بالإشارة لحتمية موافقة إسرائيل وأمريكا على رئيس مصر المقبل. يا صاحبى التصريحين، تبرير بقاء الوضع الراهن لا يتناسب مع كون ٤٠% من المواطنين تحت خط الفقر، ولا يتناسب مع حال الصحة الرث والتعليم الهُزؤ.. تواضعوا قليلاً واقرأوا وضع مصر فى تقارير التنمية البشرية ومنظمة الشفافية... إلخ.

خامساً: وقوع صاحبى التصريحين فى تناقض عند الحديث عن الأحزاب السياسية، فهما يدافعان عن تداول السلطة، وأنها يجب أن تمر عبر الأحزاب القائمة، وفى الوقت نفسه، يتهمان الأحزاب بالتقصير والهدم. هما يطالبان الأحزاب بالمزيد من الجهد فى العملية السياسية، وهى مكبلة بأمور لا متسع لذكرها لكنها مسطورة فى قوانين الأحزاب والطوارئ ومباشرة الحقوق السياسية والشعب والشورى والدوائر الانتخابية، ناهيك عن الممارسة التى أعطت للأمن اليد الطولى فى الشارع السياسى، ولم تجعل للأحزاب بما فيها الوطنى دوراً يُذكَر.

يطالب صاحب التصريح الأول بتنشيط الأحزاب ويدافع عن النظام الفردى، رغم إقراره بأن التعديلات الدستورية هدفت لتعديل النظام الانتخابى دون الطعن بعدم الدستورية. ينال صاحب التصريح الثانى من البرادعى بشأن ما سماه الأول انضمامه للحزب الوطنى بقوله «هى تلاقيح جتت» ثم يعرب له عن تقديره له على المستوى الشخصى!!

ربنا ارفع مقتك وغضبك عنا

د. عمرو هاشم ربيع- Almasry Alyoum

ما الذى حدث ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢؟ سرقة السلطة تحت جنح الظلام

احتار الناس فى تكييف وتوصيف ما حدث فى ليلة ٢٣ يوليو، فقال بعضهم إنها ثورة، ولكن أصحاب هذه الليلة استنكروا ذلك بشدة وأوعزوا إلى الصحف بعدم استعمالها، وقال آخرون إنها انقلاب عسكرى، ولكن هذا ضايق ضباط يوليو وغضبوا على من استخدمه حتى اهتدوا إلى تعبير «حركة» وجاءهم ابن الحلال بصفة «المباركة» فارتاحوا وأصبحت فى الأيام الأولى لها «الحركة المباركة».

الحقيقة أنها لم تكن ثورة.. أو انقلابا.. أو حركة .. ولكن سرقة السلطة تحت جنح الظلام؟

يحدث للمجتمعات فى ساعات محنتها أن يظهر شخص قوى يستغل العمال ويستعبد الفلاحين ويخدع الحكومة، وبهذه الطرق يحصل على ثروة ضخمة ويكسب شهرة مدوية تغطى على أعماله القذرة، ولما كان يعرف حقيقة أعمـاله، فإنه وضع ثروته فى قلعـة حصينة بأقفـال حديدية، ومزودة بحرس شديد يحرسها ويحميها ليل نهار، والناس يتحسرون كلما يمرون بها لأنهم يرون ثرواتهم المسروقة، ولا يملكون شيئاً، فالحرس شديد والرجل على موبقاته يظفر بالشرعية القانونية، فلا يمكن العمل بإجراءات مشروعة مقاضاته، ولا يمكن بهجوم مسلح التغلب عليه.

فى مثل هذه الحالات يظهر شخص ذكى، جرىء، طموح يعلم أن ما لا يمكن نيله بالطرق المشروعة يمكن نيله بالدهاء والخداع وبالطرق غير المشروعة، وأن ما لا يمكن الجهر به من العمل يمكن أن يؤدى سرًا وتحت جنح الظلام.

ويحكم هذا الرجل خطته، ويدهم القلعة تحت جنح الظلام ويخدع الحراس ويضع يده على الثروة.

عندما يحدث هذا فإن الجمهور يصفق لهــذا الرجل الذى سرق السارق، وخدع الخادع، وتوصل إلى ما عجزوا عنه، خاصة عندما يعطى الفقــراء ما سرقه الأغنياء ويصبح «روبين هود».

وظهرت بين صفحات ألف ليلة وليلة فى تلك الأيام، المجهولة التى يلف تاريخها الظلام، ويصبح «العياريون» هم القوة الوحيدة التى تقف للوزراء والتجار وتسطو على ثرواتهم.

تحدثنا ألف ليلة وليلة عن العجوز الداهية التى قررت أن تستحوذ على ثروة أحد «مصاصى الدماء» الذين أودعوا أموالهم فى قلعة يحيطها بالحراس الأشداء، فقد ملأت ثلاث «قرب» كبيرة من أجود الخمر وحملتها على حمارها وسارت تتوكأ على عصا، فلما أصبحت أمام القلعة فتحت بحركة خفيفة أفواه القرب فبدأت الخمر تنسكب على الأرض، وصاحت العجوز بالحرس «الحقونى» الخمر انسكبت على الأرض، وأسرع الحرس إليها وفى أيديهم ما قدروا عليه من آنيــة بحيث أفرغوا القــرب الثلاث فيها وصرفوا العجوز بغلظة، وأبوا بغنيمتهم وعكفوا على الشراب حتى تملكهم الذهول وغطوا فى نوم عميق، وعندئذ عادت العجوز الذكية، ومعها أعوانها وفتحت الأبواب المغلقة واستحوذت على الثروة.

شىء كهذا كان المسرح المصرى مهيأً له قبيل ٢٣ يوليو فهناك ملك فاقد الموهبة وصفات القيادة، استحوذ عليه القمار والنساء، والارتشاء وأحاطت به بطانة ساقطة تزيده خبالاً ووزراء متشاكسون هدفهم الوحيد السلطة، وأحزابهم بلا جمهور حتى حزب الوفد الذى تآكلت شعبيته بعد مرور ثلاثين عامًا وأصبح هدفه الوحيد الوصول إلى الحكم بعد أن حرمته مؤامرات أحزاب الأقلية ذلك .

جيش أقسم يمين الولاء للملك القائد الأعلى، الذى يمثل الشرعية التى هى قوام العسكرية، ويعد أى مساس به مساساً بأولى قواعد العسكرية . شعب أعزل مسكين لا يستطيع حيلة ولا يهتدى سبيلاً.

أذكر شخصياً هذه الأيام جيدًا، كنا نقول إن الجيش هو القوة الوحيدة التى يمكن أن تتحرك، ولكن الجيش فى يد «حيدر» وحيدر هو رجل الملك.

فى هذا المناخ ظهر رجل ذكى شديد الذكاء يتملكه طموح لا حد له ولا تنقصه الجرأة والإقدام، ولكن أهم من كل هذا أنه كان متآمراً بالطبيعة والفطرة، كأنما لم يخلق من لحم ودم ولكن من مادة التآمر نفسها وكان فيه كل ما يتطلبه التآمر من ذكاء ودهاء وحذر وكتمان.

استطاع هذا الرجل أن يستقطب مجموعة محدودة من الضباط وتعرف على كل الهيئات: الإخوان، الشيوعيين، الوفديين، مصر الفتاة، ولم يكن الرجل ولا معظم مجموعته محرومًا من المشاعر الوطنية فقد كان «الإصلاح» هو الهدف الذى تكونت فى ظله وبفضله المجموعة، وكان اليقين لديهم أنهم ما إن يسيطروا حتى يصلحوا.

وكانت هناك مجموعات عسكرية عديدة بعضها أفضل من مجموعته، ولكنه هو وحده الذى توفرت فيه صفات القيادة المطلوبة لمثل هذا العمل.

وتوصل إلى اكتساب تأييد قرابة خمسين أو ستين ضابطا معظمهم من الرتب الصغيرة وأعلاهم من كان حائزاً لرتبة البكباشى، أو القائمقام.

أحكم الرجل خطته، وفى ظلام ٢٣ يوليو، والملك والوزارة وكبار القادة فى المصيف هاجم القيادة واستحوذ على السلطة.

وكان احتمال كشف الحركة، رغم كل ذلك، واردًا، بل كشفت بالفعل فى الساعات الأخيرة لها، ولكنها رزقت عوامل استثنائية كفلت لها النجاح فى النهاية وبعض هذه العوامل يعود إلى ذكاء ودهاء مدبرها، ولكن البعض الآخر مما ليس له فيه نصيب.

فقد كانت هناك مجموعات عسكرية سبقت تنظيم عبدالناصر ولكن عبدالناصر كان قد أحكم صلته بالإخوان وتعاون عمليًا معهم وكسب ثقة رئيس التنظيم العسكرى الإخوانى الصاغ محمود لبيب، وخدعه أيضا، وكان ينافسه فى زعامة التنظيم الضابط الإخوانى عبدالمنعم عبدالرؤوف، وعندما مرض محمود لبيب مرض الموت، لم يكن عبدالمنعم عبدالرؤوف فى القاهرة ولازمه حتى الوفاة جمال عبدالناصر وأخذ منه كشوف أسماء الضباط الإخوان، بل والاشتراكات أيضًا، وكانت وصية محمود لبيب رحمه الله ألا يختلف عبدالمنعم رؤوف مع جمال عبدالناصر، فهما فرسا رهان، ولكن الحقيقة أن عبدالناصر كان لديه من الذكاء والدهاء أضعاف أضعاف ما لدى عبدالمنعم عبدالرؤوف.

وكان هناك عامل شعبى ساعده، قد لا يلم به إلا المؤرخون، إن النظم التى تكون مهيأة بحكم فسادها وتدهورها للسقوط لا تحتاج إلى ما هو أكثر من ضربة، وفى روسيا كانت طلقتان من البارجة «أورورا» كافية لبث الذعر فى وزارة كرنسكى التى لم يكن يدافع عنها سوى فرقة من المجندات، وتحدث لينين عن سقوط القيصرية كورقة شجرة أذرتها رياح الثورة، ولو كان لدى فاروق حمية وإرادة لوقف ضد هذه المجموعة الضئيلة التى سطت على القيادة بمحض المصادفة ولاعتصم بمعسكرات الجيش بالإسكندرية، ولكنه كان ملكًا منهارًا يمثل نظامًا منهارًا، وما كاد يطمئن على أنه سينجو بجلده وثروته حتى وقع بيان التنازل لـ«ابنه».

وكان من المصادفات التى أدت إلى نجاح الحركة أن رئيس الأركان الفريق حسين فريد عندما علم نبأ الحركة، فإنه بدلاً من أن يأمر بتحريك أى لواء أو سلاح أو كتيبة فإنه قرر أن يذهب إلى مبنى القيادة فى الوقت الذى كان فيه الضابط يوسف صديق يتحرك قبل الميعاد المحدد له بساعة ليلتقى برئيس الأركان وبعض ضباطه قبل أن يعملوا شيئاً فاعتقلهم جميعاً .

وأهم من هذا كله أن اللواء محمد نجيب قبل أن يكون على رأس الحركة، وهو ضابط فيه كل ما ينقص عبدالناصر بالضبط، فيه البشاشة والطيبة والصراحة وحسن الخلق وأكسبته شجاعته أيام فلسطين الاحترام، بحيث أصبح رئيس نادى الضباط، وحال هذا دون أن يثور الضباط على الحركة، ولو كان رئيسها المعلن هو عبدالناصر لثاروا عليه، فعبدالناصر بكباشى مغمور قد يوجد ثلاثمائة بكباشى مثله فى الجيش.

فى صباح يوم ٢٤ يوليو عندما استيقظ المصريون على نبأ الحركة يتلوه الضابط السادات ممهورًا بتوقيع اللواء أركان حرب محمد نجيب صفق الشعب المصرى، كما صفق جمهور إنجلترا لروبين هود «اللص الشريف».

وادخر شعب مصر تصفيقته الكبرى عندما يبدأ عبدالناصر فى إعادة السلطة إلى الشعب.

ولكن عبدالناصر على عكس روبين هود لم يفعل.

وفى مارس ١٩٥٤م ضرب عبدالناصر عرض الحائط بآراء الجماهير وقياداتها التى كانت تريد أن يعود الجيش إلى الثكنات بعد أن قام بحركته وقضى على الملكية.

ضرب عبدالناصر عرض الحائط برئيس الثورة ورئيس الجمهورية، والرجل الذى أحبه شعب مصر من النظرة الأولى محمد نجيب.

وقضى مع القضاء على محمد نجيب على علاقة مصر مع السودان.

وقضى على سلاح الفرسان روح الحركة.

وكان قد قضى من قبل على فرسان الحركة وأبطالها يوسف صديق وأحمد شوقى وعبدالمنعم أمين الذين كانت قواتهم هى التى تحركت وهى التى استحوذت على السلطة.

وقضى على الإخوان المسلمين، وقضى على الأحزاب وأولها الوفد، وقضى على الشيوعيين واليساريين. وقضى على النقابتين اللتين مثلتا الرأى العام، نقابة الصحفيين ونقابة المحامين، وكان من قبل شنق خميس والبقرى أيام إضراب عمال كفر الدوار فأشاع الرعب فى الحركة النقابية العمالية، ثم استلحقها. وقضى على هيئات التدريس بالجامعات واستبعد القضاة بعد أن أشبع مفخرة القانون والقضاء «السنهورى» ضربًا وركلاً وهتف أتباعه: «فلتسقط الحرية».

وكان من دهاء عبدالناصر وتمكن الطبيعة التآمرية منه أنه عزل من قيادات الجيش بمجرد أن استتب له الأمر كل الضباط العظام من درجة قائمقام فما فوق، ثم وضع على رأسه صديقه الحميم وتوأم روحه عبدالحكيم عامر الذى قام بالمهمة المطلوبة فكبح جماح أى بادرة لانقلاب وضمن تأييد الجيش له.

لم تكن ٢٣ يوليو ثورة، أو انقلابًا، لكن سطوًا على السلطة تحت جنح الظلام.

جمال البنا - Almasry Alyoum

gamal_albanna@yahoo.com

وزير العدل الامريكي يدعو الى انتخابات حرة ونزيهة في مصر

القاهرة (رويترز) - قال وزير العدل الامريكي ايريك هولدر يوم الاربعاء ان مصر يجب أن تكون قادرة على اجراء انتخابات نزيهة ودعا الى تحقيق شامل في مقتل شاب مناهض للفساد بعد قيام اثنين من رجال الشرطة بالقاء القبض عليه.

وسوف تجرى في مصر انتخابات تشريعية أواخر العام وانتخابات رئاسة عام 2011. لكن منتقدين يقولون ان النظام الانتخابي في البلاد يحجب فرص الفوز عن مرشحي المعارضة وانه حال دون ظهور منافسين أقوياء للرئيس حسني مبارك (82 عاما) الذي انتخب لاول مرة قبل نحو 30 عاما.

وتحدث عاملون في منظمات تراقب حقوق الانسان ومحللون عن سلسلة من المخالفات شهدتها الانتخابات الماضية من بينها قيام رجال أمن ومؤيدون للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم بمنع ناخبين يؤيدون المعارضة من الوصول الى مراكز الاقتراع للادلاء بأصواتهم. كما تحدثوا عن تضخيم نتائج الانتخابات لمصلحة المرشحين الحكوميين.

وقال هولدر في اجتماع عقده مع صحفيين دعوا الى لقائه في السفارة الامريكية بالقاهرة "أحد الامور التي تهمنا هي ان تجرى الانتخابات هنا بطريقة حرة ومفتوحة... بالتأكيد توجد مقدرة على ذلك هنا."

وأضاف "لدينا الامل في أن الانتخابات سوف تجرى بطريقة حرة ومفتوحة."

لكنه رفض الاجابة عن سؤال حول الحملة التي يقودها المرشح المحتمل للرئاسة محمد البرادعي لتعديل الدستور بما يسمح للمستقلين بالترشح لمنصب الرئيس.

وكان البرادعي الذي شغل منصب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية لمدة 12 عاما قال انه يمكن أن ينافس على منصب الرئيس اذا تم تعديل الدستور وتوافرت ضمانات الانتخابات النزيهة.

وليس لمبارك خليفة واضح ولم يقل انه سيخوض الانتخابات لفترة رئاسة سادسة. وكانت شائعات راجت عن تدهور صحته لكن مسؤولين مصريين نفوا ذلك خاصة.

وأجريت لمبارك عملية جراحية في ألمانيا في مارس لاستئصال الحويصلة المرارية وجزء من الاثني عشر.

ووصل هولدر الى القاهرة يوم الاثنين بعد حضور مؤتمر القمة الافريقي في كمبالا. واجتمع المسؤول الامريكي في القاهرة مع كل من وزيري العدل والداخلية والنائب العام وممثلي منظمات تراقب حقوق الانسان.

وقال انه ناقش قضية الشاب خالد سعيد الذي توفي بعد القبض عليه دون اذن قانوني في مقهى للانترنت بمدينة الاسكندرية الساحلية في يونيو حزيران والذي يحاكم رجلا شرطة في قضيته.

وكان سعيد وضع قبل موته شريطا على الانترنت لما قال انه تقاسم مخدرات مصادرة بين رجال شرطة في المدينة.

وتسبب مقتله في احتجاجات في الداخل وقلق حكومات في الخارج.

وتقول وزارة الداخلية المصرية ان سعيد توفي باسفكسيا الاختناق بعد أن ابتلع لفافة بها مخدر البانجو لخوفه من ضبطها معه.

ويحاكم رجلال الشرطة اللذان ألقي القبض عليهما بتهم تشمل استعمال القسوة معه وضربه لكن دون التسبب في موته.

وقال هولدر "أملي أن يكون هناك تحقيق شامل... وأنه اذا كان هناك مسؤولون تورطوا في الحادث أن يحاسبوا."

من ياسمين صالح

Monday, July 26, 2010

موقع "ويكيليكس": تاريخ من التسريبات السرية الحساسة

نشر موقع ويكيليكس الإلكتروتي أكثر من 90 ألف تقرير سري مسرَّب عن خفايا الحرب التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان، وبذلك يعود مرة أخرى الى مركز اهتمام وسائل الإعلام في العالم. هنا لمحة عن تاريخ هذا الموقع، وأهم تسريباته:

أثارت آخر حلقة من المسلسل الطويل لتسريبات ويكيليكس هذه، والتي أكسبته سمعة نشر معلومات سرية وحساسة تتعلق بحكومات ومنظمات وهيئات مرموقة، حفيظة البيت الأبيض وانتقاداته نظرا لما تم الكشف عنه من تفاصيل حوادث قتل لمدنيين أفغان وعمليات سرية نفَّذتها القوات الخاصة الأمريكية ضد قادة حركة طالبان.

كما كشفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ميجان واتسون، لـ بي بي سي في وقت سابق من الشهر الجاري عن التفاصيل والملابسات التي أحاطت بعملية "تسريب" الشريط المذكور إلى موقع ويكيليكس.

ففي رسالة بعثت بها إلى بي بي سي عبر البريد الإلكتروني، قالت واتسون إنها تعتقد أن الجندي الأمريكي برادلي مانينج، البالغ من العمر 22 عاما والذي كان قد أبلغ عن الشريط المذكور، "حصل على معلومات دبلوماسية سرية على الرغم من وجوده في قاعدة عسكرية ميدانية في العراق

وكان رد فعل ويكيليكس على ذلك أن نشر رسالة على موقع تويتر جاء فيها: "إذا ما صحت التهم الموجهة لماننج، فإنه سيكون دانييل إيلسبيرج زماننا"، وذلك في إشارة إلى الخبير الاستراتيجي الأمريكي الذي كان قد سرَّب 7000 صفحة من وثائق بالغة السرية في محاولة لإيقاف حرب فيتنام.

وفي شهر أبريل/نيسان من العام الجاري، نشر ويكيليكس على موقعه على الشبكة العنكبوتية شريط فيديو يظهر هجوما نفذته طائرة هليكوبتر أمريكية من نوع أباتشي على مجموعة من العراقيين في أحد أحياء بغداد عام 2007، مما أدى إلى مقتل 12 شخصا، من بينهم صحفيان يعملان لصالح وكالة رويترز للأنباء.

وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، نشر الموقع أيضا قائمة بأسماء وعناوين أشخاص قال إنها تعود لأعضاء في الحزب القومي البريطاني المتطرف "بي إن بي" (BNP) الذي وصف تلك الخطوة بأنها "عملية تزوير خبيثة"

وخلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2008، نشر الموقع أيضا لقطات تظهر البريد الإلكتروني ودفتر العناوين والصور الخاصة بالمرشحة الجمهورية لمنصب نائب الرئيس، سارة بيلين.

ومن بين الوثائق الأخرى المثيرة للجدل، والتي نشرها ويكيليكس على موقعه على الإنترنت، نسخة من إجراءات التشغيل الموحدة لمعسكر دلتا، وهي وثيقة تتضمن تفاصيل القيود المفروضة على السجناء في معتقل خليج جوانتنامو الأمريكي بكوبا

وكان موقع ويكيليكس قد أثار جدلا واسعا عندما تم إنشاؤه في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2006، ولا تزال الآراء منذ ذلك الحين منقسمة حياله بين مؤيد ومعارض لما يقوم بنشره. ففي الوقت الذي يشيد البعض به "كمثال على الصحافة الاستقصائية"، يعتبره البعض الآخر "خطرا داهما بحد ذاته

وقد نشر موقع ويكيليكس أيضا رسائل بيجر (رسائل إشعار) يُزعم أنها كانت قد أُرسلت أثناء تنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول من عام 2001 على نيويورك وواشنطن، وجاءت تحت اسم "رسائل 9/11".

وفي أواسط شهر مارس/آذار الماضي، نشر مدير موقع ويكيليكس، جوليان بول أسانج، وثيقة قال إنها صادرة عن أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وجاء فيها أن الموقع "يمثِّل تهديدا للجيش الأمريكي."

هذا وقد أكَّدت الحكومة الأمريكية فيما بعد لـ بي بي سي أن تلك الوثيقة هي حقيقية بالفعل.

وقال متحدث باسم الإدارة الأمريكية لـ بي بي سي: "إن نشر ويكيليكس لوثائق حساسة وغير مصرَّح بها أو مسموح بكشفها وتتعلق بالجيش وبوزارة الدفاع يتيح لوكالات وأجهزة الاستخبارات الأجنبية الحصول على معلومات قد تستخدمها للإضرار بمصالح الجيش ووزارة الدفاع

هذا ويمكن لأي شخص كان أن يقدِّم، بشكل لا يضطَّر معه للكشف عن هويته، وثائق لموقع ويكيليكس الذي يقول إنه يضم أكثر من مليون وثيقة

إلاَّ أن من يقرر في نهاية المطاف ما يُنشر على الموقع هو فريق من الخبراء الذين يقومون بمراجعة وتقييم الوثائق، بالإضافة إلى متطوعين من وسائل إعلام كبرى ورئيسية في العالم، وصحفيين وموظفي ويكيليكس أنفسهم.

وتعليقا على آلية وتقنية نشر الوثائق على الموقع، قال أسانج في مقابلة مع بي بي سي في شهر فبراير/شباط الماضي: "نحن نستخدم تقنيات تشفير وتقنيات قانونية من أجل حماية مصادرنا

ويقول الموقع أيضا إنه يقبل تلقي "مواد ووثائق سرية، أو مواد تكون خاضعة للرقابة، أو لقيود هي على قدر من الأهمية السياسية، أو الدبلوماسية، أو الأخلاقية."

لكنه في الوقت ذاته لا يقبل الموقع المواد والوثائق التي تقوم على "الإشاعات والأقاويل والآراء، أو أي نوع من البلاغات والتحقيقات الأولية، أو المواد التي باتت معروفة ومتاحة للعامة".

وحول ذلك يقول أسانج: "نحن متخصصون بالسماح للمخبرين وللصحفيين الذين يخضعون للرقابة بإيصال موادهم إلى العامة".

ويُدار موقع ويكيليكس من قبل منظمة معروفة باسم "صنشاين برس"، وهي تزعم أنها "ممولة من قبل نشطاء في مجال حقول الإنسان ومن قبل صحفيين متخصصين في مجال التحقيقات الصحفية، بالإضافة إلى خبراء تكنولوجيا وأفراد من العامة

وعلى صعيد الملاحقات القضائية، فقد واجه موقع ويكيليكس منذ ظهوره على الإنترنت تحديات قانونية مختلفة ترمي لحجبه ففي عام 2008، على سبيل المثال، حصل مصرف يوليوس باير السويسري على حكم من إحدى المحاكم يقضي بحجب الموقع بعد نشره "عدة مئات" من الوثائق حول نشاطات البنك في الخارج.

لكن مواقع مختلفة موازية لموقع ويكيليكس، يجري تحميلها على خوادم مختلفة حول العالم، واصلت عملها وكأن شيئا لم يكن، وذلك قبل أن يتم نقض الحكم المذكور في وقت لاحق.

يقول موقع ويكيليكس إنه قام بالتصدي لـ "مئة هجمة قضائية" عليه منذ إنشائه، وعزا مقدرته تلك بشكل جزئي إلى ما وصفه بـ "وسائل الاستضافة "العصية على الاختراق" التي يتبعها يُشار إلى أن المستضيف الرئيسي لموقع ويكيليكس هو مزوِّد خدمة الإنترنت السويدي (Swedish ISP PeRiQuito (PRQ)، والذي كان قد اشتُهر باستضافته لموقع "ذا بايرت باي" (The Pirate Bay) السويدي المختص بتبادل الملفات.

ويقول القائمون على مزوِّد خدمة الإنترنت السويدي (ISP): "إن كان غير قانوني في السويد، فسوف نستضيفه، وسنبقي عليه بغض النظر عن أي ضغط يُمارس لحجبه."

كما ينشر الموقع أيضا وثائق في دوائر قضائية ودول أخرى، منها بلجيكا ونظرا لخبرته مع أنظمة قانونية مختلفة في أنحاء شتى من العالم، فقد وقعت القرعة على الموقع لمساعدة النواب في آيسلندا على صياغة وإعداد الخطط المتعلقة بـ "مبادرة الإعلام الآيسلندي الحديث" (IMMI)، والتي تدعو حكومة البلاد لسن واعتماد قوانين تحمي الصحفيين ومصادرهم وحول هذه النقطة، قال أسانج: "لكي نحمي مصادرنا، كان علينا أن نوزع أرصدتنا ونقوم بتشفير كل شيء، وننقِّل وسائل اتصالاتنا والعاملين معنا حول العالم لكي نقوم بتفعيل وتنشيط القوانين الحمائية في دوائر قضائية وطنية مختلفة."

ويضيف قائلا: "لقد أصبحنا ماهرين في هذا الشأن، إذ لم نخسر أي قضية حتى الآن. لكننا لا نتوقع أي شخص أن يقوم بذات الجهود الاستثنائية التي نقوم بها."

وعلى الرغم من شهرته، والتي يعتبرها البعض بمثابة "سوء السمعة"، فقد واجه الموقع أيضا مشاكل مالية عسيرة.

ففي شهر فبراير/شباط الماضي، أوقف الموقع عملياته لأنه لم يستطع تغطية كلفة التشغيل. لكن التبرعات التي انهالت عليه من أفراد ومنظمات مختلفة منذئذٍ أنقذته وأعادت إليه الحياة ولأكثر من ذلك، فقد كشف أسانج لـ بي بي سي في مقابلته في شهر فبراير/شباط الماضي إن الموقع قد شهد مؤخرا "نموا هائلا، إذ تلقى كمية غير عادية من المواد والوثائق."

وأضاف بقوله: "إن الأمر يتخطَّى قدرتنا على إطلاع العامة عليها في الوقت الراهن."

ونتيجة لذلك، قام الموقع بتغيير هيكليته وآلية عمله، وهو يأمل الآن بإنشاء عدد من "الأقسام، أو الهيئات المستقلة، حول العالم"، بالإضافة إلى اعتزامه العمل كوسيط بين المصادر والصحف.

يقول أسانج: "نحن نهتم بالمصدر ونتصرف كوسيط محايد. كما نهتم أيضا بنشر المادة، بينما يقوم الصحفي الذي يتم الاتصال به بالتحقق من صحتها ومصداقيتها."

ويختم أسانج بقوله عن موقعه: "إنه يؤمِّن الاتصال الطبيعي بين الصحفي والمصدر، بحيث نكون نحن في الوسط نقوم بأداء الوظيفة التي ننجزها على أكمل وجه

جوناثان فيلدز

مراسل بي بي سي لشؤون التكنولوجيا