Thursday, April 29, 2010

د. سليمان عبدالمنعم يكتب: ما وراء الحكايات.. وقال «يشرفنى أن أحداً من المتظاهرين لم يُصَب بسوء


كانت هذه حرفياً هى العبارة التى تفوّه بها بيير جوكس، وزير الداخلية الفرنسى، فى عهد فرانسوا ميتران أمام البرلمان الفرنسى فى آخر ثمانينيات القرن الماضى. قالها بيير جوكس رداً على انتقادات المعارضة بتقاعس رجال الأمن إزاء بعض أعمال الفوضى والتخريب التى أسفرت عنها إحدى التظاهرات. فقد حدث أن اندلعت تظاهرات لطلاب الثانوى فى فرنسا. تلاميذ صغار السن يحتجون على ضعف المخصصات المالية للتعليم فى ميزانية الدولة!!
شعوب مرفهة ومجتمعات مدلّلة.. ربما. المهم أن التظاهرة مضت فى شوارع باريس وقد انضم اليها آلاف من الطلاب ينشدون ويغنون تتابعهم كاميرات الإعلام فى مشهد تقليدى، ثم انحرف فجأة عن المسيرة الكبيرة عدد من المتظاهرين أو ربما تسلل إليهم بعض الغوغاء وهجموا على بعض المتاجر والمحال فوقعت أعمال تخريب ونهب سجلتها كاميرات التلفاز.
وفى نشرات الأخبار المسائية كانت شاشات التلفاز تعرض صور الغوغاء وهم يحطمون زجاج محال بيع الملبوسات فى قلب باريس وينهبون منها ما استطاعوا ثم لاذوا بالفرار. حدث ذلك فى وقت قصير وقوات الأمن تصطف على جانبى الطريق محاولة، دون جدوى، منع تفاقم الأحداث، ومن المؤكد أنها كانت تستطيع لو أنها استخدمت درجة كافية من العنف.
فى مساء اليوم التالى كان البرلمان الفرنسى يضج بمناقشات حامية حول أحداث التظاهرات، وكيف أن قوات الأمن لم تتحرك بالشدة الكافية. وحين تزايدت الانتقادات الموجهة إلى وزير الداخلية بيير جوكس نهض الرجل قائلاً لنواب المعارضة المنددين بتقاعس الأمن: عن أعمال التخريب والنهب فلدينا قانون يوجب على الدولة تعويض أصحاب المحال المتضررين من أعمال التجمهر.. أما عن سلوك رجالى- رجال الأمن- فإنه يشرفنى أن أحداً من المتظاهرين لم يصب بسوء!
قد يرى البعض أن المقارنة بين مصر وفرنسا غير جائزة وأن البون شاسع بين درجة التطور السياسى فى كل من المجتمعين وربما فى السلوك الحضارى وثقافة التظاهر ذاتها. وإذا كان ممكناً للاقتصاد الفرنسى أن يتحمل تعويض أصحاب المحال المتضررة من أعمال النهب والتخريب فإن الاقتصاد المصرى لا يمكنه تحمل ذلك. لكن لا هذه الاعتبارات ولا غيرها تبرر استمرار حظر التظاهر إلى ما لا نهاية، فالدنيا تغيرت منذ زمن، ومصر أيضاً تغيرت ولو منذ حين!
وما نسب إلى أحد أعضاء مجلس الشعب من مطالبته بإطلاق النار على المتظاهرين أمر لا ينبغى أن يمر دون أن نتوقف عنده بكثير من القلق والتدبر. فقضية التظاهر فى مصر أصبحت تمثل إشكالية جديرة بالنقاش والبحث عن حلول لها، على أن أخطر ما فى عبارة إطلاق النار على المتظاهرين هو أن النائب الذى نسبت إليه قد طمس بعبارته الخرقاء أهم إنجازات الثلاثين عاماً للرئيس مبارك، رئيس الحزب، الذى ينتمى إليه النائب، وهى مساحة حرية الرأى والتعبير.
أما الجانب الأمنى فى قضية ممارسة الحق فى التجمع السلمى فيحتاج بدوره إلى كلمة سواء. ثمة حالة احتقان سائد فى المجتمع.. مواطنون يطالبون بممارسة حقهم الدستورى فى التجمع السلمى وسلطات تخشى من مخاطر الفوضى والتخريب والإتلاف..
إذاً لابد من البحث عن مخرج.. ولن يكون هذا المخرج سوى السماح بالتجمع السلمى لأن حظره أصبح الآن ضد منطق التاريخ
واضح إذاً أن ممارسة الحق فى التجمع السلمى، تعبيراً عن الرأى، تصطدم فى اللحظة الراهنة بثلاثة معوقات قانونية وثقافية وأمنية جديرة بالنقاش.
المعوّق الأول قانونى، ويكشف عن قدر من الالتباس وعدم الوضوح فى التنظيم القانونى للحق فى التجمع السلمى. فنحن أمام نص دستورى واضح يكرس الحق فى التجمع السلمى فى المادة ٥٤ من الدستور التى تنص على أن «الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة فى حدود القانون» كما تؤكد المادة ٤٧ من الدستور حرية الرأى والتعبير.
لكن هذا النص الدستورى يبدو فى التطبيق مهدداً بتشريع أدنى منه مرتبة هو القانون رقم ١٤ لسنة ١٩٢٣ الذى يقيد حق التظاهر بوجوب الحصول على إذن السلطة الإدارية. ولئن كان معروفاً فى علم القانون أن تكريس الحق لا يمنع من تنظيمه ووضع الضوابط اللازمة لاستعماله فإن هذا التنظيم لا ينبغى له من ناحية أخرى أن يثقل مبدأ الحق بقيود تفضى من الناحية العملية إلى مصادرته أو تفريغه من محتواه.
هذه إشكالية تحتاج إلى معالجة، فإما أن يتم احترام النص الدستورى الذى يكرس الحق فى التجمع السلمى، وإما أن يعدل التشريع المنظم للاجتماعات العامة بحيث يكتفى بمجرد الإخطار، كما يفعل الكثير من تشريعات الدول المتقدمة أو يورد من الضوابط المعقولة والمنطقية ما يضمن عدم تهديد الأمن والسكينة العامة بعيداً عن الصياغة الفضفاضة التى تفرّغ الحق الدستورى المنصوص عليه فى المادتين ٤٧ و٥٤ من الدستور من محتواه.
والواقع أن سلطة الإدارة تبالغ أحياناً فى رفض الإذن للتجمعات السلمية لمبررات سبق للقضاء الإدارى أن رفضها مثل كثافة المرور أو الخشية من اندساس عناصر مناوئة داخل المظاهرة بشكل ينال من سلامة المظاهرة أو سلامة الأمن، معتبراً أن مثل هذه المبررات- على فرض صحتها- لا يكفى لمنع حق دستورى عام يتصل اتصالاً وثيقاً بالحريات العامة.
وكان أبرز ما تضمنه هذا الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى الدائرة الأولى فى ٤/٢/٢٠٠٣ ما ورد فيه من أنه «على وزارة الداخلية استناداً وإعمالاً لواجبها الدستورى والقانونى اتخاذ الإجراءات والضمانات التى تمنع عن مسيرة كل راغب فى إثارة البلبلة بين المواطنين وإخراج المسيرة عن نبل مقصدها..».
إن هذا الحكم بقدر ما يكشف عما هنالك من التباس بين التكريس الدستورى للحق فى التجمع السلمى وبين التنظيم التشريعى والتطبيق الإدارى اللذين يفرّغان الحق الدستورى من محتواه- لهو جدير من ناحية أخرى بأن يثير فخرنا باستنارة وجسارة القضاء المصرى الذى هو فى النهاية وبصرف النظر عن أى شىء آخر سلطة من السلطات الثلاث للدولة فى مصر.
على أن جانباً آخر من الإشكالية يكمن فى كون مصر قد صادقت على العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية الذى ينص بدوره فى المادة ٢١ منه على ضرورة كفالة الحق فى التجمع السلمى.
وقد ألزمت مصر نفسها بهذا العهد وبغيره من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان بالتصديق عليها من ناحية وبما تنص عليه المادة ٥١ من الدستور المصرى نفسه من ناحية أخرى، وهو النص الذى يعتبر الاتفاقيات التى تصدق عليها الدولة جزءاً من النظام القانونى المصرى بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها.
ولا شك أن العبارة الخرقاء لنائب برلمانى بإطلاق النار على المتظاهرين قد ترددت أصداؤها المزعجة فى خارج مصر فى وقت نحتاج فيه للتقدم لا للتقهقر على صعيد حقوق الإنسان.
المعوّق الثانى أمنى لا يمكن التقليل من شأنه، وإذا كانت المسألة هى الخشية من إعاقة السير ومصالح الناس والخوف من أعمال الفوضى والتخريب فلماذا لا يدعو المجلس القومى لحقوق الإنسان لاجتماع يحضره ممثلون عن وزارة الداخلية يتم فيه اقتراح تنظيم إدارى أمنى يكفل ممارسة الحق فى التجمع السلمى والحفاظ على الأمن والسكينة العامة. ولأنه لا يمكن تبرير أعمال التخريب والإتلاف تحت أى مبرر فإنه من الصعب أيضاً حظر حق التجمع السلمى إلى ما لا نهاية.
المعوّق الثالث ثقافى بامتياز. ولربما يبدو غريباً إقحام الثقافة فى السياسة، لكنها الحقيقة، فكل سلوك سياسى يعكس بالضرورة ثقافة وذهنية صاحبه. والمشكلة لدينا أن هناك من السياسيين الجدد فى البرلمان وغيره من يحتاجون دروساً فى الثقافة القانونية والفطنة السياسية وقواعد الحد الأدنى من الذكاء.
ويبدو أن لدينا من النواب من يقل مستوى أدائهم عن برلمان الطلائع!
الأكثر إثارة للدهشة هو بطء حركة مداواة حماقة من نُسِبت إليه العبارة الطائشة، فكان يجب إجباره على الاعتذار العلنى بدلاً من هذه المراوغة غير الشجاعة وغير المجدية.
وكان يمكن لردود أفعال حزبية أكثر قوة فى إدانتها لمسلك النائب أن تعطى مثلاً إيجابياً فى الاعتراف بالخطأ وجرأة المراجعة، مازال انتماؤنا الحزبى للأسف محكوماً بالمطامع والمزايدة والانتهازية
يقول الشاعر الراحل صلاح عبدالصبور
معذرة يا صحبتى لم تثمر الأشجار هذا العام
فجئتكم بأردأ الطعام
ولست باخلاً وإنما فقيرة خزائنى
مقفرة حقول حنطتى ....!
د. سليمان عبدالمنعم - Almasry Alyoum
solimanabdulmonaim@hotmail.com

مجمع الشوم ونواب العار


إذا تابعنا ما يجرى فى المجمع الانتخابى للحزب الوطنى من ضرب وبلطجة وشوم وسكاكين، فلن نندهش كثيرا إذا رأينا نوابا مشابهين فى مجلس الشعب مثل أبوعقرب والقصاص ممن دعوا لقتل الناس بالرصاص، أوغيرهم من الفاسدين والمفسدين، ومثلهم من الجهلاء والأميين، فما جرى فى المجمع الانتخابى للحزب الحاكم فى محافظتى أسيوط والدقهلية مؤشر على حجم الانهيار الذى أصاب الحزب الحاكم والحياة السياسية المصرية، نتيجة غياب أى نظام للمحاسبة وانتشار الفوضى والبلطجة.
إن أزمة النظام السياسى المصرى تعود أساسا إلى أزمة الحزب الوطنى، وفشله فى بناء مؤسسة حزبية حقيقية لديها قواعد واضحة وخطاب سياسى متماسك يتم من خلالهما فرز واختيار أعضاء الحزب، وبدت العشوائية وعلاقات «البيزنس» والمصالح هى المتحكمة فى اختيارات أمين التنظيم الحالى وشلته لأى مرشح على قوائم الحزب.
والحقيقة أن كارثة الحزب الوطنى الذى ولد وظل فى الحكم منذ عام ١٩٧٨ ولم يعرف فى أى مرحلة من تاريخه وجوداً سياسياً خارج السلطة، أصبح هو حزب السلطة بامتياز، وإذا انفصل عن جهاز الدولة فمستحيل أن يجد كل هذا العدد من المهرولين والطامعين فى الترشح على قوائمه.
فلأول مرة نجد حزباً سياسياً يمارس كل هذه البلطجة الداخلية، دون أن يرغب وربما لن يقدر على مواجهتها، لأن ذلك سيعنى انتقاله من حالة السلطة (بفتح السين) والسمك لبن تمر هندى، إلى حالة مؤسسية لها ملامح ولديها رؤية سياسية، وهذا أبعد شىء عن ثقافة العهد الحالى، لأن «السلطة» تعطى للحكم قدرات هائلة على المراوغة وترك كل الأبواب مواربة حتى تغرى الناس بالصراع بالشوم والسكاكين والسلاح، ويظل الحكم مرتاح البال ممسكا بكل خيوط اللعبة حتى لو على حساب الشعب المصرى.
والمؤكد أن الحزب الوطنى لن يستطع أن يصلح النظام السياسى المصرى إلا إذا أصلح نفسه، وتحول إلى حزب حقيقى، واعترف أن قوته الحقيقية فى النسبة التى حصل عليها فى الانتخابات الأخيرة (حوالى ٣٢%) قبل هرولة المستقلين إلى كتلته البرلمانية، لأن هذا الوضع سيجعله حزباً طبيعياً يربح انتخابات ويخسر أخرى، وبالتالى يستطيع أن يضع قواعد سياسية وتنظيمية يحترمها أعضاؤه، فيحاسب المخطئ ويفصل الفاسد والجاهل.
وطالما بقى الحزب حريصا على ضم كل صاحب سطوة أو نفوذ، وجمع بين جنباته «تحالف قوى الشعب غير العامل»، سيصبح هدفه ليس بناء حزب سياسى يناضل من أجل البقاء فى السلطة، إنما الحفاظ بكل الوسائل غير المشروعة على هذه السلطة.
ولهذا الهدف ضم الحزب الحاكم تشكيلة متنوعة من كل ألوان الطيف السياسى وغير السياسى، وأعدادا هائلة من الأعضاء الراغبين فى الاستفادة من مؤسسات الدولة لحل مشكلات دوائرهم الانتخابية أو مناطق نفوذهم ، وأصبح الحزب يعانى من الترهل وعدم الفاعلية نتيجة هذا الكم الهائل من التناقضات الداخلية وصراع المصالح والنفوذ.
والسؤال: هل كل أعضاء الحزب الوطنى من الفاسدين المفسدين أو الجهلاء المتخلفين؟
بالتأكيد لا فهناك كثير من أعضاء الحزب الوطنى يمكن اعتبارهم إصلاحيين بامتياز، وهناك أكثر منهم من المهنيين ونواب الطبقة الوسطى الذين يكدحون من أجل أن يجدوا موطأ قدم بين الجماهير وداخل الحزب، ومازالوا ينتمون إلى ثقافة الطبقة الوسطى ولا يرتاحون لقيادة الاحتكار وشلة التوريث، دون أن يكون فى يدهم أى قرار.
والمؤكد أن هناك نظما تنتمى إلى ما يعرف بنظم التعددية المقيدة اختلفت عن مصر فى كونها بنت حزب حاكم وأحزاب سياسية حقيقية، بجانب مؤسسات دولة فعالة احتفظت بالتسلطية كما جرى فى إيران وروسيا وتركيا (فى فترة سابقة)، ودول أخرى، أما مصر فقد نالت مع مجمع الشوم ونواب العار «الحسنيين» أى حزباً منهاراً لا يقدم فكرة ملهمة للناس، ونظاماً تسلطياً لا يعرف كفاءة الإدارة ومهنية الأداء.
إن الفارق بين مصر وهذه الدول يكمن فى كفاءة الحزب الحاكم، وفى قدرته على أن يكون له أهداف أخرى غير البقاء فى السلطة، فى حين أن ضعف الحزب الحاكم فى مصر وترهله وعجزه عن التواصل مع الجماهير، بل دور بعض قادته المؤكد فى تخريب جهاز الدولة، وانهيار كفاءته، بصورة جعلته يعتبر التزوير فى الانتخابات «قيمة عليا» والبلطجة «اختياراً استراتيجياً» سواء كانت المنافسة بين أعضاء الحزب أومع أحزاب أخرى، فالنتيجة واحدة هى أنه لا صوت يعلو فوق صوت الفوضى والبلطجة.
إن ما جرى وسيجرى فى المجمع الانتخابى للحزب الوطنى عاكس لطريقة عمل الحزب الحاكم، وهذه الفوضى فى أدائه وبنيته الداخلية ستنعكس حتما على شكل النواب الذين سيختارهم وسيرشحهم، وأيضا على طريقة إدارة صراعه مع الأحزاب المنافسة.
علينا ألا نندهش من وجود نواب الرصاص والشتامين والفاسدين داخل الحزب الوطنى، فما يجرى فى البرلمان هو امتداد لما نشاهده فى مجمع الحزب الوطنى الانتخابى.
إن أسوأ ما قدمه الحزب الوطنى للحياة السياسية المصرية هو هذا الفشل فى بناء منظومة سياسية فيها حد أدنى من الكفاءة والاحترام ، فلن نعارضه إذا قرر استبعاد جماعة الإخوان المسلمين من انتخابات الشورى والتشريعية واعتبرها جماعة محظورة تهدد أسس النظام الجمهورى والدولة المدنية، ولن نقف ضده إذا قرر ألا تحصل أحزاب المعارضة والمستقلون على أكثر من ٥٠ مقعدا، بشرط أن يتركنا نختار بحرية ونزاهة من يرشحهم لنا.
لقد تحول التزوير والبلطجة على يد الحزب الوطنى إلى سلوك عام ، نشاهده حتى فى الانتخابات التى لا ينافس فيها أحد الحزب الوطنى مثل انتخابات مجلس الشورى، والتى تجرى بين أعضائه وأصدقائه وحبايبه، ومع ذلك تزور وتعرف عنفا وبلطجة متكررين، ولا يرغب حتى أن يترك الناس تنتخب بشكل حر وديمقراطى من رشحهم الحزب الوطنى.
علينا ألا نندهش حين نجد استقالات من الحزب الوطنى احتجاجا على الطريقة التى تم بها اختيار المرشحين فى المجمع الانتخابى، ولا من ترشحهم فى مواجهة مرشحى الحزب الرسميين، ولا من عودتهم سالمين غانمين إلى بيت الحكومة الوطنى الديمقراطى بعد فوزهم، كما أننا لن نندهش أيضا من انتقال نفس البلطجية وحملة الشوم والسكاكين من المجمع الانتخابى إلى الشارع الانتخابى، ولا من ابتكار أساليب جديدة فى التزوير لصالح ذوى العضلات المفتولة والأموال السخية.
لا يجب أن نندهش من أى شىء ولا يجب أن يلفت نظرنا حجم الجرائم التى سترتكب فى الانتخابات القادمة أوتحت قبة البرلمان، فلا يوجد جريمة أبشع من التحريض على قتل المتظاهرين فى الشوارع دون أى محاسبة، لأن المحاسبة تعنى ثمنا، والحكم بقى ٣٠ عاما يجعل الناس فقط هى التى تدفع الثمن.
بقلم د. عمرو الشوبكى ٢٩/ ٤/ ٢٠١٠
amr.elshobaki@gmail.com

Sunday, April 25, 2010

جمال حمدان يصف الاحزاب الدينية بـ مافيا الإسلام و يطالب بشنقها

في "مذكرات خاصة" تصدر لأول مرة بمناسبه ذكراه
كشف المفكر المصري الراحل جمال حمدان في مذكراته الخاصة التي تصدر لأول مرة هذا الأسبوع في ذكرى رحيله عن اراء جديدة في الواقع السياسي المصري وخاصة في الاسلام السياسي مطلقا عبارة " لو كان لدى الاسلام السياسي ذرة احساس بالواقع المتدني المتحجر لانتحر".
ووصف الاحزاب الدينية بالعصابات الطائفية التي هي "مافيا الاسلام" واشترط لتقدم مصر والعرب والعالم الاسلامي "شنق اخر الجماعات الاسلامية".
وأعد عبد الحميد صالح حمدان الاوراق الخاصة بشقيقه جمال حمدان وتصدر عن (عالم الكتب) في القاهرة في كتاب (العلامة الدكتور جمال حمدان ولمحات من مذكراته الخاصة) يضم 72 صفحة كبيرة القطع.
وقال محرر الكتاب في مقدمته ان شقيقه كتب مسودات تضم أفكاره واراءه متفاعلا مع الاحداث تمهيدا "لادراجها في عمل كبير كان ينوي اخراجه عن العالم الاسلامي في الاستراتيجية العالمية" ولكنه نبه الى أن هناك أشياء حجبها "مراعاة لحرمتها واحتراما لذكرى كاتبها" الذي مات في حريق شب في بيته قبل 17 عاما ومازال موته لغزا.
وأبدي حمدان في (مذكراته الخاصة) خوفه من تراجع مساحة الزراعة التي تعني الحياة للبلاد ومن غير الزراعة ستتحول مصر " الى مقبرة بحجم الدولة" لان مصر بيئة جغرافية مرهفة وهشة لا تحتمل العبث "ولا تصلح بطبيعتها للرأسمالية المسعورة الجامحة الجانحة. الرأسمالية الهوجاء مقتل مصر الطبيعية."
ويقول ان مصر تتحول "لاول مرة من تعبير جغرافي الى تعبير تاريخي" بعد أن ضاقت أمامها الخيارات.. ليس بين السيء والاسوأ وانما بين الاسوأ والاكثر سوءا ويصف بقاءها واستمرارها بأنه نوع من القصور الذاتي.
لكنه يستبعد ما يصفه بمشاريع اسرائيل والصهيونية والغرب لتفتيت مصر ويعتبر هذا نوعا من السفه والجنون. ويعزو ذلك "لان مصر أقدم وأعرق دولة في الجغرافيا السياسية للعالم غير قابلة للقسمة على اثنين... مصر السياسية هي ببساطة من خلق الجغرافيا الطبيعية... انها نبت طبيعي بحت" .
وفي فصل عنوانه (دنيا العالم الاسلامي) يقول حمدان الذي كان عاشقا لعلوم الجغرافيا ان العالم الاسلامي حقيقة جغرافية ولكنه خرافة سياسية وان المسلمين أصبحوا "عبئا على الاسلام بعد أن كان الاسلام عونا للمسلمين" وان الاسلام السياسي تعبير عن مرض نفسي وعقلي "فلو كان لدى الاسلام السياسي ذرة احساس بالواقع المتدني المتحجر لانتحر" .
وأوضح أن الجماعات المتشددة وباء دوري يصيب العالم الاسلامي في فترات الضعف السياسي اذ يحدث التشنج لعجز الجسم عن المقاومة.
ولا يجد حمدان تناقضا بين العلمانية والدين لان "كل الاديان علمانية أي دنيوية... الدين في خدمة الدنيا لا الدنيا في خدمة الدين... هدف الاسلاميين الارهابيين هو حكم الجهل للعلم".وأضاف أن منطقهم بسيط وواضح فلانهم في قاع المجتمع فليس لديهم ما يخسرونه فاما أن يضعهم المجتمع في مكانة مقبولة أو فيذهب الجميع الى الجحيم تحت ستار الدين.
ويقول ان "الاسلام هو العلمانية. لا اسلام بلا علمانية وان كان هناك علمانية بلا اسلام." ويضيف أن العلمانية هي "ترشيد التدين.. التدين بلا هستيريا وبلا تطرف. العمل فوق العبادة والعلم فوق الدين أصول اسلامية مقررة.
الفتنة الطائفية والتطرف الاسلامي في مصر كلاهما نتيجة مباشرة للاعتراف باسرائيل ثم نتيجة غير مباشرة لكل تداعيات هذا الاعتراف. هذا الاعتراف هو نوع مستتر من الانتحار الوطني" مضيفا أن تصفية الجماعات الاسلامية المتشددة والانظمة الحاكمة "شرط حتمي لاي مواجهة مع العدو الخارجي."
ويرى أن "مشكلة الاسلام والمسلمين أنهم يواجهون العالم الخارجي من مركب نقص حضاري وطني قومي مادي ولكن من مركب عظمة ديني... هذه بالدقة افة الاسلام تحديدا أكثر من أي دين اخر. بالتخلف الحضاري والفكري تحول الاسلام كسلاح ذي حدين من الموجب الى السالب."
ويصف حمدان الاحزاب الدينية بالعصابات الطائفية التي هي " مافيا الاسلام" ويشترط لتقدم مصر والعرب والعالم الاسلامي "شنق اخر الجماعات الاسلامية بأمعاء اخر اسرائيلي في فلسطين."حمدان الذي ولد عام 1928 اختار أن يعيش في عزلة فلم يختلط بأحد أو يستقبل زائرين في بيته الذي عاش فيه وحيدا.
ومازال حمدان يحظى باحترام كبير في الاوساط العلمية والثقافية. وله نحو 20 كتابا منها (دراسات في العالم العربي) و(دراسة في جغرافيا المدن) و(المدينة العربية) و(بترول العرب) و(الاستعمار والتحرير في العالم العربي) و(افريقيا الجديدة) و(استراتيجية الاستعمار والتحرير) و(اليهود انثروبولوجيا) و(6 أكتوبر في الاستراتيجية العالمية) وهو قراءة لما بعد حرب أكتوبر تشرين الاول 1973 التي تمكن فيها الجيش المصري من عبور قناة السويس واستعادة شريط مواز لها في شبه جزيرة سيناء التي احتلتها اسرائيل في حرب يونيو حزيران 1967 .
المصدر : ايجى نيوز

Friday, April 23, 2010

مظاهرة حاشدة بالعريش احتجاجا على دعوة نشأت القصاص بإطلاق النار على المتظاهرين

مصراوي -خاص - نظم العشرات من القوى السياسية بمدينة العريش تظاهرة حاشدة عقب صلاة الجمعة احتجاجا على دعوة نائب الحزب الوطني نشأت القصاص بإطلاق الرصاص على المتظاهرين.
وانطلقت المظاهرة أمام مسجد الرفاعي بمدينة العريش، حيث شارك فيها كافة أحزاب المعارضة بشمال سيناء وأنصارهم واللجنة التحضيرية المستقلة لنقابة المعلمين بالقاهرة برئاسة عبدالحفيظ طايل رئيس المركز المصري للحق في التعليم.
كما شارك فيها أعدادا كبيرة من أهالي مدينة العريش احتجاجا ورفضا على تصريحات النائب نشأت القصاص عضو مجلس الشعب عن مدينة العريش والذي طالب بإطلاق الرصاص على المعارضة في المظاهرات.
ومن جانبه صرح مصطفى سنجر الناشط السياسي بحزب التجمع لمصراوي بأن اجراءات أمنية مشددة وغير مسبوقة صاحبت المتظاهرين، كما تواجد أعداد كبيرة من قوات الشرطة ربما تجاوزت 500 جندي وضابط انتشروا في ميدان السادات بالعريش وأغلقوا الطرق الرئيسية حول الميدان للسيطرة على المظاهرة.
وشارك في المظاهرة أعضاء وانصار أحزاب الوفد، التجمع، الناصري، الكرامة، واللجنة الشعبية لحقوق المواطن، كما تضامن أهالي المعتقلين في سيناء مع المتضاهرين، بالإضافة إلى اعضاء اللجنة التحضيرية للتعليم بالقاهرة والذين حضروا خصيصا للمشاركة في هذه المظاهرة.
وردد المتظاهرين عددا من الهتافات منها: "يا حرية فينك فينك .. القصاص بينا وبينك"، "نشأت نشأت القصاص .. يا حكومة الرصاص"، و"سكت دهرا .. ونطق كفرا".
وارتدي اعضاء الأحزاب المشاركون في المظاهرة ملابس رسم عليها "دائرة النشان" في إشارة منهم إلى استعدادهم لتلقي طلقات الرصاصوطالب المتظاهرون بسحب الثقة من النائب نشئت القصاص، ورفع الحصانة عنه

حركة (6 أبريل) تتقدم ببلاغ النائب العام لرفع الحصانة عن نواب اطلاق الرصاص

هؤلاء هم النواب الذين طالبوا باطلاق الرصاص على المتظاهرين
القاهرة - محرر مصراوي - أعلنت حركة شباب 6 ابريل أنها ستتقدم خلال الساعات القادمة ببلاغ للنائب العام ومذكرة لمجلس الشعب لرفع الحصانة عن نائب الحزب الوطني عبد الرحيم الغول ونشأت القصاص الذي بات يعرف بنائب الرصاص بعد مطالبته الداخلية بقتل المعارضين في الشوارع.
ومن جانبه أكد محمد محمود ـ المنسق الإعلامي للحركة ـ أن الحركة ستتقدم ببلاغ الاسبوع المقبل ضد النائب عبد الرحيم الغول القيادي في الحزب الحاكم بسبب شتائمه لنشطاء المعارضة ودعوته الشرطة للضرب بيد من حديد على كل من يخرج للتظاهر.
وأشار إلى أن الحركة لن يهدأ لها بال قبل أن يحال أولئك النواب الذين أرادوا دفع الأجهزة الأمنية لقتل المعارضين في الشوارع لأيدي العدالة وطردهم من البرلمان المصري.
وأعرب محمود أن جميع تصريحات نواب الوطني والمطالبة بإطلاق الرصاص على المتظاهرين في الشارع تصريحات حقيقية وكانت في نية الحزب الوطني ونوابه - على حد قوله-.
وأضاف: "بالنسبة للغول فقد رصدت الحركة له بالصوت والصورة واقعة تعديه بالسب والقذف على شباب الحركة أمس الأول أمام مجلس الشعب".
ومن جانبه نفى النائب نشأت القصاص، فى تصريحات لموقع الحزب الوطني، أنه قد طالب بعقاب الشعب وإطلاق الرصاص عليه وإنما طالب فقط بتطبيق القانون.
وواعتبر القصاص أن أجهزة الإعلام قد أولت ما ورد منه تحت قبة المجلس، مشيراً إلى أنه كعضو مجلس الشعب جاء لحماية القانون وأنه أقسم على احترام القانون والدستور.
وقال إنه سوف يتقدم ببلاغ إلى النائب العام المستشار عبد المجيد محمود ضد وسائل الإعلام سواء الصحف أو الفضائيات التى حرفت على حد زعمه أقواله تحت قبة البرلمان، عقب الانتهاء من تفريغ مضبطة جلسة مجلس الشعب التي تم فيها تأويل أقواله بشأن الإساءة لشباب مصر.
وكان العشرات من أعضاء حركة 6 أبريل وكفاية وبمشاركة عدد من نواب مجلس الشعب من الإخوان والمستقلين تظاهروا ـ الثلاثاء ـ أمام مجلس الشعب للتنديد بتصريحات نائبي الحزب الوطني نشأت القصاص وأحمد أبو عقرب اللذين دعيا وزارة الداخلية لإطلاق النار على المتظاهرين في الشارع
فاروق الباز: الحكومة عجزت عن تمويل «ممر التنمية».. وأدعو لاكتتاب عام لتنفيذه ..ومصر لم تشهد تأخراً مثلما يحدث حالياً

نائب بالحزب الوطنى يطالب «الداخلية» بضرب المتظاهرين بالنار


اتهم نائب الحزب الوطنى أحمد أبوعقرب، نواب الإخوان، بتشويه الحقائق من أجل الظهور الإعلامى فقط، وقال خلال اجتماع اللجنة المشتركة من لجنتى الدفاع والأمن القومى وحقوق الإنسان بمجلس الشعب، أمس، لمناقشة انتهاكات الشرطة لحقوق الإنسان ضد المتظاهرين: «ليه ننشر غسيلنا الوسخ.. وإحنا ما عندناش أصلاً غسيل وسخ».
وقال نائب الحزب الوطنى نشأت القصاص إنه من العيب أن يتقدم نواب الإخوان ببيانات عاجلة حول هذه الموضوعات، ويجب التعامل معها كأنها لم تكن، وعندما أخرج نائب الإخوان الدكتور حمدى حسن «تى شيرت» ممزقاً وقال إنه خاص بأحد المتظاهرين ممن تعرضوا للضرب يوم ٦ أبريل،
أضاف النائب نشأت القصاص: «لا أعرف لماذا كل هذه (الحنية) من وزير الداخلية ضد الخارجين على القانون»، وقال: «بلاش خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين، ويجب ضربهم بالنار مباشرة». وقال اللواء حامد راشد، مساعد وزير الداخلية، إن القانون أجاز استخدام القوة والسلاح ضد من يحاولون المساس بالأمن العام أو عند التعدى على قوات الأمن.
وحدث اشتباك بالأيدى بين النائب الإخوانى محمد البلتاجى ونائب الأغلبية أحمد أبوعقرب، بعد أن اتهم أبوعقرب «البلتاجى» بحصوله على تمويل خارجى، قائلاً: «بيقبضوا»، وانفعل البلتاجى، وقام بعض النواب بتهدئته، ثم اعتذر أبوعقرب، معرباً عن عدم قصده.
كتب حسام صدقة ١٩/ ٤/ ٢٠١٠
Almasry Alyoum

الطاهر مكى: المصريون ينجحون فى الخارج لتخلصهم من «القبضة الخانقة» بالداخل


قدم الدكتور الطاهر مكى، أستاذ تاريخ الأدب، عشرات المؤلفات والمترجمات للمكتبة العربية فى المجال الأدبى، وفى حقل الأدب الأندلسى والأدب المقارن بخاصة، وهو من الأساتذة القلائل المتخصصين فى هذا الجانب، وتراوحت إسهاماته بين العمل الأكاديمى، من خلال عمله أستاذا فى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، ووكيلاً لها للدراسات العليا والبحوث وبين العمل الثقافى العام.. وفى الجزء الثانى والأخير من هذا الحوار نجول معه بين ملفات الحضارة الإسلامية فى الأندلس، وتاريخه البحثى، ورؤيته لواقع النشر والإبداع والثقافة فى مصر والعالم العربى.

تاريخ طويل من الكتابة والبحث فى مجال الأدب الأندلسى والحضارة الأندلسية والأدب المقارن.. كيف كانت البداية؟
- فى منتصف القرن الماضى تقريبا أنهيت دراستى الجامعية، بعدها بأعوام أربعة ابتُعثت إلى إسبانيا لدراسة اللغة الإسبانية وآدابها، وفى عام ١٩٦١ حصلت على دكتوراه الدولة من جامعة مدريد المركزية بتقدير ممتاز.. وهناك تلقيت قرارا بانتدابى لإلقاء محاضرات باللغة الإسبانية فى جامعتى كولومبيا الوطنية والجزويت فى العاصمة الكولومبية بوجوتا، بناء على طلب سفارتنا هناك، ولم أسافر مباشرة، لكنى فضلت العودة إلى القاهرة لثلاثة شهور، التحقت خلالها بإدارة العلاقات الثقافية الخارجية، فى وزارة كانت تحمل الاسم نفسه إذ ذاك لأعد نفسى لمهمتى الجديدة، فدرست كل الملفات المتعلقة بهذه المهمة.
وعندما وصلت إلى بوجوتا اكتشفت أن كل ما فى الملفات إبداع خيال، فليس هناك كراسى للغة العربية، ولا جمعيات، وأن الأمر جد مختلف.
كان لى مكتب فى السفارة، وطلبت من السفارة أن يقدمنى أحد منها إلى الجامعة لكى أبدأ فى مهمتى، فراوغ الجميع، السفير رأى نفسه أكبر من هذا الأمر، والسكرتير الأول، وكان محدود المعرفة والموهبة رفض ورفضت أنا بدورى أن أذهب لوحدى.
وعلم بالأمر حسين التريكى، مدير مكتب الجامعة العربية، فى كولومبيا فقبل أن يأتى معى، وذهبنا إلى عميد الآداب، فأنكر أن يكون فى كليته أى قسم يدرس اللغة العربية، وأحالنا على جامعة الجزويت، ربما يكون عندهم هذا القسم، ومن جامعة كولومبيا الوطنية إلى جامعة الجزويت، وأحالنا عميدها، وهو راهب، إلى مديرة معهد اللغات، وهى سيدة ألمانية، فأوضحت لنا الأمر: عند افتتاح هذا المعهد أقمنا حفلا دعونا إليه كل السفراء فى بوجوتا، وكان من بينهم سفير الجمهورية العربية المتحدة، الذى سألنى عن اللغات التى يتم تدريسها، فذكرت له أن من بينها اللغة العبرية ويقوم بتدريسها سفير إسرائيل نفسه، وكان ذلك موطن دعاية قوية لهذه المادة وتمنيت عليه أن تفعل الجمهورية العربية الشىء نفسه، فأخبرنى أنه سوف يطلب لنا مدرساً متخصصاً من القاهرة، ولكن لم يتم تسجيل أى طالب راغب فى تعلم العربية بعد.
ونقلت كل ما سمعت إلى السفير، وكان رده يبدو أننا أخطأنا، والمهم أن نعالج هذه المشكلة وطلب منى أن أتولى أمرها.

وكيف تعاملت مع هذا الأمر؟
- قبل أن أصل إلى بوجوتا حصلت على رسالة من صديق إسبانى موجهة إلى صحفى كولومبى، يقدمنى إليه ويوصيه بى خيراً.. وقام هذا الصحفى بمعاونتى خير قيام، ودلنى على بعض أسرار الحياة العملية، وأفهمنى أن إنشاء كرسى للغة العربية فى كلية الآداب أمر ميسر، وأن عميد الكلية، ورئيس الجامعة، من عشاق «الويسكى» الإنجليزى، وما علىَّ إلا الإكثار من دعوتهم إلى الغذاء، مصحوباً بهذا الشراب، وقد تكفلت بالأمر وتحملت السفارة إمدادى بالويسكى، وتم إنشاء الكرسى ممولا من الجامعة نفسهاً، ولو أن الرواتب غير مغرية، وكان على مصر أن تمدهم بمدرس لها، هم يدفعون الراتب العادى، ومصر تتكفل بالباقى، وهو ما تم فعلا.
وفى جامعة الجزويت اتخذت الدين وسيلة، وقلت للعميد: هناك آلاف من المهاجرين من المسيحيين العرب، لا يعرفون الإسبانية وفى حاجة إلى قسيس يعظهم بالعربية، وتم إنشاء الفصل الأول مكونا فى معظمه من رهبان شبان.

وما هى إسهاماتك الأدبية؟
- قبل أن أعود، عينت ولما أزل فى كولومبيا مدرساً للأدب فى كلية دار العلوم بقرار من مجلس جامعة القاهرة، وعهد إلىّ القسم فى عامى الأول بتدريس مادة الأدب الجاهلى والمكتبة العربية، فكان ثمرة هذا كتابى: «امرؤ القيس حياته وشعره»، وكتابى: «دراسة فى مصادر الأدب»، وهما أكثر كتبى رواجاً، كلاهما طبع هذا العام الطبعة الحادية عشرة، رغم أنهما لم يقررا فى دار العلوم نفسها، وإنما يستفيد منهما الطلاب كغيرهم من القراء، رغم أن قراصنة الكتب فى الخارج سرقوا الكتابين وطبعوهما تزويراً أكثر من مرة، فى أكثر من بلد عربى.
كان من الطبيعى بعد أن استقر أمرى فى دار العلوم أن يعهد إلى بتدريس الأدب الأندلسى، وأن أدرس الأدب الأندلسى لطلابى كما يراه الأجانب ونناقش آرائهم، وترجمت عن الفرنسية ما كتبه ليفى بروفنسال: «الحضارة العربية فى إسبانيا»، وهو مجموعة محاضرات ألقاها فى الجامعة المصرية عام ١٩٣٨، وكتاب هنرى بيريس «الشعر الأندلسى فى عصر الطوائف»، وترجمت عن الإسبانية كتاب إميليو غرسيه غومث «مع شعراء الأندلس والمتنبى»، وكتاب المستشرق الألمانى فون شاك «الشعر العربى فى إسبانيا وصقلية»، وترجمة هذا الكتاب الأخير كانت عن الإسبانية إلى جانب أبحاث وكتب أخرى كثيرة متفرقة.

ماذا عن قصتك مع كتاب «طوق الحمامة» لابن حزم؟
- وجدت فى أوروبا عناية فائقة بكتاب «طوق الحمامة»، وهو دراسة رائعة عن الحب للإمام ابن حزم الظاهرى على حين أن طبعاته فى العالم العربى مشوهة ومحرفة، لأنه وصلنا فى مخطوطة وحيدة، فعكفت على تحقيقه، وتصويب أخطائه، مستعينا بكتب التاريخ، وبما قام به المستشرقون، ونشرته دار المعارف (طبع منه حتى الآن إحدى عشرة طبعة)، وكل الذين نشروه بعدى صوبوا طبعاتهم عنى، دون أى إشارة لى، لكن تحقيقى لا يزال هو الأكثر رواجا.
وعندما طالت مقدمتى لتحقيق طوق الحمامة، آثرت أن أجعلها فى كتاب مستقل يقارب حجمه حجم الطوق نفسه، بعنوان «دراسات عن ابن حزم وكتابه طوق الحمامة» وهو يلقى ضوءا كاشفا على تاريخ الكتاب وسيرة مؤلفه.

هل كان للحضارة الأندلسية صدى فى الحضارة الإسبانية المعاصرة؟
- بكل تأكيد كنا نحن الذين نقلنا الحضارة إلى الأندلس، ثم إلى إسبانيا من بعد، وكان فتح الأندلس إسلاميا خالصا، أسهم فيه البربر وهم ليسوا عربا، والعرب الذين شاركوا فيه جاهدوا تحت راية الإسلام لا العروبة، وهناك لم يجد المسلمون حضارة يفيدون منها، ولا علماً ولا فنا، إذا استثنينا بعض التقاليد الهامشية فى المأكل والملبس وإنما وجدوا مجتمعا بدائياً، كان الإسبان هم الذين أفادوا منا الكثير.
وبعد زمن فى القرن الثامن عشر الميلادى قال الأديب الفرنسى «ألكسندر ديما» فى معرض التهوين من شأن إسبانيا: إن «أوروبا تنتهى عند جبال البرانس» أى أن الإسبان ليسوا أوروبيين، فأثار هذا الطبقة الإسبانية المثقفة، فبدأت تفتش فى تاريخها عماّ يواجهونه به ووجدوه: لقد كانت إسبانيا الإسلامية قمة الحضارة فى العالم، وهى حضارة قام بها مسلمون يتكلمون العربية، ولكن الدم الإسبانى يتدفق فى عروقهم، وإن إسلام الإسبان لا ينزع عنهم هذه الصفة، كما هو الحال مع الفرس أو الأتراك، أو بقية الشعوب الإسلامية الأخرى غير العربية، ومن ثم فان تاريخ الأندلس الذى ازدهر على أرض إسبانيا، تراث مشترك بين العرب والإسبان، من حق أى منهما أن يزهو به، خاصة أن عددا من أعلامه وكبار مفكريه، من أعراق إسبانية، وعلى رأسهم الإمام الفقيه العظيم ابن حزم، ويحتل تمثاله أعظم شوارع قرطبة الآن، ومثله ابن رشد وابن بقىّ وآخرون.
عن هذا الاتجاه انبثقت فكرة «قومية التراث الأندلسى» تدعو الإسبان إلى دراسته، واعتباره تراثا قوميا، وعلى رأسها المستشرقون العظام: خوليان ريبيرا، وأسين بلاثيوس، وأنخل جونثالث بالنثيا.
لقد جاء اهتمامنا بتأثير الحضارة الأندلسية فى الحضارة الأوروبية متأخراً، لأن دراستها تتطلب تمكناً من اللغة الإسبانية، وهو ما انتهينا إليه منذ قريب جداً، فى القرن السابع عشر الميلادى، عرفت إسبانيا رغم تخلفها إذ ذاك، ملكاً مستنيراً هو كارلوس الثالث، عهد إلى مترجم مارونى من حلب، يدعى ميخائيل غزيرى، أن يفهرس المخطوطات العربية الواقعة فى دير الإسكوريال فى ضواحى مدريد، فقام بهذه المهمة على قدر جهده، ولم يكتف برصد الكتب، وإنما عرّف بها، وعلق عليها، ونشر هذا الفهرس، وكان هذا الفهرس بداية إدراك لدور الأندلس فى النهضة الأوروبية، لم يتواصل إلا بعد قرن من الزمان، ولكن راهباً يسوعياً اسمه «خوان أندريس» كان فى إيطاليا، وألف كتاباً فى تقدم الأدب، من ثمانية مجلدات خص دور العرب فى يقظة أوروبا بمجلد ونصف منه، وألف كتاباً عن «الموسيقى العربية» ولا أعرف إلا قلة نادرة من العرب تعرف شيئاً عن هذا المؤلف، أو عن هذا الكتاب، وقد أشرت على طالب عندى يدرس الماجستير فى دار العلوم، أن يكون هذا موضوع رسالته.

لماذا تدهورت الثقافة العربية بعامة، والمصرية خاصة؟
- هناك مثل يقول: «من يزرع الشوك لا يجنى العنب»، وإذا أردت أن تعرف سبب تأخرنا فانظر ماذا كان يقرأ التلميذ فى حقل الثقافة، فى المدرسة الثانوية فى الأربعينيات من القرن الماضى، وماذا يقرأ الآن. كان يوزع على التلاميذ حينذاك باقة من شعر أمير الشعراء تحمل اسم «الشوقيات» للمدارس الثانوية، ويوزع على تلاميذ المدارس الابتدائية، «مجموعة النظم والنثر» وتضم قصائد وقطعا نثرية مختلفة، ومنتقاة جيداً لعدد من كبار الشعراء والناثرين، فيها قصائد لشوقى ورفاعة الطهطاوى، وللإمام الشافعى، وللطغرانى وللبهاء زهير، وآخرين.
وفى مطالعة الكتاب الواحد كان المقرر على تلاميذ المدارس الثانوية: كتاب المكافأة لابن الداية، أو البخلاء للجاحظ، أو مختارات من الأغانى، أو قطوف لعبد العزيز البشرى. أماّ الآن فالكتب المقررة إما هابطة الذوق، أو ثقيلة الطعم، أو ثرثرة مملة، لا تدخل أحداثها فى مدارك التلميذ، والمثل الواضح لمثل هذا الكتاب هو «الأيام» لطه حسين.
لقد تدهورت المادة التى نقدمها للتلاميذ، فهم يقبلون عليها مكرهين للامتحان، وبعيداً عنه لا تربى ذوقا، ولا ترقق وجدانا، ولا تثير إعجابا، يدفع التلميذ إلى التفكير فى أن يكون مثل صاحبها.

هل تراجعت مصر فى مجال تحقيق كتب التراث؟
- لابد أن نعترف أن مدرسة تحقيق التراث المصرية العظيمة التى بذلت الكثير من الجهد، وحققت مئات الكتب قد اختفت حقاً، لم يعد أحد يقدم على تحقيق مخطوطات، لأن الجهد الذى يتطلبه هذا العمل فوق طاقة الفرد، وعائده قليل للغاية، ووزارة الثقافة تخلت عن هذا الجانب تماماً، رغم أنه أولى مسؤولياتها.
وبدأنا نستورد كتبا محققة من الأردن بعد أن كنا نصدر الكتاب المحقق إلى كل العالم العربى والإسلامى، وآثرنا سلوك الطريق الأسهل: أن نصور وأن نعيد طباعة ما حققناه على امتداد القرن العشرين مما سقطت حقوق محققيه، والأمر لا يتطلب غير آلة وعامل وورق طباعة، ولا بأس أن يحمل الكتاب الذى حققه فى الأصل عالم أو اثنان، أسماء كثيرة جديدة، لم تشارك فى شىء، من مشرف، ونائب له، ورئيس تحرير، وسكرتير فنى، وكوكبة من المستشارين، ولا بأس أن تحذف مقدمة المحقق الفعلى، وأن يكتب له أحد العاملين فى وزارة الثقافة مقدمة جديدة، والجميع يقبضون..!
وينزل الكتاب إلى السوق بسعر رخيص حقاً، فيتلقفه الورّاقون، ويختفى بعد بضع ساعات، لأنهم ينقلونه إلى مخازنهم، ويتحكمون فى بيعه بأسعار مرتفعة جداً، ويربحون من وراء ذلك أموالاً طائلة.
لكن، كم عدد الكتب التراثية الجديدة التى حققت فى مصر ربع القرن الماضى؟ لا أظنها تتجاوز عدد أصابع اليدين، وفى دار الكتب المصرية مئات المخطوطات الجيدة تنتظر المحققين مع سهولة الطباعة، ويسر النشر، والمكافآت التى لا بأس بها، التى تدفعها وزارة الثقافة، والجهد الطيب الذى تبذله فى هذا المجال، فإن طوفان الكتب الغثة هو الغالب، يغطى على ما هنا أو هناك من كتاب جيد، ووراء ذلك مرض مصرى قديم: الشللية والمحسوبية، فى الإعلام المضلل.

كيف تقرأ الوضع الحالى للغة العربية فى مصر؟
- تتجلى مأساة اللغة فى اتساع استخدام العامية فى الإعلانات وفى اللافتات ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وبدأت تتسرب إلى بعض الصحف أيضا، ووجدت لأسباب ظاهرة، وأخرى خفية، من يدافع عنها وبقوة، وأظن أن مصر هى الدولة الوحيدة فى العالم التى تخصص فيها وزارة الثقافة جوائز لمن يبدع باللغة العامية.

وماذا عن العقل العربى..هل تتفق مع من يقولون إنه يمر بمرحلة تراجع؟
- العقل العربى بخير، وتتمثل مأساته فى القبضة الخانقة التى تكتم أنفاسه، والقيود الصارمة التى تعيق حركته فى البيت والشارع والعمل، وفى كل مكان، وحين يتخلص منها يتجلى إبداعه واضحا باهرا ونلحظ ذلك واضحاً فى نجاح المصريين فى مختلف فروع العلم عندما يكونون بعيداً عن المناخ السائد فى وطنهم الآن.

هل يمكن ربط هذا بأزمة الكتاب وانصراف الناس عن القراءة؟
- الكتاب، هو مصدر كل ثقافة، ونحن فى حاجة إلى وضع استراتيجية جديدة له، والقارئ المصرى ذكى لا يمكن التغرير به، أو الضحك عليه، فلا نقدم له كتابا يكيل المديح للحكومة ويتغنى بالإنجازات والمحاسن، وكل ما بين يديه مساوئ تكذب ما يكتب أو يقال.
والدولة التى خصخصت معظم مؤسساتنا وإنجازاتنا فى مجال الصناعة والاقتصاد عبر قرن من الزمان، وكثير منها كان مصدر ربح، نسيت دار المعارف، وكانت أكبر مؤسسة للكتاب فى العالم العربى والإسلامى، وتجاوز عمرها مائة عام، وكنا نفخر بها، كما نفخر بالأهرام صحيفة، وعبد الوهاب موسيقياً، وأم كلثوم مغنية، والأهرام أثراً فرعونياً، ومحمد حسنين هيكل كاتباً صحفياً، تركتها الدولة تلفظ أنفاسها الأخيرة، وتسقط مفلسة، لا هى خصخصتها ولا هى دعمتها، أو وضعت على رأسها متخصصاً يحسن إدارتها.

هل الإدارة وحدها وراء هذا السقوط؟
- لا، هناك سبب آخر أهم، وهو المصدر الرئيسى لهذه الكارثة: هو تحويل دار لنشر الكتاب إلى مؤسسة صحفية تصدر مجلة أسبوعية (أكتوبر)، بقرار حكومى غير مدروس، وإنشاء صحيفة يعد مكسباً بلا شك، لكن المأساة أن المجلة قامت على أنقاض المكتبة، لقد سقطت الصحيفة نفسها كأداة توصيل، وأفلست دار المعارف فى النشر، وخسرنا الاثنين معا.

ترى ما السبب وراء عدم خصخصتها حتى الآن، رغم خسارتها؟
- أحسب أن هناك أشخاصاً يستفيدون من بقائها على هذا النحو، وبدأوا يؤجرون بعض مكتباتها التى فى وسط البلد، ويبيعون بعض ممتلكاتها بالقطاعى.

هل يوجد فى مصر إقبال على الكتاب؟
- إذا قدمت الكتاب الجيد فسوف يلتهمه الناس التهاما، وكتب الأستاذ هيكل دليل على هذا، فالمصريون رغم ضيق ذات اليد من أكثر الشعوب العربية قراءة، لكن القراءة لا ترتبط بالرغبة وحدها، وإنما علينا أن نأخذ القدرة على الشراء فى الحسبان أيضاً، فقد تعرضنا خلال ربع القرن الماضى للإفقار الشديد، مع ارتفاع مبالغ فيه لكل الأسعار، وأدى هذا إلى تآكل الطبقة الوسطى بصورة مخيفة، وأنا أتكلم عن نفسى: قبل ربع قرن كنت أشترى كل صباح صحف: الأهرام والأخبار والجمهورية، والمصور وروزاليوسف، ومن الصحف الأجنبية لوموند الفرنسية كل يوم جمعة، وثمنها ١٢ جنيهاً، و«الباييس» الإسبانية كل يوم سبت، وأدفع فيها مثل هذا السعر أيضا، أما الآن فأشترى صحيفة عربية واحدة كل يوم، وأكتفى بتصفح بقية الصحف الأخرى على «الإنترنت» نحن شعب قارئ، ويحتال لتوفير ثمن ما يقرأ.

وما رأيك فى الجوائز العربية.. هل تسهم فعلاً فى تطوير العمل الثقافى؟
- الجوائز المخصصة للأدباء والعلماء والمثقفين متعددة، ومتنوعة، وتوجد فى معظم الدول العربية، بعضها رسمى تمنحه الدولة، وبعضها الآخر أهلى يقدمه سراة القوم من الأغنياء، والجانب الأكبر فى كليهما قيمته المادية لا بأس بها نسبياً.
لكن الأكثر أهمية أن تبلغ هذه الجوائز مستحقيها، ذلك أنها تذهب أحياناً إلى من لا يستحقها. والخلل الذى يصيب هذه الجوائز يأتـى من جانب المحكمين، فحين تعهد بذلك إلى من هم أدنى ثقافة من المتقدمين لها، تقع الكارثة لأن الجاهل لا يحسن تقييم ما لا يعرف بداهة، فالمعرفة شرط أساسى فى نزاهة الحكم والتقدير، وبدونها تختل الموازين والتقييم..
ولكى تصل الجوائز إلى مستحقيها من الأدباء، لابد أن يكون الحكم أعلى ثقافة من المتقدم للجائزة، وفى أدنى الحالات مساوياً له.
ولدينا فى مصر دليل واضح على صحة هذا: الجوائز العلمية تخضع لتقييم المجلس القومى للبحوث، والمحكمون فيها كلهم من كبار العلماء من أعضائه، وكلهم من الصفوة، ولم يحدث أبداً أن اضطربت الموازين فى أيديهم، أو ذهبت الجائزة إلى من لا يستحقها فحافظت على مستواها الأدبى وقيمتها وسمعتها العملية، ولم تكن أبدا موضع شكوى أو اعتراض. ومثلها فى ذلك الجوائز التى تمنحها الجامعات.
الأمر على النقيض من ذلك فى الجوائز الأدبية، فالمجلس الأعلى للثقافة هو الذى يتولى توزيعها، وهو بحكم تكوينه يضم أعضاء مختلفين تخصصا، ويتفاوتون ثقافة، وبعضهم- أو الكثير منهم إذا شئت- لا صلة له بالثقافة أصلاً، فضلاً عن أن يكون متخصصا فى الموضوعات التى يعرض لها المجلس. ولهذا تضطرب الموازين فى أيديهم، وقلما يصيبون، وقراراتهم تلاقى فى كل عام نقداً شديداً، مما أسقط هيبة هذه الجوائز، وحّولها إلى مجرد «رزق مالى» يسعى إليه كل طامع وراغب، سواء أكان يستحقه أم لا.
ولا أعرف فى مصر جوائز أهلية، ذات قيمة، إلا الجائزة التى يقدمها السيد نجيب ساويرس.

هل ترى إمكانية لتحسين أوضاع هذه الجوائز؟
- إذا أردنا لها أن تبلغ غايتها حقا، فأقترح أن يعهد بأمرها إلى المجلس القومى للثقافة والفنون والآداب والإعلام، وهو مجلس ذو سمعة طيبة، ويضم خلاصة صفوة المختصين فى هذه الاتجاهات، وهو رسمياً أعلى مكانة من المجلس الأعلى للثقافة، لأن أعضاءه يخضعون لاختيار دقيق قبل أن يعينوا، ويصدر بهم قرار جمهورى، على حين لا يعرف أحد القاعدة التى يعين بمقتضاها أعضاء المجلس الأعلى للثقافة، وعلى أى حال فإنهم يعينون بقرار من وزير الثقافة فحسب.

د. وحيد عبدالمجيد يكتب: المرشد والرئيس.. والسلطة الأبوية


المرشد العام لجماعة «الإخوان المسلمين» يعتبر رئيس الجمهورية أباً لكل المصريين. قال ذلك فى أول ظهور إعلامى له بعد نحو أربعة أشهر على اختياره مرشداً، وهو يعنى ما قاله ويقصده.
لم يقله مجاملة أو نفاقاً، فهو يؤمن فعلاً بدولة أبوية شعبها رعايا لا يقدرون على حكم أنفسهم.
وما الدولة الإسلامية التى يريدها إلا صيغة أخرى من الدولة الأبوية التى عرفتها مصر منذ منتصف خمسينيات القرن الماضى، ولكن بمرجعية مختلفة أكثر شمولية.
وهو يريد إعادة إنتاج هذه الدولة التى تتطلع فئات متزايدة من المصريين الآن إلى ما بعدها، بعد أن وصلوا معها إلى طريق مسدود. وهذا هو المعنى المتضمن فى التغيير الذى تزداد المطالبة به، ولكن هذا المعنى يضيع وسط الجدل الصاخب والضجيج الزاعق فى الساحة السياسية.
يحلم كثير من المصريين الآن بدولة ديمقراطية ينتخبون رئيسها ويحاسبونه.. ويريدون رئيساً مواطناً مثلهم، لأن ارتفاعه فوقهم بوصفه أباً يجعلهم رعايا، أى فاقدى الأهلية السياسية. وهم يتطلعون لأن يكون التفويض الانتخابى الذى سيعطونه لرئيسهم القادم محدوداً وليس مطلقاً، ومؤقتاً وليس دائماً.
ولكن المرشد العام لـ«الإخوان» لا يشاركهم هذا الأمل، فهو ينطلق من مرجعية شمولية لا تنتج إلا سلطة مطلقة. وعندما يفكر أصحاب هذا النوع من المرجعيات الشمولية- التى لا تقتصر على الإسلام السياسى- فى التغيير يتركز اهتمامهم على الأشخاص. ولذلك لا يدركون أن الإصلاح يتطلب عقدا اجتماعيا جديدا يختلف جوهريا عن العقد الذى أنشئت بمقتضاه الدولة الأبوية بدءا من دستور ١٩٥٦ الذى أعيد إنتاجه بصورة محسنة قليلاً فى دستور ١٩٧١.
فقد قام ذلك العقد على تنازل المصريين عن حقوقهم وحرياتهم السياسية أو معظمها فى مقابل رعاية الدولة لهم اقتصاديا واجتماعيا. فكانت الدولة تؤدى دور الأب الذى يوفر لأبنائه الغذاء والملبس والمسكن والعمل، أى يرعاهم من المهد إلى اللحد، ويكون له عليهم فى المقابل حق الانفراد بتصريف أمورهم باعتباره الأمين عليهم.
وبالرغم من أن الطرف الأول فى هذا العقد (الدولة الأبوية) لم يعد قادراً على الوفاء بالتزاماته التى لا تقدر عليها أى دولة أصلاً بدون مشاركة شعبية حقيقية، فإنه لا يريد الاعتراف بذلك.
وليست مشكلة دعم السلع والخدمات، التى وصلت إلى حال من العبث، إلا إحدى نتائج استمرار عقد اجتماعى غير طبيعى ولا هو منطقى.. وما أكثر هذه النتائج التى تجعل المشهد الاجتماعى - السياسى الراهن مقلقاً بل مخيفاً.
فقد تآكلت المقومات الاجتماعية للدولة الأبوية، التى لا يرى مرشد «الإخوان» بديلاً عن إعادة إنتاجها، وكأن الأبناء الذين كانوا صغاراً حين قبلوها قبل أكثر من نصف قرن ما زالوا أطفالاً ينتظرون أباً جديداً.
لقد أصبحت السلطة الأبوية تاريخاً يا فضيلة المرشد، فى عالم يسوده الاتجاه إلى عقد اجتماعى بين طرفين متكافئين، هما: الدولة الديمقراطية والمجتمع الحر
Almasry Alyoum

نادين البديرتكتب: الدعاة والداعيات الجدد.. والدعوة مودرن


تصلنى بعض الأحيان دعوات لمتابعة آخر موضة دارجة بالسنوات الأخيرة. موضة حضور الندوات الدينية التى تقيمها السيدات فى صالونات المنازل.
ملخص مجريات الحلقة هو قيام النساء بالالتفاف حول داعية أتت لتذكرهن بالله ورحمته وعقابه، ولتلقى عليهن آخر مستجدات الفتاوى التى وصلتها من أصحاب الفضيلة ووجب عليهن اتباعها.
بمرور الوقت تتحول الداعية شيئا فشيئاً إلى مرشد روحى ودنيوى لأولئك النسوة.
وإن حدث وناقشتهن فى أى أمر، مهما بلغت بداهته، سيستندن إلى كلام الداعية فلانة كمرجعية حياتية، مؤكدات أن هذا هو رأى فضيلتها. أما عن رأيهن الشخصى فالمتبع عربيا اليوم عدم امتلاك الفرد رأياً خاصاً به، بل لابد من مرجع. الغالبية تبحث عن مرجع، وقليل من يحبذ الوقوف وحيداً أو التفكير بوحدة.
أرفض الدعوات. حضرت عددا منها فى حياتى ورأيت توافه الأمور تطرح بكل جرأة. تقول الداعية إن عليك لبس كذا وقول كذا وفعل كذا والحاضرات يقلن آمين. تخبر الداعية عن فلان بن علان أن لمس الطعام باليسرى منكر وحرام والحاضرات يقلن آمين، فى الندوة التى حضرتها شددت الداعية على حرمانية السفر لبلاد الكفر.
قالت بالنص «إن أصر عليك زوجك فلا ترافقيه.. رضوان ربك أهم من رضوان زوجك» والنساء الملتفات، اللواتى يصيفن فى الخارج كل عام، قلن لها آمين.
لم تعد النساء تلتف حول قائدات الحركة النسوية، بل حول الداعيات للتأخر النسوى.. مرة قالت لى رفيقة: لو أنك تستمعين إلى الداعية فلانة وهى تهدينا؟
كنت رأيت كيف تدفعنا دفعاً للبكاء خشية وخشوعاً قلت لها: لماذا تعتقدن أنكن مخطئات وأن مهمتها تصحيح اعوجاجكن؟
وما الحاجة لداعية وأنت فى الأصل تعتنقين الإسلام؟
ثم لما تعشقن البكاء والعويل؟
وكأن الواحدة تريد أن تثبت لذاتها أنها بالدموع قد تحولت لنفس مؤمنة خاشعة؟
كيف أبحث عمن يدفعنى للخشوع؟
أيعنى هذا أنى لا أؤمن حين أكون بمفردى؟
وأن مجرد تفكيرى فى الله ليس باعثاً على الخشوع بل يتطلب الأمر وسيطا روحانياً يقوم بمهمة تقريبى إلى الله؟
ألم تعد علاقتى بالله علاقة ثنائية؟
متى أصبحت ثلاثية؟
وذاك الداعى أو تلك الداعية، أيمنحاننى صك الإيمان؟
كل هذا الحنين للبكاء والاستغراق بجلد الذات ولومها على تقصيرها تثبته مساحات المحاضرات الدعوية التى تمتلئ بالحضور التواق للاستماع للمرشد والاستمتاع بالمشاعر المختلفة التى يبثها من خوف وحزن وغيره.
الداعيات والدعاة الجدد كمنتجى المسلسلات الخليجية الكئيبة، يعلمون تماما كيف يشدون انتباه الجماهير العربية بمشاهد العنف والظلم اللامتناهى. وكذا الدعاة يعلمون أنها جماهير بائسة باحثة عن حياة بديلة لسنوات القهر التى تحياها، باحثة عن قصص تشبه حكاياتها، لعلها تهنأ أخيراً.
منتهى الاستسلام لحالات الإحباط الناتجة عن البطالة والفقر والطلاق وقلة الحيلة ومشاكل العائلة والوظيفة وكل شىء فمن هم الدعاة والداعيات وما شروطهم الدينية أو القانونية؟
أطرف داعية كانت صديقة لشقيقتى تخرجت فى الجامعة قبل عدة سنوات، وصادفناها فى الطريق يوماً فقمنا نسألها وتسألنا عن الأحوال، ففاجأتنا بالخبر: أنا صرت داعية.
ودهشنا: متى تحولت لداعية؟
لم أجد عملاً إلى اليوم، وبدل الجلوس فى البيت عملت فى الدعوة الإسلامية.. لكن ما مؤهلاتك؟..
ليست هناك متطلبات، اختارى أى موضوع وتحدثى فيه، بالطبع فإن كل الموضوعات المقصودة تدور حول الحلال والحرام. والنتيجة مبهرة، فعدد المهتمين والمهتمات (من العامة) بهذا المجال يفوق الوصف.
الناس هنا لا تكترث للعلوم والفيزياء والفضاء وباطن الأرض والفلك، الناس تبحث عن الحلال والحرام. ولا تمل أو ترتوى من السؤال عن الحلال والحرام. ولا تتوقف عن شراء الكتب التى ترشدها للحلال والحرام.
هناك جزء آخر من الدعاة قد نهجوا منهجا صار معروفاً على الساحة الدعوية.
الداعية يرتدى الجينز ويحلق اللحية والشارب، ويستمع للأغانى.. داعية عصرى. لكنه ليس سوى الذراع المودرن للدعوة ذاتها، ليسوا سوى امتداد لتطرف جيل اللحى والثوب القصير. لم يجد الدعاة بدا من مجاراة روح العصر للوصول للهدف.
ذلك أن أسلوب الدعوة القامع لم يعد مقبولا وفق متطلبات الحرب على الإرهاب التى تشنها جميع الدول، بما فيها الدول الإسلامية، ولم يعد الوضع اليوم ليسمح إلا بأساليب الرقة والصوت الحنون والتقنيات الحديثة، إذ هل بإمكان أولئك الدعاة مواجهة التشدد الذى زرعه الدعاة الأوائل، وعلى الأخص دعاة التسعينيات؟
ثم ما العلاقة التى تربط جيل التشدد بجيل الدعوة المودرن؟
هل الأول راض عما يحدث؟
أم أن ما يحدث قد تم بمباركتهم؟
هل يمكن للدعاة الجدد أن يقدموا فتاوى تخرج عن نسق الفتاوى المعهودة؟
هل يسمح لهم بإعادة تفسير القرآن وفق متطلبات العصر؟
هل بإمكانهم الخروج عن حدود أساتذتهم الأولين؟
أم أن الاختلاف فقط فى ارتداء الجينز والـ«تى شيرت» بدل العمة والجلباب؟
Almasry Alyoum
23/4/2010

Blogger Buzz: Blogger integrates with Amazon Associates

Blogger Buzz: Blogger integrates with Amazon Associates