Tuesday, October 20, 2009

الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل يكتب: تمهيد واجب لحوار مفتوح .. لدينا أزمة عدل وأزمة قانون وأزمة إدارة وأزمة ثقة.. ولم نصل من قبل إلى هذا التفاوت بين سك

كان لقاءً عادياً يتكرر من حين إلى آخر.. ولكننى ذهبت إليه هذه المرة وبين ضلوعى سؤال واحد، أراه - ويراه الكثيرون - سؤال وطن يبحث عن طريق.. قلت لنفسى إن المرحلة المقبلة هى الأخطر فى تاريخنا الحديث، ليس لأننا نخطو وننتظر الثمار، ولكن لأن الطريق يكسوه الضباب، والأقدام لا تخطو، وإن هى خطت لا تعرف اتجاهاً.. وفى ذلك مأزق ينذر بمجهول لا نعرف مداه.
إذن.. فهو المستقبل الذى يملكنا، بينما ينبغى أن نمتلكه.. ولأننى أعرف قدرته الهائلة على التحليل والتفكير، بادرته بما دار فى ذهنى.. قلت له إن تشخيص اللحظة الراهنة شغلنا أكثر مما ينبغى.. هكذا أرى.. وأن النقد بات أسهل من الاستشراف، والهدم أرخص من البناء، وكلمة «لا» تصنع أبطالاً ولكنها لا تنير سبيلاً.. وأنت تمتلك مفاتيح الرؤية ورموز المعادلات..
فدعنا نضع تصوراتك ومقترحاتك لمستقبل تراه أفضل، ويظل الأمر محصوراً فى مساحة الاجتهاد، ومفجراً لنقاش موضوعى نحن أحوج له من أى وقت مضى!
استمع إلىّ بإنصات، ثم قال: لا مانع.. فقد سُئلت كثيراً فى حوارات «الجزيرة» عن الشأن الداخلى المصرى.. لكنى آثرت أن تدار المناقشة والحوار فى الداخل.. غير أننا يجب أن نتفق أولاً على المساحات التى نطؤها، حتى لا تأخذنا أمواج الحديث إلى شواطئ هامشية لا تفيد.
حين تتحاور مع الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، لابد أن تعلن حالة الاستنفار الذهنى.. فالرجل يعنى كل كلمة يقولها.. لا يستطرد فيما يمكن فهمه بكلمات قليلة، ولا يترك منطقة غائمة دون أن يبدد غموضها ويهيئها للناظرين..
هكذا دار حوارنا الذى استغرق خمس ساعات على جلستين متتاليتين.. وراق له، ولى، أن ينقسم إلى ثلاثة أجزاء: الأول هو ما تطالعونه اليوم، ويتضمن كلمة مطولة كتبها بقلمه توطئة لهذا الحوار..
والثانى يركز على مستقبل مصر، وما يراه - من وجهة نظره - لبناء دولة قوية وإنسان أقوى.. والثالث يكشف فيه أسرار ما كان وما جرى فى تقرير «جولدستون»، الذى أثار جدلاً واسعاً على المستويين الإقليمى والدولى.
وقبل أن نقرأ.. ربما يكون مناسباً أن أقول إن هذا الحوار المطول إنما يمثل اجتهاداً للإجابة عن أسئلة المستقبل.. وفى الاجتهاد دائماً فرصة لبدء حوار إيجابى ونقاش موضوعى.. وفى الحوار والنقاش حق أصيل لى ولك، لأن الشعوب ترتقى حين تتحاور.. وتندثر عندما تتعارك..!
■ أعرف، وأنت تعرف، أن أى حوار مفتوح يأخذ المشاركين مرات كثيرة إلى أبعد مما يريدون، وأوسع مما هو مناسب، بقصد التركيز والفهم.
ويمكن أن تسمح بأن نحاول معاً أولاً وقبل كل شىء تحديد إطار ما تريد أن تتحدث فيه، وأنا أيضاً أريد أن أتحدث فيه، ولكى أكون صريحاً معك فإن أمور الشأن الداخلى موضوعات سُئلت عنها فى حوارات على قناة الجزيرة، لكنى آثرت هناك أن أختصر وأنقل هذه المناقشة إلى هنا - فى الداخل وليس من بعيد.
وإذا حاولنا معاً وضع إطار، أظننا يمكن أن نتفق على مجموعة نقط نستطيع أن نعدها بالعدد، وبعدها نستطيع الاستطراد فى الحوار والمناقشة، ونقدر بعدها أن نشرد إلى أى اتجاه، وندخل فى تفاصيل أى رواية.
نتفق أولاً على إطار ثم نمضى فى الكلام مرسلاً إلى حيث يأخذنا.
أولاً: اسمح لى بداية أن أقول لك إننا بلد فى أزمة معقدة متشابكة، اقتصادية - اجتماعية - سياسية - ثقافية ، وفى بعض المرات إنسانية.
عندنا مشاكل مخيفة فى قصور التنمية، وفى تخلفها، خصوصاً فى مجال الصحة والتعليم - فى العدالة الاجتماعية - فى التفاوتات الطبقية، إلى درجة مرعبة، ولم يحدث من قبل فى مصر أن بلغ مثل هذا التفاوت بين سكان القصور وسكان القبور.
لدينا أزمة عدل، وأزمة قانون، وأزمة إدارة، وأزمة ثقة. حيثما التفتّ هناك أزمة - هناك استعصاء - هناك عجز.
وثانياً: ليس هناك شك فى أن القوة الكامنة فى الشعب المصرى، والقدرة على البناء فيه - نحن شعب من البنائين - حققت ظهوراً لبعض الفئات وهو ما نشهده فى حركة العمران، لكنى وأظنك معى تخشى من أى نمو غير مخطط يهزم أغراضه فى النهاية، لأن النهوض حركة اجتماعية عامة، وليست فئات تبنى حياتها فى جزر معزولة.
وأنا أول من يسلم أننا بلد محدود فى موارده الاقتصادية، لكننا بلد غير محدود فى طاقاته الإنسانية، إذا استقام توظيفها.
وثالثاً: فإننا اعتمدنا فى علاجنا لمشاكلنا الداخلية على سياسات تكاد تذكرنا بنهايات الدول والعصور، فهى سياسات تعتمد على التخويف والإلهاء.
بمعنى أن الأمن موجود فى كل قضية، وسابق لأى فعل، وهذه مسألة ثقيلة ومهينة أيضاً، بمعنى أن عنصر الإلهاء يدخل مع عنصر الأمن ويسير معه جنباً إلى جنب، وأمامك قوة عناصر الأمن المركزى التى تصدم النظر فى كل ميدان فى القاهرة وغيرها من المدن، وهناك شاشات ومهرجانات لا تكف عن الصخب طوال الوقت، صارخة ملونة بذيئة فى كثير من الأحيان.
ورابعاً: هناك التغطية على مشاكلنا الحقيقية، لأننا نمارس عملية تمويه بأشكال من العلاقات العامة بدائية.
مثلاً نريد أن نظهر الحرص على الناس فى خطر أنفلونزا الطيور أو الخنازير أو أى أنفلونزا أخرى، ونروح نبالغ فى إظهار الحرص على الناس إلى درجة إصابتهم بالرعب - إلى درجة الوصول إلى إجراءات من نوع إعدام كل الخنازير فى مصر بطريقة متوحشة - ثم إرباك كل فصول التعليم والدراسة فى مصر، إلى درجة أن منظمة الصحة العالمية أرسلت تسألنا باستغراب واستنكار «ماذا تفعلون؟!».
بين دول العالم كلها لم يفعل أحد ما فعلناه، لكننا نريد أن نظهر أننا حريصون على الناس، بينما يموت بيننا من الجوع أو أثناء الهجرة من اليأس أضعاف أضعاف من يمكن أن تصيبهم أنفلونزا الخنازير.
وخامساً: فى سياستنا العربية نحن أسأنا إدارة علاقاتنا، وأعطينا إحساساً - صحيحاً أو غير صحيح - بأننا نريد أن نستفيد إعلامياً فى الغالب على حساب الآخرين، ونريد أن نفرض أنفسنا كوسطاء بينهم وبين العالم، وهم لا يحتاجون إلى وساطة، ثم إننا نتصرف أمام أكبر وأخطر القضايا وكأن لدينا تفويضاً - لا أعرف ممن - بأن نتصرف وفق حكمة عندنا لا يعرف سرها غيرنا!!
وهذا كلام لا يفعله أحد، والنتيجة أن معظم العالم العربى ابتعد، ولك أن تعد البلاد العربية بلداً بلداً، وسوف تجد أن الذين تباعدوا كثيرون، وأن هناك أقلية تريد أن تكفى نفسها وجع الدماغ، أو تريد أن تتوارى وراءنا، وتترك لنا الصدارة، فمادام التصدر يعجبنا فهم يستطيعون تركه لنا، وأما عن الحصاد فنحن خارج الحساب إلا من كلمات تغطى الخلل بإطراءات ومدائح يعرفون أنها ترضينا وتسرنا، وهذا حال لا هو مرضٍ ولا هو سار.
وسادساً: نحن فى سياساتنا مع العالم الخارجى لم نعد ندير سياسات مهتمة بقضاياه، وإنما كله فعل فى الظاهر، وكله نشاط على السطح، وهدفه بالدرجة الأولى - وكل الناس يعرفون - أنه موجه إلى نوع آخر من العلاقات العامة تغطى الخلل فى الداخل والتراجع فى الإقليم بحكايات وحواديت وصور ليس وراءها تأثير حقيقى.
قل لى يا أستاذ «مجدى» أين نحن من آسيا.. أين نحن من الصين ومن الهند ومن إندونيسيا؟
أين نحن من أفريقيا.. أين نحن من دول الجوار المحيط بنا؟! أين نحن من أوروبا بالفعل وليس بالخيال، كما أظهرت انتخابات اليونسكو الأخيرة، وكذلك جلسة التصويت على تقرير «جولدستون» فى مجلس حقوق الإنسان؟!! بل أين نحن من الولايات المتحدة - بالمفهوم الحقيقى لعلاقات متكافئة؟!
أين نحن من إسرائيل - بالمفهوم الحقيقى لعلاقات مقبولة؟!
سابعاً: فى مجمل هذا كله إن السياسة المصرية الراهنة أضعف جداً مما تريده وتستحقه مصر غداً، فنحن سياسياً أمام طرق مسدودة، وبصراحة شديدة فنحن أمام ظروف غير قابلة للاستمرار، وبالتالى أوضاع غير قابلة للدوام!!
■ إننا لانزال حيارى فى أهم ما تحملنا به من مسؤوليات، ففى قضية السلام مثلاً أمامنا الخرافة التى أوحت إلينا أن «أوباما هو الحل» لم تعد قائمة ولا نافعة.
لكننا نريد أن نوهم أنفسنا أو نوهم الناس، بينما إسرائيل تقول لنا بأعلى صوت إن ما سمى بعملية السلام انتهت، وأن ما نراه أمامنا على الأرض فى إسرائيل هو نفسه الحل النهائى ولا زيادة عليه.
لكننا مصممون على الوهم، ليس هذا فقط، ولكننا نخذل أصدقاءنا.
كل العالم الذى كان مهتماً لم يعد مهتماً.
كل الهيئات والمؤسسات التى أعطتنا حقاً، ابتداءً من محكمة العدل فى قضية «الجدار العازل»، ومجموعة «جولدستون» فى مأساة غزة، تجاهلناها كلها لمجرد أننا نعتمد الأوهام التى نحبها.
«ليبرمان» وزير خارجية إسرائيل يقول هذا الأسبوع بغلاظة ما كنا نحس به من التصرفات، وأن إسرائيل لديها ما تأخذه، لكن ليس لديها ما تعطيه.
ثم إن الولايات المتحدة التى كان فيها الأمل من وقت «نيكسون» و«كيسنجر»، ووقت «أوباما» و«ميتشل» - ليس لديها الوقت لنا، عندها من مشاكلها ما يكفيها وزيادة بعد أن جرى طرح ما لا يقل عن ثلاثين مبادرة مختلفة، أى مبادرة كل سنة - مبادرات مبادرات حتى فرغ المخزون كله، ونحن مصممون على الوهم أو الإيهام!!
ليست المبادرات هى التى فرغت فقط، ولكن جوائز «نوبل» أيضاً.
جائزة لـ«كيسنجر» - جائزة لـ«السادات» - جائزة لـ«بيجن» - جائزة لـ«عرفات» - جائزة لـ«رابين» - جائزة لـ«بيريز» - وكلها عن مبادرات، وأخيراً جائزة لـ«أوباما» دون مبادرات!!
المبادرات تتلاحق والجوائز تجىء، والسلام بعيد أكثر مما كان فى أى وقت مضى!!
■ أى أن المستقبل فى أبسط الأحوال - وحتى لا أصدمك وأقول - خطر ومجهول - ولكى لا أصدمك وأقول إنه مرعب، فإذا تركنا أوضاعه كما هى فنحن فى الطريق إلى فوضى وإلى انفجار وإلى خروج كامل من العصر، نغوص بعده فى مستنقع لا نعرف كيف نخرج منه.
تذكر القول الشائع فى السياسة بأنه إذا لم يستطع الناس حل أزماتهم بإراداتهم، فإن هذه الأزمات سوف تحل نفسها بنفسها.
وإذا لم نستطع أن نحل أزماتنا بطريقة منظمة، فسوف تحل الأزمات نفسها بطريقة غير منظمة.
إذا لم تقم أنت بفك اللغم من تحتك، فإن هذا اللغم لن ينتظر إذنك حتى ينفجر.
■ أعرف وتعرف أن هناك ترتيبات يتصور بعضهم أنها قادرة على المستقبل، وترى ويرى معك كل الناس أنها قاصرة قبل أن تبدأ، وخذ ما يلى:
أولاً: الرئيس «مبارك» - وأنا رجل يحترم الحدود ويحترم المقامات - له فى الحكم الآن ما يصل إلى ثلاثين سنة، وهو يحكم باسم النظام الذى قام فى ٢٣ يوليو، وفى الحقيقة فإنه لم يكن نظاماً واحداً، وإنما ثلاثة نظم مع ثلاثة رجال، كل منهم له تصورات مختلفة متباعدة بعد السماء عن الأرض، وأنا واحد من الذين يعرفون أن ثورة يوليو توقفت سنة ١٩٦٧، وأنه بعد يونيو ١٩٦٧ فإن «جمال عبدالناصر» ظل فى الواقع يقود الوطنية المصرية الموصولة بالقومية العربية وليس بالضبط ثورة يوليو حتى وصلنا إلى يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣، وكان «أنور السادات» معتمداً على شرعية يوليو السابقة، وشرعية الوطنية المصرية بعدها، هو الرجل الذى أصدر قرار القتال، لكن لسوء الحظ فإن النهايات فى أكتوبر لم تكن على مستوى البدايات، فقد كان السلاح عظيماً فى أدائه، وكانت السياسة أداء آخر قادت إليه أوهام لا داعى للحديث عنها الآن.
لكن فى النتيجة قامت أوضاع.
لا هى ثورة يوليو، ولا هى إرادة الوطنية المصرية، ولا هى مستوى أداء السلاح، كل هذه العناصر غابت أو غُيبت بقصد أو بجهل، والنتيجة أحوال ضاعت فيها السياسة، واختلطت الطرق، وتاه الناس.
وبدا يوماً بعد يوم أن المستقبل ضبابى.
كان آخر نبض سياسى فى مصر هو انتفاضة الطبقة المتوسطة فى ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧، التى سماها الرئيس «السادات» «انتفاضة الحرامية»، وكانت هى التى قادته بعد ذلك إلى الطريق الكارثى نحو زيارة القدس!!
وبعد القدس حكاية الانفتاح، وبعد الانفتاح قصص يطول شرحها.
ودخلنا إلى التيه فى كل اتجاه وأى اتجاه.
وقد وصلنا الآن إلى نهاية الطريق - وعند هذه النهاية فإننا نبحث عن مستقبل.
هناك تصور للمستقبل يلقى إلى الناس من جانب ما يسمى بـ«الحزب الوطنى»، وهو كيان نظامى، وأنا لا أقول تنظيمى، لأنه ليس تعبيراً شعبياً أو طبقياً أو فكرياً، وإنما ببساطة مسألة سلطة لها أدواتها، ومصالح لها مطالبها، وكلاهما بعيد عن أى نوع من أنواع الشرعية الدستورية أو القانونية بالمعنى الحقيقى لما هو دستورى وقانونى.
والغريب أن هذا الحزب هو تناسخ غير متسق للاتحاد القومى القديم - ثم الاتحاد الاشتراكى القديم - ثم حزب مصر الذى لم يعش طويلاً، غيّر اسمه إلى الحزب الوطنى القديم أيضاً!
ثم إن هذا التناسخ السياسى حدث بالتوازى مع شىء من نفس النوع للأشخاص، وهكذا توازى ما يجرى سياسياً مع ما يجرى طبقياً.
وتصور المستقبل كما ينزل إلينا من الحزب الوطنى غريب فى بابه:
هناك جماعة تسمى نفسها «الحرس القديم»، وتبشرنا بأن المستقبل مأمون مع رئاسة أخرى خامسة للرئيس «مبارك» - الذى سوف يرشح نفسه من جديد سنة ٢٠١١.
وهناك جماعة تسمى نفسها «الحرس الجديد»، وتبشرنا بأن الرئاسة القادمة ليست له - بعد عمر طويل - وإنما فى وريث قادم إلى السلطة بدرجة القرب وبأحقية الإرث، أو بممارسة الديمقراطية وصناديق الاقتراع، كما نعرفها فى التجربة العربية!
وتلك كلها ليست بالضبط ملامح مستقبل واعد، ولا بشارات أمل يمكن الاطمئنان إليه.
والمشكلة الكبرى أن الدستور المعمول به يساعد ويمهد لأشياء من هذا النوع، وعلى نحو حديدى تمثله المادة ٧٦، الطارئة على دستور جرى تعديله وتبديله وترقيعه عدة مرات، حتى أصبح مهلهلا.
ويغطى ولكنه لا يستر - هناك فارق بين الغطاء والستر.
وإذا كانت هذه الأوضاع لا تضمن مستقبلا - إذن فما هو العمل؟! خصوصا إذا كنا نريد انتقالاً منظماً من إحباط إلى أمل.
بمعنى أننا لا نريد أحوال فوضى، ولا أحوال انقلاب، وإنما نريد انتقالا يستطيع الرئيس «مبارك» نفسه أن يقدم به خدمة جليلة للأمة تذكرها له إلى الأبد وتشكره عليها على طول العصور.
بوضوح:
١- هناك انتقال ضرورى للسلطة لخلق أوضاع تواجه عالما مختلفا.
٢- كل ما هو مرسوم للانتقال الآن لا يؤدى إلا: إما إلى فوضى أو انفجار، لا أحد يستطيع تقدير مداه.
٣- لقد حدثت فى مصر وحتى غيرها من البلاد العربية لكى نكون منصفين أحوال تفريغ من الحياة السياسية وتجريفها.
فطول البقاء فى السلطة مع القهر الشديد، سواء بدعاوى الأمن أو دعاوى الاستقرار، عطل تواصل الأجيال فى كل نواحى الحياة فى مصر.
ونتيجة هذه العملية - التفريغ والتجريف - أنه لم يعد ممكنا أن يحدث انتقال سهل من رجل إلى رجل فى طلب استمرار طبيعى.
لا يحتاج البلد إلى انتقال فقط، ولكن إلى فترة انتقالية.
وهناك عدد من الرجال تطرح أسماؤهم بدائل فى البحث عن أمل، لكن المشكلة الكبرى أنه ليس فى مقدور واحد منهم بمفرده أن يملأ الفجوة الهائلة بين الواقع والمطلوب.
هناك أسماء مطروحة ومعنى طرحها أن هناك ثقة فيهم، وأنهم رجال وقع عليهم اختيار الناس بالحس الطبيعى المرهف لشعب أرهقته أوضاعه الراهنة.
هناك اسم السيد «عمرو موسى»، وهناك الدكتور «محمد البرادعى»، وهناك الدكتور «أحمد زويل»، وهناك اللواء «عمر سليمان»، وهناك الدكتور «مجدى يعقوب»، والمستشار طارق البشرى، وهناك غيرهم رجال تلوح أسماؤهم فى الأفق، وعلى سبيل المثال منهم الدكتور «حازم الببلاوى»، والدكتور «محمد غنيم»، والدكتور «يحيى الجمل»، وهناك آخرون غير هؤلاء، خصوصا ممن يمكن أن يمثلوا التيار الدينى، وهو رافد مهم فى الحياة السياسية المصرية، وممن يمكن أن يمثلوا المرأة، وهى نصف المجتمع بالتعبير الدارج.
وتصورى أنه من هؤلاء جميعا ومن غيرهم يمكن تشكيل ما يمكن أن نسميه مجلس أمناء الدولة والدستور، بالكثير عشر أو خمس عشرة شخصية، مع ملاحظة أن هناك خارج مصر فيضاً بشرياً من الكفاءات، تركها اضطرارا وإحباطاً، وهذا مخزون هائل من الكفاءات على استعداد للاستجابة إذا أحس بأمل.
والحقيقة أننا فى حاجة إلى بناء دولة - وليس مجرد حكومة أو سلطة.
ونحن فى حاجة إلى دستور يكون عقدا اجتماعياً قادرا على أن يصون كل ما هو أصيل فى هذا البلد، ويفتح الطريق إلى كل ما هو مطلوب لمستقبله.
وفى ظنى أن يكون هذا المجلس فى حضور القوات المسلحة وهيبتها، متمثلة فى المشير «محمد حسين طنطاوى»، ثم أن يكون دوره انتقاليا لثلاث سنوات، يقوم فيها بعدة مهام ضرورية لإعادة قاطرة الوطن إلى قضبانها السليمة بعد قضبان تؤدى إلى لا مكان، كما هو الحال الآن.
ومجلس أمناء الدولة والدستور، كما أقترحه، يكون هدفه فتح طريق مغلق.
رجال كل منهم له قيمته المعترف بها، وله دوره المشهود، وأهم من ذلك أنه حتى على نحو غير مرتب وغير مخطط حظى بدرجة من ثقة الناس عن بعد، مما جعلهم يفكرون فيه ويرشحون ويطالبون به حلا، هيئة تقود عملية انتقال سياسى له أساس تفرضه إرادة شرعية متعالية على كل الأهواء - شرعية عقد اجتماعى حقيقى، كما قلت وأكرر - ويمكن فى فترة الانتقال أن تظل هناك وزارة تقوم بمهام التنفيذ، وأنا شخصيا أقبل أن يرأسها رجل مثل «محمد رشيد»، وأن يكون نائبه رجلاً مثل «يوسف بطرس غالى»، ففى ذلك ضمانة حتى لا يتعطل التنفيذ فى انتظار إعادة البناء السياسى، وفى ذلك أيضا درجة من الاستمرار تكفل التغيير دون أن تؤدى إلى انقطاع خلال فترة انتقالية لا تطول عن ثلاث سنوات.
فى نهاية ما نريد الإقرار به قبل أن نسترسل فى الحوار إلى حيث يأخذنا، فعلينا أن نفهم أن كل ما نقوله أو نعرضه سوف يكون مآله الإعراض والرفض.
أولاً: لأن هناك من يعتقد أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان.
وثانيا: لأن هناك من سوف يبدون الاستهوال أن نبدأ من جديد بفترة انتقالية لإعادة البناء، لكننى واحد من الذين يعتقدون أنه مهما تأخرنا، فإننا سوف نعود يوما ما بلدا جديدا، ببساطة لأن التركيبة السياسية كما هى حاليا تحملت أكثر مما تستطيع.
ثالثا: هناك من سوف يقول إن مجلس أمناء الدولة والدستور من كل هؤلاء الرجال أعجز من أن ينهض بالمسؤولية، وذلك فى ظنى غير دقيق، فهؤلاء جميعا رجال ذوو تجربة محترمة فى كل المجالات، ثم هم رجال تعلقت بهم آمال جماهير عريضة، حتى دون أن يطرحوا أنفسهم، ثم إن تقديرهم للمسؤولية سوف يخلق بينهم روابط مهمة شبه مقدسة، مرجوة من شعب يأمل فيهم لمهمة محددة تفتح طريقا إلى جيل أكثر شبابا وأكثر جرأة على المستقبل.
وفى كل الأحوال فهذا مجرد تصور مطروح للنقاش، وبالتأكيد فقد نتوصل إلى ما هو أكفأ منه.
رابعا: هناك من سوف يقول إن ذلك مخالف للدستور، وهذه سمعتها من قبل، عندما اقترحت قبل سنوات فكرة إنشاء مجلس للرئاسة، يعمل بجوار الرئيس، حتى يتعرف الناس على وجوه مختلفة.
لكن الدستور الذى اتسع لمادة بحجم «المادة ٧٦»، وهو حجم قصة لنجيب محفوظ - لا تسمح بنوده بأى اقتراح من هذا النوع - كذلك يقال لنا
خامسا: سوف تجد من يقول إن ذلك كلام حاقدين موتورين ينبغى أن يطوح به إلى بعيد، ولا يناقشه أحد، أو يطرح بديلا له للانتقال من إحباط مستبد إلى همة تقدر، وسوف تقرأ وتسمع كثيرا لا علاقة له بالموضوع، لكنه لسوء الحظ أسلوب عنيف وعقيم فى ممارسة العمل السياسى، وهو جزء من أزمته الراهنة!!
ولنا الآن أن نترك أنفسنا للحوار يأخذنا إلى حيث نشاء!!
مجدى الجلاد
Almasry Alyoum

Wednesday, October 14, 2009

فنانة تشكيلية تسمع ما لا يسمعه الآخرون




الشابة اللبنانية مي تلحوق تسمع برسوماتها ما لا يسمعه الاخرون وتتحدث اليهم دون ان تنطق اذ ليس بمقدورها النطق ولا السمع منذ ان ابصرت عيناها النور قبل اربعة وثلاثين عاما في بيت ذويها في مدينة عالية بجبل لبنان.
ورغم ذلك فهي تجاوزت كل الصعوبات و باتت تصنف بانها واحدة من ابرزالفنانين التشكيليين في لبنان و العالم العربي.
استقبلتنا مي تلحوق بتمتمات وايماءات الترحيب في حديقة منزلها قبل ان تصطحبنا مع والدتها امل تلحوق الى غرفة الرسم التي وزعت في ارجائها عددا من لوحاتها الكثيرة.
مي تتحدث كثيرا ليس بلسانها وانما باناملها فهي حولًت الرسم التشكيلي الى لغة تخاطب بها الناس فتسمعهم صوتها باعينهم وليس بآذانهم.
لكن مشوارها كان طويلا وشاقا طوال سنوات دراستها وهي توجت كل تلك الجهود بالسفر الى الولايات المتحدة الامركية حيث امضت احد عشر عاما من المثابرة والتحصيل الدراسي في جامعة جولديت الخاصة بالصم حتى حازت على شهادة ديبلوم في تاريخ الفنون.
نراقب مي وهي منهمكة في رسم سفينة تتهادى باشرعتها وسط بحر يتلألأ بزرقته وقد ازدانت سماؤة بغيوم بيضاء توحي بكثير من الامل


نسال مي عن شغفها بالبحر فتجيب بلغة الاشارة وقد لمعت عيناها فرحا : " انني احب البحر واصبو الى اكتشاف ما ورائه، وانني استوحي معظم رسوماتي من الطبيعة حتى صارت كل لوحة من لوحاتي مرآة لما يعتمر في داخلي من احاسيس اعمل على تجسيدها في الرسم باستخدام الماء والزيت والفحم وغيره".
ترجمة ايحاءات وتمتمات مي تتولاها امها امل بعدما تعلمت لغة الاشارة للتخاطب مع ابنتها على مدى كل هذه السنين الطوال.
وهي الان صلة الوصل بيننا وبين اعماق ابنتها فنسأل عن سبب استخدام مي لاصابعها بدل الفرشاة في رسوماتها فتجيب بالقول : "انني استعمل اصابعي والاوراق الصغيرة في رسوماتي بدل الفرشاة كي اكون اسرع واكثر انسيابية اثناء الرسم ، فانا لا احب انتظار فترة ازالة الالوان عن الفرشاة. ولذا فانني افضل استخدام اصابعي لاكون اكثر قربا وتفاعلا مع ما ارسم


رسومات مي حولت منزل والديها الى ما يشبه المعرض الدائم ... ففيه لوحات لم يحن وقت عرضها بعد امام الملأ في معرض جديد من معارض مي... احدى تلك الرسوم تجسد حياة امرأة قروية ترعى اغنامها بكل ثقة بنفسها.
لكن لماذا اختيار المرأة بدل الرجل لهذه المهمة الصعبة في رعاية الاغنام ؟ فيأتينا جواب مي بأن " المرأة قادرة على تحمل الصعاب كما الرجل".
ويبدو ان مي استلهمت هذه المعاني من امها امل تلحوق ... فالأم نذرت نفسها للعمل على تذليل كل العقبات التي واجهت ابنتها منذ ادركت انها صماء عندما كانت طفلة في ربيعها الثاني.
تبدي الوالدة ابتسامة عريضة لكنها تستجمع في ذات الوقت ذكريات كانت مؤلمة فتقول: "عندما بقيت مي لوحدها تتابع دراستها في واشنطن كانت تحس بانها طائر غريب على مدى احد عشر عاما من الدراسة والتحصيل الجامعي، فهي تحب بلدها لبنان وعائلتها كثيرا لكن ارادتها لم تضعف يوما حتى حققت مرادها بعد مخاض عسير".
ولدى مي هويات كثيرة بينها الولع بمطالعة الكتب وتأمل ان تتمكن من رد الجميل لاهلها وخاصة لوالدتها.
واضافة الى اختصاصها بالرسم فان مي تعمل مدرسة في احدى المدارس اللبنانية الخاصة بالصم في المرحلتين المتوسطة والثانوية وتحرص على ان تنقل الى تلامذتها تجربتها ومعاناتها ونجاحاتها. وهي اخبرتنا ان شعارها في الحياة يقول : "اذا كانت لديك احلام فآمن بها حتى تتحقق".





محمد نون
بي بي سي - جبل لبنان


BBC

المعارضة المصرية تطلق حملة مناهضة لتوريث الحكم

أعلن زعيم بارز للمعارضة المصرية يوم الاربعاء اطلاق حملة لمنع الرئيس حسني مبارك من تسليم منصبه على رأس أكبر دولة عربية سكانا الى ابنه جمال الذي يعمل بالسياسة.
وقال أيمن نور الذي جاء في المرتبة الثانية بعد مبارك بفارق كبير في انتخابات الرئاسة التي جرت في 2005 قبل ان يسجن ثلاث سنوات باتهامات بالتزوير انه سيشن الحملة مع ناشطين اخرين من المعارضة بمن فيهم الاسلاميون والليبراليون.
وأبلغ نور رويترز على هامش مؤتمر صحفي أعلن فيه هذه الخطوة في مقر حزب الغد الليبرالي "من ضمن أهداف هذه الحملة الخلاص من شبح التوريث والاستبداد والفساد."
وقال "هذه اللجنة التحضيرية التي أسست هذه الحملة تدرك ان موقفها ليس ضد شخص معين لكن ضد حقوق دستورية مسروقة."
وتفادى مبارك -الذي يبلغ من العمر 81 عاما ويتولى السلطة منذ عام 1981 - تقديم أي التزام بشأن ان كان سيسعى لتولي فترة سادسة مدتها ست سنوات ولم يختر احد لخلافته وهو ما شجع على انتشار تكهنات بشأن من الذي سيتولى الحكم بعده.
وقال حسن نافعة وهو استاذ جامعي يقوم بدور رئيسي في الحملة المناهضة للتوريث ان المؤيدين سينظمون احتجاجات سلمية ضد التوريث.
وزادت التكهنات بشأن التوريث لان سباق الرئاسة القادم في 2011 يقترب وقبل المؤتمر السنوي للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم الذي يبدأ في 30 اكتوبر تشرين الاول الحالي.
وقال رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف الشهر الماضي انه من غير المرجح ان يختار الحزب الحاكم مرشحا في انتخابات الرئاسة 2011 في المؤتمر وهو ما يترك الخيار مفتوحا امام مبارك لخوض الانتخابات القادمة.
ويقول محللون سياسيون ان القواعد التي تحكم سباق الرئاسة تجعل من شبه المستحيل ان يواجه مرشح الحزب الحاكم منافسا جديا. ولا يمكن لنور خوض الانتخابات بسبب ادانته في اتهامات بالتزوير يقول انها مختلقة.
والرأي الاكثر شيوعا هو ان جمال -ابن الرئيس مبارك البالغ من العمر 45 عاما وهو مصرفي سابق- يجري اعداده لتولى المنصب. وهو يشغل بالفعل منصبا رفيعا في الحزب الحاكم حيث يرأس امانة السياسات.
وينفي كل من مبارك وابنه مثل هذه الخطط. وعبر مبارك مرات عديدة عن هذا الموقف في مقابلة في اغسطس اب عندما قال ان هذا الامر لم يطرح أبدا بينه وبين ابنه.
ويقول محللون ان خلافة جمال مبارك لوالده ليست أمرا مؤكدا لاسباب منها ان ابن الرئيس قد لا تتوفر له قاعدة السلطة أو النفوذ التي تضمن له تولي هذا المنصب الرفيع.
وجمال مبارك ليس له خلفية عسكرية على عكس الرؤساء الثلاثة الذين تولوا المنصب منذ عام 1952 بمن فيهم والده الذي كان قائدا للقوات الجوية.
وأكثر الاسماء شيوعا التي تناقش كبديل هو عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات المصري الذي يقوم بدور رئيسي في جهود الوساطة للسلام في الشرق الاوسط.

من شيرين المدني
REUTERS