Sunday, December 30, 2007

نصب تذكاري لضحايا مذبحة المهندسين

تحل نهاية العام و بداية عام جديد، و مع تلك النهاية يحل محلها الشعور بالألم و الخزي و العار ، و ذلك منذ نهاية عام 2005 . و كيف لا و في تلك الأيام تتجدد ذكريات مذبحة المهندسين .
هذه المذبحة هي مبعث تلك المشاعر ، و التي يجب أن تعتري كل مواطن مصري . الشعور بالألم مبعثه هو مقتل إثنان و خمسون نفساً عزلاء ، منهم صبية و نساء ، و ذلك في أقل التقديرات ، و التي ترتفع في تقديرات أخرى إلى أكثر من مائة أعزل ، راحوا ضحية عسف النظام الحاكم الحالي و جوره ، و ضحية ثقتهم في أنهم مسالمين ، لا شأن لهم بالسياسة ، وظناً منهم إن لهم حقاً إنساني مشروع في الإحتجاج و الإعتصام .
أما مبعث الشعور بالخزي و العار ، أن ترتكب تلك المذبحة على مرأى و مسمع من الشعب المصري ، و في قلب أحد أهم أحياء القاهرة الكبرى ، و ليس في منطقة نائية ، كالجلف الكبير ، أو حلايب ، أو على الحدود المصرية في سيناء ، بل في أحد شوارع القاهرة الكبرى ، و الذي لا تنقطع به الحركة ليلاً أو نهار .
و يزيد الإحساس بالخزي و العار ، عندما يكون السبب في تلك المذبحة سبباً ما أتفهه ، و هو خوف النظام الحاكم على صورته قبل البطولة الأفريقية لكرة القدم ، و التي أقيمت في مصر في يناير 2006 .
و للأسف و العار أن جلس معظم الشعب المصري ليتابع بطولة كانت بدايتها إراقة دماء إثنان و خمسون نفساً ، على الأقل ، ثم ما تبع ذلك من غرق عبارة البحر الأحمر الشهيرة ، و غرق أكثر من ألف مواطن مصري بسيط ، من أمثالنا . بل رقص البعض و هتف مع إحراز كأس تلك البطولة المنحوسة ، التي كانت قبل بدايتها مذبحة و قرب نهايتها كارثة .
إنني لا ألوم آل مبارك ، رغم إنهم هم من أمروا بإرتكاب مذبحة المهندسين ، و هم أول من يتحملون المسئولية الفعلية ، و إنهم هم يجب أن يكونوا أول الواقفين في قفص الإتهام ، فسلوكهم هذا شيء متوقع منهم ، فلم يعد في عهدهم من دخل مصر أصبح آمنا . فمبارك الأب لو كان حي يحكم مصر على زمن المسيح عيسى بن مريم ، عليه و على أمه البتول السلام ، لكان بادر إلى تسخير كل إمكاناته الأمنية للقبض عليهما ، و تسليمهما إلى عدوهم ، لقاء الحصول على تأييده لعملية التوريث .
مثلما لا ألوم أبواق آل مبارك في الإعلام ، و التي حاولت تبرير المذبحة بإلقاء المسئولية على عاتق الضحايا ، مع تشويه صورتهم في ذهن الرأي العام ، كما هو معتاد منها ، فهذه عادة النظام الحاكم ، مثلما ذلك الإسلوب القذر هو مصدر رزقهم الحرام .
و لا ألوم ذلك الفنان الكوميدي الذي إنبرى لتشويه سمعة الضحايا ، و الإدعاء إنهم كانوا سكارى ، فما أكثر أمثاله ممن باعوا ضميرهم.
إنما ألوم ، فيمن ألوم ، موظفي مفوضية اللاجئين بالإمم المتحدة بالقاهرة ، و الذين أسهموا في إسباغ الغطاء الشرعي على تلك المذبحة ، ثم أعقبوا ذلك بجريمة أخرى هي سكوتهم المريب على المذبحة ، فلم يخرج منهم سوى تنصل من المسئولية ، و عتاب خفيف ، فكان من الواضح أن الهم الأول لديهم هو إبعاد أي مسئولية أدبية عنهم ، و الحفاظ على وظائفهم المربحة ، من خلال المحافظة على علاقاتهم الطيبة مع الطغاة من آل مبارك.
ولكن لومي الأكبر يقع على كاهل الشعب المصري ، الذي أنتمي إليه ، على سكوته على تلك المذبحة المروعة ، حين وقوعها ، ثم جلوسه لامبالي ليتابع بطولة كروية تافهة ، لا يساوي كأسها حياة إنسان واحد ، و إستكماله الغرق في تلك اللامبالاة رغم وقوع كارثة العبارة .
إننا جميعاً نتحمل المسئولية الأدبية عن تلك المذبحة ، فقد أصبحت دماء الضحايا أطواق ثقيلة في أعناقنا ، على مدى الأجيال و التاريخ ، مثلنا في ذلك مثل الشعب الياباني و الألماني و الإيطالي ، الذين يتحملون المسئولية الأدبية عن الكثير من فظائع الحرب العالمية الثانية ، و مثل مسئولية كافة شعوب الدول الإستعمارية عن جرائم كل إحتلال و غزو .
لقد أصبحنا مجرمين ، هذه هي الحقيقة المؤلمة ، و الضمير الشعبي في السودان و العالم ، إن سكت اليوم ، فلن يسكت غداً. و التاريخ إن لم يتكلم اليوم ، فسوف يسطر غداً تفاصيل تلك الجريمة الشنعاء ، و يتحدث عن المسئولين ، و عن سكوتنا المشين .
ليس أمامنا ، إلا أن نعترف بإننا مسئولين عن المذبحة ، و إن على عاتقنا وحدنا تقع المسئولية الكاملة لتقديم الجناة ، من الرأس الكبير الذي أمر بالمذبحة ، و إلى أصغر جندي نفذ تلك الأوامر الوحشية ، للمحاكمة العادلة ، مع التعويض العادل و المجزي لأسر الضحايا .
كما إن علينا ، و كما كتبت في حينها ، منذ عامين ، أن نكفر عن جريمة سكوتنا ، بإقامة نصب تذكاري لضحايا مذبحة المهندسين ، في نفس موقع المذبحة ، حيث أزهقت الأنفس ، و إرتوت أرض الحديقة بدماء الأبرياء ، وسط سكوتنا المريب و المخزي .
و ليكن هذا النُصب ، ليس فقط إعترافاً و تكفيراً ، و ليس فقط رسالة لإخواننا في وادي النيل ، إننا نعترف بالخطأ و إننا نرغب في تصحيحه ، ، بل و أيضاً إعتباراً و تذكره ، للأجيال المصرية القادمة ، ألا تقع في نفس الخطأ ، فتسمح لحكامها بإرتكاب المذابح ، و لنفسها بالصمت .
على إن الواقع يذكرنا ، بأن كل تلك الخطوات التكفيرية للجريمة ، لا يمكن أن تتم في ظل النظام الحالي ، و إنها لكي تكتمل
، فعلينا أولاً العمل على تأسيس الجمهورية المصرية الثانية ، جمهورية الضمير و الحرية
بقلم: أحمد حسنين الحسنية

عراقيون مفعمون بالامل يحتفلون بالعام الجديد


بغداد (رويترز) - قضى العراقيون طيلة نهار احتفالات رأس السنة خارج منازلهم حيث قاموا بشراء الكعك والبالونات وزينات خاصة بالحفلات وملابس جديدة للاحتفال بالعطلة على أمل أن يكون عام 2008 أكثر سلاما.
وقال كثير من سكان بغداد انهم يعتزمون الاحتفال بليلة رأس السنة بشكل ملائم للمرة الاولى منذ سنوات مع تراجع العنف في العاصمة بعد سنوات من الصراع الطائفي.
وقالت براء (30 عاما) بينما كانت تحمل علبة كبيرة مليئة بالكعك اشترته من متجر الطاحونة في حي الكرادة بوسط بغداد "قررنا أنا وصديقاتي وابنة عمي التجمع في منزلي للاحتفال."
واضافت "حاولنا العام الماضي التجمع أيضا لكن ابن عمي قتل عشية رأس السنة. ان شاء الله ستمضي الامور على ما يرام هذا العام."
ومثل كثير من العراقيين قالت انها ستفتقد أفرادا غائبين من العائلة مثل أخيها وهو من بين نحو مليوني عراقي هاجروا الى خارج البلاد.
وقالت "ان شاء الله سيعم السلام هذا العام.. سيعود الذين سافروا الى الخارج."
وخرج قيس منصور وهو كاهن كاثوليكي يبلغ من العمر 70 عاما من المتجر حاملا حلوى في كيسين من البلاستيك للاطفال الذين يأتون الى كنيسته بعد ظهر يوم الاثنين.
وقال "سنتلو الصلوات شكرا لله على أننا لا نزال على قيد الحياة ونسأله أن يكون العام القادم أفضل.. وأن يتحسن الوضع ..أن يكون أكثر أمنا وسلاما.
"نأمل أن تتفق الاحزاب السياسية العام القادم على أننا كلنا بشر .. على أن نحترم بعضنا .. وأن نعيش في سلام."
وشهد العراق تراجعا كبيرا في مستوى العنف على مدى الشهور الستة الماضية غير أن الهجمات لم تتوقف. وقتل انتحاري هاجم بسيارة ملغومة نقطة تفتيش قرب مدرسة في منطقة الطارمية شمالي بغداد يوم الاثنين 11 شخصا بينهم خمسة أطفال.
غير أن المتاجر عاودت فتح أبوابها كما بات قلب بغداد يضج بالحركة مجددا الان بشكل لم يشهده منذ أوائل عام 2005 عندما اندلعت أسوأ أعمال العنف الطائفية.
وزينت بعض المتاجر واجهاتها الزجاجية بكتابات بالقطن مثل " مرحبا 2008" أو "عام جديد سعيد". وعلقت متاجر أخرى زينات بابا نويل وأشجار عيد الميلاد.
وفي متجر للزهور كان اياد عيسى (42 عاما) يشتري باقة ليقدمها لزوجته عشية رأس السنة.
وقال بينما كان يستعرض الزهور "لاننا نرى الامور تتحسن.. أحاول ادخال البهجة على اسرتي. قررت شراء زهور لزوجتي عشية رأس السنة لادخال السعادة واضفاء روح من التجديد."
وفي شارع اخر كان أبو وسام (42 عاما) يشتري قبعات خاصة بالاحتفالات من بائع متجول. وقال "أتمنى الافضل لكل العراقيين."
وفي متجر قريب كانت مجموعة من النساء يقمن بشراء ملابس لارتدائها في رأس السنة الجديدة.
وقالت أزهار (35 عاما) التي كانت تبحث عن حلة جديدة "انني مدعوة الليلة لحضور حفل زفاف. ثم سأذهب بعد ذلك مع زوجي لمنزل صديقنا من أجل الاحتفال... أتمنى أن يسود السلام .. ولا شيء اخر


ايزيس وأخواتها.. كتاب عن الملكات ومؤسسة الاسرة في مصر الفرعونية

القاهرة (رويترز) - ربما بدا من عنوان كتاب (ايزيس وأخواتها) أنه خاص بجوانب من حياة الملكات في مصر الفرعونية لكن مؤلفته مرفت عبد الناصر تتطرق الى بعض تفاصيل الحياة في مصر القديمة مثل فن العمارة ومؤسسة الاسرة.
وفي بداية الكتاب تلخص المؤلفة اسطورة ايزيس وهي من أقدم الاساطير المصرية عن "أول أسرة عرفها التاريخ" حيث تتزوج ايزيس من أوزير لكن أخاه (ست) يتمكن من قتله وابعاد جثته عن البلاد فتنجح ايزيس في اعادته وتخبرها روحه بميلاد ابن لهما فيتضايق (ست) ويمزق جسد أوزير ويبعثره في أرجاء البلاد فتبني ايزيس لزوجها معبدا في كل مكان تعثر فيه على جزء من جسده وتلد حورس الذي يخلص البلاد من شرور عمه وينشر العدل.
ولا تختلف تفاصيل الاسطورة المصرية كثيرا عن أحداث الفيلم الكارتوني الامريكي الطويل (الاسد الملك) الذي حظي بشهرة كبيرة حين أنتج عام 1994.
وتعمل الكاتبة أستاذة للطب النفسى بجامعة كنجز كوليدج بلندن وصدر لها (موسوعة التاريخ المصرى القديم) وهي سلسلة كتب للاطفال في أربعون جزءا تتناول الفن والملوك والملكات وحياة الناس فى مصر الفرعونية اضافة الى كتاب (لماذا فقد حوس عينه
.صدر كتاب (ايزيس وأخواتها) هذا الاسبوع في القاهرة عن دار (نهضة مصر) ويقع في 72 صفحة كبيرة القطع مزودة بكثير من الصور الملونة لمعابد وتماثيل ورسوم على جدران مقابر ترجع الى عصور مختلفة.
وتقول المؤلفة ان موقف ايزيس يتسق مع التقاليد المصرية منذ العصور السحيقة حيث كان للمرأة دور بارز في مؤسسة الاسرة حتى "أطلق عليها المصري القديم لقب شريكة الحياة. وربما لا يوجد تمثال أو صورة من صور المعابد لا نرى فيها الرجل والمرأة معا."
وتضيف أن الزواج كان يعقد في مكاتب تسجيل ملحقة بالمعابد ويتم في حضور شهود.
وترجح أن "اختراع" الخاتم في اصبع الزوجين كليهما منبعه مصر القديمة وتضيف أن الرجل كان يقول لعروسه عند كتابة عقد الزواج " ربطت مشيئة الرب بيننا برباط الزواج ولقد عرفت أنك اخترتني بحريتك ووافقت علي بكامل ارادتك وستكونين في بيتي قطعة مني وسوف أرعاك. واذا قدر لنا أن ننفصل فسوف أعطيك جميع حقوقك."
لكنها لا تنفي وقوع مشاكل زوجية وكتابة شكاوى بعضها طريف منها خطاب مسجل على اناء فخاري في منطقة سقارة جنوبي القاهرة وفيه تبدي زوجة الغضب من زوجها وتطلب اليه أن يساعدها قائلة "لو لم تساعدني فسوف يذهب الحب الذي جمعنا. ان مسؤولية البيت كبيرة ورعايته هي التي تجعله بيتا حقيقيا. أريد أن يعود بيتنا عشا هادئا من جديد."
وسبق أن قارن الباحث الكندي سيمسون نايوفتس في كتابه (مصر أصل الشجرة) بين القدماء من المصريين واليونانيين الذين كانت "تروعهم الحقوق التي تتمتع بها المرأة المصرية. وربما كان الروع وعدم الفهم هو ما جعل اليونانيين والرومان يشيعون عن المرأة المصرية أنها متحررة جنسيا أو خليعة أو مشاكسة."
ونشر كتاب (مصر أصل الشجرة) بجزأيه في عامي 2003 و2004 في الولايات المتحدة وترجمه الى العربية المصري أحمد محمود وصدر في القاهرة في جزأين قبل أشهر وسجل مؤلفه أن المجتمع المصري القديم كان محافظا وكان الزواج غالبا من امرأة واحدة كما كان "الاخلاص الجنسي من الاعمدة الاساسية لنسق المرأة العقلي."
وترصد مرفت عبد الناصر جانبا من أدوار المرأة في حياة الملوك في مصر القديمة مثل تيتي شيري وهي جدة أحمس الذي طرد الغزاة الهكسوس من مصر وحكم البلاد بين عامي 1570 و1546 قبل الميلاد تقريبا وأسس الاسرة الثامنة عشر (1567-1320 قبل الميلاد تقريبا) وأرسى قواعد ما يسميه علماء الاثار والمتخصصون في علوم المصريات (عصر الامبراطورية) الذي استمر تقريبا حتى عام 1085 قبل الميلاد.
ويقول مؤرخون ان منف كانت أول عاصمة وأول مدينة مقدسة في تاريخ البشرية تلخص ديانة الشعب بعد أن شهدت البلاد قبل الميلاد بأكثر من أربعة الاف عام حضارات مبكرة ثم توحدت مصر سياسيا واداريا تحت حكم مركزي في عام 3100 تقريبا قبل الميلاد على يد الملك مينا مؤسس الاسرة الفرعونية الاولى. وفي عصر بطليموس الثاني الذي حكم مصر تقريبا بين عامي 284 و246 قبل الميلاد قسم الكاهن مانيتون أشهر المؤرخين المصريين تاريخ البلاد الى 30 أسرة حاكمة منذ توحيد مصر حتى الاسرة الثلاثين التي أنهى حكمها الاسكندر الاكبر حين غزا مصر عام 332 قبل الميلاد.
وتقول المؤلفة ان تيتي شيري تمتعت بشخصية قوية وكانت ملمة بأمور السياسة والحكم وكان لها تأثير عميق في شخصية أحمس الذي عبر عن حبه لها في مواقف كثيرة قائلا انه "لم يحب في حياته انسانا مثلها" ثم لعبت زوجته أحمس نفرتاري دورا بارزا في المعركة التي انتهت بطرد الغزاة من مصر "وكانت أول امرأة في التاريخ تتقلد منصب قيادة فرقة عسكرية كاملة وقاتلت بكفاءة شديدة."
REUTERS
من سعد القرش

د. أسامة الغزالي حرب يكتب : تدمير مصر

في يوم الأربعاء الماضي، السادس والعشرين من ديسمبر ٢٠٠٧، كنت أتمني أن يكون معي إخوة وأصدقاء، أعرفهم ويعرفونني جيدًا، ممن زاملتهم في الفترة القصيرة التي قضيتها في الحزب الوطني، وتحديدًا في المجلس الأعلي للسياسات بين عامي ٢٠٠٣ و٢٠٠٦، وعاتبوني علي قراري الاستقالة من الحزب الوطني، لأنهم رأوا في ذلك التصرف تسرعًا في الحكم، أو تحاملاً علي ما اعتبروه توجهات «إصلاحية» في الحزب.
- كنت أتمني أن يكون معي قادة الأحزاب المصرية المعارضة: محمود أباظة، ورفعت السعيد، وضياء الدين داود، وأيمن نور، والآخرون جميعا!.
- كنت أتمني أن يكون معي العديد من السيدات والرجال العظام من أبناء مصر، الذين يحترمهم العالم كله، والذين يجمعهم أمل في إنهاض مصر من كبوتها مثل أحمد زويل، ومحمد البرادعي، وبطرس غالي، وفاروق الباز، ومجدي يعقوب... إلخ.
- كنت أتمني أن يكون معي العشرات، بل المئات والآلاف من أبناء مصر من المبدعين والمثقفين والفنانين الحالمين بمستقبل مشرق لمصر، والذين يؤمنون بأنها تستحق ما هو أفضل بكثير مما هي فيه الآن.
هؤلاء - وغيرهم كثيرون - يجمعهم إيمان بالعمل السياسي الشرعي، والمشاركة الجادة من أجل تطوير النظام السياسي للتحول نحو ديمقراطية حقيقية، يستحقها الشعب المصري، وتكون نقطة الانطلاق لتقدمه ورخائه
- كنت أتمني أن يكونوا معي جميعا ليشهدوا انتخابات مجلس الشعب بدائرة المنيل التي خلا مقعدها باستقالة نائبتها السابقة لقد قرر حزب «الجبهة الديمقراطية» خوض تلك الانتخابات لكي يطبق - لدي أول فرصة - دعوته إلي الإسهام الإيجابي الجاد في العملية السياسية، ودفع غالبية أبناء الشعب المصري، العازفين عن المشاركة، إلي الخروج من سلبيتهم وممارسة حقوقهم السياسية المشروعة. كما رآها الحزب فرصة طيبة لتدريب كوادره وشبابه علي آليات العملية الانتخابية ميدانيا.
وقدم الحزب مرشحه لتلك الانتخابات: الأستاذ الدكتور أشرف بلبع ، الأستاذ بقصر العيني الذي يعتبر من أهم وأقدم معالم المنيل!.. وأدار حزب «الجبهة الديمقراطية» حملة انتخابية نظيفة، طاف مرشحه بالدائرة كلها، وقدم نفسه لأبنائها من المنيل الجديد والروضة والمنيل القديم، إلي الجيارة وأبو السعود، وجامع عمرو، وعزبة أبو قرن، ومصر القديمة،
ومنطقة السكر والليمون، وهي بالمناسبة دائرة تجسد بتركيز شديد وضع مصر المعاصرة، أي التفاوت الهائل بين قلة من الطبقات العليا المترفة، وكذلك الطبقة المتوسطة التي لا يملك أغلبها بطاقات انتخابية أصلا، وكثرة غالبة من الطبقات الفقيرة التي تعيش في أسوأ الظروف الاجتماعية المهينة، والمفتقدة الحد الأدني من الظروف المعيشية التي تحفظ لها كرامتها الإنسانية!.
وأنفق الحزب أقل قدر من المال لإقامة خمسة سرادقات، وتغطية نفقات المطبوعات، وكذلك اللافتات القليلة التي لا يقارن عددها إطلاقا بطوفان اللافتات لمرشحين آخرين. كان مرشح الحزب (أشرف بلبع) واضحًا في رسالته لجماهير المنيل: «جئت لأخدمكم، وأقدم نموذجاً جديداً للعمل البرلماني والحزبي، لن أدفع مليماً لشراء أصواتكم، لأن أصواتكم وكرامتكم أسمي من أي مال، لم آت لكي أحقق مكسباً خاصاً بمقعد أقتنصه في البرلمان، وإنما لكي أضع نفسي في خدمتكم وخدمة مصر كلها طوال فترة تمثيلكم!».
وصباح يوم الأربعاء ٢٦/١٢ بدأت وقائع العملية الانتخابية، التي كنت أتمني أن يشاركني من ذكرتهم في كل ما شاهدته وسمعته ولمسته في هذا اليوم الحزين!.
- كنت أتمني أن يشاهدوا «اللجان الانتخابية» التي جهزت لإجراء الانتخابات، معظمها في مدارس حكومية نعلم جميعا حالتها التي تثير الرثاء وتحيطها غالبا الأتربة والرمال ومياه المجاري الطافحة، وقد علقت في داخلها «كشوف الناخبين» التي يكاد يستحيل علي المواطن - مهما بلغ إصراره علي ممارسة حقه، أن يجد فيها اسمه - إن وجده أصلا - إلا بشق الأنفس!
- كنت أتمني أن يشاهدوا المئات من ضباط وأفراد الشرطة علي أبواب اللجان وحولها، فضلا عن قوات الأمن المركزي المكدسة فيمنعون - في مكان - الدخول إلا لأنصار مرشح معين، ويطاردون في مكان ثان تجمعا لمرشح آخر، حسب التوجيهات والتعليمات، وإذا أردت أن تسجل محضرا بمخالفة، فعليك أن تذهب بعيدًا إلي قسم الشرطة.
- كنت أتمني أن يشاهدوا العواقب الوخيمة للغياب الكامل للإشراف القضائي علي الانتخابات، بل وإدارتها بواسطة موظفين في الحزب الوطني! وأن يشاهدوا المستشار أو القاضي المشرف علي العملية الانتخابية جالسًا مطمئنًا هادئ البال في حجرة مأمور القسم يحيط به السادة الضباط!.
- كنت أتمني أن يشاهدوا عمليات شراء الأصوات السافرة التي بدأت منذ الحملة الانتخابية بتوزيع البطاطين وعلب المسلي والزيت والسكر، ثم تمت «نقداً» جهاراً نهاراً يوم الانتخابات، بل وداخل أفنية اللجان الانتخابية نفسها علي مرأي ومسمع من رجال الشرطة!.
- كنت أتمني أن يشاهدوا السيدة التي نادوها باسم «هيام» في فناء لجنة مدرسة «أبو السعود الابتدائية» وهي تختم الكوبونات للناخبين ليصرفوا فلوسهم من شباك في شقة مجاورة بإشراف وحماية الشرطة!.
- كنت أتمني أن يشاهدوا الصناديق الانتخابية التي تمتلئ فجأة بالأوراق، دون أن يكلف المزورون أنفسهم عناء التوقيع في كشوف الناخبين! (وعندما أراد مندوبو حزب الجبهة تحرير محضر بواحدة من تلك الوقائع في لجنة ٤٦ بمدرسة المنيل الإعدادية للبنات، طلب منهم المسؤولون إحضار خبير خطوط لإثبات التزوير!!).
- كنت أتمني أن يشاهدوا المئات من السيدات الفقيرات اللاتي تجمعن بملابسهن السوداء الرثة، وسط التراب والرمال، يتزاحمن ليدخلن لجنة السيدات في مركز شباب «أبو السعود» للتصويت طلبا للمال الذي وعدن به، واشتكين من أن البوليس لا يدخل، عبر الحواجز التي أقامها، إلا أنصار مرشح الحزب الوطني!.
- كنت أتمني أن يشاهدوا معي د. أشرف بلبع، مرشح الحزب، وهو عائد عند الظهر من جولته حزيناً يائساً من تجربته الانتخابية الأولي، وهو يردد بألم: «ليست هناك انتخابات أصلا! إنني أشعر بأنني في صندوق للقمامة، ولن أشارك في هذه المهزلة!».
- كنت أتمني أن يشاهدوا اليأس والإحباط اللذين شعر بهما شباب الحزب، الذين عملوا بكل همة ورجولة لخوض معركة انتخابية نظيفة! كنت أتمني أن يشاهدوا الدموع في عيون: أحمد السيد، وأحمد داود، ومحمد عيد، وغيرهم من الشباب الذين بكوا، وسخطوا لقرار الانسحاب الذي اتخذته بسرعة قيادة الحزب في منتصف اليوم، وصرخوا بألم: «ما لهذا تعبنا وسهرنا وتركنا أعمالنا وأسرنا!».
نعم.. كان علينا أن ننسحب، لأنه لم تكن هناك معركة أصلاً! لقد تحملنا شراء الأصوات، والإنفاق الباذخ المتجاوز للقانون وكل الحدود المعقولة، والمضايقات المباشرة وغير المباشرة في الحملة الانتخابية، فكل ذلك أمر معتاد في انتخابات مصر! ولكن في النهاية، كنا نتصور أنه سوف تجري عملية الانتخابات (أي دخول ناخبين مسجلين إلي لجان انتخابية منضبطة يجري بعدها عد الأصوات!!) هذا كله لم يحدث، بل جرت مسرحية هابطة ومثيرة للغثيان!.
بالنسبة لي، فإن دلالة ما حدث واضحة تماما، وتلك هي الرسالة التي أردت إبلاغها لكل من أردتهم أن يكونوا معي في هذا اليوم الحزين، وهي أننا إزاء منهج ينطوي علي تدمير حقيقي لمصر ، يقوم به الحزب الوطني! ذلك هو المغزي النهائي الذي ينطوي عليه الإصرار علي أن تكون الديمقراطية مجرد مسرحية نضحك بها علي أنفسنا وعلي العالم، وعلي الاستهتار بإرادة الشعب، والمتاجرة بفقره وبؤسه!.
تلك نتيجة حزينة، ولكنها للأسف حقيقية! وعلينا جميعا أن نعيد حساباتنا وفقا لها
كل سنة و أنت حرة يا مصر
كل سنة وأنت حلوة و طيبة و حنونة
كل سنة و أنت ثائرة و متجددة و مثمرة وعظيمة
كل لحظة و أنتم بخير

د.عبد الوهاب المسيري يفسّر ما يحدث: الشارع نفد صبره.. والنظام يعيش حالة هلع شديدة

هذه أول مرة تحدث في التاريخ».. بهذه العبارة عبر الدكتور عبد الوهاب المسيري ، المفكر والكاتب، والمنسق العام للحركة المصرية من أجل التغيير «كفاية»، عن اعتصام الحجاج المصريين في السعودية الذين خرجوا وحاصروا القنصلية المصرية في الرياض احتجاجًا علي سوء التنظيم.
قال المسيري في حواره لـ «المصري اليوم»: هذا التحول الكبير وما شهدته مصر خلال عام ٢٠٠٧ يؤكد أن الشارع «نفد صبره»، بسبب الوعود الكاذبة للحكومة وتزييف الانتخابات.
وحذر من أنه إذا لم يستجب النظام لمطالب الناس فسوف تزيد درجة الغضب، ويمكن أن يصل الأمر إلي ثورة شعبية، خصوصًا في ظل ضعف النظام الذي يعيش في حالة هلع شديدة.
المسيري تحدث في الكثير من القضايا التي تفجرت خلال العام المنتهي.. والتفاصيل في سطور الحوار التالي:

* كيف تري حركة الشارع المصري في ٢٠٠٧، وصعود حركات الإضراب والاعتصام، وفكرة تخلي الشعب المصري عن الخوف من النظام الحاكم من خلال مظاهرات للمطالبة بحقوقه؟
- نعم، حتي الحجاج اعتصموا في الحجاز وهذه أول مرة تحدث في التاريخ.. فهذا النظام منذ البداية متصور أن طريقته الوحيدة للبقاء هي الطريقة الأمنية متمثلة في ضرب الناس، وفرض الرؤية عليهم ومصادرة الأحزاب.. انظري ماذا فعلوا في الأحزاب، الأحزاب أصبحت عبارة عن أحزاب ورقية، وأخري مجمدة، وأحزاب مؤجلة وأخري مهمشة.
لا يمكن أن يضع بلد مثل مصر عدد سكانه ٧٠ مليون شخص، يواجه مشاكل كثيرة في مستوي المعيشة الآخذ في الانخفاض والحالة الصحية المتدنية، وكل هذه الأشياء، وسط حل أمني، وحتي الحل الأمني نفسه بدأ يتدهور بشكل كبير جدًا، فانظري ماذا يحدث في أقسام البوليس والأماكن الأخري التي من المفروض أنها في خدمة الشعب، وكل هذه الأمور طبعًا أدت إلي تزايد الغضب الشعبي،
والمسألة ليست إلي مالا نهاية، ودائمًا ما يقال إن الشعب المصري لا يثور، وهذا غير حقيقي.. صحيح أن الشعب المصري شعب صبور وفي حالة وجود حكومة صالحة يمكن أن يستقر الحكم والأمور تستقر، ويتحول إلي شعب منتج من الدرجة الأولي، لكن مع وجود هذا الفساد ووجود حكومة مهمتها بيع البلد ونهبه، أعتقد أن ما حدث من إضرابات واعتصامات وما شابه، كلها أمور متوقعة.

* لماذا ٢٠٠٧ بالذات كان هو العام الحافل بالإضرابات والاعتصامات؟
- التراكم ، فالأمور تتراكم، ومن ثم الصبر ينفد، فطبيعي أن تحدث هذه الأمور، وأنا أعتقد أن حركة «كفاية» لعبت دورًا أساسيا في هذا التحرك، لأنها رسخت ثقافة الخروج للشارع وكسرت تابوهات كثيرة، بمعني أنه قبل ظهور «كفاية» لم يكن توجد منظمة تقول «لا للتمديد.. لا للتوريث»، «لا لبيع مصر»، «كفاية كله باطل».
أضيفي إلي ذلك ظهور الجمعيات المدنية الكثيرة مثل «مصريين ضد التعذيب» و«فنانون وأدباء من أجل التغيير» والكثير من الجمعيات الأخري، هذا إلي جانب ظهور مجالس النقابات الحرة ونوادي أعضاء هيئة التدريس وغيرهما.

* هل نشهد الآن عودة الشارع المصري؟
- نعم الشارع نفد صبره، وأعطي فرصة للحكومة للتراجع للإصلاح، ولكن كل ما تفعله الحكومة هو الوعود الكاذبة وتزييف الانتخابات. وأصبح واضحًا للجميع أن النظام الحاكم أغلق القنوات الشرعية السلمية، ومن ثم كان لابد من الاعتصامات والإضرابات، ونرجو من الله أن يستجيب النظام.

* وإذا لم يستجب؟
- في اعتقادي أنه إن لم يستجب النظام سوف تزيد درجة الغضب، ويمكن أن تؤدي إلي شكل من أشكال ما أسميه «الثورة الشعبية»، ومشكلتها أنها تعبير عن غضب وتنفيس عنه دون أن يكون هناك برنامج، وبالتالي تلجأ إلي التحطيم، مما لا يفيد لا الحكومة ولا الشعب ولا المعارضة، وما يحدث في حالة الثورة الشعبية أن الجماهير الغاضبة تنزل فتأتي علي الأخضر واليابس، وتنتظر إلي أن تأتي القوات النظامية فتقضي عليها، ونعود مرة أخري إلي الحكم الفاسد الديكتاتوري. هذه أول مرة في تاريخ مصر يضرب الموظفون، وخصوصًا موظفو إدارة الأوقاف!!

* في رأيك كيف سيتعامل النظام في وجه تصاعد الشارع؟
- النظام يلجأ إلي ما أسميه «سياسة إطفاء الحرائق» ويمارس ذلك في حريق وراء الآخر، ولكن أن يتوجه إلي أسباب الاشتعال فهو غير قادر علي هذا، لأنه سوف يكتشف حقيقته كنظام فردي ديكتاتوري.

* ما الدوافع التي جعلت النظام يستجيب في الإضرابات والاعتصامات الأخيرة، هل ضعف النظام؟ أم شيخوخته؟ أم هي مساحة ديمقراطية؟
- رأيي أنه ضعف النظام. النظام في حالة هلع شديدة ودائمًا ما أذكر تلك الواقعة الطريفة التي لا تدل إلا علي هلع النظام. وكنت سألقي محاضرة عن «النكت» في ساقية الصاوي فقام الأمن بمنعها!! وأشاعوا أني مريض ولن أحضر وأرسلوا أحدًا قال محاضرة في إعجاز القرآن لكي يحرجوا الناس.
وأشياء كوميدية من هذا القبيل تدل علي أن النظام في حالة هلع وفزع وخوف، ويبدو أنه يوجد من هم مدركون طبيعة الغضب الشعبي داخل النظام الحاكم، وبدأوا ينساقون إلي فكرة التراجع خطوة إلي الخلف، علي أمل أن تخمد الحرائق فيستمروا في بيع مصر ونهبها.
* حتي الأمن موقفه تحول تجاه الاعتصامات الأخيرة.
لماذا؟
- لأنه غير قادر علي منعها. نحن لا نتحدث عن ٣٠٠ شخص من كفاية أو الأحزاب الأخري قاموا بمظاهرة فيلتف حولهم أضعاف أضعاف هذا العدد، ويمنعها وإنما نتكلم عن صفوف منظمة تنظيمًا جيدًا ومصرة علي الوصول إلي حقوقها والأمن غير قادر علي وقف هذا، وفي اعتقادي أن الأمن هو الذي نصح النظام الحاكم بأن يتراجع.

* لماذا في كل مرة لا يحدث تقدم أو حل الأزمة إلا حينما يتدخل الرئيس شخصيا، مثل موظفي الضرائب العقارية حيث ظل موضوعهم معلقًا ١١ يومًا، ثم أعطي الرئيس تعليماته فتم حل الموضوع؟!
- هذا دليل علي بلاهة النظام، فبدلاً من أن يتوجهوا إلي ظاهرة «الصوت الشعبي» يتوجهون إلي هذا الأسلوب الرخيص وهذا سيشجع علي المزيد من الإضرابات، لأن الحلول «اللي بالقطاعي» هذه غير مجدية بالمرة.

* لماذا لا تقوم الحكومة بمبادرات لحل مشكلات كالتي أشرنا إليها؟
- الحكومة ما كانت لتقدم مبادرات في حالة وجود مؤسسات إستشارية، تعرض علي الريس ومجلس الشعب حلولاً للقضايا، وتقدم له إحصائيات حقيقية، وهكذا ولكن لا يوجد مثل هذا. ويوجد نخبة أو «شلة» معظمها من كبار الرأسماليين كل همهم هو تحقيق أرباح شخصية صغيرة وسريعة.

* ما هو تحليلك لغياب النخبة عن قيادة الشارع حتي أصبح الشارع يقود نفسه؟
- النخبة عادة ما تعبر عن نفسها من خلال برامج حزبية، ولكن ما حدث أن الحكومة صادرت الحياة الحزبية! يوجد حزب واحد فقط يسمي الحزب الوطني. والأحزاب الشرعية تم تهميشها تمامًا، وأحزاب مثل «الغد» و«العمل» صارت مجمدة لأنها تحولت إلي معارضة حقيقية وأحزاب مثل «الوسط» و«الكرامة» مؤجلة حتي النقابات مثل نقابة المهندسين وضعت تحت الحراسة منذ أكثر من ١٠ سنوات الآن، وفي الواقع الحكومة صادرت الحياة السياسية في مصر وغياب النخبة نتيجة لذلك.

* كل الاعتصامات للمطالبة بالحقوق المعيشية وليس بالحقوق السياسية.. فهل لم ننضج بعد لكي نخرج في مظاهرات حاشدة نطالب بحقوقنا السياسية؟
- هذه هي طبيعة الغضب الشعبي، لا يربط الجزئي بالكلي، فتظل مطالبه اقتصادية، ولكن بالتدريج سوف يكتشفون أن المشكلة ليست زيادة أجورهم وإنما عمليات النهب التي تمت.
والدكتور عزيز صدقي في مهرجان الشعر الاحتجاجي قال إن حل المشكلة يكمن في الامتناع عن نهب مصر، فهذه البلايين إذا انصبت في الاقتصاد المصري ستحدث ازدهاراً.

* هل ساهم الإعلام من محطات فضائية إلي صحف مستقلة إلي مدونات في تحرك الشارع؟
- الإعلام كان له دور كبير جدًا خصوصًا الفضائيات التي لعبت دورًا أساسيا لأنه من غير فضائيات كان يمكن تجاهل أمور كثيرة ولكن مع الفضائيات أصبح هذا مستحيلاً.

* رأيك في بعض القضايا التي أثيرت في ٢٠٠٧.. الدعم؟
- الحكومة تتبع السياسات التي يمليها البنك الدولي، والبنك الدولي غير مدرك الأبعاد الاجتماعية للتنمية علي الإطلاق، فهو ذو رأسمالية متوحشة يري أن الهدف من الحياة هو تحقيق المزيد من الأرباح حتي إذا أدي هذا إلي جوع الناس وانهيار القيم، وفشل هذا النظام في أمريكا اللاتينية، ولكننا في مصر نكرر أخطاء الآخرين مع الأسف، فقضية الدعم تتصاعد ولكن بحذر لأنه من الواضح أنه ممكن أن تكون الاستجابة الشعبية ضخمة جدًا.

* الهجرة غير الشرعية؟
- نتيجة للغضب الشعبي المتزايد، لأول مرة في تاريخها تصبح مصر طاردة بهذا الشكل، هذه «فضيحة عالمية».

* حرية الصحافة؟
- يوجد مجال كبير لحرية الصحافة، ولكن مع الأسف أنا أعتقد أن صحافة المعارضة عندما فتتت الأخبار يوميا تحولت إلي شكل من أشكال التسلية، بمعني أن عدد الفضائح التي تنشر يوميا يكفي لإسقاط ١٠ حكومات، لكنها تحولت إلي شكل من أشكال التسلية إلي جانب أنني لا أعتقد أن صحف المعارضة تلتزم الدقة.. وهذا مثال.. أكثر من مرة تنسب إلي تصريحات كمنسق عام لحركة كفاية لم أدل بها،
أو أدليت بها بطريقة احتمالية، مثلاً اتصل بي أحد الصحفيين وسألني عن حالتي الصحية، وقلت له: حتي الآن التقارير تدل علي أنني في حالة تقدم ولكن الفحوصات النهائية لا نعرف نتائجها بعد. فنزل مانشيت يقول «لقد انتصرنا علي السرطان»!!
والتقارير النهائية طلعت بعد ذلك صحيح ليست سلبية ولكنها ليست إيجابية، وضروري أن أستمر في العلاج، ومثال آخر: فوجئت أن جورج إسحق يتصل بي، ويقول إن هناك جريدة نشرت تقول إن هناك انقساما في «كفاية» وأن عبد الوهاب المسيري يمثل معسكرًا وجورج يمثل معسكرًا آخر! واندهشت لذلك جدًا وقلت لجورج أن ينزل بياناً باسمينا.. إن مثل هذه المواقف لا تليق بصحف المعارضة التي تريد أن تمثل الشعب
حوار ضحي الزهيري ٣١/١٢/٢٠٠٧
المصرى اليوم

د.أحمد عكاشة: الاحتجاجات ستتزايد.. والانفجار قادم

الاحتجاجات ستتزايد في ٢٠٠٨ مع تكرار رسالة الحكومة «اللي يتظاهر ياخد فلوسه.. واللي يسكت ياخد علي قفاه».. هكذا يتنبأ الأستاذ الدكتور أحمد عكاشة ، أستاذ الطب النفسي ، رئيس الجمعية العالمية للطب النفسي، ويقول: الشارع المصري في حالة انفلات لكنه سيخلق قيادات جديدة لها القدرة علي أخذ حقها.
ويتفقد عكاشة في حواره مع «المصري اليوم» معالم الحالة النفسية للمصريين، ويحدد عدداً من المستويات لهذه «الصحة»، ويقول إن المصريين محبطون، والقدوة غائبة عنهم وينقصهم القائد القادر علي تحريكهم، وتحريك الانتماء فيهم، مثلما حدث مع قادة المقاومة المصرية الذين واجهوا الاحتلال البريطاني، ومثلما حدث من الالتفاف الشعبي حول عبدالناصر في مقاومته العدوان الإسرائيلي،
ويقول: الرئيس محاط بالوزراء وقادة الحزب الوطني وعدد من المثقفين.. أما الغالبية العظمي من المصريين فمشغولون بلقمة العيش وتأمين حياتهم «بيولوجياً»، ويشيد بالصحافة المستقلة وبعض الفضائيات، لكنه يري أن «العصيان المدني» الذي تحقق في أكثر من مناسبة وموقع علي مدار ٢٠٠٧ هو القادر وحده علي «عض» الحكومة.. و«الوطني».. وإلي نص الحوار
* من خلال رصدك عام ٢٠٠٧ وما حدث فيه من اعتصامات ومظاهرات وتراجع في الأداء الحكومي، ما تحليلك للصحة النفسية للمصريين في هذا العام؟
- أولاً: الصحة النفسية يجب أن نفهمها وفقاً لما أقرته منظمة الصحة التي قالت إن لها ٤ محاور أساسية أولها أن يكون الإنسان علي علم بالتوازن بين قدراته وتطلعاته.

في مصر معظم الوظائف لا يصل إليها الفرد بجهده وعلمه وإصراره، ولكن من خلال شبكات العلاقات الشخصية، ويبدأ ذلك من رئيس الوزراء وينتهي بالخفير النظامي. ينطبق هذا علي اختيار رئيس الجمهورية؟!
- ينطبق علي الجميع، وأنا لي رأي في هذا الموضوع، وقلته في أحد البرامج الرمضانية وتم إلغاء الحلقة بسببه، وهو أن رئاسة الجمهورية مسؤولية ضخمة وتحتاج مهارات غير موجودة عند كثيرين، ومعظم العلماء والمفكرين لا يصلحون لهذا المنصب، والعلم يحتاج إلي شفافية ومصداقية ووضوح في الرؤية، أما السياسة فتحتاج إلي تضليل وعدم المصداقية، وبعض المفكرين يعرفون السياسة بأنها فن تضليل الشعوب،
وهذا التعريف هو نفسه ما توصف به «الديموجاجية»، وسقراط قال: الفضيلة تواكب العلم، ورجال العلم من الصعب جداً عليهم أن يعملوا في السياسة، ولا أتذكر رئيساً عالماً إلا رئيس الهند السابق،الذي اخترع القنبلة النووية، وهو هناك منصب شرفي، وفي مصر أتذكر أن الرئيس مبارك قال ذات مرة: ماذا أفعل «الناس الكويسين» لايريدون المناصب الوزارية.

* نعود للصحة النفسية للمصريين، ومحددات منظمة الصحة العالمية؟
- المحور الثاني لديهم هو أن يكون الإنسان لديه القدرة علي العمل والعطاء، وأقول إن العمل يحتاج إلي تحقيق الانتماء والمواطنة، وهو ما نفتقده في مصر.
وهذان العنصران لدينا خلل فيهما وإلي حد كبير، ونحن نقول دائماً ونردد: إن المصريين مكتئبون، ولكنني أقول: بل هم محبطون ولاينتمون.

* ماذا تعني بذلك، فنحن نردد مفردات الانتماء والمواطنة صباحاً ومساءً؟
- لا، الانتماء غير موجود حتي لحب البقاء في الحياة، الناس في ٢٠٠٧ كانت تفضل الموت انتحاراً وغرقاً في البحر من خلال الهجرة غير الشرعية بالمراكب، التي تصل نسبة الموت فيها إلي ٥٠% عن الحياة، ولكن هنا أطرح التساؤل ثم أجيب عنه.. أما التساؤل فهو: لماذا أقدموا علي الانتحار.. والإجابة: لأنهم يعيشون في قاع هرم تحقيق الذات.
إذا نظرنا إلي مصر سنجد أن غالبية الشعب في القاع يصارعون لتوفير المأكل والمشرب للبقاء علي قيد الحياة، أي أنهم لم يحققوا ولا حتي المطالب البيولوجية الأساسية.

* تحدثت عن الانتماء، وأنه شبه غائب عن المصريين لماذا؟
- السبب الرئيسي هو إحساس الفرد بفقدان حرية التعبير، وحرية الشكوي، أو عدم الانتباه لشكواه، وغياب المساحة للتعبير عن الخلاف مع الآخرين، وللعلم فإن بعض الصحف المستقلة والمعارضة وبعض الفضائيات تقوم بدور مهم في هذا الإطار، ولكنها تظهر غيظ الناس دون أن تغير، فهي «تهوهو» ولا تعض.

* ومن قادر علي العض في مصر؟
- في نظري العض قادم، وقد حدث فعلياً وعلي مراحل من خلال العصيان المدني بالاعتصامات والإضرابات الجزئية التي شهدها ٢٠٠٧.

* نعود لعناصر الصحة النفسية التي بدأنا بها الحوار؟
- الصحة النفسية تعني أيضاً إحساس الفرد بأنه يعطي للأسرة شيئاً بلا مقابل، مثل الأب مع أولاده، والمجتمع ينطبق عليه نفس الموضوع، وأقصد قدرة الفرد علي التمركز حول الآخر وليس حول نفسه فقط، وإذا أمعنت النظر في هذه المحددات ستجد أن الغالبية العظمي من المصريين صحتهم النفسية مختلة، والنتيجة أنه لا إسهامات حقيقية لهم، لأنهم غير قادرين علي العطاء.
والشارع المصري به حالة من الانفلات النفسي، وأقصد أن الغالبية لا يتحكم في سلوكها أي قيم أو قوانين، وذلك مع عدم وجود هيبة لكل مؤسسات الدولة.
وظاهرة غياب الانتماء عند المصريين موجودة في الـ٥٠ عاماً الأخيرة، لكنها زادت علي الحد في الأعوام العشرين الأخيرة، التي تغيرت أخلاق المصري فيها لأسباب كثيرة.
وإذا سألتني عن السبب الرئيسي، وبالأخص عند الشباب، لقلت لك: لعدم وجود القدوة، ولعدم وضوح العقيدة، أو معني الوطن الذي ينبغي أن يكون الولاء له.
والانتماء لا يتحقق إلا بثلاثية محددة وهي: الشفافية، المساءلة والعدل، تبادل السلطة، أما إذا لم يشارك الفرد فيما يحدث داخل بلده، مع غياب الالتزام بالدستور وأحقية الحاكم في أن يتلاعب به كيفما يشاء، فقد المواطن ولاءه وإحساسه بهذا البلد.
وطول البقاء في السلطة مفسدة للقائد حتي لو كان نبياً، فالبقاء في الكرسي يجعل الفرد غير قادر علي الابتكار أو الإبداع، أو التجديد، بل علي العكس يكون كل ما يشغل صاحب الكرسي هو كيفية البقاء في المنصب لأطول فترة ممكنة.

* تحدثت عن الصحافة المستقلة، ماذا عن دور الآخرين؟
- المعارضة والمفكرون والصحافة في أي مجتمع صحي قادرون علي التقييم والنقد، وإعطاء الحلول مع ترك الناس تختار، في المجتمعات الديمقراطية التغيير يأتي هكذا بصناديق الانتخابات وليس بالقوة السياسية والعسكرية.
ولدينا في العالم غير الديمقراطي التغيير الحقيقي لا يأتي إلا بالقوة، ولكن مفكرينا وصحافتنا لا يملكون هذه القوة، ولذلك أقول هم غير قادرين علي «العض»، ولكنني أضيف فأقول وأكرر: الاحتجاج المدني هو «عض» للسلطة، والصمت أحياناً يكون نوعاً من الرفض والاحتجاج.

* الآن، الرئيس مبارك من معه؟
- الأجهزة المسؤولة، الإعلام الرسمي، الجيش، الشرطة، قيادات الحزب الوطني، بعض المثقفين.

* يعني ليس الشعب؟
- الغالبية مطحونة وغير مهتمة، ومازالت تصارع البقاء في قاع الهرم، فهي مشغولة باحتياجاتها البيولوجية.

* ما توقعاتك لحركة الاحتجاجات والمظاهرات في شارع ٢٠٠٨؟
- ستستمر حركة المطالبات من كل نقابة وكل شركة ومن كل الموظفين، الذين يرون أن لهم حقوقاً مسلوبة، وهذه علامة طيبة، والرئيس يشكر عليها، وكان من المستحيل أن يحدث ذلك في عهود سابقة، ولكنني أسأل: لماذا الاستجابة بالقطاعي ولا تتم الاستجابة العامة بتصحيح الأوضاع الخاطئة؟، والنظام الآن وكأنه في انتظار إضراب فئة بعينها مثل الأطباء أو المدرسين أو موظفي الضرائب العقارية ليستجيب لمطالبهم، وكأن هذا معناه «اللي حيعمل إضراب سنعطيه فلوسه.. واللي يسكت حياخد علي قفاه».
في ٢٠٠٨ أيضاً أعتقد أنه ستظهر قيادات جديدة في الشارع، ومن خلال الأقلام ستكون قادرة علي أخذ حقها من الحزب الحاكم، والأخير سيقبل وسيرضخ في النهاية، لأنه ضعيف، ويعرف أنه غير مقبول من الشعب.
وأعود لجمال حمدان وأقول إن ما كتبه عن عدم ثورة المصريين حدث في فترة كان يحس فيها بالدونية وعدم الأمل في المستقبل، ولكن الآن وعندما يجد المصريون القدوة والقيادة سيتغير الأمر.

* الأمن تعامل بشكل مختلف مع مظاهرات واعتصامات الضرائب العقارية وفي شركات الغزل والنسيج، عما كان يمارسه في المظاهرات السياسية، حتي إن بعض المعتصمين هتفوا للأمن الذي حماهم؟
- غالبية رجال الأمن مواطنون ووطنيون، ولكن يوجد لدي قلة منهم أعراض مرض نفسي مثل السادية والتلذذ بإهانة الآخرين، وللحقيقة فإن الإعلام بذل جهداً كبيراً في إصلاح هذه الأمور، بكشفه العديد من قضايا التعذيب والتجاوزات داخل أقسام الشرطة وفي السجون، هذا الأمر خلق صحوة لدي الرأي العام، وتعلم المصري من ذلك أن يرفع صوته عالياً للمطالبة بالعدل.
وأعتقد أن قضية عماد الكبير، سائق الميكروباص، الذي نجح في تحويل قضية تعذيبه وهتك عرضه، إلي قضية كبري انتهت بسجن ضابط شرطة، هي أهم أحداث العام من وجهة نظري.
الصحوة من الإعلام ومن الرأي العام خلقت نوعاً من الرقابة، فالكبار في القاهرة، لا يعلمون بالطبع ما يجري في جنوب الصعيد مثلاً أو في أقصي الشمال، وكثير من القيادات الوسطي في الشرطة تستشعر أنها فراعنة صغار لا رقابة عليها وعلي سلوكها.

* هل سيستمر هذا السلوك النموذجي في ٢٠٠٨ في نظرك، وماذا لو كانت هذه المظاهرات سياسية أو للإخوان المسلمين؟
- عندما يثور الشعب أو يرفض شيئاً ما بشكل جماعي، فنادراً ما تقوم الشرطة بقمع الناس، وأعتقد أن مظاهرة من ١٠٠ ألف أو ٢٠٠ ألف في مصر قادرة علي أن تقلب الدنيا.
ولي تعليق علي سؤالك بشأن «الإخوان»، ولكن بإجابة مختلفة، فأنا أعتقد أن الإخوان نجحوا في جذب أتباعهم بمساعدتهم في توفير المسكن والتعليم وتيسير زواج الشباب، وهذا ما خلق الانتماء للجماعة، وإذا استطاعت الحكومة أن تقوم بهذا الدور مع الجميع، بمن فيهم كوادر الإخوان، فسيتراجع النفوذ الإخواني وتصبح شعبية الجماعة مثل شعبية أي حزب معارض في القاهرة، والانتماء للإخوان الآن أقوي من الانتماء للدولة.

* في كل الأزمات والاحتجاجات التي عاشتها مصر في ٢٠٠٧ كان القول الفصل فيها للرئيس مبارك، ولكن كان تدخله لصالح المواطنين دائماً ما يتم في اللحظات الأخيرة.. لماذا؟
- لا يوجد لدينا مسؤول واحد قادر علي اتخاذ قرار، والدستور، والقوانين، وكل شيء يصب عند الرئيس، وبعض المسؤولين يخشون اتخاذ القرار، وأحياناً يوافقون علي تمرير قرارات معيبة للرئيس وهي في تخصصاتهم، رغم علمهم بتأثيراتها السلبية مستقبلاً.
وأقول إن من يصل إلي كراسي الوزارة، حتي الوزراء أصحاب المليارات يحلمون بالبقاء في كراسيهم إلي الأبد، فأصحاب الثروات يحتاجون القوة والمظهر الاجتماعي الذي يوفره كرسي الوزارة، والرئيس ـ واقعياً هو ـ الذي يعين الوزراء وهذا ينعكس علي العلاقة النفسية بين الجانبين، ولم نجد في مصر وزيراً واحداً قادراً علي مواجهة قرار للرئيس، وليس مطلوباً أن يفهم الرئيس في الطب والسياسة والضرائب والعقارات، وزراؤنا ليس لديهم احترام ذاتي لأنفسهم.

* تحدثت عن العصيان المدني وأنه تحقق عام ٢٠٠٧ من خلال بعض الاعتصامات والإضرابات، فما تعريفك له؟
- معناه ببساطة، أن كل واحد لا يقوم بمهام عمله الوظيفي احتجاجاً علي شيء يرفضه، وقد يكون هذا العصيان المدني جزئياً، وقد يكون عاماً.

* بشكل ما يحدث ذلك في مصر؟
- الاعتصامات هي عصيان مدني، استعدادات الأطباء للإضراب طلباً للكادر عصيان مدني، توقفقم أنتم كصحافة مستقلة عن الإصدار مرة أو مرتين من قبل هو عصيان مدني، وهذه الأمور للأمانة لم تكن لتحدث من قبل، ولكن الصحوة موجودة، ويشكر عليها الرئيس مبارك وليس الحكومة أو الحزب الوطني.
حوار محمد السيد صالح ٣١/١٢/٢٠٠٧
المصرى اليوم

الكاتب الكبير سلامة أحمد سلامة: الناس انتظرت التغيير.. ولما «خاب أملهم» نزلوا للشارع

ارتفاع الأسعار وخيبة أمل الناس في تغييرات سياسية انتظروها وتدني الأحوال الاقتصادية.. هذه هي أسباب نزول المواطنين إلي الشارع في نظر سلامة أحمد سلامة.
يري الكاتب الصحفي الكبير أن ما يجري حاليا هو بدايات صحوة الناس، لذلك فإنهم يطالبون أولاً بالحقوق المادية والاجتماعية، وفي النهاية ينتقلون إلي المطالبة بالحقوق السياسية، لكنه في الوقت نفسه لا يتوقع أن يؤدي ذلك إلي ما يمكن تسميته «الثورة»، قائلاً إن الشعب المصري ليس ثائرًا بطبعه مادام يجد لقمة عيشه.. وإلي نص الحوار
ما الذي حدث في ٢٠٠٧ وجعل الناس يتخلون عن الخوف، ويخرجون للشارع في إضرابات واعتصامات للمطالبة بحقوقهم؟! وهل ما يجري الآن يعني عودة الروح للشارع المصري؟
- من الصعب أن نقدم تفسيرًا كاملاً لما حدث، وفي اعتقادي أن الناس بعد أحداث أعوام ٢٠٠٠ و٢٠٠٥ و٢٠٠٦ كان لديهم توقعات متفائلة جدًا، كأن يشهدوا تطورًا في الحياة السياسية والحياة العامة يحقق لهم نوعًا من المشاركة في الحكم وتحمل المسؤولية، ولأن هذا لم يحدث مرت هذه السنوات حتي جاءت ٢٠٠٧ دون أن يحدث التغيير المطلوب، بل علي العكس ظلت الأسئلة التي كانت مطروحة عام ٢٠٠٥ في انتخابات الرئاسة ثم الانتخابات البرلمانية قائمة دون إجابات حقيقية.
كان الناس يتوقعون انتخابات نظيفة نزيهة حرة يشاركون فيها دون خوف ويختارون من يريدون، لكن الواقع أزاح هذه التوقعات وهبط بها من مرحلة الأمل إلي مرحلة الوهم، من مرحلة التوقع إلي مرحلة الحلم الذي لا يريد أن يتحقق. يضاف إلي ذلك ارتفاع الأسعار وعدم وجود رؤية واضحة للمستقبل وتفاقم الأزمات الاقتصادية.

* لكن الأرقام تقول إن معدلات التنمية في تحسن؟
- نعم.. يقال إن الاقتصاد تحسن وزادت معدلات التنمية بنسبة ٧%، ولكنه وقف عند شريحة معينة هي التي استفادت به، وبقية شرائح الشعب خصوصًا الفقراء ومحدودي الدخل لم يستفيدوا من هذا التطور أو التحسن الاقتصادي.. لست رجل اقتصاد وما شعرت به كرجل مراقب للمجتمع المصري أن الناس لم يشعروا بهذه الزيادة لأن عائد التنمية الذي حدث لم يذهب إلي الشعب، ولكنه استقر عند الشريحة العليا، التي لم تكن في حاجة إلي استفادات جديدة. عادة عندما يحدث نمو في الحالة الاقتصادية ينزل من فوق إلي تحت، من الطبقة العليا إلي طبقات الشعب، حيث يحدث تسرب للفائدة، ولا تقف عند حدود الطبقة العليا فقط.

* في اعتقادك.. هل الإحباطات المتراكمة كانت أحد أسباب خروج الناس إلي الشارع؟
- نعم، بدأ خروج الناس إلي الشارع للمطالبة بحقوقهم بعدما كانوا يكتفون من قبل بمطالبات سرعان ما يتم احتواؤها. ففي إضرابات عمال الغزل والنسيج في المحلة، وما حدث بعدها من سلسة من الإضرابات والاعتصامات المختلفة، كان رد الحكومة بطيئًا، وكان هناك نوع من عدم الاهتمام ولم يكن هناك احترام لمشاعر الشعب أو التجاوب معه أو حتي مجرد النظر إليه. في الماضي كان يقال إن هناك جماعة مندسة هي التي قامت بهذه الإضرابات، وإنها لا تمثل العمال، وأن هناك أيادي خفية تلعب في هذه التجمعات العمالية ثم اتضح أنها ليست أيادي خفية، وإنما هي أوضاع بائسة مستمرة لم يتم حلها، ومشاكل متراكمة لا تجد من يحلها أو يعالجها، وتركت هذه المؤسسات من يتصرف فيها بطريقة ديكتاتورية دون النظر إلي حقيقة الأمور، مثلما حدث في قضية الغزل والنسيج، واضطروا في نهاية الأمر إلي أن يرضخوا وأقالوا رئيس الشركة.

* وهل تعتبر «رضوخ» الدولة في الاعتصامات الأخيرة أسلوبًا جديدًا في إدارة الأزمات؟
- الدولة كانت معتادة في هذا النوع من الأزمات، اللجوء إلي الأمن الذي كان بدوره يقبض علي مجموعة من الناس ويقدمهم إلي المحاكمة بتهمة الإضرار بالمال العام أو النظام العام أو أنهم جماعة من الجماعات المحظورة، و«تتقفل العملية»، ولكن اتضح أن هذا لا يكفي وأن اللجوء إلي الحل الأمني لم يعد مناسبًا لكل المشاكل.

* لماذا؟
- لأننا أصبحنا مكشوفين، «العالم بيبص علينا» وأصبح من السهل إذا لم يجد الفرد العدل داخل بلده، أن يبحث عنه خارج البلد.. منظمات حقوقية ومنظمات دولية تراقب، وهذا طبعًا يساعد أو يؤدي إلي ضغوط أو انتقادات توجه إلي عجز النظام أو فشله.. «دلوقتي كل شيء بيتشاف وبتتعرف حقيقته».

* كيف تري الدور الإعلامي؟
- طبعًا وجود صحف ـ خصوصًا الصحف المستقلة والفضائيات غير الحكومية والمدونات وأدوات إعلامية أخري تنشر الحقائق ـ لعب دورًا مهمًا جدًا في كشف الحقائق، ونفي الاتهامات الباطلة، وأدي ذلك في أحيان كثيرة إلي احتواء الغضب الشعبي أو الإحساس بالظلم في بعض المناطق، ورغم ذلك عندما خرج موظفو الضرائب العقارية وأضربوا، تركهم المسؤولون دون اهتمام لمدة عشرة أيام.. لكن عمومًا هذه أول مرة نري فيها ناس تخرج وتتجمع وتعتصم أمام مجلس الوزراء، وتجلس في الشارع بالأيام وناس بتجيبلها أكل، وهذه مظاهر جديدة في المجتمع المصري، أعتبرها حاجة طبيعة، وفي كل دول العالم الاعتصام أو الإضراب حق من الحقوق.

* لكن المظاهرات والإضرابات دائما حق من الحقوق فما الجديد فيها؟
- ولكنها بدأت تأخذ شكلاً إيجابيا، وتؤدي إلي نتائج ملموسة، وهذا هو الجديد. بالرغم من أن عملية الاعتصام أو الإضراب غير منظمة، طبقًا لقوانين وتقاليد معترف بها، لكنني أري أن ما يحدث الآن يبشر بمستقبل يكون فيه من حق الناس أن تعتصم وتضرب إذا لم تجد استجابة من الحكومة.

* في رأيك كيف سيتعامل النظام إذا استمر تصاعد حركة الشارع؟
- هذه العملية لابد أن تقنن، من حق العامل أن يضرب، ولكن هناك وسائل أخري منظمة، تبدأ بنوع من الإضراب البطيء، ثم يصل إلي إضراب أعلي، ثم يكون هناك نوع من التفاوض بين النقابات، وهنا تكمن المشكلة. فالنقابات يتم انتخابها بطريقة عشوائية، والحكومة تتدخل فيها، ولذلك لا تقوم هذه النقابات بواجبها تجاه مصالح العمال، المفروض في هذه الظروف أن نقابة الموظفين أو العمال تدافع عن مصالحهم وتتفاوض مع الجهة صاحبة الشأن أو صاحبة رأس المال، هذا ما يحدث في الدول الديمقراطية مثل إضراب سائقي القطارات أو عمال المطارات في فرنسا وألمانيا.
لابد أن ندخل في هذه المرحلة ولابد أن نعترف بهذا الأسلوب، وأن تكون هناك خطوات محددة مقبولة من الجانبين، مع توافر رغبة في حل المشاكل عن طريق التفاوض بين صاحب العمل والعامل. أنا أعتقد أن النقابات لا تقوم بدورها الحقيقي، ومن ناحية أخري، الدولة لا تعترف بالنقابة وتنظر إليها علي أنها أداة للسيطرة علي العمال، وليست أداة لتحقيق نوع من التوافق.

* وما تحليلك لغياب النخبة عن قيادة الشارع حتي أصبح الشارع يقود نفسه؟
- النخبة في مصر ـ للأسف ـ منقسمة علي نفسها، وأنا أعتقد أن كثيرًا من النخب الموجودة عجز عن القيام بدور حقيقي في توجيه الرأي العام، وحل المشاكل القائمة وإذا تكلمنا عن النخب فنجدها موزعة في الأحزاب والجامعات ووسائل الإعلام المختلفة، وهذه النخب غلب عليها في كثير من الأحيان البحث عن المصالح الخاصة.. وليست لدينا النخبة القوية التي تستطيع أن تقاوم إغراء السلطة وإغراء الفساد بدرجة كافية، ولذلك قد نجد شخصاً واعدًا من النخبة، وبمجرد أن يأخذ منصبًا أو مكانًا في المجتمع يفقد كثيرًا من موضوعيته وحياده ورؤيته المستقلة.

* تحرك الشارع وما حققه من مكاسب أمام النظام هذه السنة.. هل يعني موت المعارضة؟
- للأسف أحزاب المعارضة ضعيفة ومهلهلة إلي حد كبير، ويكفي أن نري المشاكل الداخلية في الأحزاب الثلاثة الرئيسية «التجمع والوفد والناصري»، وعدم قدرتها علي التغلب عليها.
فيما عدا ذلك فهي أحزاب ورقية هامشية.. «الحكومة أو وزارة الداخلية هي اللي «عملتها»، ولا أحد يشعر بها وليس لها أي قيمة. أما عن الثلاثة أو الأربعة أحزاب الأساسية فإن الجيل القديم مازال هو المسيطر، ولم تحدث فيه عملية تجديد، لا في الفكر ولا في الدماء ولا في الأفكار ولا في طريقة التعامل مع المشاكل الموجودة، بل علي العكس إذا أخرجنا الإخوان من المعادلة، سنجد أن الأحزاب الثلاثة القائمة عندها مشاكل حقيقية، وتوجد قوة خارجية تحاول أن تستغلها وتضاعف من هذه المشاكل، وأقصد بالقوي الخارجية الدولة وأجهزتها، لأنه إلي الآن أجهزة الدولة المختلفة لم يتغلغل فيها فكر الديمقراطية والتعددية، ومازالت كل أجهزة الدولة في طريقة تفكيرها قائمة علي الخضوع أو التبعية إلي الحزب الواحد الذي يحكم.
وهناك كثير من الأحزاب اقتصر دورها علي أن يكون لها جريدة فقط، عدا ذلك هي غير مسموعة الصوت، وحتي هذه الجرائد فيها مشاكل بين رئاسة الحزب ورئاسة التحرير، لأنه لا توجد قواعد تحكم أو تقنن العلاقة بين الحزب وصحيفته، وأنا أري أن نظام الصحف الحزبية غير موجود، وهو نظام انقرض منذ عشرين أو ثلاثين سنة ولا يوجد إلا في دول مثلنا!.

* كيف تفسر تعقد بعض المسائل إلي درجة تدخل الرئيس شخصيا لحلها؟
- معني ذلك أن النظام مازال يخضع إلي رأي واحد هو رأي الحاكم، فهو الذي يحكم وهو الذي يقرر هذا أو ذاك، وكل المستويات الأقل منه عاجزة عن اتخاذ قرار سليم في قضية ما، مثلاً في هذه الإضرابات رأينا أن وزير المالية لم يستطع أن يحل مشكلة الموظفين إلا بتدخل الرئيس، واتخذ موقف عدم الاكتراث، وقال «لا أحد يستطيع لوي ذراعي» والمفروض أنه كوزير مسؤول عن هذه الفئة من الموظفين أن يستمع لهم.. ويشوف مشاكلهم إيه ويبقي الحل هنا بالتفاهم والتفاوض ومعرفة حقائق الموقف، مش يترك مئات الموظفين نايمين في الشارع مع أسرهم، إلي أن تدخل الرئيس، هذا يدل علي الانفصال بين الجهاز الإداري للدولة وبين الدولة نفسها، بل إن الجهاز الإدراي بدأ يتمرد علي الأوضاع القائمة، ويخرج في إضرابات، فهذه أول مرة موظفو الحكومة يخرجون في إضرابات.

* هل يعني هذا غياب السلطتين التنفيذية والتشريعية في مصر؟
- طبعًا، ما فائدة مجلس الشعب واللجان الموجودة فيه؟ المفروض أن تتقصي الحقائق، وتتقدم هي إذا كانت الحكومة عاجزة عن حل المشكلة، المفروض أن أعضاء مجلس الشعب الذين اختارهم الناس وانتخبوهم، أن يكون لهم تواجد في مثل هذه المشاكل وتكون هناك لجنة لتقصي الحقائق لمعرفة أسباب سخط هذه الفئة أو عدم رضاها وأن يكون لها دور إيجابي.. الرئيس أحيانا يتدخل في أمور أبسط من ذلك، مثل البنت التي كتبت موضوع إنشاء انتقدت فيه السياسة الأمريكية، وسقطوها في المادة، ولم تحل المشكلة إلا بتدخل الرئيس!،
وهذا يدل علي أن النظام فيه مشكلة تتمثل في وجود قنوات مسدودة، وهناك بعض الناس لا يريدون من بعض المسؤولين أن يمارسوا سلطاتهم كما يجب أن تكون، وانهم باستمرار ينتظرون التعليمات، وهذا بالطبع خطأ شديد. فيه «حاجة غلط» لأنهم بيسيبوا المسائل تتراكم إلي أن يتدخل الرئيس ويحلها.

* أليس غريبًا أن تكون كل الاعتصامات للمطالبة بالحقوق المعيشية وليست بالحقوق السياسية؟ هل يعني هذا أننا لم ننضج بعد لكي نخرج في مظاهرات حاشدة نطالب بحقوقنا السياسية؟
- هذه هي البداية، نحن نري بدايات يقظة أو صحوة للناس للحصول علي حقوقها، وتبدأ عادة بالحقوق المادية والاجتماعية، ثم تتطور عندما يشعر الناس بالحاجة إلي الحقوق السياسية. ما يجب أن نفهمه انه بالنسبة للحقوق السياسية توجد قنوات معينة للتعبير عنها، والمشكلة في مصر هي امتناع الناس عن ممارسة حقوقها السياسية.

* هل هو امتناع، أم أن الناس لم يعتادوا المطالبة بهذا النوع من الحقوق؟
- إذا كانت الطرق مفتوحة ولا توجد ضغوط خارجية أو تدخلات من أجهزة الدولة فتذهب الناس وتنتخب، ولكن إذا كان هناك تدخل وإحساس بأن الانتخابات يتم طبخ نتائجها بطريقة أو بأخري، يمتنع الناس عن ممارسة حقوقهم السياسية ويحكمهم منطق الخوف، لأن لا أحد يريد أن يدخل في مشاكل مع أجهزة الأمن ومع الدولة.

* هل الإضرابات الأخيرة هي البداية؟
- المجتمع يتطور، ولكني لست من أنصار من يقولون إنه سيأتي الوقت الذي تحدث فيه ثورة. الشعب المصري ليس شعبًا ثائرًا طالما أنه يجد لقمة عيشه... وأحيانًا تظهر بؤر من التمرد أو الغضب، ولكنها لا تمثل تيارًا عامًا يقود إلي ثورة شعبية. والشعب المصري بطبيعته شعب قنوع، وليس متمرسًا في عملية الثورة ما لم يجد قيادة تقوده في هذا الاتجاه.

* حتي الأمن اختلف أسلوبه في مواجهة الاعتصامات الأخيرة.. ماذا يعني ذلك؟
- في الفترة الأخيرة كانت هناك ضغوط شديدة وانتقادات حادة جداً لسلوكيات الأمن، سواء بالنسبة لقضايا التعذيب، والذي ثبت أن هناك اتجاها قويا جدًا في الشرطة إلي اللجوء إلي التعذيب والإجراءات العنيفة للتعامل مع الناس أو القضايا اللي مسكوا فيها ناس وطلعوا أبرياء، مثلما حدث في المنيا، في مسألة الولد الذي قالوا إنه قتل عشرة، وقطع أعضاءهم الجنسية، وبعدين المحكمة برأته لعدم وجود أدلة. وأعتقد أن هذا أدي إلي وجود محاولة لتحسين سلوكياته، ومحاولة لتبييض وجهه، وهذا ما جعله لا يتدخل في بعض المظاهرات.
* كيف تري المستقبل في ظل هذه الظروف؟
- من الصعب التنبؤ بالمستقبل، لأننا نمشي ببطء شديد جدًا في الإصلاح السياسي، أما الاقتصادي فإنه يواجه مشاكل، وهناك فروق بين الشعارات أو السياسات المعلنة، وبين السياسات المطبقة في الواقع، ولذلك من الصعب أن نرسم صورة حقيقة للمستقبل، في ظل وجود علامات استفهام كثيرة في عملية تداول السلطة، ومشكلة التوريث والمستقبل بالنسبة لنظام انتقال السلطة، وكل علامات الاستفهام هذه هي جزء من حالة القلق العام الموجود.

سلامة: الدعم مشكلة متراكمة.. الهجرة غير الشرعية «فشل دولة».. والتعليم «بايظ جداً»
الدعم مشكلة متراكمة.. الهجرة الشرعية انعكاس لفشل الدولة... التعليم بايظ جداً وعملية تحتاج إلي إعادة نظر كاملة.. الصحافة نجحت في تحقيق مكاسب وتوسيع هامش الحرية.. لا أحد يستطيع أن يوقف انتشار وتعدد الوسائط الإعلامية.. كانت هذه آراء الكاتب الكبير سلامة أحمد سلامة في أبرز القضايا، التي طرحت نفسها عام ٢٠٠٧، في دردشة سريعة علي هامش الحوار:

* مشكلة الدعم؟
- الدعم مشكلته أنه تراكم علي مر السنين الأخيرة، واستخدمته الدول كحل سريع وسهل، دون أن تضع نظامًا ليصل إلي من يستحقه، فأصبحنا نجد أنفسنا أمام ملايين الجنيهات، التي تذهب لغير مستحقيها، وتستفيد منه الطبقات المقتدرة، وإذا لم تنجح الحكومة في أن تضع نظامًا حازمًا وجادًا، بحيث لا يتسرب هذا الدعم خارج الإطار الحقيقي، ستستمر المشكلة لأنني لا أستوعب أن تحدث كل سنة هذه الفوارق بين أسعار الوقود مثلاً في مصر والسعر العالمي، «وبعدين البلد مقبلة علي طاقة بتنضب».

* الهجرة غير الشرعية؟
- هي انعكاس لفشل الدولة في معالجة مشكلة الخريجين. هناك نوع من الخلل الشديد بين احتياجات سوق العمل في مصر، وبين الناس المتخرجة من المدارس والجامعات، وما تنفعش لسوق العمل. إحنا انتبهنا لهذه المشكلة أخيرًا، لكنها كانت موجودة من عشر سنوات، وعملية زوارق الموت موجودة، ولكنها زادت في الفترة الأخيرة لأن الحواجز الأوروبية زادت.

* التعليم في ٢٠٠٧؟
- التعليم عام ٢٠٠٧ للأسف بايظ جداً، ولم نحقق ما ينبغي لإصلاح التعليم من ناحيتين، سواء التعليم العام «الابتدائي والثانوي» أو الجامعي، هو من جميع النواحي عملية تحتاج إلي إعادة نظر كاملة.

* حرية الصحافة؟
- استطاعت الصحافة في ٢٠٠٧، وقبل ذلك أن تحقق مكاسب وتوسع هامش الحرية إلي حد كبير، ولكن يقابلها من الناحية الأخري، أن الدولة غير مستريحة لحرية الصحافة، ولا تريد أن تستمر بهذه الدرجة، وبدأت تتخذ إجراءات أحيانا تؤدي إلي الضغط علي حرية الصحافة، ومنها كما نري قضية إحالة عدد من رؤساء التحرير، بحجة أنهم تطاولوا علي النظام أو نشروا شائعات كاذبة، ولكن هذه أشياء إذا قورنت بمستوي الحرية في الدول الديمقراطية نجد أنها كلام فارغ وادعاءات لا تؤدي إلي نتيجة، ولكن تؤدي إلي إفساد الحرية التي تحققت، وإفساد العمل الصحفي بصفة عامة، وبالطبع هذه قضية مرتبطة بالجو السياسي العام، فإذا ظل هذا الجو السياسي العام بهذه الدرجة من الاحتقان والتوتر، سوف ينعكس علي الصحافة وتكون علاقته بالصحافة غير طبيعية وغير سوية.

* المشهد الإعلامي في ٢٠٠٧؟
- هذا هو المستقبل، تعددت الوسائط الإعلامية وانتشرت بطريقة لا يستطيع أحد أن يوقفها، رغم وجود محاولات لتتبع المدونات مثلاً ومحاكمة الناس، وفرض نوع من الرقابة علي المدونات والإنترنت، وهذا بالطبع تخلف شديد جداً، لأنهم لن يستطيعوا علي المدي الطويل أن يوقفوا هذه الموجة، وإلي اليوم لا يستطيع أحد أن يوقف حرية الخبر وحرية المعلومة، لا الحكومات تستطيع أن توقفها ولا المخابرات ولا غيره، لأن السماء المفتوحة ليست مفتوحة للطيران فقط، ولكنها مفتوحة للناس وللفكر
حوار ضحي الزهيري ٣١/١٢/٢٠٠٧
المصرى اليوم

لجنة قضائية للتحقيق في أحداث المهندسين

دعت ٥ منظمات مصرية ودولية معنية بحقوق الإنسان، الرئيس حسني مبارك، إلي إصدار أوامره بتشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة في حادث اعتداء الشرطة علي المحتجين السودانيين - من اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين - الذي وقع في ميدان مصطفي محمود بالقاهرة يوم ٣٠ ديسمبر ٢٠٠٥ ، لافتة إلي أنه رغم تسبب الحادث في مصرع نحو ٢٧ شخصاً وجرح عشرات آخرين ، فإن أيا من المسؤولين عنه لم تتم محاسبتهم.
وقالت المنظمات الخمس - وهي: العفو الدولية، وهيومان رايتس ووتش، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومركز هشام مبارك للقانون، ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف - إن لجنة التحقيق القضائية المستقلة يجب أن تنظر أيضاً في التحقيق الأولي، الذي أجرته نيابة الدقي، والذي خلا من أي دليل علي أخطاء ارتكبتها الشرطة أو الموظفون الرسميون.
وكشفت المنظمات - في تقرير أصدرته أمس، وحصلت «المصري اليوم» علي نسخة منه - عن أن نسخة التحقيق الأولي أظهرت وجود جهود منسقة تهدف إلي تبرئة الشرطة من ارتكاب أي أفعال خاطئة، موضحة أن التحقيق الذي أجرته نيابة الدقي في مايو ٢٠٠٦ خلص إلي نتيجة مفادها أن جميع الوفيات نتجت عن «التدافع والتزاحم» ولم يجد أي سلوك خاطئ من جانب الشرطة، وهو القرار الذي لم تعلنه الحكومة بحفظ التحقيق، بيد أن الجماعات الخمس المذكورة حصلت مؤخراً علي نسخة من القرار.
وذكر التقرير أن النتيجة الأولية التي توصلت إليها الحكومة، تفيد بعدم وجود أخطاء شرطية، مؤكداً أن مذكرة النيابة - التي جاءت من ١٦ صفحة، ومؤرخة في ٢٠ مايو ٢٠٠٦، وموقعة من قبل وائل حسين، رئيس نيابة الدقي - كشفت عن وجود سلبيات خطيرة في التحقيق الرسمي الذي أُجري حول حوادث القتل، وتظهر كيف تعاون محققو النيابة والأطباء الشرعيون علي تبرئة ساحة الشرطة من أي مسؤولية عن وفاة ٢٧ شخصاً.
واتهم التقرير خبراء الطب الشرعي في وزارة العدل بمحاولة طمس أي مسؤولية جنائية عن الوفيات، لافتاً إلي أن تقارير التشريح تشير لوجود إصابات ناتجة عن الاصطدام بأجسام صلبة وخشنة للسطح ، وأن إحدي حالات الوفاة نتجت عن إصابات بالرأس والعنق، وما أدلت إليه من ارتجاج دماغي وفشل بالمراكز الحيوية العليا بالمخ، بينما نتجت حالة وفاة أخري عن إصابة دماغية، أدت إلي إصابة بالألياف العصبية ، غير أن خبراء الطب الشرعي خلصوا إلي نتيجة مفادها، أن جميع الوفيات نجمت عن التزاحم والسقوط والتراكب، الذي أدي إلي «الإسفكسيا، وادعوا أنه لا توجد أي علامات تشير إلي استخدام القوة المفرطة في مهاجمتهم.
ولفت التقرير إلي أن رئيس نيابة الدقي وائل حسين، استند في قراره إلي تقارير الطب الشرعي هذه، وإلي إفادات أفراد الشرطة، ليخلص إلي نتيجة مفادها أنه «ليست هناك علاقة مطلقاً بين الوفيات والطريقة التي استخدمها أفراد الشرطة لتفريق المعتصمين»، وقرر وائل حسين - حسب التقرير - استبعاد تهمة القتل العمد بسبب عدم توفر الأدلة، وقال التقرير: «رغم أن أحداً لم يزعم (عمدية) حوادث القتل، فإن النيابة العامة لم توجه إلي أي من أفراد الشرطة تهمة القتل الخطأ أو الإصابة الخطأ، ولا حتي تهمة ارتكاب جنحة استعمال القسوة أثناء تأدية الوظيفة بموجب المادة ١٢٩ من قانون العقوبات».
وأضاف: «بدلاً من ذلك، اتهم رئيس النيابة العامة المعتصمين، جملة واحدة، بارتكاب جرائم القتل الخطأ والإصابة الخطأ ومقاومة السلطات والإتلاف العمدي للممتلكات، وبناء علي عدم إمكانية تحديد هوية مرتكبي تلك الجرائم، قرر مكتب النائب العام تعليق التحقيقات علي سوء سلوك الشرطة المحتمل، ووجه الشرطة إلي موالاة البحث والتحري وصولاً للفاعل».
وقال نائب مدير قسم الشرق الأوسط في «هيومان رايتس ووتش» جو ستورك: ينبغي أن ينتهز الرئيس مبارك مناسبة الذكري الثانية للعملية التي أجرتها الشرطة ضد المعتصمين السودانيين، من أجل فتح تحقيق كامل وشفاف فيما حدث فعلاً، فتبرئة ساحة الشرطة بشكل كامل من قبل النائب العام تفتقر إلي أدني حد من المصداقية.
وقال حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن اتهام المعتصمين بارتكاب جرائم خطيرة وتبرئة ساحة الشرطة من ارتكاب أي عمل خاطئ يعتبر نتيجة عبثية استندت إلي تحقيق زائف
كتب وائل علي ٣٠/١٢/٢٠٠٧
المصرى اليوم

Tuesday, December 25, 2007

الانتحاريون الحشاشون

كتب رئيس التحرير الزميل جمال خاشقجي أمس مقالاً مهماً عنونه بمطالبته العلماء بتحريم العمليات الانتحارية، وإلا ستقتلنا جميعاً.
الحقيقة أن إشكالية عدم صدور فتاوى رافضة للعمليات الانتحارية هي التي جعلت طلاّب الجنة يفجرون أجسادهم من أجل قتل البسطاء أو غيرهم، بحثاً عن الجنة، والحور العين، والدرجات العالية الرفيعة.إن التردد في تحريم هذه العمليات هو الذي جعل أعدادها تزداد يوماً بعد آخر، ومساحاتها تنتقل من قتل غير المسلمين، إلى قتل المسلمين المنتمين إلى مذاهب أخرى، ثم قتل من يقع في نفس دائرة المذهب والديانة والجنسية أيضاً
!لقد كانت البداية من العمليات الانتحارية التي تجري، تجاه الجنود الإسرائيليين، باعتبارهم محتلين ومقاتلين، ثم باتجاه المواطنين الإسرائيليين في الباصات والمطاعم والأماكن العامة، حتى لو كان بينهم فلسطينيون مسلمون، فهؤلاء بزعم الانتحاريين سيبعثون على نياتهم
.لم يتساءل أحد من الانتحاريين والقتلة يوماً: من خولكم لتنهوا حياة خلقها الله، دون تفويض من الخالق، إلا تحت تبريراتكم الواهية، التي لسان حالها أنكم ناطقون باسم الله، نواب له، مدافعون عن دينه وعقيدته!
"الحشاشون الجدد" يا سادتي كما أسماهم جمال خاشقجي، أو القتلة الجهلة، المستعدون لتفجير أجسادهم أشلاء فيمن اختلفوا معه فكرياً، لم ينتشروا إلا بسبب الضعف في تحريم قاطع للعمليات الانتحارية، بل ووصفها بأنها عمليات استشهادية، يقوم صاحبها بتقديم نفسه من أجل القضية. إن الذين يفجرون أنفسهم بالآخرين، ضعفاء، وإن ضحوا بحياتهم، بشجاعة صفيقة، لأنهم عاجزون عن الدفاع عن قضاياهم بالطرق الإنسانية المتحضرة، لأن هذه الأساليب تحتاج إلى عمل طويل، وجهد جهيد، وهم قوم يبحثون عن الحلول المباغتة، ولو ذهبت بأرواحهم، فهم في الغالب يريدون أن يمسحوا تاريخاً يرونه أسود من الممارسات الشخصية، والتصرفات الفردية، ثم يبحثون عن مسح هذه السيرة بممحاة في لحظة واحدة.
لقد كانت المواقف المترددة، بتحريم الخطأ والتفجير والانتحار في أراضي العلماء، والسماح بها في أراضي غيرهم، هي التي حولت ديننا، إلى دين للقتل، والتفجير، والبحث عن الشهادة والسعي إلى الجنة بقتل الآخرين، وتفجيرهم، لتتطاير أشلاؤهم، في مشهد شوفيني، يطرب قادتهم المرضى، الذين يستمتعون بهذه المشاهد
بقلم / تركي الدخيل
جريدة "الوطن" السعودية

ولا حتى مثال واحد من المسلمين

أعترف أولا بشجاعة الكاتب فيصل الزامل في " الأنباء", حين لم يجد من يستشهد به من أهل الخير على مستوى العالم سوى
" الأم تريزا", لقد رسب جميع من يسمون أنفسهم بالإسلاميين في اختبار " أهل الخير" !
ولا أدري مدى اتفاق الجماعة السلفية التي تكفر أهل الكتاب اليوم مع ما ورد في مقاله عن الأم تريزا ودورها الريادي في التخفيف عن معاناة المرضى من كل ملة ونحلة ولون.
وليس هذا الاستشهاد بعجيب على المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين, حيث استن مؤسس الجماعة بسنة أهل الكتاب في العمل الخيري المنقول نصا عن أفعال الجمعيات التبشيرية حول العالم في الماضي القريب, وامتداداتها الإنسانية اليوم كما في منظمة " أطباء بلا حدود" على سبيل المثال لا الحصر.
وسبب استغرابي لكتابة الأستاذ الزامل عن الأم تريزا رحمها الله لما عانته في سبيل إعانة المرضى ومواساتهم, كونه لم يجد من بين الآلاف المؤلفة للعاملين في المجال الخيري الإسلامي والذي تمتلك مؤسساته المالية الملايين من الدولارات, مثالا واحدا يستشهد به للدلالة على فعل الخير على مستوى إنساني عالمي.
ولا شك أن هذا الاستشهاد بالأم تريزا , والاعتراف الضمني بعدم وجود من يمثلها في فعل الخير لدى الإسلاميين - كما يسمون أنفسهم- دليل احترام للتجربة الإنسانية في مجال المساعدات الإنسانية.
لكن , " الحلو ما يكملش" على رأي إخواننا المصريين, فكان لا بد من الاستشهاد بأمثلة قريبة من الموضوع وإن لم تكن ذات صلة. منها مثلا ما أورده الكاتب حول رئاسة وزير مالية " بنين" ( دولة وليست نوعية مدرسة) المسيحي لأحد اجتماعات وزراء المالية عام ,2004 حيث أعجب بقبول وزراء المالية المسلمين له برغم اختلاف الديانة!
والمسكين لا يدري أن قوم هؤلاء ينالون منه ومن قومه ظهر كل جمعة بالدعاء عليهم بالويل والثبور وخرائب الأمور, وبصراحة استغربت لوجود وزير مالية لدولة بنين!
وأما المثال الذي قدمه الكاتب عن حديث أبي ذر عن رجل سقى كلبا عطشانا كدليل على إنسانية المسلمين, فلا موضع له من الإعراب لأنه لا يتعلق بالإنسان, بل بالبهائم العاجزة, وهل نتوقع من أي إنسان بغض النظر عن دينه, عدم مساعدة حيوان جائع أو عطشان
لكن هل يتأسى المسلمون اليوم بهذا المثال وهم يدوسون القطط والكلاب في الشوارع بلا ضمير؟ بل هل تحرك الدولة ساكنا لإيواء القطط والكلاب الضالة التي تتغذى من القمامة؟ المسلمون في الكويت من العاملين في البلدية كانوا يقومون بتسميم الكلاب الضالة وكأنها بلا أرواح, فضلا عن انعدام تقبل الحيوان في عالم المسلمين بشكل عام, خاصة الكلاب. لذلك فالمثال لم يكن موفقا.
لكن برغم هذا الخروج غير المنطقي, تبقى حقيقة الاستشهاد بالأم تريزا علامة بارزة وإن كانت شاذة, ولا أتصور أنها مقبولة لدى جماعة السلف مثلا, مما يستحق الذكر باعتباره صادرا عن أحد المنتمين للجماعات الدينية .
لكن المأساة كل المأساة أن الكاتب وغيره لن يجدوا في عالم الإسلام ما يقابل مثال الأم تريزا, سواء بما قامت به من أعمال خيرية, أو باعترافها بالفراغ الروحي حيث قالت ( وأنا هنا أنقل ما ورد في مقال الكاتب حتى لا نؤخذ للنيابة العامة) ما نصه: " ..أنا لا أشعر بوجود الرب " تخيلوا- مجرد تخيل- لو أن هذا الكلام صدر من أحد المسلمين, ماذا سيكون مصيره حسب القانون الكويتي: سجن طلحة أو حتى السجن المركزي بإذن الواحد الأحد, وستجد المسلمين يشنعون عليه في خطبة الجمعة وفي كتاباتهم الصحافية, من دون أي اهتمام بمعاناته النفسية.
لكن الكنيسة الكاثوليكية كانت تفكر في رفع مقام هذه السيدة الإنسانة العظيمة إلى مرتبة القديسين, لولا هذه الرسائل التي بثت من خلالها معاناتها النفسية تجاه الآلام التي تنال من البشرية كل يوم... صحيح من قال: يخلق ...ويفرق.
وأتمنى على الأستاذ فيصل الزامل الاطلاع على موقع مكتبة الشيخ ديدات " التنصير فوق صفيح ساخن" والتعليقات التكفيرية والمهينة بحق هذه الإنسانة العظيمة حيث اتهمت باستغلالها حاجات الفقراء والمعوزين لتنصيرهم
وهذا الموقف المؤسف للذين يكتبون مثل هذه الآراء, يذكرني بنكتة سمعتها من أحد الطلبة الأردنيين ( قال الأب لابنه : عمرك ما بتصير زلمة ", وبعد سنوات طويلة أصبح هذا الابن وزيرا. فأحضر أباه إلى المكتب ليرى أين وصل: درجة وزير. فصمت الأب لحظة, ثم قال له: ابني, ما قلت لك ما بتصير وزير, قلت لك عمرك ما بتصير زلمة)...
والشاطر يفهم
أحمد البغدادي
كاتب كويتي
awtaad@yahoo.com

قتلوها.. لأنها عصرية وليبرالية وجريئة

حاول أن تتخيل فتاة باكستانية جالسة في غرفة الأخبار بجامعة هارفارد خلال أوائل السبعينات من القرن الماضي وتنقل قصصا حول الفرق الرياضية الجامعية بطريقة عاطفية. هذا هو أول ملمح لبي نظير بوتو تمكن بعضنا أن يعرفه عنها.
ولم تكن لدينا أية فكرة عن أنها من أسرة سياسية باكستانية بارزة. كانت شديدة الانشغال في القفز صوب مستقبلها إلى حد أنها لم تقدم عرضا يتعلق بماضيها.
أنا شاهدت هذه المرأة الانفعالية مرات كثيرة خلال السنوات اللاحقة ولم أفقد تصوري عنها كشخص متهور يتبنى ما هو جديد بالنسبة لها ولوطنها. أتذكر أنني التقيت بها حينما كانت طالبة في جامعة اوكسفورد وهي تهز اتحاد طلبة اوكسفورد المحافظ في أثناء جلسة نقاش.
كانت ترتدي قميصا «تي شيرت» رسم فوقه لسان متحد خارج منه، وأتذكر أن قناعة تشكلت في نفسي من أن السياسة في باكستان لن تكون هي نفسها حالما تعود هذه الفتاة إلى بلدها.
وخلال السنوات اللاحقة كنت ألتقي بها خلال زياراتها لواشنطن بعد أن ورثت الزعامة السياسية عن أبيها وأصبحت رئيسة وزراء في عام 1988
في سن الخامسة والثلاثين.
وغيرت من شكلها الخارجي، إذ راحت ترتدي غطاء للرأس مع ملابس تقليدية ونضجت لكن في عاطفتها المتوقدة داخليا لتحقيق التغيير.
لم تكن بوتو تعرف الخوف من أيام دراستها الجامعية في أميركا إلى يوم اغتيالها اول من أمس؛ فهي ظلت تتمتع بإيمان عميق بأن على باكستان أن تبهر العالم الحديث بنفس الثقة والشجاعة اللتين كانت تمتلكهما في السابق. وظلت مؤمنة بالديمقراطية والحرية والانفتاح لا كشعارات بل كطريقة عيش.
ولم تكن مثالية؛ فتهم الفساد التي وجهت ضدها خلال فترة حكمها الثانية صحيحة كلها. لكنها ظلت أكثر الأصوات الباكستانية المؤثرة التي تعبر عن الليبرالية والتسامح والتغيير.
لو كانت شخصا أقل عزيمة مما هي عليه، لتراجعت بعد محاولة الاسلاميين المحافظين قتلها حال وصولها إلى باكستان في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي. لكن بوتو عبرت الجسر منذ فترة طويلة؛ فهي شخص بما ورثته تتصرف بجرأة كبيرة في الحياة. فوالدها وأخواها قتلا بسبب رؤيتهما لبلد تحقق فيه التعايش ما بين الإسلام والعالم الحديث. وكان خوفها الوحيد، حسب ظني، هو احتمال فشلها في أداء مهمتها.
وكان اغتيالها كما قال الرئيس بوش «عملا جبانا». كان قتلا سياسيا، ظاهرة نراها من لبنان الى العراق الى باكستان. وإذا ما نسينا، بمرور الزمن، وجه التطرف الاسلامي المسؤول عن الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، فإليكم تذكيرا: قتلة بوتو استهدفوها لأنها عصرية وليبرالية وجريئة.
وفي أعقاب مصرع بوتو شعر الكثير من الناس بالغضب الغريزي على خصمها السياسي الرئيس برويز مشرف. وسيتعين علينا أن ننتظر الحقائق، ولكن رد فعلي الأول هو ان إلقاء اللوم على مشرف خطأ. فهو يقاتل المتطرفين الاسلاميين انفسهم الذين يبدون أنهم قتلوا بوتو. وقد واجه، هو نفسه، تسع محاولات اغتيال. وقد أغضب بوتو وأنصارها جزئيا انه جادل بأن الوضع السياسي الباكستاني كان ما يزال عنيفا ومتقلبا بحيث انه تعين على الجيش فرض حالة الطوارئ.
ويعتبر اغتيال بوتو تجليا وحشيا لصعوبة فهم الاجانب لبلد مثل باكستان. وحاولت ادارة بوش شيئا من الهندسة السياسية عندما حاولت التوسط لإقامة تحالف بين مشرف وبوتو وسعت الى وضعها في موضع رئيسة الوزراء المقبلة للبلاد. غير أنه في أماكن مثل باكستان حيث لا يمكننا ان نكون واثقين من وجهة الأحداث، فان السبيل الأكثر حكمة للولايات المتحدة هو السبيل الحذر لمحاولة تحديد وحماية المصالح الأميركية. وسيقرر الباكستانيون كيف ومتى سيتوافق بلدهم مع العالم الحديث.
اعتقد أن بوتو كانت على حق في ما يتعلق بالمستقبل، وان الطريق الى باكستان اكثر استقرارا يتطلب على وجه التحديد الاصلاحات الديمقراطية التي أيدتها. وحاول مشرف والجيش ان يحكما من خلال قاعدة ضيقة وغير مستقرة تماما. وتلك غلطتهما ونقطة ضعفهما. ولكن اغتيال هذه المرأة الشجاعة تحذير من أن الطريق الى باكستان الحديثة التي حلمت بإقامتها لن يكون سهلا.
ان أفضل تكريم لبوتو، والتحول السليم لهذا البلد المضطرب، هو المضي قدما في الانتخابات المقررة اوائل يناير(كانون الثاني).
لم تكن بوتو خائفة من عملية التغيير تلك المضطربة والقاتلة أحيانا، ولا يتعين على غيرها ان يكون خائفا
ديفيد إغناتيوس
الشرق الأوسط 29/12/2007

70 عاما على بي بي سي العربية

"هنا لندن.. سيداتي سادتي.. نحن نذيع اليوم من لندن باللغة العربية للمرة الأولى في التاريخ...." بهذه الكلمات بدأ أول بث اذاعي من القسم العربي في بي بي سي الى منطقة الشرق الأدنى.
التاريخ كان الثالث من يناير كانون الثاني عام ثمانية وثلاثين. هذه اللحظة كانت بداية لسبعين عاما من بث القسم العربي بي بي سي بافتتاحيته الشهيرة "هنا لندن".
كانت بريطانيا آنذاك تحتل عددا من الدول العربية مثل مصر وفلسطين كما كان لها نفوذ واسع في عدد من الدول العربية الأخرى. وقد رأت الحكومة البريطانية ضرورة لبدء البث باللغة العربية الى تلك المنطقة لمواجهة الاذاعات الموجهة لدول مثل المانيا وايطاليا والتي كان لديها اذاعات تبث باللغة العربية في ذلك الوقت.
لكن ادارة بي بي سي لم تكن متحمسة لذلك وتقول وثيقة من وثائق الهيئة التي تعود لذلك الوقت ان مدير عام الهيئة اللورد ريث قال "ان ادخال لغات اجنبية الى الاذاعة سيؤدي لا محالة الى الاضرار بها".
في النهاية وافقت بي بي سي على بث اذاعة عربية شريطة أن تتمتع بالاستقلال عن وزارة الخارجية البريطانية شأنها في ذلك شأن باقي أقسام بي بي سي التي كانت موجودة في تلك الفترة
وفي أول بث اذاعي لها للعالم العربي جاء الخبر الثالث في نشرة الأخبار الأولى للقسم العربي من بي بي سي كما يلي: "فلسطين.. نفذ حكم الاعدام شنقا في عربي آخر من عرب فلسطين...."
الخارجية البريطانية أعربت عن استيائها من ذلك الخبر وكتب أحد كبار المسؤولين فيها قائلا: هل يجب على بي بي سي ان تذيع خبر اعدام كل عربي في فلسطين؟ كما شكا آخر من أن التوجه العام لمسؤولي الاذاعة يتناقض مع افكار وزارة الخارجية."
الا ان رئيس هيئة الاذاعة البريطانية في ذلك الوقت جيه بي كلارك برر طريقة تغطية بي بي سي العربية للاخبار قائلا إن "عدم التطرق الى الحقائق الاخبارية غير المرحب بها وما يتبعها من اخفاء للحقيقية يعارض سياسة الهيئة".
وبهذه الجملة ثبتت بي بي سي العربية أقدامها منذ اللحظة الأولى لولادتها كإذاعة تتمتع بالمصداقية والدقة والحيادية والاستقلالية وهو ما ظلت تحافظ عليه بعد سبعين عاما على مرور تلك اللحظة
على الرغم من ذلك لم تكن الثقة من جانب المستمع العربي وليدة اللحظة الأولى، نظرا لأن الاذاعة العربية كانت تبث من دولة محتلة. لكن الخبير الاعلامي حسن المصري يقول انه بعد مرور فترة قصيرة اتضح لدى المستمع العربي، ولدى مقارنته لباقي الاذاعات التي كانت موجودة آنذاك ان هذه المصداقية حقيقية ومنها بدأت علاقة الثقة المتبادلة بين بي بي سي العربية ومستمعيها.
ويضيف: "ان قدرة المستمع العربي على المقارنة بين اكثر من مصدر اذاعي مثل اذاعة المانيا العربية واذاعة فرنسا العربية وما تبثه بي بي سي العربية وما تبثه بعض المحطات الأخرى، مكنت المستمع العربي من الحكم على ما تبثه هيئة الاذاعة البريطانية وما توفره من شفافية ومصداقية."
تطورت مسيرة البث الاذاعي لبي بي سي على مدى سبعين عاما. ففي بداية بثها كانت برامج بي بي سي تستمر لمدة ساعة واحدة يتم فيها اذاعة "مقطوعات موسيقية واحاديث مشوقة" بحسب أول مذيع في القسم العربي ثم موجز لاخبار العالم اليومية.
ثم زادت ساعات البث على مدار السنوات التالية حتى وصلت الى تسع ساعات
عندما بدأت حرب الخليج الأولى عام تسعين/ واحد وتسعين اتخذ القرار بزيادة عدد ساعات البث لتصل الى ثمانية عشر ساعة، ثم وأصبحت حرب الخليج الثانية عام الفين وثلاثة علامة أخرى مميزة وفارقة في تاريخ الاذاعة العربية في بي بي سي عندما زادت ساعات البث مرة أخرى لتصل الى اربع وعشرين ساعة يوميا.
وبطبيعة الحال فقد اتسع مضمون المواد التي تبثها بي بي سي لتتتناول الى جوار الاخبار البرامج السياسية التحليلية والبرامج الثقافية والعلمية والترفيهية الى جانب المسرحيات العالمية والبرامج التفاعلية مع المستمعين مثل السياسة بين السائل والمجيب وبرنامج رأي المستمع، حديث الساعة ونقطة حوار.
وكان أحدث البرامج التفاعلية الاجتماعية التي انضمت الى اسرة الاذاعة العربية في بي بي سي برنامج بي بي سي اكسترا المسموع على نطاق واسع في انحاء العالم العربي.
وقد ارتبطت بي بي سي العربية أيضا في اذهان المستمعين بتعلم اللغة الانجليزية. حيث دأبت الاذاعة على تقديم برامج تعليم اللغة الانجليزية سواء عبر الاثير أو في وقت لاحق على موقعها على الانترنت.
ومثلما كان البث اللغة العربية هو الأول في الاذاعات الأجنبية في هيئة الاذاعة البريطانية، كان ايضا القرار باطلاق قناة عربية من بي بي سي.
في يوليو/ تموز من عام 1994 بدأت بي بي سي في بث تلفزيونها الناطق باللغة العربية، والذي كانت تأمل في الحصول على تمويله من وزارة الخارجية البريطانية.
لكن الحكومة رفضت تمويل المشروع ومن ثم لجأت الهيئة الى شركة أوربت للاتصالات وهي شركة سعودية ذات صلة بالاسرة الحاكمة في السعودية لتمويلها
وتعهدت أوربيت لبي بي سي بمنحها الاستقلالية التحريرية، تماشيا مع السياسة السائدة في بي بي سي العربية منذ انشائها عام ثمانية وثلاثين، الا أنه وبعد اذاعة تلفزيون بي بي سي العربي تقريرا عن وضع حقوق الانسان في السعودية عام ستة وتسعين قررت شركة أوربيت قطع البث عن التلفزيون العربي للهيئة.
الا ان هذه العقبة لم تقف في طريق تقدم القسم العربي اذ قام في عام ثمانية وتسعين باطلاق موقع اخباري على شبكة الانترنت وهو بي بي سي أرابيك دوت كوم، والذي أصبح أول موقع عربي اخباري تتجدد اخباره على مدار أربع وعشرين ساعة يوميا، الأمر الذي جعله يحصل على الكثير من الجوائر.
ومنذ انطلاقه، احتل موقع BBCArabic.com مكان الصدارة بين المواقع الإخبارية العربية على الإنترنت. وتمكن الموقع من اجتذاب اعداد كبيرة من الشباب الذين يعتبرون الاستماع للراديو قبس من الماضي.
يقدم موقع BBCArabic.com متابعة شاملة للأخبار بالنص والصوت وتقارير الفيديو المصورة، على مدى 24 ساعة إضافة إلى تمكين زوار الموقع من المشاركة في مناقشات عن قضايا الساعة والتواصل الفوري مع الاحداث في المنطقة وحول العالم، فضلا عن توفير بث مباشر لبرامج إذاعة بي بي سي العربية. و قد فاز BBCArabic.com عام 2000 بجائزة أفضل موقع إخباري في الشرق الأوسط على الإنترنت وعام 2001 بجائزة أفضل موقع اللغة العربية من حيث المحتوى الإخباري.
ومع احتفالها بعيدها السبعين تستعد بي بي سي العربية لاطلاق قناة تلفزيونية اخبارية جديدة لتصبح بي بي سي الاولى والوحيدة التي تبث محتواها الاعلامي للعالم العربي ولباقي انحاء العالم على ثلاث وسائط الراديو والانترنت والتلفزيون
أروى عاصم
بي بي سي - لندن

أسئلة تحتاج إجابات قبل أن يحترق الوطن

فوجئت أثناء إدارتي لاحدي جلسات المؤتمر الافتتاحي لمركز "دراسات الشرق الأوسط للحريات" مؤخراً بتعقيب من أحد الحاضرين يقول فيه دون لف أو دوران: "أنا مواطن قبطي ولا أوافق علي مطالبتكم بنزاهة الانتخابات النيابية أوغير النيابية. لأن اجراء أي انتخابات حرة الآن لن تكون له سوي نتيجة واحدة هي الانتصارالكاسح لمرشحي الاخوان المسلمين".
وظل هذا التعقيب المرير يؤرقني بضعة أيام إلي أن تلقيت يوم السبت الماضي دعوة كريمة من اسقفية الشباب بالكنيسة القبطية للمشاركة في ورشة عمل حول "الأقباط والبرلمان" أشرف علي تنظيمها سمير زكي وأدارها الدكتورعبدالمنعم سعيد مدير مركز الابحاث والدراسات الاستراتيجية.
وفي بداية هذه الورشة المهمة رصد منير فخري عبدالنور نائب رئيس حزب الوفد وعضو مجلس الشعب السابق الملامح الرئيسية التالية للمشهد السياسي المصري فيما يتعلق بموضوعنا:
1
مشكلة الأقباط ذاتهم الناتجة عن ابتعادهم عن العمل السياسي
2
مشكلة المناخ العام الذي يشهد تمييزا بين المسلم وغير المسلم نتيجة حالة ثقافية ليس مهما الآن التوقف أمام ما إذا كانت مستوردة من الخارج أم نابعة من الداخل. بيد أنها حالة جعلت القبطي يخشي ممارسة العمل السياسي. وإذا فعل فانه يجد مقاومة.
3
مشكلة الحزب الوطني الحاكم الذي اثبتت الاحداث في رأيه عدم تمتعه بحس الوحدة الوطنية والحرص علي تمثيل الجميع في المجالس النيابية. فلم يرشح قبطياً واحداً في انتخابات مجلس الشوري ولم يرشح سوي قبطي واحد في انتخابات مجلس الشعب لأنه وزير.
4
مشكلة النظام الانتخابي: حيث ثبت أن نظام الانتخاب الفردي في ظل هذا المناخ الردئ يفاقم المشكلة والحل ليس في نظام "الكوتا" الذي رفضه أجدادنا ومن المهين طرحه علي الاقباط اليوم بعد ستين عاماً من رفض أجدادهم له. وانما الحل في الأخذ بنظام القائمة النسبية الذي يمكن ان يدفع الاحزاب للبحث عن أقباط لوضعهم في قوائمهم والاستفادة من الجماهير القبطية باعتبارها كتلة تصويتية.
هذه الصورة الشاملة التي رسم معالمها منير فخري عبدالنور بصراحة وموضوعية فتحت شهية الآخرين للادلاء بآرائهم فقال الدكتور مصطفي الفقي رئيس لجنة الشئون العربية بمجلس الشعب وصاحب رسالة الدكتوراه الشهيرة عن الاقباط أن الخط البياني لتمثيل الاقباط في المجالس النيابية كان يتصاعد مع نزاهة الانتخابات ودخول حزب الوفد إلي الحكم قبل ثورة 23 يوليو 1952 وينخفض مع وصول احزاب الاقلية إلي الحكم لكن تمثيل الاقباط حتي في أسوأ الاوضاع قبل 1952 كان أفضل مما هو عليه الآن متذكراً كيف أن ياسين أحمد باشا نقيب الأشراف كان يلقي هزيمة منكرة في الانتخابات بدائرة قنا أمام مكرم باشا عبيد القبطي وهو أمر من المستحيل أن يحدث الآن. وأشار الدكتور مصطفي الفقي إلي أن تدخل الدولة بهذا الصدد تدخل سلبي فالحزب الوطني لا يرشح أقباطاً وكان تدخل الحزب الوطني لاسقاط منير فخري عبدالنور في دائراة الوايلي أمراً مؤسفاً أما نجاح يوسف بطرس غالي فهو "نجاح وزراء" مثلما كان نجاح رامي لكح "نجاح للمال".
واستنتج ان هذا يأتي في سياق ترد للمناخ العام الذي اصاب الشخصية المصرية بالتلوث. بحيث إن بعض المصريين أصبحوا ينظرون إلي الأقباط اليوم علي أنهم "دخلاء"! وفي نفس الوقت تقوم السلطة التنفيذية بتكريس ذلك فلا نجد مثلاً رئيس جامعة مسيحي.
أما الدكتور أسامة الغزالي حرب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية فقد رأي أن كل الأحزاب والتنظيمات القائمة شكلية وديكورية. وبالتالي لا معني للحديث عن مغزي تمثيل او عدم تمثيل الاقباط لأن الغالبية المسلمة في رأيه ليست ممثلة هي الأخري.
وربط بين ذلك وبين تدهور الثقافة وانخفاض درجة التسامح في المجتمع المصري. كما ربط بين هذا التمييز المتزايد وبين عنصر خارجي ناجم عن الاحتكاك مع دول الخليج وعنصر داخلي هو تزايد دور الاخوان المسلمين.
لكنه شاء نقد الجماعة القبطية وتحميلها مسئولية جزء من ذلك نتيجة لعاملين:
الأول هو تكريس فكرة مشاركة المسيحيين في الحياة الاقتصادية بدلاً من الحياة السياسية.
والثاني هو الميل لدي كثير من العناصر القبطية لتأييد الحزب الوطني في السنوات العشرين الأخيرة بعد أن أفلح الحزب الحاكم في اقناعهم بأن البديل لهم الأخوان المسلمون.
أما الدكتور محمد أبوالغار الأستاذ الجامعي المرموق ومؤسس حركة 9 مارس المنادية باستقلال الجامعة فقد لفت الأنظار إلي ظاهرة سلبية بدأت تظهر في الحرم الجامعي يطلق عليها الطلاب إسم CH وهي أماكن منعزلة يجتمع فيها الطلاب الاقباط معاً بين المحاضرات بدلاً من الامتزاج مع باقي الطلاب وهي ظاهرة خطيرة تبين المدي المروع الذي وصلت إليه حالة الفرز الطائفي في المؤسسة التعليمية.
وقال الدكتور أبوالغار إن دخول السياسة في الدين هي أحد أسباب سلبية الأقباط
وفي نفس الاتجاه أكد الكاتب الصحفي نبيل عمر أن الموضوع اكبر من تمثيل الاقباط في البرلمان وان التفكير من هذا المنظور تكريس للواقع المشوه القائم علي تقسيم المجتمع إلي طوائف وفئات "قضاة أساتذة جامعة صيادلة أطباء مسلمون أقباط 100%" وأن هذا المنهج يمثل خطراً شديداً لأنه يجعلنا نفكر في هذه الفئة أو تلك الطائفة وننسي أن نفكر في مصر.
أما الدكتور عماد جاد الباحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام ومدير مركز مناهضة التمييز فقد ذهب إلي القول بأن المسألة أكثر سوداوية مما نتصور. خاصة وأن نظام التعليم ذاته قائم علي الفصل بين المسلمين والمسيحيين وليس عجيبا والأمر كذلك أن نري الاتجاه الطائفي يصل إلي النوادي الرياضية لدرجة أن يلجأ بعض المسيحيين إلي إنشاء ناد رياضي واجتماعي قبطي مؤكداً أن المجتمع المصري يتجه بقوة وسرعة صوب اليمين بكل ما يتضمنه ذلك من تكريس لسياسات التمييز والفرز الطائفي.
لكن الدكتور سمير فياض نائب رئيس حزب التجمع كان أقل تشاؤما رغم تأكيده علي أن المادة الثانية من الدستور محبطة لكل تقدم بيد أنه زرع بذرة للأمل بتأييده لنظام القائمة النسبية علي ان يكون المرشح المسيحي رقم 3 في القائمة حتي تزداد فرص نجاحه في الانتخابات. ولفت الدكتور فياض النظر إلي حقيقة مدهشة هي أن 32% من أطباء مصر مسيحيون وأكثر من 50% سيدات ومع ذلك يكتسح الاخوان المسلمون انتخابات نقابة الاطباء لأن الاغلبية لا تشارك فيحظي الاخوان المسلمون بالكعكة كلها ب 21% من الاصوات فقط.
وبينما وافق مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين علي معظم الأسباب السابقة فإنه شاء تسجيل عدة ملاحظات مهمة:
1
أنه لا يوافق علي تعليق مسئولية عدم تمثيل الاقباط في رقبة ثورة 23 يوليو.
2
أن المؤسستين الدينيتين. الأزهر والكنيسة. بقيا علي جمودهما ولم يتجددا وما لم نتفهم مسئولية الازهر والكنيسة سنظل بعيدين عن الحل. وهو أمر يتطلب حرثا ثقافيا للأمة.
3
أننا نواجه ميراثا عميقا من عزلة الاقباط علي مدي سبعين عاما. وهو ميراث يحتاج جهداً ضخماً لتبديد هذه العزلة.
4
أن بعض الاقباط يخطئون في توصيف ما يحدث في مصر. فنجد نفراً منهم يعمد إلي تصوير أي علاقة غرامية بين فتي مسلم وفتاة
مسيحية علي أنها مؤامرة واختطاف. ونجد نفراً لا يستنكف الاستقواء بالاجنبي بينما نري انفصالاً يتزايد بين الكنيسة والمجتمع.
ولفت مكرم محمد أحمد النظر إلي أهمية المجتمع المدني في محاربة هذا التمييز المتصاعد. وإلي أهمية قيام حركة تجديد ثقافي بطول البلاد وعرضها دفاعاً عن الدولة المدنية ومبدأ المواطنة.
وللحديث بقية
بقلم : سعد هجرس
موقع الحوار المتمدن

مصر بين عهدين: ذروة تنذر بشيوع الفوضى

مع نهاية عام يستعد للانصراف واقتراب آخر يتهيأ للدخول، تبدو مصر وكأنها تحمل فوق ظهرها عبء نظام قديم شاخ ، انتهى عمره الافتراضي منذ زمن لكنه ما زال متشبثا بالبقاء حيا، حتى ولو داخل غرفة للعناية الفائقة، كما تبدو وكأنها تحمل جنينا لم ينضج أو تظهر علامات مخاضه بعد.
ورغم صعوبات التنبؤ بما قد يحدث لهذا البلد الكبير العجيب إلا أن ساحته السياسية تبدو مرشحة لتفاعلات وتجاذبات حادة بين القوى المتشبثة بالإبقاء على النظام المحتضر، حتى ولو بوسائل التنفس الاصطناعي، وأخرى تبدو راغبة في الإجهاز عليه وإعلان وفاته رسميا، حتى لو اضطرت إلى رفع الأجهزة عنه قسرا وتهيئة الأجواء لاستقبال مولود جديد!.
ولذلك يمكن القول من دون تردد إن العام 2007 شكلّ نهاية لمرحلة، وإن العام 2008 يمهد لمرحلة جديدة تبدو قادمة لا محالة وسيشكل بالتالي فاصلا بين عهدين.
وفي تقديري أن النظام السياسي الراهن في مصر، والذي تأسس منذ ثورة تموز (يوليو) 1952 كان يتمتع حتى وقت قريب بقدرة عالية على إعادة إنتاج نفسه، وبالتالي على البقاء والاستمرار، وذلك من خلال آليات ثلاث:
الأولى: مكنته من ضبط التفاعلات السياسية والأمنية،
والثانية: مكنته من ضبط التفاعلات الاقتصادية والاجتماعية،
والثالثة: مكنته من تحقيق التناغم والتوازن بين تفاعلات وضغوط الداخل والخارج.
غير أن هذه الآليات راحت تتآكل تدريجيا، بفعل التقادم وسوء الاستخدام، وباتت مع نهاية العام 2007 تبدو ليس فقط عاجزة عن أداء وظائفها التقليدية وإنما غير قابلة للإصلاح أيضا.
كان الرئيس السادات حاول، مسلحا بما استطاع إنجازه في حرب تشرين(أكتوبر) إدخال تعديلات جوهرية على البنية السياسية للنظام، لكن محاولاته ما لبثت أن انتكست ورحل عن عالمنا بعد أن أسس حزبا سياسيا يقوده بنفسه لم يكن في حقيقة الأمر سوى امتداد لنمط الحزب الواحد أو المهيمن.
ورغم أن مبارك لم يقم بإدخال أي تعديل على جوهر النظام السياسي الذي ورثه، إلا أنه تميز عن عبد الناصر والسادات في أمرين على جانب كبير من الأهمية والخطورة.
الأول: جسده إصراره العنيد على عدم تعيين نائب له طوال ربع قرن قضاها في السلطة.
الثاني: سماحه لنجله جمال مبارك بلعب دور مؤثر على مسرح الحياة السياسية وتواكب ذلك مع إشاعات متزايدة عن محاولات تجري وراء ستار بحثا عن سيناريو يضمن له خلافة والده في السلطة.
وكان هذا هو السياق الذي انطلقت معه عملية حراك سياسي رافض لسيناريو التوريث.
لم يكن لدى غالبية الشعب المصري، في ما يبدو، أي اعتراض على إتاحة الفرصة كاملة لجمال مبارك لتحقيق كل ما يصبو إليه من طموحات سياسية، ولكن في إطار عملية تحول ديموقراطي حقيقي على أساس من تكافؤ الفرص للجميع على قدم المساواة. غير أن سياق الأحداث اللاحقة أثبت بما لا يدع اي مجال للشك أن التعديلات كافة التي تم إدخالها على النظام السياسي خلال السنتين الأخيرتين لم تستهدف سوى شيء واحد، وهو فتح طريق السلطة أمام جمال مبارك وإغلاقه أمام سواه. فقد تم تعديل المادة 76 بطريقة سمحت جراء «انتخابات» رئاسية لم يتمكن من خوضها سوى شخصيات من أمثال أيمن نور ، الذي زج به في غياهب السجن، و نعمان جمعة ، الذي أطيح في انقلاب حزبي داخلي، ثم جرت انتخابات تشريعية أتت كالعادة بأغلبية مريحة ضمنت تمرير التعديلات الدستورية اللازمة لتمهيد الطريق أمام النجم السياسي الصاعد، ولأن الدستور يشترط في المرشح لمنصب الرئاسة أن يكون مضى على عضويته في «الهيئة العليا» للحزب الذي ينتمي إليه عاما على الأقل، وهو شرط لم يكن متوافرا في جمال مبارك، فقد تكفل المؤتمر الأخير للحزب الوطني بإزالة هذه العقبة، إذ تم تعديل لائحة الحزب بما يسمح بدمج المكتب السياسي مع مكتب الأمانة العامة (وجمال عضو فيها) في «هيئة عليا» واحدة!، بعد أن اكتشف فقهاء الحزب أن الأمانة العامة للحزب ليست هيئته العليا.
وعلى الصعيد الاجتماعي والاقتصادي: كان النظام الذي أسسته ثورة تموز (يوليو) قام بإدخال تغييرات عميقة على البني الاقتصادية والاجتماعية في مصر في المرحلة الناصرية، بدأت بالإصلاح الزراعي وانتهت، بعد محاولات متعثرة لتنمية مستقلة تعتمد على آليات السوق، باقتصاد مخطط مركزيا يقوم على سيطرة الدولة على معظم وسائل الانتاج.
وترتب على هذه السياسة استئصال النفوذ السياسي والاجتماعي لطبقتي الإقطاع الزراعي الراسخة والرأسمالية البازغة، وتوسيع نطاق الطبقة الوسطى وفتح آفاق جديدة وتحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية عديدة للطبقات الفقيرة والمطحونة، غير أن تغيرا عميقا طرأ على هذه التوجهات والسياسات، خصوصاً بعد رحيل عبد الناصر، وبدأت مرحلة «انفتاح اقتصادي» انتهت باعتماد قوى وآليات السوق والتخلص التدريجي من مظاهر تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، ورغم أن توترات اجتماعية حادة، كانتفاضة الخبز عام 1977 واكبت هذا التحول، إلا أن النظام تمكن في البداية من احتوائها بأساليب ووسائل مختلفة لم تكن كلها أمنية.
لكن ما إن بدأ الاندفاع الشديد نحو الخصخصة وبيع أصول وممتلكات القطاع العام، خصوصاً منذ التسعينات، حتى بدأت تتشكل خريطة اقتصادية واجتماعية جديدة لمصر بدت مختلفة تماما وواكبتها توترات اجتماعية وسياسية أكثر عمقا، فقد راحت تبرز تدريجيا طبقة جديدة من رجال الأعمال اعتمد معظمهم في جمع ثروة، راحت تتراكم بسرعة مذهلة، على الدولة من ناحية وعلى المعونات والتوكيلات الأجنبية وخصوصا الأميركية، من ناحية أخرى.
في سياق تلك التحولات العميقة برزت معالم نظام اجتماعي جديد له سمات خاصة أهمها:
1-
فجوة هائلة تتسع بسرعة شديدة بين الأغنياء والفقراء مع تدهور متزايد في مستويات معيشة الشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة ومعها
كل شرائح الطبقة الكادحة إلى أن وصلت إلى حالة من البؤس غير مسبوقة.
2-
تزايد دور طبقة رجال الأعمال في صنع السياسات واقترابهم الشديد من مراكز صنع القرار مع شيوع وانتشار أنواع من الفساد والجرائم المنظمة والتسيب لم تكن مألوفة في المجتمع المصري.
3-
تدهور مفاجئ وخطير في حالة معظم المرافق والخدمات العامة، بدءً من النقل والمواصلات وانتهاء بالتعليم والصحة.
ولأنه كان من الطبيعي أن تنعكس هذه التحولات العميقة على حالة التماسك والاستقرار السياسي والاجتماعي، فبدأت تظهر تدريجيا أشكال
مختلفة وغير مسبوقة من الاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات والاضرابات وصلت ذروتها عام 2007 حتى باتت تنذر بخطر شيوع الفوضى.
وعلى صعيد التناغم والاتساق بين السياسات الخارجية والداخلية: كان نظام تموز (يوليو) في مراحله التأسيسية الأولى شديد الحرص على استقلال وطني خاض من أجله سلسلة معارك كبرى ناجحة (صفقة الأسلحة، الأحلاف، باندونج، السد العالي، السويس، وغيرها) أكدت مكانة مصر الدولية وأهلتها للعب دور مؤثر وفعال على الصعيدين الإقليمي والعالمي، غير أن هذه السياسة عرضت مصر في الوقت نفسه لضغوط وضربات موجعة كان أخطرها هزيمة 1967.
ورغم أن مصر لم تستسلم وتمكنت، بدعم من محيطها العربي، من غسل عار هزيمة حزيران (يونيو)، إلا أن السياسات التي تبناها السادات عقب حرب تشرين(أكتوبر) 73 وخصوصا في ميدان إدارة الصراع مع إسرائيل، أحدثت انقلابا في تحالفاتها الدولية أدى إلى تآكل تدريجي في دورها وفي مكانتها على الصعيدين الإقليمي والعالمي،
ثم تبين تدريجيا أن التوجهات والسياسات الخارجية الجديدة لم تكن في الواقع سوى انعكاس لسياسات داخلية أفرزت نخبة اجتماعية واقتصادية بمواصفات خاصة أصبحت هي ركيزة نظام الحكم وارتبطت مصالحها ارتباطا عضويا بالخارج، خصوصا مع صعود جمال مبارك،
صحيح أن التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية مكنت مصر من استعادة سيناء، لكنها لم تمكنها، رغم فترة «السلام» الطويلة مع إسرائيل، من تحقيق انطلاقة تنموية كبرى تضاعف من قدراتها الشاملة وتعوض بالاقتصاد ما خسرته في عالم السياسة، ولذلك راحت درجة تبعيتها للخارج تتزايد بالتوازي مع تآكل قدرتها على التأثير في محيطها الدولي والإقليمي، ويكفي إلقاء نظرة واحدة على ما يجري في العراق وفلسطين ولبنان والصومال والسودان للتدليل على أن مصادر تهديد أمن مصر القومي باتت تنذر بالخطر.
في سياق كهذا يمكن القول إنه مع نهاية 2007 بدأت تظهر في مصر حالة تداخل بين معالم نظام سياسي قديم لا يريد أن يرحل ومعالم نظام جديد لا يريد أن يولد تتجلى سماتها كالتالي:
1-
رئيس دولة يقترب من الثمانين بلا نائب يخلفه.
2-
حزب حاكم يستمد ثقله من مؤسسات الدولة ويديره عمليا نجل للرئيس في ظل عملية منظمة تجري منذ عشر سنوات لإعداده للخلافة.
3-
حالة استقطاب سياسي حاد بين الحزب الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين «المحظورة» قانونا، وآخر اجتماعي لا يقل حدة بين شريحة محدودة من الأغنياء وبحر واسع من الفقراء، في ظل غياب شبه كامل للأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني.
4-
بنية مؤسسية وقانونية تتسم بالفوضى والارتجال تجري في ظلها عملية حراك اجتماعي تتسم بدورها بالفوضى والارتجال، رغم أنها تبدو في حالة أشبه بالغليان ووصلت إلى مرحلة من التوتر تنذر بالانفجار
.
قد لا يكون بمقدور أحد أن يقطع بما إذا كان جمال مبارك سينجح في الوصول إلى موقع الرئاسة في ظل أوضاع كهذه، لكن ذلك، إن حدث،
سيؤدي عمليا إلى نتيجتين على جانب كبير جدا من الأهمية والخطورة في ذات الوقت:
الأولى نقل السلطة من المؤسسة العسكرية إلى المؤسسة المدنية، وهذه معضلة كبيرة في حد ذاتها،
والثانية: نقل السلطة من الأب إلى الابن في نظام جمهوري وفي غياب عملية ديموقراطية حقيقية ومقنعة، وتلك معضلة أكبر، ولأنه ليس بوسع أحد أن يوقف عجلة التفاعلات السياسية والاجتماعية أو يعكس اتجاه دورانها فمن المرجح أن يشهد عام 2008 اندلاع أحداث كبرى على الساحة المصرية أغلب الظن أنها ستشكل فاصلا بين عهدين، خصوصا وأنه العام الذي سيشهد انتخابات رئاسية أميركية ربما تشكل بدورها فاصلا بين عهدين على الصعيد العالمي.
د. حسن نافعة
الحياة - 26/12/2007

انتصار جديد للحرية والعقلانية

قبل أيام أيدت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة إلغاء عقوبة الإعدام على مستوى عالمي, داعية الدول الأعضاء إلى تعديل قوانينها الوطنية بما يتسق مع هذا القرار الدولي.
ولاشك أن هناك كثيراً من المعترضين على إلغاء عقوبة الإعدام, خاصة الدول التي تسمي نفسها بالدول الإسلامية , وما هي كذلك, بل هي مجرد دول غالبية سكانها من المسلمين, وبالتالي فهي دول مسلمة, وليس بالضرورة أن تكون إسلامية, وليس هذا موضوعنا.
ومن الجدير بالذكر أن إلغاء عقوبة الإعدام فكرة أساسها الغرب العقلاني, الذي وجد أن هذه العقوبة لم تمنع تزايد جرائم القتل, وأن تطبيقها قد أدى إلى قتل أبرياء لم تظهر براءتهم إلا بعد سنوات طويلة على إعدامهم, مما جعل الدول الغربية, وتبعتها في ذلك كثير من دول العالم المتحضر, تسعى إلى تأجيل عمليات الإعدام أطول مدة ممكنة, لعل وعسى أن تظهر أدلة جديدة على براءة المحكوم عليه بعقوبة الإعدام قبل فوات الأوان.
وبعد تجارب مريرة قررت دول الاتحاد الأوروبي إلغاء عقوبة الإعدام مستبدلة إياها بالسجن المؤبد. وحيث إن الغرب لا يتعامل مع قوانينه بازدواجية, كانت الدول الغربية من أول المنادين بمطالبة الحكومة العراقية بعدم إعدام الطاغية صدام حسين برغم كل ما اقترفه من ويلات بحق العراقيين أثناء فترة حكمه الديكتاتوري.
ومما لاشك فيه أن كثيراً من الناس يؤيدون عقوبة الإعدام للقاتل, بدافع من العاطفة تجاه المقتول, أو لأسباب دينية, لكن في جميع الأحوال لا أحد ينظر إلى الأمر من جميع جوانبه.
ولو تركنا العاطفة جانباً, لوجدنا أن السجن المؤبد أكثر إيلاماً للقاتل, دون النظر إلى التكلفة المالية التي تتكبدها الدولة عليه من حراسة وطعام وفحوصات طبية, مقابل توفير كل هذه المصاريف وهذا العناء فيما لو تم إعدامه خلال بضع دقائق.
ولنا في العقوبة بالسجن المؤبد التي يقضيها المدان في قضية تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر والمدعو الموسوي, حيث سيقضي ما لا يقل عن ثلاثين سنة من حياته لو سارت الأمور بشكل طبيعي, في زنزانة حجرية لا تتعدى مساحتها ستة- تسعة أمتار, وسرير حجري, وطاولة ومقعد حجري, وتلفزيون لا يبث إلا قناتين دينيتين, وحقه في التريُّض نصف ساعة في اليوم في مساحة ضيقة خارج زنزانته الحجرية, وهو يطالب اليوم بالإعدام للتخلص من هذه الحياة المؤلمة.
وبذلك يتبين أن السجن المؤبد أكثر عذاباً وإيلاماً من الإعدام الذي لا يستغرق سوى بضع دقائق, ثم يموت القاتل دون أن يتحمل وزر عذاباته للآخرين. ومن الأمثلة التي تدل على تأثير السجن الطويل على النفس, حتى قبل الحكم به, ما حدث للطاغية اليوغسلافي سلوبودان ميلوسيفتش الذي مات قهراً في سجنه قبل الانتهاء من محاكمته.
من جانب آخر, لقد أثبتت التجربة البشرية أن هناك أحكام إعدام متسرِّعة, وأدلة كثيراً ما تظهر بعد سنوات طوال على الإعدام, فكان تطبيق المبدأ الإنساني الغربي "أن تطلق سراح بريء واحد ضمن مئة مجرم, لهو أهون من سجن بريء مع مئة مجرم".
فالضمير الإنساني لا يتحمل وزر الإعدامات التي تحصل نتيجة تسرع أو محاكمات ربما لا تكون وافية. فضلاً عن حقيقة أن أحكام الإعدام لم تؤد إلى انخفاض نسبة جرائم القتل.
وبسبب هذه العوامل جاء القرار الدولي متسقاً مع مفاهيم العقلانية وراحة الضمير الإنساني
أحمد البغدادي 25/12/2007
الاتحاد الاماراتية ‏

صحافة طائفية

أنحاز بحسم وبلا تردد إلي ما كتبه أستاذنا الكاتب الكبير صلاح عيسي في «المصري اليوم» يوم السبت الماضي، كاشفا حالة التسخين الطائفي، التي تسود بعض الأسبوعيات الخاصة في مصر، وأسانده في دعوته المهنية، إلي ضرورة وجود مدونة سلوك تمنع فريق مانشيتات الفتن الطائفية، من العدوان علي بلادنا أكثر من هذا الحد، بل أري في تقديري أن دور نقابة الصحفيين واجب حتمي لوقف هذه الهجمة الطائفية، التي تعتمد علي عناوين ساخنة، حول هروب فتيات مسيحيات أو تنصير مسلمات، أو استعداء علي الكنيسة،
أو رفع شعارات دينية إسلامية في غير موضعها المهني أو الوطني، وبلا معالجة مهنية صحيحة، بل بإصرار علي تسخين جبهة علي حساب أخري، وإيغار الصدور وتحريك نعرات الكرامة الدينية، وكأن هناك من يحرك كل هذا لمصلحة سياسية مخزية، أو لحسابات توزيعية رخيصة لصحف، كادت تفقد مصداقيتها المهنية، فباتت تبحث عن وقود آخر لوجودها في الشارع،
والأمر لم يعد خطراً علي مهنة الصحافة، بل صار لغما يهدد البلد وأمنه وحاضره ومستقبله، ومشروعه نحو الدولة المدنية.
المسألة رخيصة إلي درجة مكشوفة، فالمعادلة هي أنك كلما كنت طائفياً أكثر، كسبت جمهوراً أكبر لصحيفتك من بين حشود المتعصبين والمتطرفين، الذين يشتاقون لساحات القتال وصوت البارود ورائحة الدم علي الخناجر، لذلك لا مضمون لهذه الصحف، إلا كل ما يرضي النفوس العطشي للفتنة إثماً وعدواناً، لا فتاوي فيها إلا تلك التي تطعن الأقباط بسخف، لم يأت به شرع الله، ولا مقتطفات عن الإسلام إلا من قساوسة مارقين علي الكنيسة القبطية يحاضرون في الفضائيات، ولا يستمع إليهم أحد إلا عبر هذه الصحف، لا حديث إلا عن التبشير والتنصير.
هذه الصحف لا تري الناس إلا عبر الصلبان والأهلة، ولا تميز المواطنين إلا بالمصحف والإنجيل، وخانة الديانة في بطاقات الرقم القومي، تستفز بذلك مشاعر بعض المتطرفين، وأصحاب الأجندات السياسية وتيارات التطرف في دوائر العشوائيات.
والمؤسف، أنه لا حديث عن الوطنية إلا في هذه الصحف، ولا حديث عن الشرف إلا في هذه الصحف، ولا حديث عن اختراق مصر، وأمن مصر وسمعة مصر إلا في هذه الصحف، ويبدو لي أن هذه الشعارات الصاخبة لا هدف لها إلا التغطية علي أجندة طائفية مخططة، لا هم لها سوي إثارة المسلمين علي المسيحيين، والمسيحيين علي المسلمين، وتصيد الأخطاء، وتسخين المجتمع لمصلحة أطراف أخري أو لحسابات، تستهدف فوضي طائفية ينشط فيها أصحاب النعرات، ولا يربح فيها سوي تجار الحرب.
هذه الصحافة لا تري الإسلام كدين، بل تراه كقبيلة، ولا تري القرآن كنص روحي يساعد الضمائر علي الرقي، ويعين الأمم علي النهضة، بل تراه كدستور حرب، يقسم الأمم إلي معسكرات تتأهب للقتال، وهذه الصحف لا تري في الصحافة، إلا جسراً تعبر عليه لأهداف مختلفة.. مرة لتنشيط التوزيع قبلي وبحري، ومرة لبيع الصحيفة بالليرة السورية، ومرة أخري بيعها بالريال القطري، ومرة بيعها بالدينار الليبي أو الجنيه السوداني أو بكوبونات النفط، إن تعذرت السيولة، البيع هو الأساس، ثم تصرخ في الناس بالشرف والوطنية والتعبئة ضد الاختراق، بل أنتم أصل الاختراق في الحقيقة، بما تصنعونه من فتن، وبما تزرعونه من احتقان طائفي، وبما تفجرونه من نعرات رخيصة.

مصر مظلومة ببعض أهلها وكثير من صحفييها ونوابها ................الشرفاء!!
بقلم : خالد صلاح
المصرى اليوم

Monday, December 24, 2007

خلوة الصبايا

ليس مصادفة أن يتحول ما نقوله "شفاهة" إلي واقع مرير يسجل في أحكام قضائية،صحيح أن الحكم القضائي لم يصدر في مصر، ولم يصدر عن محكمة تطبق قوانين وضعية، بل عن محكمة "شرعية"، لكن الحكم ليس إلا "بروفة" لما يتمناه التيار السلفي للعالم العربي!. أحدثكم -هنا- عن "فتاة القطيف"، وهي -لمن لا يعرفها- شابة متزوجة تعرضت للخطف والاغتصاب الجماعي من 7 أشخاص، في السعودية، حين كانت في سيارة شاب يبتزها بصور شخصية، الأمر الذي اعتبرته المحكمة "خلوة غير شرعية" تستوجب معاقبة الفتاة بالجلد 90 جلدة، تم تشديدها إلي 200 جلدة وستة أشهر سجنا!!.
ومنذ وقعت الحادثة (فبراير العام الجاري) لم يهدأ المجتمع السعودي، ما بين جدل ومناظرات تليفزيونية، وبين إقصاء محاميها "عبدالرحمن اللاحم" عن القضية، وسحب ترخيص المحاماة منه، وتحويله إلي لجنة خاصة بتأديب المحامين!!.
الحكم -الكارثة وصلت أصداؤه إلي مؤتمر "أنا بولس"، واضطر الأمير "سعود الفيصل" للدفاع عن موقف بلاده أمام الصحفيين.
لكن الاحتجاج علي معاقبة "الضحية" لم يتوقف،فقد خرجت المظاهرات في الهند تندد بالحكم، وطالبت المرشحة لرئاسة الولايات المتحدة (هيلاري كلينتون) بإلغاء الحكم. خصوصا مع بشاعة معاقبة المغتصبة، والاكتفاء بمعاقبة المغتصبين بالسجن (مددا تتراوح بين سنة واحدة و 5 سنوات مع أحكام تتراوح بين 80 وألف جلدة)!!.
هل تجدون في تلك الواقعة "الشاذة" بروفة لسيناريو "مستقبل الرعب" في مصر؟.
إنها المقدمة الطويلة للدخول علي واقعة تسن أعرافا جديدة ذات مرجعية دينية، تروج لـ "بضاعة" تفتح أسواقا للنخاسة. في السعودية أصدر العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز أمراً بالعفو عن فتاة القطيف، استجابة لثورة العالم ضد الحكم. أما في مصر فهناك "كتائب منظمة" أشبه بـ "هيئة الأمر بالمعروف"السعودية تتسلل إلي المجتمع، وتفرض قانونها دون أن يمنعها أحد
. أليس "صبايا كافيه" الذي أسسته الفنانة المحجبة "حنان ترك" محاولة لـ "سعودة" المجتمع المصري؟.
إنها تقدم نموذجا فجا للاتجار بالدين، وتبدأ من "البضاعة" الأكثر رواجا في ذلك البيزنس الهائل(أي المرأة). "صبايا كافيه" مجرد مقهي وكوافير، أي أنه بحكم القانون منشأة سياحية، لكنها سياحة من نوع آخر.
فالمكان مغلق علي زبائنه من المنتقبات و المحجبات، ومحظور دخول المسيحيات أو غير المحجبات إليه!!. ودون الاستغراق في عبارات مطلقة عن العنصرية وتفتيت المجتمع إلي "صالحات" و"سافرات"،
دعونا نسأل هل من حق أي مواطن مسيحي أن يؤسس كافيه "للأقباط فقط"؟.
وكيف يتمكن أي مواطن من "غلق" مكان ما علي رواده (من الجنس الواحد)، بينهم من تخلع ملابسها لتقيس عباءة، أو تخلع النقاب لتحسي قهوة "حرة" مع رفيقتها. وكأنه مجتمع للشواذ جنسياً!!.
بالمناسبة أليس من حق الشواذ جنسيا -أسوة بصبايا حنان- أن يبتكروا أماكنهم الخاصة التي لا تتسلل إليها أي رقابة رسمية أو مجتمعية؟.
قطعا الشذوذ لا يعادل النقاب، لكن كليهما يقف علي أرضية واحدة : "كلاهما متمرد علي المجتمع، كل فريق يتمني أن يصبح "الأغلبية"، كلاهما يسعي لنشر "ميوله" وتعميم فهمه للجسد والعقل والدين والعادات علي باقي المجتمع"!!
وقبل أن تتباري "فيروسات الإنترنت" لمهاجمتي، قبل أن تشهر الأقلام لذبحي علي الملأ، أنا علي استعداد تام للدخول كطرف "فاعل" في بيزنس "للنساء فقط".
يمكن مثلا أن أروج له إعلاميا،أو أنقلب علي قناعاتي الأصيلة لأدافع عن حق المنتقبات في تخصيص منتديات خاصة، أو بلاجات مغلقة، أو فتح منازلهن لندوات دينية لنجوم الدعاة،دون وجود محرم معهن.
المهم أن أعرف الثمن المطروح من تلك الخلايا السرطانية التي تخترق المجتمع، فلو كان الثمن مغريا قد أزايد علي الجميع وأوزع النقاب مجانا من علي سلالم نقابة الصحفيين،وأطالب برجم السافرات في ميدان التحرير.
ولأنني لست ممن يحترفون "البيزنس" أيا كان نوعه، فلتكن يد الأخوات الصالحات ممدودة ترشدني إلي الطريق.
هل يتطلب الأمر مثلا أن أعمل (راقصة) عدة سنوات، ليصبح لتوبتي ثمن، ثم أتحول لداعية بعدها تتقاضي أجر المحاضرات بالدولار؟.
أم أتخذ من الأخت "حنان" القدوة وأظل أعمل بالصحافة لنشر الأقنعة التنكرية في شارع الصحفي؟.
حقيقي لا أدري من أين أبدأ، ربما لأن فكرة الاتجار بالوطن لصالح جماعات "الإسلام السياسي"، فكرة مرفوضة.
لكن "حنان" لعبت أدوار البطولة كثيرا، فالداخلية تآمرت عليها بتلفيق قضية دعارة، لكنها صمدت بفضل دعم حماتها!، ثم تآمر عليها زوجها وترك كلبه يدنس سجادة الصلاة!.. ليكن الطلاق إذن.
الآن يحاربونها في رزقها.. لكن رزق "الصبايا" واسع!!.
للأسف لقد دخل البلد شرنقة السعودة.. لو كان القانون يسمح بخلق "جيتو للمنقبات"،فلابد أن يسمح الدستور بتأسيس أحزاب دينية.
ولو كانت شرطة السياحة لا تستطيع أن تنتهك حرمة "صبايا حنان"،فلتحترم كل "خلوة" بين اثنين دون النظر لشرعيتها..
فالمجتمعات المغلقة عادة تكون مظلة العلاقات المثلية
بقلم : سحرالجعارة
جريدة الفجر