Monday, November 26, 2007

الدولة الدينية خطر كبير ‏وسوف تؤدي لتقسيم مصر

الحكومة تستخدم إستراتيجية البديل المستحيل مع "الإخوان"

ثنائية الدولة والتيار الديني سبباَ في انسداد الأفق‏


محمود أباظة هو الرئيس الخامس لحزب الوفد، أقدم الأحزاب السياسية في مصر والحزب الوحيد ‏الذي استمر منذ الفترة الملكية حتى الآن، وتم حظره عام 1954 ضمن بقية الأحزاب التي كانت قائمة ‏وقتها، وقد عاد الحزب للحياة السياسية عام 1978 حيث تولى رئاسته أحد زعمائه التاريخيين هو فؤاد ‏سراج الدين - سكرتيره العام نهاية الأربعينيات ورفيق كفاح مصطفى النحاس- حتى توفي عام ‏‏2000 فتولى الرئاسة نائبه الأول نعمان جمعة أستاذ القانون والمحامي الشهير والذي أدار الحزب ‏بطريقة فردية ومستبدة، وحاد به عن مبادئ الوفد التليدة حتى اعتبر المراقبون المرحلة التي تزعم ‏فيها الوفد قطعاَ مع تاريخ الوفد، وأقيل نعمان جمعة عام 2006 وانتخب محمود أباظة رئيساَ للحزب ‏بأغلبية كبيرة، إلا أن نعمان جمعة ومناصروه لم يرتضوا الإقالة، واقتحموا الحزب بقوة السلاح ‏صبيحة الأول من أبريل 2006، فتنادى أعضاء الحزب في القاهرة والجيزة وتجمعوا أمام القصر ‏الشهير في الجيزة حيث مقر الحزب العريق في محاولة لاستعادته، فكانت مجزرة لم تشهدها الحياة ‏السياسية في مصر طوال تاريخها، أصيب فيها سبعة وعشرون وفدياَ برصاص أحد أنصار نعمان ‏جمعة الذي كان متحصناَ داخل إحدى غرف القصر، وبعد ثمانية ساعات كاملة ووسط الدماء ‏والخراب والحرائق التي أشعلها أنصار جمعة داخل مقر الحزب أستطاع شباب الحزب أن يحطموا ‏الأسوار ويستعيدوا حزبهم من أيدي المعتدين.‏ومحمود أباظة واحداَ من جيل لم يشهد الوفد القديم، فهو من مواليد عام 1948، وهو محام درس ‏القانون في جامعة القاهرة، وأكمل دراساته العليا في القانون الدولي في فرنسا، وعمل محامياَ في ‏باريس، وعاد للقاهرة ليعمل محامياَ بها في سبعينيات القرن الماضي، ثم ترك المحاماة ليتفرغ للعمل ‏السياسي والحزبي، وهو سليل عائلة من أعرق العائلات في مصر ويمثل بلدته (التلين – محافظة ‏الشرقية) في البرلمان منذ سنوات طويلة، وأباظة مثقف من العيار الثقيل يقرأ بعدة لغات، وهو فضلاَ ‏عن ثقافته القانونية الرفيعة، قارئ جيد للتاريخ، وعلى اطلاع واسع بما يجري في العالم كله. ‏الحوار المتمدن التقت محمود أباظة، وكان معه الحوار التالي:


نبدأ بما أطلق عليه "الائتلاف الديمقراطي" أو الجبهة التي شكلتها أربعة أحزاب ‏معارضة، ما هي أهدافها؟

• هذه الجبهة تشكلت مؤخراَ من أحزاب "التجمع" و"الناصري" و"الجبهة الوطنية" ‏و"الوفد" نتيجة للدعوة التي قدمها حزب الوفد لإجراء حوار وطني واسع حول كافة ‏القضايا وقد توصلنا إلى وضع ميثاق مشترك يتضمن ثلاث قضايا رئيسة، هي ‏الإصلاح السياسي،

والإصلاح الاقتصادي، والإصلاح الاجتماعي.


وما هي أهم ملامح هذا الميثاق؟

الإصلاح السياسي ملامحه معروفة ومتفق عليها ونحن ندعو في هذا الصدد إلى تداول ‏حقيقي للسلطة في كافة المواقع، واستقلال تام وغير منقوص للقضاء، وحرية رأي ‏كاملة وغير منقوصة. وفيما يتعلق بالجانب الاجتماعي فنحن نطالب بسياسة اقتصادية ‏واجتماعية تضع حداَ لظاهرة التهميش الاجتماعي والاقتصادي، فليس مقبولاَ مثلاَ أن ‏يكون في مصر 2 مليون طفل شوارع، فقد وصلنا إلى مرحلة من التهميش الاقتصادي ‏الحاد الذي يجعل تلك الأسر لا تستطيع حتى الحفاظ على أبنائها. وفي الجانب ‏الاقتصادي نطالب بسياسات جادة لإصلاح الاختلالات الاقتصادية، وبالطبع فليس ‏هناك خلاف حول حرية السوق، ولكن يجب أن تكون هناك سياسات لإصلاح اختلالات ‏السوق

.‏•

ولكن البعض يعتقد أن الأوضاع في مصر تستعصي على الإصلاح؟

• بالفعل الأوضاع أسوأ مما نتصور، ولكنها لا تستعصي على الإصلاح، نحن في مصر ‏نشبه مجموعة من الأشقاء يمتلكون بيتاَ للعائلة، إلا أن أحدهم استأثر بالبيت وطرد ‏الآخرين منه، ومهمتنا الآن أن نعيد بقية المصريين لبيت العائلة ونضع حداَ لهذا الشقيق ‏الذي اغتصب البيت وطرد إخوته.‏•


وهل كانت هناك ثمة خلافات حول هذا الميثاق بين الأحزاب الأربعة المكونة للجبهة ‏خاصة وأن حزبي "الوفد" و"الجبهة الديمقراطية" لهما توجه ليبرالي، وحزبا "التجمع" ‏و"الناصري" لهما توجه اشتراكي؟

• كانت هناك خلافات بسيطة تم تجاوزها خاصة أننا نعمل في إطار جبهة تقوم على ‏الأشياء المشتركة المتفق عليها وهي كثيرة جداَ، وقد تناقشنا كثيراَ ووصلنا لاتفاقات ‏جيدة، والمشكلة التي يتفق عليها الجميع في مصر أننا لا يوجد لدينا تداول للسلطة، ‏ولدينا قوتين فاعلتين في المجتمع هما الدولة والتيار الديني، وأنا أقول الدولة وليس ‏الحزب الوطنيإستراتيجية البديل المستحيل


أنت تفترض إذاَ أن الدولة والحزب الوطني الحاكم كياناَ واحداَ؟

• نعم، وإذا أخرجت الدولة من الحزب الحاكم لن يكون هناك حزب ولا حاكم، المهم أن ‏هذه الثنائية (الدولة والتيار الديني) هي التي تسد الأفق وتجعل المستقبل غامضاَ ‏وبالتالي يجب فتح هذا الانسداد بوجود قطب ثالث، وكل من التيار الديني والدولة ‏‏"مرتاح" لهذه الثنائية، فالتيار الديني يعمل خارج قيود الشرعية التي تكتف بقية ‏الأحزاب والقوى السياسية المعارضة، وهنا هو مستفيد مرتين الأولى لأنه يبدو كضحية ‏والناس تتعاطف دائماَ مع الضحايا، والثانية أن من لا يطيق الوضع القائم لا يجد أمامه ‏سوى الإخوان، والدولة أكثر حرصاَ على هذه الثنائية حتى يكون البديل الوحيد لها بديلاَ ‏غير مقبول.‏


تقصد إستراتيجية البديل المستحيل؟

• بالضبط ... تماماَ، ولكن المشكلة التي قد لا يدركها أولي الأمر في الدولة أن البديل ‏المستحيل يمكن أن يتحول في يوم من الأيام إلى البديل الوحيد، لأن قوى التغيير يمكن ‏أن تتجمع في لحظة واحدة رغم كل تناقضاتها، وإلا فهل كنت تتصور في يوم من الأيام ‏أن "العماد ميشيل عون" يمكن أن يتحالف مع حزب الله في لبنان.‏


وهل الجبهة التي شكلتموها مفتوحة لانضمام أحزاب أو قوى سياسية أخرى؟

• نحن لدينا برنامج واسع أعتقد أن معظم المصريين متفقين عليه، والباب مفتوح لانضمام ‏كافة القوى والتيارات السياسية الموجودة في المجتمع.


بما فيها الإخوان المسلمين؟

• نحن نتحاور مع الإخوان المسلمين ونلتقي بهم ونتفق معهم في كثير من المطالب التي ‏يتفق عليها الشارع السياسي في مصر، ولكننا نختلف معهم جذرياَ في مسألتين ‏أساسيتين هما "المواطنة" و"الوحدة الوطنية"، فنحن نعتبر أن المواطنة هي المناط ‏الوحيد للحقوق والواجبات، وأنه لا يجوز التفرقة بين الناس على أساس الدين أو ‏المذهب أو العرق أو الجنس، وإخضاع المواطنة لأية مرجعية دينية يعد مساساَ بالوحدة ‏الوطنية، وهو هنا مساس بأهم ثوابت الوفد الذي قام منذ ما يقرب من 90 عاماَ على ‏ركيزتين أساسيتين هما: سيادة الأمة بمعنى الاستقلال في مواجهة الخارج الذي كان ‏المحتل حينئذ، واستقلال الإرادة تجاه الحاكم في الداخل، والركيزة الثانية هي الوحدة ‏الوطنية، وفي أدبياتنا أن المجتمع الذي يهمش الفئات الأضعف أو الأقل عدداَ هو ‏مجتمع لا يمكن أن تلتئم فيه الوحدة الوطنية، ولهذا لا يمكن أن نلتقي سياسياَ مع ‏الإخوان.


‏• لكنكم تحالفتم معهم في الانتخابات التشريعية للعام 1984.

‏• نحن تحالفنا معهم في هذه الانتخابات على برنامجنا وشعاراتنا، وفؤاد سراج الدين ‏اشترط عليهم ألا يتسللوا إلى تنظيمات الوفد، وأن يلتزموا برأي أغلبية الهيئة البرلمانية ‏ومواقفها داخل البرلمان، وخلافنا الحالي معهم يتعلق بمسألتي الوحدة الوطنية والدولة ‏الدينية.‏خطر كبير


إذاَ أنتم ترفضون الدولة الدينية؟

• نحن نرفض تماماَ الدولة الدينية لأسباب كثيرة أهمها أنها قد تؤدي لتقسيم مصر إلى ‏دولتين على الأقل، فعندما يكون لدي في العمل السياسي مرجعية دينية في مجتمع يدين ‏بديانتين مختلفتين فإنني سوف أصل بالضرورة إلى دولتين.


‏• ولكن ألا ترون أن الدولة الدينية خطر على المسلمين أيضاَ؟‏

• بالطبع خطر كبير لأنها تؤسس للشقاق، لأنني بداية لو سمحت بقيام حزب على أساس ‏مرجعية دينية، فلن يكون لدينا حزباَ واحداَ ذو مرجعية إسلامية، بل سيكون لدينا حزباَ ‏للإخوان وحزباَ للجماعة الإسلامية وحزباَ لتنظيم الجهاد وحزباَ للسنة وحزباَ للشيعة، ‏وعل الناحية الأخرى سيكون لدينا حزباَ للأرثوذكس وحزباَ للكاثوليك وحزباَ ‏للبروتستانت، وكما تعلم فهناك أربعة أحزاب دينية إسلامية تحت التأسيس الآن أحدها ‏هو حزب الإخوان المسلمين. ومن ناحية أخرى فإنه من غير المقبول أن نعود إلى ‏الوراء، فنحن كنا في دولة دينية دامت حوالي 1300 سنة هي الخلافة، وقد تجاوزناها، ‏كما كانت الإمبراطورية الرومانية دولة دينية في أوروبا ثم تجاوزتها المجتمعات ‏الأوروبية، والبشرية كلها بدأت بالخلط بين الدين والدولة، وانتهت إلى الفصل التام ‏بينهما.‏


ولكنهم يقولون أن الإسلام دين ودولة، ويزعمون أن الدولة الدينية كانت قائمة في عهد ‏الخلفاء الراشدين؟

• هذا ليس صحيحاَ، الإسلام دين ودنيا، ولكنه ليس دين ودولة، ولم يكن أبداَ كذلك، ‏والدليل أنه عندما توفي الرسول (صلعم) اختلف أصحابه فيما بينهم، لم يختلفوا على ‏الدين ولكن اختلفوا على الدولة، معنى ذلك أن الدين ترك الدولة للناس، ولو كان الله ‏يريد الدولة الإسلامية لكان قد نظمها كما نظم المواريث والزواج والطلاق، والصحابة ‏هم أول من اختلفوا على الدولة وتحاربوا وتقاتلوا وقتل بعضهم بعضاَ.‏انقسامات كثيرة•


كان حزب الوفد القديم تاريخياَ من دعاة الوحدة العربية، وكان زعيمه مصطفى النحاس ‏وراء إنشاء الجامعة العربية عام 1945، فلماذا تراجعت اهتمامات الحزب عربياَ في ‏السنوات الأخيرة؟

• اهتماماتنا العربية لم تتراجع، ولكن المسألة مسألة أولويات، والمشاكل الداخلية في ‏مصر كثيرة جداَ لدرجة تبعدنا عن الاهتمام بعلاقات الحزب الخارجية، ولكن الوفد كان ‏دائما له مواقف مشهودة ومتميزة في كل القضايا العربية، فقد كنا أول من اتخذ موقفا ‏صلباَ ضد الغزو العراقي للكويت، وأيدنا الحل العسكري لتحرير الكويت في الوقت ‏الذي كان هناك تيار عارم في مصر والعالم العربي ضد التدخل الأميركي، وضد ‏مشاركة قوات عربية معه، وقد تسببت هذه المسألة في انقسامات كبيرة داخل العديد من ‏الأحزاب المصرية، ولكن فؤاد سراج الدين قال في خطابه الشهير عقب الغزو مباشرة ‏‏" أن ما فعله صدام حسين أصاب حلم الوحدة العربية في مقتل، وأنه تفكيك للتضامن ‏العربي لأن كلاَ منا أصبح يخشى غدر الشقيق، كما كان لنا موقفاَ أيضاَ من العدوان ‏الإسرائيلي على لبنان.


‏• والآن كيف ترون الأوضاع العربية؟

• العالم العربي كله في مفترق طرق، وهذه المنطقة كلها على حافة بركان، ونحن نعيش ‏فترة استثنائية جداَ وخطيرة بسبب الأزمة العراقية التي أدخلت الفيل الأميركي في ‏‏"متجر (أطقم المائدة) الصيني" فأخذ يكسر كل شيء، وما يحدث في إيران (الخلاف ‏النووي الأميركي الإيراني) وفي سوريا وفي لبنان وفي جنوب تركيا في السودان، كل ‏هذه الأحداث لا يمكن أن نفصلها عن الأزمة العراقية، وأنت مثلاَ لا يمكن أن تطالب ‏إيران أن تتراجع عن برنامجها النووي بينما هناك مائة وستون ألف عسكري أميركي ‏على حدودها الغربية.


‏• ولكن ديكتاتورية النظام العراقي هي من أتى بالفيل الأميركي للمنطقة؟

• نظام صدام حسين يندر أن تجد نظاماَ أسوا منه في العالم، ولكن العلاج كان خاطئاَ، ‏وهناك أشياء عندما تنكسر لا يمكن إصلاحها، وفي أحد اللقاءات مع "كوندوليزا ‏رايس" قلت لها أن هناك أغنية إنكليزية للأطفال تقول ما معناه " أن هناك بيضة وقعت ‏فانكسرت، واجتمع كل عساكر الملك ولم يستطيعوا أن يعيدوها.‏كلنا شركاء


وما العمل في رأيكم؟

• للأسف كلنا شركاء فيما وصلت إليه الأحوال العربية، فخلال الربع قرن الأخير كانت ‏هناك إرهاصات كثيرة تنبئ بما نحن فيه، العديد من الأزمات تعاملنا معها بإهمال ‏وبعدم اكتراث، مثلاَ نحن ارتكبنا خطيئة كبرى بمساندة العراق في حربه مع إيران، في ‏الوقت الذي كان يجب أن نبذل جهداَ لوقفها.


‏• تقصد مصر؟

• ليست مصر وحدها بل الكويت والسعودية، جميعهم ساعدوا نظام صدام حسين بالمال ‏والسلاح في الحرب العراقية الإيرانية، كما تركنا لبنان رهينة لسوريا وتأخر الحل الذي ‏تم في "الطائف" 15 سنة كاملة.


‏• والسودان؟

• ما يحدث حالياَ، وما يمكن أن يحدث مستقبلاَ في السودان هو نتيجة لإهمال السياسة ‏المصرية للسودان طوال عدة عقود، والسودان معرض للتقسيم حالياَ، ونحن في حزب ‏الوفد لدينا علاقات جيدة بكافة الأطراف السودانية ولكننا لا نستطيع التأثير، ونطالب ‏الحكومة المصرية بأن تتدخل بما لديها من تأثير لدى كافة الأطراف السودانية، ولقد ‏قال لي مرة الزعيم الجنوبي الراحل "جون جارانج" أن البديل لوحدة السودان ليس ‏تقسيمه لدولتين، ولكن لعدة دويلات صغيرة وضعيفة


.‏• ولكن "جون جارانج" هذا خاض حرباَ طويلة من أجل استقلال الجنوب؟

• لا ... لقد كان مناوراَ كبيراَ، كان يحارب من أجل الضغط على حكومة الشمال لأنه كان ‏يريد أن يحكم السودان كله ... السودان الموحد.‏•


وهل لديكم علاقات مع أحزاب عربية؟

لدينا علاقات قوية وتاريخية مع حزب الاستقلال المغربي، وتاريخياَ كان للوفد علاقات ‏قوية مع الزعيم المغربي "علال الفاسي" في المغرب، ومع "الحبيب بورقيبة" في ‏تونس، وأنا كعضو في البرلمان المصري لدي العديد من العلاقات مع زملائي في ‏البرلمانات العربية


وهل تعتقدون بوجود ديمقراطية في العالم العربي؟

• نعم، وإلى حد كبير، في بعض الدول مثل لبنان والمغرب والكويت، وأذكر أنني ‏حضرت في فبراير الماضي برفقة وفد برلماني مصري إحدى جلسات مجلس الأمة ‏الكويتي وكانت مخصصة لمناقشة استجواب برلماني مقدم ضد وزير الصحة الكويتي ‏وقتها وهو الشيخ احمد العبد الله الصباح، وقد استمرت تلك الجلسة حوالي ست ساعات ‏وكانت المناقشات ساخنة جداَ من مقدم الاستجواب وبقية النواب، رغم أن الوزير ‏المستجوب كان أميراَ، وتم استكمال المناقشات في جلسة أخرى لم نحضرها وفي ‏نظري هذه ديمقراطية كبيرة. وقد قلت لأعضاء البرلمان الكويتي أن ما يجمع بين ‏مصر والكويت هو ارتباط الاستقلال بالديمقراطية في كل منهما، فقد أنشأتا برلمانيهما ‏عقب الاستقلال مباشرة، وقبل الاستقلال كان الكويتيون يبحثون مسألة الدستور،ولذلك ‏فقد استقطبت الكويت كبار فقهاء القانون الذين خرجوا من مصر في الستينيات أمثال ‏الدكتور وحيد رأفت الذي عمل مستشاراَ دستورياَ في الديوان الأميري، والدكتور ‏عثمان خليل الذي ساهم في إعداد الدستور الكويتي، والفقيه القانوني الكبير الدكتور ‏السنهوري وغيرهم، واستقطاب هذه العقول يكشف عن توجه الكويت نحو سيادة ‏القانون والديمقراطية منذ وقت بعيد.


‏• كنتم شركاء في مرحلة نعمان جمعة، ثم اختلفتم معه؟

• أولاَ نحن ليس لدينا مراحل، ونحن أيضاَ كنا شركاء في مرحلة فؤاد سراج الدين، ‏وكان نعمان جمعة شريكاَ فيها، بل كان نائباَ أول لرئيس الحزب وكان يعمل مع فؤاد ‏سراج الدين، وكان قريباَ جداَ منه.‏‏


إذاَ ماذا حدث؟

• المشكلة أن فؤاد سراج الدين كان له "كاريزما" خاصة، وذلك لأسباب شخصية ‏وتاريخية ولأنه كان سكرتير عام الوفد القديم، وكان ذو شخصية قوية جداَ فكانت ‏الفترة التي تزعم فيها حزب الوفد تتميز بنوع من النظام الأبوي لإلى حد ما، لكن لا ‏يستطيع أن ينكر أحد أن سراج الدين برغم ذلك كان ديمقراطيا، وذلك بحكم تربيته ‏والمناخ الذي عاش فيه، ولأنه ينتمي إلى جيل يعرف كيف يتفق وكيف يختلف، في ‏تلك الفترة كان رئيس الحزب يملك سلطات كثيرة وكانت مدة رئاسته غير محددة.‏•


وما المشكلة؟

• المشكلة أن نعمان جمعه فاته أن ما كان يصلح لفؤاد سراج الدين لا يصلح لغيره، ‏وفاته أن سراج الدين لم يكن يستمد تلك السلطات من كونه رئيساَ للوفد، ولكن رئاسة ‏الوفد هي التي استمدت هذا النفوذ وهذا التأثير من شخصه، وبالتالي عندما حاول ‏نعمان جمعة أن يستمر بهذه الطريقة أخطأ أخطاء كبيرة، ثم تراكمت هذه الأخطاء، ‏ونحن تحملناه في البداية على أنها مسألة مؤقتة إلى أن انفجرت الأزمة.‏


وما هي نقطة التحول التي فجرت الأزمة؟

• نقطة التحول كانت انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2005 التي ترشح فيها نعمان ‏جمعة، فقد كان يأمل أن يكون مرشح المعارضة الوحيد، خاصة بعد اعتذار خالد ‏محيي الدين وضياء الدين داوود وعدم رغبة رفعت السعيد في التقدم للانتخابات، ‏وكان يأمل أن يتم منع أيمن نور من التقدم لتلك الانتخابات.‏•


لماذا؟

• لأنه كان يكرهه، ولأسباب كثيرة منها أنها كان متصوراَ أن السماح لنور بحزب ‏سياسي مؤامرة حكومية وسياسية على الوفد وعليه شخصياَ، ولذلك أدار جمعة الحوار ‏منفرداَ مع الأحزاب حول انتخابات الرئاسة، وعندما لم يتحقق له أن يكون مرشح ‏المعارضة الوحيد قرر عدم التقدم للانتخابات.


‏• ولكنه في النهاية تقدم وخاض تلك الانتخابات؟

• من هنا بدأت الأزمة الحقيقية ففي اجتماع الهيئة العليا لحزب الوفد المخصص لمناقشة ‏الموضوع كان قد أعد ورقة تتضمن إعلان الحزب عدم خوض الانتخابات، وفوجئ ‏برفض الأغلبية لاقتراحه، وكانت تلك أول مواجهة علنية بينه وبين الهيئة العليا ‏فاضطر للرضوخ ولكنه أدار المعركة بشكل سيئ، وخلال الفترة التالية استطاعت ‏مؤسسات حزب الوفد أن تفرض التغيير بدون انقلاب وبدون عنف.‏قمة العنف•


وما حدث في أول أبريل، أليس قمة العنف؟

أم كان محاولة انقلاب مضادة؟

• ما حدث في أول أبريل كان قمة "البلطجة" وكان انقلاباَ مضاداَ بكل معنى الكلمة، ‏وهو مسألة تأتي خارج السياق السياسي والديمقراطي تماماَ فعقب الانتخابات ‏الرئاسية تفاقمت الأزمة بين جمعة وكافة مؤسسات الحزب فقررت إقالته ولكن تم ‏إرجاء الأمر حتى انتهاء الانتخابات التشريعية في ديسمبر 2005، ثم اجتمعت الهيئة ‏العليا للحزب في 18 ديسمبر وجددت به الثقة شريطة أن ينفذ قراراتها التي تتضمن ‏إلغاء العديد من قراراته المنفردة المتعلقة بالحزب والجريدة إلا أنه حاول الالتفاف ‏على قرارات الهيئة العليا بل حاول تغيير هياكل الحزب بشكل منفرد، وفي الاجتماع ‏التالي للهيئة في 18 يناير 2006 رفض عقده فانتقلنا إلى غرفة أخرى فحاول عرقلة ‏الاجتماع عن طريق بعض الخارجين على القانون الذين استقدمهم من خارج الحزب ‏إلا أن الاجتماع تم وقررت الهيئة العليا إقالته بأغلبية 34 صوتاَ من 42 عضواَ ‏حضروا الاجتماع، فرفض التوقيع على القرار أو تنفيذه ورفض تسليم مكتبه فتم دعوة ‏الجمعية العمومية في 10 فبراير فصدقت على قرار إقالته بأغلبية 95% من أعضائها ‏وتم تغيير اللائحة بتحديد مدة الرئاسة بأربعة سنوات تجدد لمرة واحدة فقط وهو الأمر ‏الأهم بالنسبة لنا، فاتفق مع المحامي أحمد ناصر على اقتحام الحزب بقوة السلاح ‏وبمساعدة الخارجين على القانون، وكان ما كان في أول أبريل.‏•


ولكنكم كنتم طوال تلك الفترة تحتفظون بعلاقات جيدة مع نعمان جمعة؟

• الخطأ في ممارسة السياسة مسألة واردة دوماَ وهي مسألة تغتفر في العمل السياسي، ‏أما الخطأ الأخلاقي فلا يمكن تجاوزه أو التسامح فيه، لقد حاولت من جانبي منذ يناير ‏حتى نهاية مارس 2006 التفاوض مع جمعه، وعرضنا عليه تعيينه رئيساَ شرفياَ ‏للحزب – بلا سلطات – مدى الحياة، ولكنه رفض كل العروض، وكان ما حدث في ‏أول أبريل فكانت القطيعة الدائمة لأنه صار بيننا وبينه دماء سبعة وعشرون وفدياَ ‏أصيبوا في تلك الأحداث.


‏• وهل تعتقدون أن جمعة كان لديه ضوءاَ أخضر من أطراف في السلطة لاقتحام ‏الحزب وقتها؟

• لا أعلم، ولكنه كان رئيساَ للحزب فترة طويلة ولديه الكثير من العلاقات، وأنا أعتقد ‏أن وجود حركة إصلاحية داخل حزب سياسي تنجح وتفرض التغيير السلمي من ‏خلال مؤسسات الحزب أثار مخاوف وارتباك العديد من الجهات،ولكنني أعتقد أيضاَ ‏أنه لولا وجود المحامي أحمد ناصر و"البلطجية" الذين أحضرهم من قريته (ناهيا) ‏ومن المنصورة لما كان قد حدث ما حدث.


وهل التقيتم بصفوت الشريف وجمال مبارك أثناء تلك الأحداث كما تردد؟

• هذا الكلام ردده نعمان جمعة وأنصاره، كما رددوا أننا خونة وعملاء لأمريكا، لكنني ‏أؤكد لكم أنني لم ألتق بصفوت الشريف سوى بعد تلك الأحداث وبعد استقرار ‏الأوضاع في الحزب بعدة شهور أثناء مناقشة التعديلات الدستورية، وقد تم اللقاء في ‏مكتبه وبطلب منه، وعلى ما أتذكر كان حاضراَ وقتها الدكتور مفيد شهاب وجمال ‏مبارك وتناقشنا فقط في وجهة نظر الوفد حول تلك التعديلات.‏


هل يمكن أن تلخص لنا وجهة نظر حزبكم في تلك التعديلات ؟

‏• نحن اقترحنا أن يقر الدستور حق البرلمان في إقالة الحكومة دون تعليق الأمر على ‏استفتاء شعبي، ورفضنا المادة 76 المتعلقة بحق الترشيح لرئاسة الجمهورية، ‏ورفضنا المادة 179 التي تقضي بتعطيل البابين الأول والثاني من الدستور الخاصين ‏بالحريات العامة عند تطبيق قانون مكافحة الإرهاب، واختلفنا حول مسألة الإشراف ‏القضائي على الانتخابات، وتقدمنا باقتراحات تتعلق ب16 مادة من ال34 مادة التي تم ‏تعديلها، كما أننا قبلنا مادة المواطنة وبعض المواد الأخرى.


• ولكنكم تطالبون الآن بتغيير الدستور وتقولون أنكم بصدد إعداد مشروع دستور ‏جديد؟

• نحن نطالب بانتخاب جمعية عمومية لإعداد دستور جديد، ووضعنا عدداَ من المبادئ ‏العامة، ولكن لا يمكن لأي حزب أو تيار سياسي أن ينفرد بوضع الدستور لأنه يجب ‏أن يكون هناك توافق واسع من كل القوى حول ذلك الدستور.‏


• ولكن هل تعتقدون أن المناخ السياسي والاجتماعي الحالي في مصر مهيأ لوضع ‏دستور جديد؟

• لا... فالمناخ الحالي سيئ، ولا يسمح بإقرار دستور جديد، ولكننا نعتقد أن الإصلاح ‏السياسي ضرورة وسوف يأتي في يوم ما، وعندما يأتي هذا اليوم فلن يخرج ‏الإصلاح عن المبادئ العامة التي أعددناها


وما السبب في هذا المناخ السيئ؟، وهل هناك حل؟

• السبب هو انسداد الأفق، والمشكلة تتلخص في أن المجتمع أصبحت تتنازعه ثلاثة ‏أضلاع للأزمة هي: الحنين إلى ماض لن يعود، وضيق بحاضر مر، وخوف من ‏مستقبل مجهول، وفي النهاية فإن هذه الأزمة لابد أن تنتهي، ولكن السؤال هو: سوف ‏تنتهي بأي ثمن؟، ومن الذي سوف يدفع الثمن؟. ونحن نسعى ألا يكون الثمن فادحاَ، ‏وهذا الوضع المزعج لن يتم حله إلا إذا تم حل مشكلة المستقبل المجهول، لأنه في هذه ‏الحالة سوف يكون الحاضر المر ممكناَ احتماله.


‏ملحوظة : هذا الحوار نشر في جريدة النهار الكويتية بتاريخ 26/11/2007




من أي باب* ندخل إليكِ يا مصر؟!

أمِـن بوابة التاريخ حيث تمدُّ الحضارة الإنسانية عنقـَها إلى السحاب ؟أم من نهر الثقافة وروافدها الإبداعية في الأدب والفنون؟كل المعابر كانت مفتوحة لمخيلتي التي وَجَدَت لفرضياتِها شكلاً وجسداً في مصر.لم تتمكن عجلةُ السياحة من أن تدهسَ هرمَ التركيبة المصرية ولا نكهتها المميزة. فالإنسان المصري يحملُ أكثر من روح وتسكنـُهُ حيوات منبعثة من حضارة فرعونية رَضَعَت آلاف السنين من النيل نَهدَ مصر والدنيا.ما من عِلم ٍ لم يبهَر أمام عظمة أهراماتها وألغازها وما مِن دولة لم تروِّج لجمالها السياحي مهما تنوعت الأحوال فيها وتلونت الفصول.سافرتُ إليها وكلي أمل في أن أفتحَ ولو نافذة صغيرة لم تمسها أيادٍ كثيرة، ليس طمعا ًبجديد ما، إنما مجرد رغبة مني في أن أنفخ "شوية تراب" عما طـَمَرَتهُ السنوات سهواً.سأكتبُ لكم عن "مشوار" مشيتُهُ في أزقة ضيقة ومتشعبة، تراصَّت على جوانبها معالم دينية، تراثية حضارية وثقافية قلما كرسَّت لها الوسائل الإعلامية المرئية والمكتوبة بعضاً من بثها وصفحاتها، إلا في مناسبات خاصة وضمن أطر ٍ وثائقية محددة.

-------------------------------------------

لطالما سلبتني المدن من تعب السفر وخطفتني كلما بدأت الطائرة تهبط تدريجياً على مدارج المطارات.لدى وصولي إلى مصر، بدت لي القاهرة مثل امرأةٍ هرمة مرتدية عباءة شفافة من الغبار. وغبتُ في السؤال .. أهكذا يبتلع التلوثُ بِضَبابِه السام مدنَ التاريخ؟... وبزغت شمسُ نهارٍ جديد لي في القاهرة. بعد فطور سريع في مطعم الفندق توجهت بعدها مع المرشد السياحي إلى الأهرامات بجولة صباحية مختصرة بعض الشيء قبل أن يلهـِب القيظُ الأرضَ والسماء.أبواب عدة تنفتح أمامك، هناك حيث تعجز الاستنتاجات والانفعالات عن التعبير. تكرُّ أمامك "مسبحة" من الفنون تعلق عينيك كالخرز في حبلها، ساحبةً إياها إلى البعيد دون أي شرح يفسر هذا السحر.بعد استراحة منتصف النهار، بدأ حر بعض الظهر يهدئ من استفحاله بالحجر وبالبشر. فتوجهنا إلى حي مصر القديمة. هناك يلفحُ وجهَـك نسيمٌ رطبٌ لا تعرف في بادئ الأمر من أي باب يدخل إلى أن تجول بعينيكَ في دورة استطلاعية للمكان وترفع رأسك إلى السماء كي ترى قبب الكنائس. حينها فقط تختفي الشمسُ خلفَ سحابٍ من البخورِ المبلولِ برحيقِ تراثٍ ديني عتيق وبدموع الفقراء الذين يستجدون شراءكَ لشيء ما من بضائعهم أو بالأحرى أي شيء كحسنة تطعمهم لنهار أو لأثنين ربما.تجولتُ في متاجر التحف والزينة التي هي بمعظمها ملكٌ للأقباط. كان لا بد لي أن أشتري ميداليتين تحمل اسمي واسم ابنتي باللغة الفرعونية القديمة، بالإضافة إلى شراء الصليب القبطي والذي هو في الأساس يصوِّرُ رمزاً من الرموز الهيروغليفية، قبل أن تعتمده الكنيسة إشارة ً للصليب.وبَـدأت رحلتي في عالم غيَّـبَني لبضع ساعات كي ينتقل بي من خلال معالمه إلى ماضٍ بعيد، مكتوف الأيدي يتضرع.. لكنه ليس بغائب عنا...إخترتُ من تلك المعالم التي زرتها عدة أماكن أفتح أمامكم أبوابها المطلة على شرفة مجد ٍ كان قد أعطِيَ لنا في زمن ما.

- حصن بابليون .. حيث بنى نبوخذ نصر قلعة بابليون عقب هدمه لأورشليميقع حصن بابليون في عمق حي مصر القديمة، عند محطة مار جرجس لمترو الأنفاق. أمر ببنائه الامبراطور الروماني تراجان فى القرن الثانى من العهد الرومانى في مصر وقام بترميمه وتوسيعه فيما بعد الإمبراطور الرومانى أركاديوس فى القرن الرابع. برجان كبيران يحضنان الحصن بنيَ فوق إحداهما الكنيسة المعلقة. شُيِّدََ أيضاَ في داخله المتحف القبطي وعند مدخل المتحف بُنيت كنيسة مار جرجس. أما من الجهة الشرقية والغربية نجد عدة كنائس ايضاً ومعبد بن عزرا لليهود. دخلتُ الى باحة الحصن وأنا أفكر كيف افترشَت بابل أرضَ مصر ولماذا ؟كتب يوحنا أسقف نقيوس في القرن السابع الميلادي بأن نبوخذ نصر كان قد بنى في نفس المكان قلعة قديمة سماها بابليون وذلك بعد استيلائه على مصر بسبب رفض اليهود لطاعته. وبعد أن هدم أورشليم قام بنفيهم وبسبيهم الى بابل. أعاد بناء الحصن تراجان عام 98 على نهر النيل ، عوضاً عن قلعة بابليون التي بناها الفرس في أعلى الجبل.أما المؤرخ ديودوروس فينص أن أسرى بابليون الذين سباهم رعمسيس الثاني رفضوا طاعته وثاروا عليه فاحتلوا القلعة يعد أن شنوا هجوماً على البلاد المجاورة لهم. ولم يكفوا عن القتال حتى عفا عنهم رعمسيس وسمح لهم بالإقامة في المنطقة التي احتلوها لتصبح مدينة لهم دُعيت "بابليون" مثل عاصمة بلادهم. هناك ايضاً نظرية تقول أن اسم بابليون يرجع إلى لفظة قبطية قديمة وتعني "بي حابى أن أون" أي مكان الإله حابي في مدينة هليوبوليس.

- الكنيسة المعلقة: سقف خشبي على شكل سفينة نوحهي من أهم الكنائس الأثرية القبطية الغنية جداً بالتراث الحضاري والديني. تقع في شارع مار جرجس بمنطقة "قصر الشمع". عُرِفت بكنيسة السيدة العذراء والشهيدة دميانة. سُميَت بالمعلـَّقة لأنها شُيدت فوق برجي حصن بابليون.أكتُشِفت في أسفل الكنيسة آثار لبقايا معبدٍ فرعوني وتقول بعض المصادر أنها في الأساس كانت معبداً فرعونياً، تحولت بعد ذلك إلى معبدٍ للرومان، فكنيسة لهم أيضاً ومن ثم كنيسة للأقباط، وبذلك يكون قد عاد الملكُ لأصحابه. هي الكنيسة الوحيدة التي لم يُبنَ لها أي قبة فاقتصر بناء سقفها على الخشب بشكل سفينة نوح كرمز للخلاص في المفهوم المسيحي.يوجد داخل أسوارها ثلاثة أحواض في إحداهم نخلتان يُقال بأنهما تحتلان مكان نخلتين سابقتين أكلت من ثمارهما العائلة المقدسة حين لجأت إلى مصر. أكـَّد المؤرخون على أنها أقدم كنيسة في العالم أقيمت فيها شعائر دينية مختلفة ولا تزال حتى يومنا هذا.

- كنيسة أبي سرجة: ملجأ العائلة المقدسة في مصرأنشئت هذه الكنيسة في أواخر القرن الرابع فوق المغارة التي لجأت إليها العائلة المقدسة عندها هربت إلى مصر خوفا ً من الملك هيردوس. تقع المغارة في الطابق السفلي للكنيسة وهي على عمق 10 أمتار تقريباً من مستوى سطح الأرض. لم نتمكن من النزول إليها بسبب المياه الجوفية التي تهددها وتشكل بعض الخطر على الزائرين. هذا بالإضافة الى انني لم أتمكن من تصويرها.يُقارن تاريخها بأهمية الكنيسة المعلقة. تهدمت في القرن العاشر الميلادي وأعيد بناؤها في العصر الفاطمي. تزدان جدرانها بأيقونات ثمينة جداً وكان يتوسطها مذبحٌ من خشب الجوز نُقِل إلى المتحف القبطي مع عدد كبير من الأحجار المنقوشة وباب محفور أيضا يعكس روائع الفن القبطي في القرن الرابع.

- كان في الأصل كنيسة للأقباطيقف على مدخل المعبد (الكنيس) عدة أشخاص مع رجال من الشرطة المصرية يطلبون من الزوار تسجيل أسمائهم قبل الدخول. هي أمور عادية لمبنى يهودي يقع في وطن عربي. إجراءات وتدابير أمنية لا بد منها طالما لا نزال نسبح في بحر ما يسمى بالعوم من أجل السلام الغارق بين طيات الاستسلام ومشتقاته. طلبوا منا أيضاً الإمتناع عن التصوير في الداخل علماً أن عدداً من المصورين كانوا يأخذون لقطات لفيلم وثائقي لإحدى المحطات الأميركية. وبدأ المرشد السياحي يشرح لي كيف تحول هذا المبنى من كنيسة قبطية إلى معبد يهودي.تروي الحكاية أن البطريرك البابا خائيل الثالث قد اضطر إلى بيع الكنيسة إلى اليهود كي يسدد مبلغ 200000 دينار من الذهب سنوياً كضريبة كان يفرضها عليه الحاكم الوالي أحمد بن طولون. أما اليهود فيقولون بأن النبي موسى قد صلى في هذا المكان وعاش في تلك المنطقة مما يوحي بأن كنيسة الملاك ميخائيل التي كانت تابعة للكنيسة المعلقة، قد بنيت على أنقاض هيكل قديم لليهود، وبدورهم اشتروا الكنيسة وحولوها الى معبد خاص يسمى بالـ"جنيزا" التي تعني مكاناً أميناً تُحفظ فيه أوراق ووثائق يُذكر فيها أسم الله ولا يجوز إبادتها وإنما يتم تخزينها في غرفة معزولة في الكنيس.من الأشياء المهمة التي عُثِرَ عليها في المعبد، توراة قديمة مكتوبة على جلد الغزال من حوالي سنة 475 ق.م. ولوح من الخشب منقوش عليه بالخط الكوفي ويشير الى زيارة عمرو بن العاص للمعبد.يبدو انه من فترة قصيرة جداً، في شهر تشرين الأول ووسط حضور ملفت ليهود لا زالوا يعيشون في مصر، تم الاحتفال بمناسبة مرور مائة عام على إعادة بناء المعبد في عام 1907.

- جامع عمرو بن العاص في نهاية الجولة توقفنا أمام جامع بناه عمرو بن العاص وكان يُسمى بمسجد الفتح أو المسجد العتيق وتاج الجوامع. في عام 564 هـ. إبان الحرب الصليبية، خاف الوزير شاور من احتلال مدينة الفسطاط فأشعل النيران واحترقت الفسطاط وتهدم جامع عمرو بن العاص. عندما ضم صلاح الدين الأيوبي مصر إلى دولته، أمر بإعادة إعمار المسجد من جديد عام 568 هـ، فأعيد بناؤه وسمي بجامع عمرو بن العاص الذي كان منذ إنشائه مركزا لحكم الدين الإسلامي في مصر

.- - - - - - - - - - - - -

هي بضع ساعات أمضيتها في حي مصر القديمة. هناك يرقص الفرح على أنغام الحنين ألماً، والحزن على

الأطلال فرحاً. تضج ضحكات السياح وهمسات كاميراتهم غير آبهة بدموع الفقراء في الأزقة. وحين قلت أمام المرشد السياحي والسائق"أي عدل هذا يفرض على صاحب الحق أن يستجدي الحسنة على ملكه؟"أجابني السائق (محمد) بروحه المرحة (التي خففت عني الكثير من القلق والخوف من قيادته للسيارة واندفاعه على المشاة أحياناً): "إحنا أكثر من 60 مليون يا مدام، ملك ايه وبتاع ايه؟!!"نعم يا محمد، أنتم أكثر من 60 مليون اليوم ولكن سر الفقر يكمن في سياسة أنظمة جشعة لا ترى أبعد من أنفها وتحكم رغم أنوف شعوبها. فالفوارق الإجتماعية الصارخة في الشارع المصري وفي دول عربية أخرى، هي في تجدد دائم طالما نستمر بحل مشكاكلنا وإشكالاتها بـ"كليشيه" نعمل ايه، ملتفتين الى تاريخ بات هو ايضاً يهرب منا الى الغرب تاركاً عطوره في عباءة شرق مغدور به، مجروح .. نازف.


* باب : من وحي نص قرأته لأديب عراقي




لا تقولوا أن -الفلوس- هى السبب

كنت آتصور أن حكومة الدكتور احمد نظيف سيجافيها النوم، ولن يغمض لها جفن، وهى ترى السعودية تقوم بتنفيذ فكرة الدكتور أحمد زويل بإنشاء مركز علمى متفوق سبق أن اقترح إقامته فى مصر ونجح سوء تدبير هذه الحكومة فى "تطفيش" الرجل وقتل مبادرته.


وبينما تبنى العاهل السعوديى، الملك عبد الله، فكرة العالم المصرى الكبير، ونجح فى إقناعه بالانضمام إلى المجلس الاستشارى العالمى "لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا"، والتى تقوم على نفس فلسفة المشروع الذى اقترحه زويل على حكومة نظيف لبناء صرح علمى عصرى مصرى، ..، كان "النجاح" الكبير لحكومتنا الموقرة هو أنها جعلت العالم المصرى والعربى الوحيد الحائز على جائزة نوبل فى العلوم يضع أصابعه العشرة فى الشق ويرفع راية الاستسلام ويتخلى عن حلم إنشاء مركز علمى حديث على ضفاف النيل.ولم يكن صعباً على الزميل مجدى مهنا أن يكتشف "إن جامعة الملك عبدالله هى الأقرب إلى فكرة الدكتور أحمد زويل بإنشاء مركز علمى، كالذى اقترح تنفيذه فى مصر" لكن "الذى حدث بعد ذلك عرفناه .. انها البيروقراطية المصرية، والغيرة من أن ينسب نجاح الفكرة إلى الدكتور زويل". واختتم مجدى مهنا رصد لهذه المفارقة المحزنة بقوله "أسعدنى أن يتبنى الملك عبدالله فكرة الدكتور زويل وأغضبنى أن تعارض مصر الفكرة".واختلافى البسيط مع صديقنا العزيز مجدى مهنا هو أن "مصر" لم تعارض الفكرة، وإنما التى عارضتها وأحبطتها هى حكومة قصيرة النظر وبيروقراطية طويلة اليد واللسان.وعلى عكس هذه الحيل والمكائد البيروقراطية المصرية السخيفة التى أغلقت أبواب الأمل أمام حلم إنشاء صرح علمى مصرى نجد سلوكاً سعودياً مناقضاً على طول الخط، نجح الزميل أحمد المسلمانى فى تجسيده لنا من خلال أداء صحفى محترم، حيث قام بالاتصال بالدكتور أحمد زويل وسأله عما جاء فى مقال مجدى مهنا وعن ظروف عضوية فى المجلس الاستشارى العالمى فى جامعة الملك عبدالله. فقال زويل لأحمد المسلمانى " زرانى وزير البترول السعودى المشرف على المشروع فى مكتبى فى الولايات المتحدة. وعرفت منه مدى استعداد المملكة لمشروع ضخم كهذا. وحين اجتمعنا نحن أعضاء المجلس الاستشارى العالمى – الذى يضم عشرة أعضاء من الشخصيات العلمية البارزة فى العالم من بينهم شخصية سعودية واحدة – وجدنا الجدية الكافية. وقررنا الاستقلالية الكاملة للمشروع، وهى الاستقلالية التى كنت أنادى بها فى مصر..".كيف تستطيع حكومة نظيف أن تبرر هذه الفضيحة، وهى فضيحة لا تقتصر على "تطفيش" أحد أفضل العقول المصرية، وحرمان وطنه من ثمار عبقريته التى هرع السعوديون لاستقطابها، ..، وإنما تمتد إلى مجالات أخرى كثيرة سبقتنا فيها العرب، بينها مثلا "مشروع دعم المعرفة والتعليم والترجمة فى العالم العربى" فى دبى الذى رصد له الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس دولة الإمارات 10 مليار دولار.هذه المبادرة التى انطلقت تحت عنوان "مؤتمر المعرفة الأول" تستهدف صهر جهود النخب العربية فى بوتقة مشتركة تساهم فى سد الفجوة المعرفية والرقمية بين العالم العربى وبقية دول العالم المتقدم، فى وقت بلغ عدد الأميين العرب ( فى الفئة العمرية 10 سنة فأكثر) نحو 71 مليون نسمة، أى ربع مقدار العرب تقريباً، والعهدة على احصاءات جامعة الدول العربية لعام 2006.وهذا يعنى أن بعض البلدان العربية الأخرى، التى لم يكن معروفا عنها ولعها بالعلم والتكنولوجيا، بدأت تتحرك، وتبنى صروحاً علمية كان الأولى ان تبادر مصر إلى إنشائها واحتضانها، ليس من باب العنصرية، وإنما بحكم طبائع الأشياء والسبق التاريخى المصرى فى العلوم والآداب والفنون، الذى أصبحنا – للأسف الشديد – نتحدث عنه بصيغة الفعل الماضى.ونحن يسعدنا أن نتقدم الدول العربية الشقيقة – كما يقول الزميل مجدى مهنا – لكن يحزننا أن نتأخر نحن، وأن نفقد الريادة المصرية فى معظم المجالات، المجال تلو الآخر، بما فى ذلك مجال العلم والبحث العلمى.ولا تقولوا لنا أن الدول الخليجية التى ترعى هذه المبادرات العلمية المهمة لديها فوائض مالية ضخمة تيتح لها القيام بذلك. لأن المسألة ليست مسألة "فلوس" فقط، فعندما يكون لدى دولة عالم كبير بوزن الدكتور أحمد زويل ومئات وآلاف العلماء والباحثين والفنيين فإن هذا يمثل ثروة تعادل مليارات الدولارات.ونحن نمتلك هذه الثروة البشرية التى لا تقدر بمال لكننا نهدرها بفضل التخبط الحكومى والبلادة البيروقراطية اللامسئولة. وخير دليل على ذلك ما فعلناه بالدكتور أحمد زويل.ولأن الطبيعة تكره الفراغ، فإنه بقدر ما نضيق على العلم والبحث العلمى والعلماء والباحثين، بقدر ما نمهد مزيداً من الأرض أمام مؤسسة الخرافة والجهل النشيط. وقد أصبحت منتجات هذه المؤسسة انطلاقية من أهم "صادراتنا" فى الوقت الراهن.وليست هذه الوصمة حكراً على مصر بطبيعة الحال، بل إنها تكاد أن تكون القاسم المشترك الأعظم بين بلدان العالمين العربى والإسلامى التى يتفشى فيها الجهل والأمية. الأمر الذى اعترف به أكمل الدين إحسان أوغلو، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامى تتراوح نسبة الفقر فيها بين 20 و 60 فى المائة، بينما تتفشى الأمية فى 36 دولة من دولها بنسبة تتراوح بين 20 و 81%.كما اعترف عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية بأن "معدل الانفاق والاستثمار فى البحوث والتطوير فى العالم العربى محدود جدا، ويقترب من الصفر، فى نسبته إلى الناتج القومى، وهو ما ينعكس فى مستوى الانتاج الفكرى والعلمى المترجم إلى اللغة العربية ومنها، والذى أصبح من أقل المستويات فى العالم، بكل ما يعنيه ذلك من خلل فى المستوى العام للمعرفة لدى الأجيال المعاصرة والصاعدة"لذلك فإنه بقدر ما يسعدنا ظهور بؤرة علمية أو تكنولوجية فى هذا البلد العربى أو ذاك، بقدر ما يستفزنا ذلك ويثير حفيظتنا فى مصر، ويجعلنا نتساءل عن الأسباب التى جعلتنا ننحدر إلى هذا المستوى الذى لا يليق بتاريخ مصر أو سجلها الحضارى أو حتى امكانياتها البشرية والمادية الراهنة.والأهم .. هو أن تحديث مصر، وتقدمها، غير ممكن بدون إعادة الاعتبار إلى العلم والعلماء والبحث العلمى ومملكة العقل والتفكير النقدى.ومثال أحمد زويل هو نموذج صارخ لإهدارنا لـ "أصول" عظيمة نمتلكها لكننا نبددها، مثلما نبدد مليارات الجنيهات فى سراديب الفساد ودهاليز البيروقراطية ثم نشكو من ضيق ذات اليد والعجز من توفير التمويل ثم نشكو من ضيق ذات اليد والعجز عن توفير التمويل الملائم لمراكز البحث العلمى. أنظرواً مثلاً إلى المليارات التى أهدرناها فى مشروعات بدون جدوى اقتصادية مثل أبو طرطور والعديد من المشروعات التى أطلقنا عليها إسم المشروعات "العملاقة"، أومشروعات غير مدروسة مثل جراج ميدان رمسيس الذى قامت الحكومة ببنائه وأنفقت عليه الملايين ثم هدمته بيدها بعد أن أكتشف أنه متناقض مع مقتضيات التخطيط السليم، ناهيك عن هدر إمكانيات بالمليارات نتيجة للفساد والافتقار إلى الشفافية والمحاسبة الحازمة وغير الانتقائية.باختصار .. القضية ليست هى "الفلوس"، لأن المعرفة ذاتها أصبحت اليوم فى ظل ثورة المعلومات أكبر رأس مال. ولا يمكن أن نتقدم مصر إلا إذا نفضت غبار التخلف ؟؟ مجتمع المعلومات ثم مجتمع المعرفة. ولن يتحقق ذلك بدون قاعدة علمية وتكنولوجية وطنية عريضة تتطلب بدورها ثورة فى منظومة التعليم البالية المعادية للإبداع والمنافية لروح العصر واحتياجات المجتمع.ليس هذا فقط ... بل إنها هذه المنظومة التعليمية المتخلفة باهظة التكليف أيضاً لنها تستنزف مليارات من الميزانية التى تعانى من عجز مزمن سلفاً، فضلاً عن مليارات مماثلة يدفعها الأهالى مضطرين فى صورة دروس خصوصية من أجل تسهيل حصول آلاف مؤلفة من أبنائنا سنوياً على شهادات لاقيمة لها فى سوق العمل، فيكتفون بتعليقها على الجدران ويقفون فى طابور البطالة الطويل.هذه الحلقة الجهنمية.. لا يمكن أن تستمر ولم يعد المجتمع يستطيع أن يتحمل تبعاتها التى تعيد إنتاج الجهل والتخلف الطارد لأفضل العقول مثل أحمد زويل وغيره العشرات والمئات .. وربما الآلاف


سعد هجرس


hagrassaad@hotmail.com


الحوار المتمدن - العدد: 2112 - 2007 / 11 / 27

الملك‏ ‏والسيف

أوجع‏ ‏قلبي‏ ‏وعقلي‏ ‏وضميري‏ ‏أن‏ ‏أري‏ ‏ملك‏ ‏السعودية‏ ‏يقدم‏ ‏لبابا‏ ‏الفاتيكان‏ ‏سيفا‏. ‏فما‏ ‏كان‏ ‏أشد‏ ‏حاجتنا‏ ‏لأن‏ ‏نبعد‏ ‏أنفسنا‏ ‏عن‏ ‏السيوف‏ ‏ونبعد‏ ‏اسم‏ ‏الإسلام‏ ‏والمسلمين‏ ‏ورموزهما‏ ‏عن‏ ‏السيف‏ ‏كشكل‏ ‏وكفكرة‏ ‏وكدلالة‏.


‏لذلك‏ ‏فما‏ ‏أن‏ ‏أوجعت‏ ‏صورة‏ ‏ملك‏ ‏السعودية‏ ‏قلبي‏ ‏وعقلي‏ ‏وضميري‏ ‏وهو‏ ‏يهدي‏ ‏السيف‏ ‏لبابا‏ ‏الفاتيكان‏ ‏حتي‏ ‏أمسكت‏ ‏بقلم‏ ‏وكتبت‏ ‏الكلمة‏ ‏التي‏ ‏لم‏ ‏يلقها‏ ‏ملك‏ ‏السعودية‏ ‏وكان‏ ‏الجدير‏ ‏به‏ ‏أن‏ ‏يفعل‏ ‏لو‏ ‏كان‏ ‏مستشاروه‏ ‏يعرفون‏ ‏العقل‏ ‏الغربي‏ ‏وثقافة‏ ‏الغرب‏.


‏كلمة‏ ‏الملك‏ ‏التي‏ ‏كان‏ ‏ينبغي‏ ‏أن‏ ‏تلقي‏:‏قداسة‏ ‏البابا‏.. ‏حضرات‏ ‏الكاردينالات‏.. ‏باسم‏ ‏السعودية‏ ‏التي‏ ‏أشرف‏ ‏بتمثيلها‏ ‏وباسم‏ ‏الإسلام‏ ‏والمسلمين‏ ‏الذي‏ ‏أشرف‏ ‏بالانتماء‏ ‏لهم‏, ‏ألقي‏ ‏عليكم‏ ‏تحية‏ ‏السلام‏.. ‏علما‏ ‏بأن‏ ‏حروف‏ ‏كلمتي‏ ‏السلام‏ ‏والإسلام‏ ‏متطابقتان‏ ‏في‏ ‏اللغة‏ ‏العربية‏. ‏باسمي‏ ‏وباسم‏ ‏من‏ ‏أمثل‏ ‏أدعوكم‏ ‏لكي‏ ‏نبدأ‏ ‏عصرا‏ ‏جديدا‏ ‏يقوم‏ ‏علي‏ ‏الاحترام‏ ‏المتبادل‏ ‏وعدم‏ ‏قيام‏ ‏أي‏ ‏منا‏ ‏بجرح‏ ‏مشاعر‏ ‏الطرف‏ ‏الآخر‏, ‏ناهيك‏ ‏عن‏ ‏الاعتداء‏ ‏المادي‏ ‏والمعنوي‏ ‏عليه‏ ‏بشكل‏ ‏مباشر‏ ‏أو‏ ‏غير‏ ‏مباشر‏. ‏إنني‏ ‏أدعوكم‏ ‏وأدعو‏ ‏الجانب‏ ‏الذي‏ ‏أمثله‏ ‏أن‏ ‏نتعاهد‏ ‏علي‏ ‏أن‏ ‏أصحاب‏ ‏كل‏ ‏دين‏ ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏من‏ ‏حقهم‏ ‏دعوة‏ ‏الآخرين‏ ‏لدينهم‏ ‏فإن‏ ‏ذلك‏ ‏ينبغي‏ ‏ألا‏ ‏يتم‏ ‏بالعنف‏ ‏أو‏ ‏القسر‏ ‏أو‏ ‏الإجبار‏ ‏أو‏ ‏الإعنات‏ ‏أو‏ ‏السيف‏ ‏وإنما‏ ‏بالمنطق‏ ‏والحجة‏ ‏وتبيان‏ ‏مزايا‏ ‏الدين‏ ‏الذي‏ ‏ننتمي‏ ‏إليه‏. ‏إنني‏ ‏من‏ ‏الآن‏ ‏أعلن‏ ‏أن‏ ‏الجهاد‏ ‏لا‏ ‏يعني‏ ‏إلا‏ ‏الدفاع‏ ‏عن‏ ‏النفس‏ ‏ومواجهة‏ ‏العدوان‏, ‏ولكنه‏ ‏لا‏ ‏يعني‏ ‏أبدا‏ ‏الذهاب‏ ‏للآخرين‏ ‏بالقسوة‏ ‏والعنف‏ ‏والسيف‏ ‏لإدخالهم‏ ‏عنوة‏ ‏في‏ ‏ديننا‏. ‏فما‏ ‏أتعس‏ ‏أي‏ ‏دين‏ ‏لا‏ ‏يستطيع‏ ‏الاستحواذ‏ ‏علي‏ ‏عقول‏ ‏وقلوب‏ ‏وإعجاب‏ ‏الناس‏ ‏إلا‏ ‏بالعنف‏ ‏والقسر‏ ‏وعمل‏ ‏السيوف‏. ‏كذلك‏ ‏فإنني‏ ‏أدعو‏ ‏كل‏ ‏الأطراف‏ ‏للاهتمام‏ ‏بنوعية‏ ‏أتباع‏ ‏كل‏ ‏دين‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏الاهتمام‏ ‏بأعدادهم‏.. ‏وإن‏ ‏لدينا‏ ‏في‏ ‏مسألة‏ ‏تحسين‏ ‏نوعية‏ ‏المؤمنين‏ ‏بديننا‏ ‏العظيم‏ ‏الكثير‏ ‏لنقوم‏ ‏به‏.‏إنني‏ ‏أدعوكم‏ ‏والجانب‏ ‏الذي‏ ‏أمثله‏ ‏لئلا‏ ‏يسخر‏ ‏أي‏ ‏منا‏ ‏من‏ ‏الآخر‏ ‏أو‏ ‏يسفه‏ ‏معتقداته‏ ‏أو‏ ‏يزعم‏ ‏أن‏ ‏كتبه‏ ‏المقدسة‏ ‏محرفة‏. ‏إنني‏ ‏أدعوكم‏ ‏والجانب‏ ‏الذي‏ ‏أمثله‏ ‏لعهد‏ ‏جديد‏ ‏من‏ ‏حرية‏ ‏الاعتقاد‏ ‏وحرية‏ ‏العبادة‏ ‏وحرية‏ ‏إنشاء‏ ‏دور‏ ‏العبادة‏ ‏في‏ ‏أي‏ ‏مكان‏ ‏وفي‏ ‏أي‏ ‏مكان‏ ‏وفي‏ ‏أي‏ ‏زمان‏. ‏وإذا‏ ‏كان‏ ‏نبي‏ ‏الإسلام‏ ‏قد‏ ‏رحب‏ ‏بأن‏ ‏يصلي‏ ‏مسيحيو‏ ‏نجران‏ ‏بمسجده‏ ‏الذي‏ ‏هو‏ ‏اليوم‏ ‏المسجد‏ ‏النبوي‏ ‏بالمدينة‏ ‏المنورة‏, ‏فإنني‏ ‏أعلن‏ ‏أمامكم‏ ‏أننا‏ ‏سنبدأ‏ ‏عهدا‏ ‏جديدا‏ ‏في‏ ‏التعامل‏ ‏مع‏ ‏غير‏ ‏المسلمين‏ ‏بصفتهم‏ ‏إخواننا‏ ‏في‏ ‏الإنسانية‏, ‏وسأدعو‏ ‏كل‏ ‏المسلمين‏ ‏في‏ ‏العالم‏ ‏لأن‏ ‏يعرفوا‏ ‏أن‏ ‏مصطلحات‏ ‏مثل‏ ‏دار‏ ‏الحرب‏ ‏ودار‏ ‏السلام‏ ‏وأهل‏ ‏الذمة‏ ‏كانت‏ ‏متصلة‏ ‏بظروف‏ ‏تاريخية‏ ‏في‏ ‏أزمنة‏ ‏قديمة‏ ‏وأننا‏ ‏نهدف‏ ‏اليوم‏ ‏لعالم‏ ‏لا‏ ‏ينقسم‏ ‏إلي‏ ‏دار‏ ‏حرب‏ ‏ودار‏ ‏سلام‏ ‏وأن‏ ‏مساجدنا‏ ‏مفتوحة‏ ‏للترحيب‏ ‏بالجميع‏ ‏وأن‏ ‏ديننا‏ ‏متين‏ ‏لا‏ ‏يحبس‏ ‏أحدا‏ ‏في‏ ‏دائرة‏ ‏الاعتقاد‏ ‏به‏ ‏قسرا‏ ‏وعنوة‏.‏إنني‏ ‏يا‏ ‏صاحب‏ ‏القداسة‏ ‏اخترت‏ ‏لك‏ ‏هديتين‏ ‏رمزيتين‏ ‏أحدهما‏ ‏نخلة‏ ‏ذهبية‏ ‏رمز‏ ‏تاريخنا‏ ‏وبيئتنا‏ ‏ومخطوط‏ ‏قديم‏ ‏للإنجيل‏ ‏يعود‏ ‏لقرون‏ ‏طويلة‏ ‏بعيدة‏ ‏خلت‏. ‏وقد‏ ‏رفضت‏ ‏اقتراحا‏ ‏بأن‏ ‏أهديكم‏ ‏سيفا‏, ‏فلا‏ ‏السيف‏ ‏من‏ ‏رموزكم‏ ‏التاريخية‏ ‏ولا‏ ‏هو‏ ‏مما‏ ‏نحب‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏مسلطا‏ ‏فوق‏ ‏علاقتنا‏ ‏المستقبلية‏.‏إن‏ ‏بلادي‏ ‏ستعمل‏ ‏جاهدة‏ ‏في‏ ‏المستقبل‏ ‏علي‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏إقامة‏ ‏غير‏ ‏المسلمين‏ ‏بها‏ ‏متسمة‏ ‏بكل‏ ‏معاني‏ ‏كرم‏ ‏الضيافة‏ ‏ورحابة‏ ‏الصدر‏ ‏والتسامح‏ ‏بما‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏حقهم‏ ‏في‏ ‏الصلاة‏ ‏وعبادة‏ ‏الله‏ ‏في‏ ‏كنائس‏ ‏أو‏ ‏معابد‏ ‏حسب‏ ‏دينهم‏ ‏وطائفتهم‏. ‏إن‏ ‏ارتفاع‏ ‏منارات‏ ‏الكنائس‏ ‏أو‏ ‏قباب‏ ‏المعابد‏ ‏فوق‏ ‏أرض‏ ‏بلادي‏ ‏لن‏ ‏يجرح‏ ‏شعورنا‏ ‏كما‏ ‏أن‏ ‏ارتفاع‏ ‏مآذن‏ ‏المساجد‏ ‏في‏ ‏أوربا‏ ‏وأمريكا‏ ‏وكندا‏ ‏وأستراليا‏ ‏لم‏ ‏يجرح‏ ‏مشاعر‏ ‏غير‏ ‏المسلمين‏ ‏بتلك‏ ‏البلاد‏.‏كذلك‏ ‏أعدكم‏ ‏بأن‏ ‏ندرس‏ ‏في‏ ‏وقت‏ ‏قصير‏ ‏عدم‏ ‏تطبيق‏ ‏قوانينا‏ ‏المستمدة‏ ‏من‏ ‏ديننا‏ ‏علي‏ ‏أناس‏ ‏لا‏ ‏يؤمنون‏ ‏بهذا‏ ‏الدين‏. ‏لنبدأ‏ ‏معا‏ ‏عهدا‏ ‏جديدا‏ ‏من‏ ‏قبول‏ ‏الآخر‏ ‏والتسامح‏ ‏ونسبية‏ ‏الاعتقاد‏, ‏أي‏ ‏ألا‏ ‏يتصرف‏ ‏أي‏ ‏إنسان‏ ‏علي‏ ‏وجه‏ ‏الأرض‏ ‏علي‏ ‏أساس‏ ‏أن‏ ‏دينه‏ ‏هو‏ ‏الصواب‏ ‏المطلق‏ ‏وأن‏ ‏أديان‏ ‏الآخرين‏ ‏هي‏ ‏الخطأ‏ ‏المطلق‏, ‏ولنترك‏ ‏لله‏ ‏الحكم‏ ‏علي‏ ‏أمور‏ ‏ليس‏ ‏بوسعنا‏ ‏وليس‏ ‏من‏ ‏مهامنا‏ ‏الانشغال‏ ‏بها‏. ‏إنني‏ ‏أدعوكم‏ ‏وكل‏ ‏الذين‏ ‏أمثلهم‏ ‏لعهد‏ ‏جديد‏ ‏من‏ ‏التسامح‏ ‏وقبول‏ ‏الآخر‏ ‏والاحترام‏ ‏المتبادل‏ ‏وعدم‏ ‏افتراض‏ ‏خطأ‏ ‏الآخر‏ ‏وترك‏ ‏ما‏ ‏لله‏ ‏لله‏.‏كما‏ ‏أنني‏ ‏أغتنم‏ ‏فرصة‏ ‏هذا‏ ‏اللقاء‏ ‏للدعوة‏ ‏لتكوين‏ ‏لجنة‏ ‏من‏ ‏أفاضل‏ ‏علماء‏ ‏الأديان‏ ‏السماوية‏ ‏والعقائد‏ ‏الأخري‏ ‏لمراجعة‏ ‏كافة‏ ‏برامج‏ ‏ومقررات‏ ‏ومناهج‏ ‏التعليم‏ ‏في‏ ‏شتي‏ ‏بقاع‏ ‏العالم‏ ‏لتحقيق‏ ‏الأهداف‏ ‏التالية‏:‏‏* ‏لتنقية‏ ‏هذه‏ ‏البرامج‏ ‏التعليمية‏ ‏من‏ ‏أية‏ ‏مادة‏ ‏تسئ‏ ‏لعقائد‏ ‏الآخرين‏.‏‏* ‏لتنقية‏ ‏هذه‏ ‏البرامج‏ ‏التعليمية‏ ‏من‏ ‏أية‏ ‏مادة‏ ‏تبذر‏ ‏بذور‏ ‏الشوفينية‏ ‏الدينية‏ ‏والشعور‏ ‏بالتعالي‏ ‏علي‏ ‏الآخرين‏.‏‏* ‏لتنقية‏ ‏هذه‏ ‏البرامج‏ ‏التعليمية‏ ‏من‏ ‏أية‏ ‏مادة‏ ‏تقزم‏ ‏التسامح‏ ‏وقبول‏ ‏الآخر‏ ‏وتستأصل‏ ‏الإعجاب‏ ‏بالتعددية‏ ‏والاختلاف‏ ‏كأهم‏ ‏معالم‏ ‏الحياة‏ ‏الإنسانية‏ ‏وأسباب‏ ‏ثرائها‏ ‏وجمالها‏.‏واسمح‏ ‏لي‏ ‏يا‏ ‏قداسة‏ ‏البابا‏ - ‏الآن‏ - ‏أن‏ ‏أهديك‏ ‏النخلة‏ ‏الذهبية‏ ‏ومخطوطة‏ ‏كتاب‏ ‏العهد‏ ‏الجديد‏ ‏التي‏ ‏تعود‏ ‏لزمن‏ ‏انتشار‏ ‏المسيحية‏ ‏في‏ ‏منطقة‏ ‏نجران‏, ‏وهي‏ ‏اليوم‏ ‏واحدة‏ ‏من‏ ‏محافظات‏ ‏أو‏ ‏ولايات‏ ‏المملكة‏ ‏العربية‏ ‏السعودية‏.‏‏


‏انتهي‏ ‏خطاب‏ ‏الملك‏ ‏الذي‏ ‏لم‏ ‏يلقه‏ ‏وكان‏ ‏من‏ ‏الجدير‏ ‏به‏ ‏في‏ ‏اعتقادي‏ ‏أن‏ ‏يلقيه‏


بقلم‏: ‏طارق‏ ‏حجي 26/11/2007


نقلا عن جريدة وطني



Sunday, November 25, 2007

نجيب ساويرس.. أرجوك لا تخذلنا

يبدو التعرض لرجل مثل نجيب ساويرس أمراً محفوفاً بالمخاطر، لعل أقلها التهم الخرقاء كالتزلف أو الابتزاز، وهي تهم نرى ـ والحمد لله ـ أننا في غنى عنها، خاصة وأنني لم أتشرف من قبل بمعرفة الرجل أو مقابلته، لكن الاهتمام بأمره يصبح واجباً، حين يسكن قلب الشأن العام، ويلعب دوراً إعلامياً ينطلق من قناعات فكرية، تتوافق مع رؤية قطاع عريض لكنه مهمش، وأقصد النخبة الليبرالية في مصر، فضلاً عن أن نجيب في نهاية المطاف لاعب أساسي على الساحة، ويؤدي دوراً هاماً للغاية، في هذه المرحلة التي يقود فيها رجال الأعمال مصر بل والمنطقة والعالم.
وخلال الأيام الماضية اقتحم نجيب ساحة ألغام، طالما تفادى الاقتراب منها، خوفاً على مصالحه الاقتصادية المتشعبة، وإيثاراً للسلامة، لكن ما حدث أن نجيب أبدى رأياً يعلنه الليبراليون منذ أعوام، بشأن مخاطر انتشار الهوس الديني، ولأنه ليس مجرد صحفي أو كاتب فقد كان منطقياً أن يصبح هدفاً للغاضبين والمتعصبين وتجار الأديان، ناهيك عن الموتورين والمبتزين والذين احترفوا الصيد في الماء العكر.
وشخصياً لا أرى ـ ويؤيدني معظم من أعرفهم ـ فيما قاله نجيب ما يمس الدين ولا المتدينين، فهذا الهوس الديني السائد أمر خطير يهدد الأمن القومي بالفعل، وانتشار النقاب في كل طبقات المجتمع خلق حالة "فرز طائفي فغير المحجبة الآن هي غالباً مسيحية وبالتالي فما عبر عنه نجيب من شعوره بالاغتراب في وطنه ، وهو النخبوي الذي لا يخالط العوام إلا مصادفة، ومع ذلك فقد تسلل إليه هذا الإحساس البغيض، فما بال الفقراء والمهمشين من المسيحيين الذين باتوا أكثر قلقاً على مستقبلهم، خاصة في ظل تعاظم الهوس الديني المتفشي على نحو وبائي في مصر، كأنه طاعون القرن الحادي والعشرين.أما المثير للدهشة فهو أن كل هذه المظاهر الدينية تبدو في المحصلة النهائية مخادعة، فليس لها أي مردود أخلاقي على المجتمع، ولم تفلح في تهذيب الناس حتى في أبسط قواعد التعامل اليومي، فقد أصبح من المشاهد المألوفة في مصر الآن، صورة ذلك الفتى الذي يقرع الناس ويتعالم عليهم، ويمنح نفسه حق الوصاية عليهم، ويتصرف كنجوم السينما لا لشئ سوى أنه ـ بسلامته ـ أعفى اللحية وحف الشارب.
إذن فبعد أن أصبح المشهد المصري مصلوباً على حافة التعصب والتوتر، فإن الرهان لم يعد ممكنا على إعلام "عزبة ماسبيرو"، بل هو في عهدة هذا "الطراز الفرعوني" من الرجال العصاميين كنجيب ساويرس ، الذين صنعوا نجاحهم بالانفتاح على العالم والدأب والهمة العالية والصدق مع الذات وروح التحدي.
ورغم الإحباط الذي أصاب كثيرين بعد تواضع مستوى فضائية (O TV)
التي خذلتنا، ولا ينبغي أن نكذب على أنفسنا، ونصدق المنافقين والفاشلين بأنها احتلت موقعاً متميزاً في وجدان المشاهد المصري، فقد اتسمت بالسطحية والرؤية المشوشة لذوق جيل الشباب، غير أن الأمل مازال يراودنا في تجارب الفضائيات الأخرى، التي أعلن نجيب ساويرس عن إطلاقها قريباً، فلا تخضع لضغوط المستبدين أو ابتزاز المتعصبين، أو تدني وتواضع الخبرات المهنية التي تشرف على تلك الفضائيات، خاصة وأن المرء لا يجد أدنى عذر لفشل القائمين عليها
......يا نجيب. هناك مقعد شاغر في تاريخ مصر الذي يكتب الآن في هذه اللحظة الحرجة، وشخصياً لا أرى كثيرين مؤهلين لشغله مثلك
، فأنت تمتلك ناصية الثروة والوعي والشجاعة كي تنتصر لمستقبل أبنائك ووطنك في ظل ظروف ضاغطة، أخشى معها أن يضيع وطن التسامح بين سطوة المتطرفين وانحطاط من ينافقونهم، كما أن نجيب وبالمصري الفصيح "مفيش على راسه بطحه" فهو ليس من أقباط المهجر الذين تعرضوا لأسوأ حملة تشويه وهم من أنبل وأكفأ أبناء مصر التي تسكنهم، وإن لم يسكنوها، وبالتالي فلن تطال الرجل تهمة العمالة للغرب ولا الشرق، فضلاً عن أنه ليس بحاجة لأموال الأمريكان أو اليابان، ولا يمكن اتهامه بالطائفية فهو ليبرالي منفتح الأفق، وبالتالي فالأمر بيده وحده فالمجد لا تصنعه الثروات وحدها، بل المواقف النبيلة التي تنحاز للخير والحق والجمال والناس، فمن يتذكر الآن أثرياء كانوا كباراً في زمنهم، مثل عبود باشا وبشرى باشا، مقارنة بقامات سعد زغلول، ومكرم عبيد، وطلعت حرب؟
ولا ينبغي أن يفهم من ذلك أننا ندعوه إلى الانتحار الاقتصادي، فحين تصدى رجال أعمال مصريون وعرب، لإطلاق عدة فضائيات تشيع التعصب وتحرث الأرض أمام صناعة التطرف، لكنهم لم ينتحروا، بل لعبوا أدواراً لصالح قناعاتهم ـ بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حولها ـ
وغاية ما ننشده من رجل مثل نجيب أن يفعل مثلهم، ويمنح الفرصة للتيار الليبرالي المستضعف، والمهمش بين نظام يتوجس من تناميه على نحو يهدد استمراره في العبث بأقدار البلاد والعباد، وبين تيار متعصب يجعل الليبراليين هدفه الأول وحتى الغرب الذي انحاز بالفعل لمصالحه، في استمرار أنظمة مستبدة تتعامل معه بصيغة "مقاول الباطن"، وتكفل لهذا الغرب كل ما يريده منا، مقابل أن تدعها في النهاية "تصطفل" مع بقية خلق الله من مواطنيهم
......يا نجيب. إمض في طريق الأحرار، ولا تخذلنا وتتراجع تحت تأثير الإرهاب الفكري، فقد وصلت إلى ساحة معركة المصير متأخراً، لكنه أفضل من ألا تصل أبداً، وقد يشفع لك أنك كنت طيلة العقود الماضية تصنع سلاحاً حاسماً، هو الثروة، ونجحت بالفعل، وهاهي اللحظة التاريخية قد حانت لتدفع بهذا السلاح إلى ساحة المعركة، التي سبقك إليها المال الوهابي والغربي والفارسي والبعثي والانتهازي وغيره،
وكل شئ إلا المال المصري والإنسان المصري
.ولعله الوقت المناسب ليعيد المصريون تذكير جيرانهم الذين غزوهم بالتخلف، بأن النقود لم يزل اسمها في بلادهم هو (المصاري) جمع مصرية، وأن الرخاء اختراع مصري، وأن مصر لم تمت بل مازالت قادرة على إدهاش الجميع في اللحظة التي تبدو فيها وكأنها تحتضر
25/11/2007 نبيل شرف الدين
Nabil@elaph.com

صانع الرؤساء


للمرة الثانية اضطر البطريرك الماروني نصر الله صفير لمحاولة لعب دور في «صناعة» رئيس جمهورية لبنان، وهي حرفة امتهنتها الدول العظمى والدول الإقليمية، ووجد البطريرك نفسه وسط معمعتها على طريقة «مُكرَه أخوك لا بطل». يعتقد كثيرون ان البطريرك اخطأ عندما اختار بالأمس القريب خمسة أسماء رشحها لرئاسة الجمهورية، لكن الاختيار لم يحصل لان السياسيين الذين اعلنوا التزامهم بها مسبقا، اسقطوا كل اسمائها بالفيتوات المتبادلة، وبات لبنان امام فرصة اخيرة قبل ظهر اليوم لانتخاب رئيس او الوقوع في الفراغ مع كل ما يعنيه هذا الفراغ من أخطار. قبل البطريرك هذا التحدي رغم إدراكه لحجم المخاطرة، علما ان تجربة العام 1988 لا تزال ماثلة امامه، فقد اختار آنذاك خمسة اسماء لم تمنع وقوع الفوضى والفراغ. لكن البطريرك تجرع كأس الاختيار لأنه كان يرى ان الوضع لا يسمح له بترف التغاضي عن التسمية... فسمى. لا يعتقد مطران بيروت للموارنة بولس مطر ان البطريرك أخطأ بتسمية مرشحين للرئاسة مرة ثانية، وهو يعتبر ان البطريرك لجأ الى «فك مشكل» لأنه لو لم يسم لكان قيل انه مسؤول عن خراب البلد».
شكل البطريرك صفير خلال 21 سنة أمضاها حتى الآن في سدة أعلى مقام للطائفة المارونية في المشرق، حالة مميزة. ورغم ان العديد من القوى الدولية والاقليمية والمحلية سمحت لنفسها بتجاوزه، الا ان الجميع كانوا يتهيبون فعل ذلك لما لموقع البطريرك من اهمية عند المسيحيين اللبنانيين الذين ينقسمون في الولاء السياسي ويتوحدون في الولاء الديني. فموقف البطريرك من قضية النصاب لا يزال العائق الأكبر امام فريق الاكثرية البرلمانية للاتيان برئيس للجمهورية بنصاب النصف زائدا واحدا. ويشير مطر الى ان موقف البطريرك من نصاب الثلثين «موقف سياسي لا دستوري. وانه اتخذه لمصلحة لبنان ولمنع الاقتتال فيه». ويقول ان كون بكركي «محجة للسياسيين» ليس امرا جديدا فهي كانت كذلك منذ القدم، لكن الجديد هو الاعلام الذي يسلط الضوء عليها الآن. مشيرا الى ان والد جد الرئيس السوري سليمان الأسد «كان من الذين زاروا بكركي للمطالبة بدعم استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي. فالبطريرك كان يعامل منذ ايام السلاطين العثمانيين معاملة رئيس الجمهورية عند استقباله». ويصف مطر البطريرك صفير بأنه «رجل الزهد والتجرد» ويقول:«انه متواضع وكبير ولين وصلب في آن واحد... ورغم انه بطريرك الموارنة فإنه قريب من كل الطوائف»، مشيرا الى ان البطريرك «بكى خلال مشاهدته صور مجزرة قانا خلال عملية عناقيد الغضب الاسرائيلية على لبنان عام 1996». ويعلق مطر على تلك الحادثة التي كان شاهدا عليها:« لقد جعلني اشعر انه ليس رجلا لجماعته فحسب، فلبنان بالنسبة اليه هو بكل ابنائه. وهو يعتبر انه مؤتمن على حسن العيش الإسلامي ـ المسيحي. وقد تصدى مع البابا (الراحل يوحنا بولس الثاني) عام 2001 بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول) لكل من يقول ان الإسلام والإرهاب صنوان». في المقابل يقول بعض السياسيين ان البطريرك «لا يمتلك بنية مساعدة حوله، فقلائل ممن هم في محيطه يفكرون مثله، وهو لا يستطيع ان يتحرر كليا من هذا الجو». كما يأخذون عليه قبوله بتجمع طائفي مثل «لقاء قرنة شهوان» الذي ترأسه المطران بشارة الراعي بأمر منه. ويعتبر هؤلاء ان هذا الموقف اضعف صدقية بكركي، حتى في الجانب المسيحي.
صفير يطفئ في مايو(ايار) المقبل شمعته الـ88، ولد قبل نشوء دولة لبنان ذكرا وحيدا مقابل خمس شقيقات، واختار حياة الرهبنة رغم الضغوط الهائلة التي مارستها العائلة على وحيدها الذي كانت تريد منه ان يكمل ذريتها. يقدم البطريرك صفير نفسه كالآتي: «ولدت في ريفون (قضاء كسروان) في الخامس عشر من نوار (مايو) 1920 ونشأت في بيت تقي، والدي ووالدتي كانا يصليان دائماً. كان يتهيأ لي دائما ان هذه هي دعوتي في الحياة وانه ليس بمقدوري القيام بأي أمر آخر. كنت اشعر في كل الأوقات بأن كل الطرق مسدودة أمامي وطريق الكهنوت مفتوحة، لم اشعر يوما أنني مدعو لان أكون طبيباً أو محامياً. كان عندي ميل دائم الى الكهنوت، والكهنة الذين صادفتهم في خلال مسيرتي كانوا يشجعونني على المضي. طبعاً اهلي لم يشجعوني لأنني كنت الابن الوحيد بل كانوا يتمنون ألا أصبح كاهنا ووضعوا لي الكثير من العراقيل وحاولوا مرارا ترغيبي بالحياة العادية، وكانوا يلحون علي لكي أتزوج وان يكون لي نسل لتأمين استمرار اسم العائلة».
ويروي أستاذ صفير، الخوري انطون الحداد، لقاءه الأول بنصر الله صفير، أو نصري كما كان يناديه، «أذكر جيداً كم كان الصندوق الخشبي الذي يحمله وراء ظهره كبيرا وكيف كان يتمايل به. فلم تكن الحقائب متوافرة ايامها. منذ نحو سبعين عاماً أعرفه ويمكنني القول انه لم يتغير كثيراً، خصوصا في النواحي الأساسية من شخصيته ومن طلعته. لا يزال رصيناً ومحباً للنكتة في آن واحد، لا تزال ضحكته الكبيرة التي تميز بها كما هي ولم يطرأ عليها اي تغيير باستثناء بعض التجاعيد في وجهه. فلولا هذه التجاعيد ولحيته البيضاء، لكان يمكن القول انه حتى في الشكل لم يتغير. كان نصري جدياً ومولعاً بالمعرفة والثقافة وكان غالباً ما ينال ثقة وتقدير الرؤساء والمربين. ومع انه لم يكن «هيناً»، اذ كان يحب المزاح والضروب ولكن مشاركته كانت تقتصر على التخطيط دون التنفيذ ولم يكن يدين ألعابنا. محافظ جدا كان ولا يزال».
يصف الكاتب انطوان سعد الذي اعطاه البطريرك صفير حظوة وضع كتاب عنه، البطريرك بأنه «شخصية متحفظة، حذرة، غير قابلة للاختراق إلا بمقدار ما يسمح هو به. قلّة تعرفه بالعمق على رغم ادعاء كثيرين معرفته». ويرى ان خطأ السياسيين اللبنانيين وغير اللبنانيين الدائم كان ـ ولا يزال ـ ظنهم انه بإمكانهم حمله على تبني وجهات نظرهم ومواقفهم. لم يفهموا إلا متأخرين أنه يأخذ وقته ليقتنع، ولكن متى اقتنع بأمر فليس من السهولة، وبعض الأحيان ليس من الممكن، اقناعه بعكسه». ويقول انه «يخشى ان يخدع، وتجربته كأمين سر للبطريركية ثم كنائب بطريركي عام لمدة ربع قرن علمته حجم الاكاذيب التي يمكن ان يلجأ اليها البعض من اجل تحقيق مآرب شخصية والوصول الى مناصب سياسية».
البداية العملية كانت في العام 1956 وكان بعض السياسيين لفت نظر البطريرك بطرس بولس المعوشي الى حاجته الى كاهن شاب مثقف يتولى امانة سر البطريركية التي يؤمها زوار اجانب ومحليون. فقام المعوشي باستدعائه وبتعيينه امينا للسر. عرف المطران صفير كيف يتعامل مع البطريرك المعوشي القوي الشخصية والصعب المزاج، وكان يتقبل منه ملاحظاته وإن بلغت حد منعه من المشاركة في أعمال المجمع الفاتيكاني الثاني، الحدث التاريخي الابرز في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية في القرن العشرين رغم تلقيه دعوة من الكرسي الرسولي.
لكن المعوشي، كان يقدّر كثيراً صفات نائبه العام صفير الذي لم يستغل بتاتاً موقعه في بكركي لنفسه أو لأقاربه أو لأصدقائه وبقي يمدحه حتى أيامه الأخيرة قائلا: «لم يطلب مني أمرا واحدا خلال السنوات العشرين التي قضاها معي. لم يطلب حتى فنجان فهوة». هذه الصفة ستلازم البطريرك صفير حتى بعد توليه رئاسة الكنيسة المارونية. لم يطلب يوما من اي مسؤول رسمي خدمة أو وساطة، لا بل رفض في العديد من المرات أن يزكي اشخاصاً لتولي حقائب وزارية. فالرئيس رفيق الحريري عرض عليه مراراً تسمية وزيرين مارونيين في الحكومات التي شكلها، غير ان رفض البطريرك صفير كان دوما قاطعاً».
أتى صفير الى كرسي البطريركية فجأة، فهو لم يكن من بين المرشحين المعروفين، وكتب له ان يكون الخيار الثالث وسط صراع معلن بين الفاتيكان والقوى المسيحية اللبنانية. حاول كل من الطرفين المجيء ببطريرك يناسب طموحاتهم وفشلا... فانفتحت الدرب أمامه ليصبح البطريرك السادس والسبعين للموارنة.
يقول انطوان سعد في كتابه عن البطريرك ان الاستراتيجية الفاتيكانية في منتصف الثمانينات لاحياء الحضور المسيحي في لبنان ولإحداث التغيير الجذري المنشود، كانت مشروعا متكاملا يستند الى سبعة مرتكزات يشكل انتخاب بطريرك ماروني جديد صلبها، وأساس هذا المشروع «إحداث تغيير على مستوى البطريرك الماروني يأتي بمن يكون مقبولاً اسلامياً ومتعاوناً في الوقت نفسه مع الفاتيكان لتنفيذ مشروعه ومتحرراً من تأثير «الجبهة اللبنانية» و«القوات اللبنانية». كما أن الخطة الفاتيكانية طمحت الى تغيير مماثل في كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك والإتيان ببطريرك جديد يكون أكثر استعداداً للتنسيق مع البطريرك الماروني العتيد». كان الفاتيكان يأمل في انتخاب المطران ابراهيم الحلو بطريركاً، أما «القوات اللبنانية، ومن ورائها «الجبهة اللبنانية« فقد كان استحقاق الانتخابات البطريركية بالنسبة اليها حيوياً أيضاً. إذ لطالما اعتبر أركان الجبهة ان مواقف البكريركية المارونية «تراوحت بين التخلي عن القضية اللبنانية واللامبالاة، وانه لو كانت البطريركية ملتزمة اكثر بالمسألة اللبنانية لكان الموقف المسيحي أكثر تأثيرا على الاصعدة المحلية والاقليمية والدولية». وقد شرح نائب قائد «القوات اللبنانية» آنذاك كريم بقرادوني هذا الموقف بالقول: «كنا نريد بطريركاً قوياً، وبدا لنا ان المطران يوسف الخوري هو الأفضل».
بدأت العملية الانتخابية وكرّت سبحة دورات الاقتراع ولم يستطع احد من المرشحين في الدورات الخمس الأولى الحصول على ثلثي المجمع الماروني الذي يضم تسعة عشر أسقفا من بينهم البطريرك المستقيل انطونيوس بطرس خريش. فتقاسم المرشحان المطرانان الحلو والخوري الأصوات. كان الأساقفة يعرفون انه في حال عدم تمكن المجمع الماروني من انتخاب بطريرك، يحق عندها للفاتيكان التدخل، وتعيين من يراه مناسبا على الكرسي الأنطاكي. وكان اختيار روما معروفا ولا يحظى بإعجاب العدد الكافي من اعضاء مجلس الأساقفة الموارنة. برز اتجاه بين المطارنة ينادي بضرورة التوصل الى تسوية تبعد احتمال التعيين. فبادر راعي أبرشية صربا، المطران ميخائيل ضوميط، الى طرح النائب البطريركي نصر الله صفير، تلميذه اثناء مرحلة الدراسة اللاهوتية في جامعة القديس يوسف، مرشحا توافقيا. فحظي اقتراحه بموافقة معظم اعضاء مجلس الأساقفة.
يقول صفير الذي نُقل عن البطريرك المعوشي وصفه إياه بأنه «أفضل رجل ثان»: «لم اطلب من احد ان ينتخبني، فقناعتي كانت ولا تزال ان طالب الولاية لا يولّى. سألني يومها بعض الأساقفة أن أرشح نفسي فأجبتهم بأنني غير مرشح ولكنني اقبل بتحمل المسؤولية في حال انتخبت».
بين البطريرك المعوشي الذي كان مفرطاً في التدخل في الشؤون السياسية والوطنية، وبين البطريرك خريش المحجم عنها في شكل شبه كلي، كان اختيار صفير ان يحاول «تدوير الزوايا وايجاد الحل الوسط». وحاول البطريرك صفير الاستفادة من تجارب البطريركين اللذين سبقاه على الكرسي الأنطاكي. فسعى الى الإقلال من التدخل في الشؤون الوطنية من غير التخلف عن القيام بالواجب البطريركي عند كل استحقاق يفترض التدخل».
وقد أثار انتخاب البطريرك صفير ترحيبا عارما في مختلف الاوساط السياسية والحزبية والدينية في لبنان، الاسلامية والمسيحية، باستثناء قيادة «القوات اللبنانية» وبعض أعضاء «الجبهة اللبنانية» الذين شعروا بنوع من الاحباط من جراء انتخاب البطريرك صفير. فكان قائد القوات اللبنانية ونائبه السياسيين الوحيدين الغائبين من المنطقة الشرقية (المسيحية) عن تهنئة البطريرك صفير بانتخابه، وعن المشاركة في احتفال تنصيبه. ولم يزورا بكركي الا بعد خمسة اشهر على انتخابه، بعد سجال عنيف بين بكركي و«القوات اللبنانية»، في محاولة للوصول الى نوع من الهدنة وتجنب استمرار صدور البيانات والبيانات المضادة. ومع هذا لقّب بعض السياسيين والمسؤولين البطريرك بـ«أبو سمير» لتبنيه قضية قائد القوات «سمير جعجع الذي ظلم لمحاكمته انتقائيا وحده دون بقية المرتكبين» كما قال مطر.
في عام 1988 كان لبنان على موعد مع ازمة جديدة. ولاية الرئيس أمين الجميل شارفت نهايتها، والانقسام السياسي على أشده بما يهدد حصول انتخابات رئاسية طبيعية. وقد خرج الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران حينها بفكرة وضع البطريركية المارونية لائحة أسماء للمرشحين المقبولين منها فتعرض على القيادات الإسلامية، وتحديدا على رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء سليم الحص فيضيف اليها النواب المسلمون أسماء وتتم غربلتها الى لائحة تقدم للأميركيين ومنهم الى السوريين للوصول الى رئيس يرضي الجميع. لكن جاء من يهمس في أذن البطريرك بإمكان تخطي الجانب الإسلامي، فكان ان جمع البطريرك النواب المسيحيين وأجرى «انتخابا ابيض» انتهى الى لائحة من خمسة أشخاص رفعت الى الأميركيين والسوريين، فخلصا معا الى سادس لم يرد في اللائحة... أو الفوضى كما حذر آنذاك مساعد وزير الخارجية الأميركي، ريتشارد مورفي، لكن القيادات المسيحية اختارت يومها الفوضى على «فرض» رئيس لا يحظى بقبولها.
يأخذ رئيس مجلس النواب السابق، حسيني الحسيني، على البطريرك انه اخذ بـ«النصيحة السيئة»، فقال للمطران خليل أبي نادر الذي زاره موفدا من صفير: «ابلغه ان المسلمين في لبنان لم يعودوا جالية مصرية او سورية. انهم لبنانيون ويريدون ان ينتخبوا رئيسهم مثل كل اللبنانيين». وقد كرر الحسيني كلامه هذا في حديث شهير أدلى به الى «الشرق الأوسط» مباشرة بعد لقائه أبي نادر.
لم تقطع هذه الواقعة الصلات بين الحسيني وصفير، فالبطريرك كما يقول الحسيني «شخص عاقل ومؤمن بوحدة لبنان وعيش اللبنانيين المشترك والثروة الحضارية القائمة على التنوع في الانتماء الطائفي والمذهبي». وردا على سؤال عن كيفية «تلخيصه» البطريرك قال الحسيني:«ماروني محب جدا لطائفته، لكنه لا يرى طائفته خارج الطوائف الأخرى ولا يراها خارج لبنان. الكلام الصريح معه هو الكلام المفيد، المجاملات والكلام المنمق ليست في محلها معه». ويشير الحسيني الى ان صفير «اكتسب نتيجة معايشته بكركي مع البطاركة الثلاثة عريضة والمعوشي وخريش وصولا اليه، اطلاعا واسعا على مجريات الامور في بكركي ولديه شبكة علاقات جيدة جدا مبنية على الثقة مع شخصيات متنوعة الانتماء من طوائف اخرى».
وبعد وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الحكومة العسكرية عام 1988 تعرض البطريرك لحملة من انصار عون لأنه لم يتخذ موقفاً واضحاً من شرعية حكومته، وكتب النائب الراحل جبران تويني وكان حينها رئيس تحرير مجلة «النهار العربي والدولي»: «من غير المسموح ان لا تتوحد كلمتنا حول العماد عون وحيال شرعية الحكومة العونية، وليسمح لنا غبطة البطريرك صفير ان نسأله عن حقيقة تردده حيال حكومة الجنرال عون(...). ونسأل المترددين عندنا عن رأيهم في موقف مفتي الجمهورية المنحاز الى الحص وجماعته معتبرا انهم الشرعية».
كانت العلاقة بين بكركي وقيادة الجيش في ظل عون بدأت بالتراجع قبيل الفراغ الدستوري، ولم يفاجأ فريق عمل الجنرال بموقف البطريرك مع الفراغ الدستوري ومن تنازع الشرعية بين الحكومتين، لكنه لم يتغاض عنه واعتبره خطأً جسيماً. وفي هذا الاطار قال رئيس مكتب التنسيق المركزي المؤيد لعون، روجيه عزّام: «ان سوء التفاهم الأول بين البطريرك صفير والجنرال عون كان سببه عدم اعترافه بشرعية حكومة عون ووضعها في المرتبة نفسها مع حكومة الحص. وكان الاعتقاد السائد لدينا بأن الاميركيين هم من دفعوه نحو هذا الخيار».
وتابعت العلاقة طريقها الانحداري مع عون بعد «حرب التحرير» التي اعلنها ضد الوجود السوري فاطلق صفير «حركة سياسية تشجع على اطلاق الحوار مع الشطر الغربي من العاصمة يؤدي الى انهاء الوضع الشاذ والاتفاق على آلية تفضي الى انتخاب رئيس للجمهورية يخرج البلاد من الفوضى التي انزلقت اليها». وتعرض النواب الثلاثة والعشرون الذين حضروا اللقاء لتهديدات واستهدفت مكاتب بعضهم الآخر بالحجارة او بالحرق. فيما توجهت تظاهرة من مؤيدي عون الى الصرح البطريركي تدعو النواب الى «خرق جدار الصمت والإعلان ان سورية تقوم بحرب ابادة ضد لبنان». أما بعد اقرار الطائف فقد اقتحم متظاهرون مقر البطريركية واندفع بعضهم الى صورة البطريرك الماروني المعلقة فوق الجدار وعلى باقي الجدران وعلقوا صور عون عليها وعلى الكرسي البطريركي. وطلب المتظاهرون ان يخرج البطريرك صفير لمقابلة الجماهير التي ملأت الساحة الداخلية فذهب البطريرك معهم وقد احاط به بعض منهم مع الدرك ثم طلبوا منه القاء كلمة فيهم تأييداً للعماد عون. ثم طلب احد المتظاهرين من البطريرك ان يقبّل صورة عون المرفوعة فوق رأسه وتبعه كثيرون يقولون: «بوس الصورة، بوس الصورة». فرفض البطريرك ذلك. فما كان من المتظاهرين الا ان حملوه ورقصوه على ايديهم ووضعوا صورة الجنرال على وجهه. بعد الحادثة بأعوام ، عاد احد الشبان الذين هاجموا البطريرك لزيارته وهمس في أذنه بأنه كان في التظاهرة وبأنه شديد الأسف لما حصل. فأجابه «أنا نسيت الحادثة، هل ما زلت تذكرها؟ وابتسم وأكمل حديثه مع الناس المحيطين به».
غادر صفير بكركي وأمضى ثمانية عشر يوماً في الديمان ولم يعد الى بكركي الا بعد زيارة قام بها عون الى هناك واتصال هاتفي أجراه معه. ومع هذا قام صفير بعد عودته الى بكركي بيومين بإيفاد نائبه العام المطران رولان أبو جودة لتهنئة الرئيس الياس الهراوي بانتخابه. كما تمسك بموقفه من موضوع الوفاق الوطني وضرورة تسليم السلطة الى الرئيس الجديد. ومواقف البطريرك صفير من التدخل السوري في لبنان كانت حاسمة، ولهذا رفض زيارة سورية رغم كل المساعي التي بذلت، وهو وصف فترة السلام السوري بـ«الزمن الرديء الذي لا إمكانية للخروج منه إلا باجتماع اللبنانيين حول الثوابت الوطنية الأساسية وفي مقدمها السيادة والاستقلال والقرار الحر والعيش المشترك القائم على قواعد الاحترام والمحبة وشد الأواصر والتضامن». عن علاقة البطريرك مع سورية يقول المطران مطر: « لم يكنّ يوما العداء لسورية أو أراد بها الشر». ويضيف:« لقد تقلب الناس بين الولاء لسورية والعداء معها، لكن البطريرك وحده لم يتغير». أما عن نظرته الى العالم العربي فهو يرى ان المسيحيين فيه «موضوع قيمة مضافة للجميع وهو يكن محبة لهذا العالم ويريد له ان يتقدم ويتطور». وعندما وصل الرئيس رفيق الحريري الى السلطة سعى البطريرك صفير لمساعدة رئيس الحكومة الجديدة ودعمه لتحقيق ما يصبو اليه اللبنانيون من نهوض للبنان في شتى الميادين. وظن ان مؤهلاته الشخصية وقدراته السياسية والمالية العالية وعلاقاته العربية والدولية تخوله لعب دور كبير في انقاذ لبنان من الهيمنة السورية عليه، او التخفيف منها. فقد كان البطريرك يرى في الحريري «الشخص المناسب الذي يحظى بالحصانة العربية والإسلامية الكافية لبدء عملية اعادة التقارب بين المسيحيين والمسلمين وتحقيق المصالحة الحقيقية بينهم، تمهيداً لنزع الذريعة التي تبرر استمرار وجود القوات السورية في لبنان». وقد كوّن البطريرك صفير هذه الفكرة عن قدرات الحريري ونياته بعد لقاءات عديدة عقدها معه في روما وباريس وبون، وعززتها في ما بعد لقاءاته معه في لبنان خلال السنتين الأوليين لحكومته.
ويعتبر البطريرك صفير من أهم الناطقين بالعربية لغة وكتابة في لبنان والمنطقة. ويفخر بأن أحد أجداده كان يكتب لقائد ثورة الفلاحين، طانيوس شاهين، خطاباته ومراسلاته سنة 1856. وإتقانه اللغتين العربية والفرنسية، هو ما فتح له أبواب العمل في بكركي سنة 1956. فالشاعر سعيد عقل يروي أنه يوم اطلع في تلك الفترة على التصحيح الذي أجراه الخوري نصر الله صفير لكتاب أعدّه راهب ماروني يسوعي دمشقي من آل الياس، فأُعجب بأسلوبه إلى حد دفعه إلى تزكية الخوري الشاب لدى البطريرك المعوشي. ورغم أن العديد من القيادات الإسلامية السياسية والدينية تقول ان سلاسة لغته ساهمت كثيراً في عبور أفكاره إليهم، فإن البطريرك نادرا ما يلجأ الى الكلام الواضح، والكثير من اللبنانيين يأخذون عليه عدم اتخاذه مواقف حاسمة، فكلما ألقى البطريرك عظة أو اتخذ موقفا سارع الجميع الى تأويل كلامه وفقا لما يناسب موقفهم السياسي. لكن هذه الصفة ينفيها المطران بولس مطر، معتبرا ان «البطريرك ليس رجلا سياسيا، بل هو رجل وطني لديه من الحكمة ما يجعله يرى تغير الأمور وتقلبات الناس. فهو يزن الأمور، وعندما يتخذ موقفا يبقى عليه لأنه عنيد مع الحق».
ورغم تجاوزه عامه الـ87 فان المقربين من البطريرك يصفونه بأنه «يقظ وواع ويعمل كأنه ابن 50 سنة»، كما ان البطريرك رياضي وهوايته المفضلة المشي في الأحراج. وهو زاهد في طعامه. ويروي الكاتب أنطوان سعد يوما نموذجيا في حياة البطريرك صفير الذي يستيقظ الخامسة إلا ربعا فجرا ، ثم يؤدي صلاة الصباح والقداس في كنيسة صغيرة مقابلة لجناحه الملاصق لقاعة الاستقبال الكبرى حيث يستقبل يومياً زواره. ثم يتناول طعام الفطور.
في الثامنة صباحا ينصرف البطريرك الى أعمال روتينية إدارية، كالاطلاع على البريد والعناوين العريضة للصحف. بعدها يبدأ استقبالاته في القاعة الكبرى بين التاسعة صباحا والثانية عشرة والنصف بعد الظهر. في الواحدة ينتقل البطريرك الى الغداء ثم صلاة شكر وجيزة، فبعض المشي. ليخلد الى الراحة حتى الثالثة والنصف فينال استراحة على كرسي مريح مع قراءة الصحف كاملة وبعض الأعمال الإدارية. يعود «سيد بكركي» الى نشاطه في الرابعة والنصف فيرأس اجتماعات إدارية مع الأساقفة ومع بعض السياسيين الذين يودون زيارة بكركي بعيداً عن الأضواء الإعلامية، علما أن مديرية المخابرات في الجيش تطلع على أسماء الزوار بواسطة الوحدة العسكرية المولجة حماية الصرح. في السادسة والنصف يؤدي صفير صلاة المساء، ثم يتناول طعام العشاء، يليه نحو نصف ساعة من المشي بين قناطر الصرح البطريركي الداخلية. وفي أمسيات الشتاء، يستعيض سيد بكركي عن المشي ببعض التمارين على السجادة الكهربائية. وعند الثامنة يشاهد البطريرك نشرة الأخبار، يعود بعدها إلى جناحه للمطالعة وإعداد العظات والتقارير، ويخلد إلى النوم قرابة منتصف الليل
بيروت: ثائر عباس
الشرق الأوسط 23-11-2007

pieces of Egyptian forgotten history

http://www.flickr.com/photos/askamel/

images of Egypt

images of Egypt in the 1st half of the twntieth century including pics of King Farouk , queen Nariman , historical leader Saad pasha Zaghloul and Egyptian cities in the past

http://www.flickr.com/photos/14351154@N02/

wnderful rare collection of the Egyptian royal family images

in this link , you can find wonderful extremely rare collection of images of the Egyptian royal family . including King Farouk , Queen Farida , their children , queen Nazly , queen Nariman and other members of the Egyptian royal family with comments on the hoistorical episode of every pic

مجموعة رائعة و نادرة جدا من الصور للعائلة المصرية المالكة سابقا تضم صور للملك فاروق و الملكة فريدة و أولادهما و الملكة نازلى و الملكة ناريمان

http://www.flickr.com/photos/96884693@N00/sets/72157594509458654/

thanks to kodak agfa for her amazing effort and enriched comments . thanks for sharing this treasure with us

Friday, November 23, 2007

صناعة الارهاب فى تاريخ الاخوان المسلمين

تعتبر جماعة الإخوان المسلمين من أكثر الجماعات التي‮ ‬مارست وما زالت تمارس الإرهاب بكافة أشكاله،‮ ‬وهي‮ ‬وان حاولت أن تظهر نفسها بالوسطية،‮ ‬الا أنها سرعان ما تفتضح؛ لأن هدفهم النهائي‮ ‬هو الوصول إلى السلطة،‮ ‬سواء تم ذلك بالرشوة والمحسوبية أو بالإرهاب والقتل المنظم،‮ ‬عن طريق أجهزتهم السرية التي‮ ‬تعمل بتوجيه من مدينة اخن في‮ ‬المانيا،‮ ‬حيث القيادة العليا للإخوان المسلمين وأجهزتها الإرهابية‮.

‬فـ‮ »‬الأخوان المسلمون‮« ‬يستخدمون جميع وسائلهم لخداع الناس وتضليلهم بحقيقة أهدافهم،‮ ‬لذلك فهم دائماَ‮ ‬يسعون للسيطرة على وزارت الإعلام في‮ ‬معظم الأقطار العربية،‮ ‬حيث‮ ‬يظهر واضحاً‮ ‬الآن وفي‮ ‬أكثر من قطر عربي‮ ‬هذا التطبيل والتأييد الذي‮ ‬يمارسه الأخوان في‮ ‬دعم تنظيم القاعدة الارهابي،‮ ‬وتبرير جميع عملياته الإرهابية في‮ ‬قتل الأبرياء،‮ ‬مستفيدين من وجود عناصرهم في‮ ‬عدد من المواقع الهامة في‮ ‬وسائل الإعلام الرسمي‮ ‬العربي‮.‬وقد كانت هذه الجماعة مند تأسيسها حتى اليوم،‮ ‬وهي‮ ‬تمارس الكذب المنظم على الناس بهدف خداعهم،‮ ‬لذلك كانوا دائماً‮ ‬يروجون لأنفسهم بأنهم تعرضوا للظلم،‮ ‬بينما الحقيقة أن شعوباً‮ ‬عديدة كانوا من ضحايا الإرهاب الاخواني،‮ ‬والجميع‮ ‬يعلم أن هذا التنظيم مند نشأته كان‮ ‬يحارب حركات التحرر العربية‮. ‬وحتى اليوم فهذه الجماعة قد حاربت ثورة ‮٣٢ ‬يوليو ‮٢٥٩١ ‬وثورة الثامن من آذار في‮ ‬سوريا‮. ‬فالزعيم جمال عبدالناصر سمح لهذه الجماعة بان تمارس العمل العلني،‮ ‬وكانت لهم مكاتب علنية مفتوحة في‮ ‬القاهرة،‮ ‬وحتى عندما حل عبدالناصرالأحزاب،‮ ‬تم استثناء هذه الجماعة التي‮ ‬لم تخف طمعها بالسلطة،‮ ‬فكانت محاولة محمود عبداللطيف عضو الجهاز السري‮ ‬للإخوان لاغتيال الزعيم جمال عبدالناصر‮ ‬يوم ‮٦٢ ‬أكتوبر ‮٤٥٩١ ‬في‮ ‬ميدان المنشية بالاسكندرية،‮ ‬كما كانت ضد الوحدة بين مصر وسوريا،‮ ‬بل هي‮ ‬من أكبر الداعمين لحركة الانفصال وتفكيك الوحدة‮. ‬لذلك فهذه الجماعة تعمل ضد وحدة الأمة العربية،‮ ‬وما تفعله حماس ضد فتح وكتائب شهداء الأقصى وباقي‮ ‬الفصائل الفلسطينية،‮ ‬دليل على منهج الأخوان المسلمين في‮ ‬الوصول للسلطة بأي‮ ‬ثمن،‮ ‬ثم المحافظة عليها بأي‮ ‬ثمن،‮ ‬ولو كان على جثث المواطنين‮.‬فـ‮ »‬الأخوان المسلمون‮« ‬هم أساس الإرهاب في‮ ‬العالم العربي،‮ ‬وقد كان أصدق من وصف هذه الجماعة هو وزير الداخلية السعودي‮ ‬الأمير نايف بن عبدالعزيز‮ »‬الاخوان أساس البلاء والتطرف والإرهاب‮«‬،‮ ‬فالمتتبع لتاريخ الإخوان المسلمين‮ ‬يعرف مدى ارتباط الإرهاب بنشأتهم،‮ ‬فهم دائما كانوا‮ ‬يبررون الأعمال الإرهابية باسم الإسلام والاسلام منهم براء‮. ‬ويمكن النظر إلى كتب الإخوان أنفسهم التي‮ ‬تتضمن اعترافات القيام بالأعمال الإرهابية،‮ ‬ككتاب‮ »‬احمد عادل كمال‮ - ‬نقاط فوق الحروف‮«‬،‮ ‬وكتاب‮ »‬محمود الصباغ‮ - ‬حقيقة التنظيم الخاص‮« ‬وغيرها الكثير‮. ‬وهذه الكتب تجمع على مسؤولية الأخوان المسلمين،‮ ‬تحكي‮ ‬عن جرائم العنف التي‮ ‬قاموا بها منذ نشأتهم،‮ ‬مثل قتل النقراشي‮ ‬باشا،‮ ‬ومحاولة قتل النحاس باشا،‮ ‬ومحاولة الانقلاب في‮ ‬اليمن،‮ ‬وسرقة بنك مصر في‮ ‬مصر الجديدة،‮ ‬وقتل الخازندار،‮ ‬وقتل أعضاء حزب مصر الفتاة،‮ ‬وتفجيرات العباسية،‮ ‬ونسف قطار الإسماعيلية،‮ ‬فهذه الاعترافات توضح الكذب الكثير الذي‮ ‬ينشر هذه الأيام في‮ ‬إعلام الأخوان المسلمين‮.‬لا‮ ‬يوجد في‮ ‬تاريخ الأخوان المسلمين شيء من الوسطية التي‮ ‬تدعيها،‮ ‬بل هي‮ ‬حركة نفعية تسعى للوصول للسلطة،‮ ‬ولذلك فهم دائماً‮ ‬على خلاف مع القوى المعارضة في‮ ‬العالم العربي،‮ ‬وحتى إذا توافقوا معها؛ سرعان ما‮ ‬ينفضّ‮ ‬الاتفاق عن طريق صفقة تعطى لهمه تعزز مواقعهم داخل وزارات معينة،‮ ‬أو مناصب حكومية‮. ‬فهم لم‮ ‬يكونوا‮ ‬يوماً‮ ‬جزءا من حركة التحرر الوطني‮. ‬واتصالاتهم بالانجليز بمصر خلال فترة الاحتلال ونضال الشعب المصري‮ ‬للاستقلال موثقة،‮ ‬وتم نشرها من قبل السفارة البريطانية،‮ ‬بعد أن حاول الاخوان أن‮ ‬ينكروا ذلك لفترات طويلة‮.‬إن ما نأمله أن لا تنخدع القوى السياسية في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬ببرغماتية الأخوان المسلمين فهم جزء من التحريض على العنف وتبريره،‮ ‬وهم لا‮ ‬يتفقون مع المعارضة الا لمصالحهم الخاصة،‮ ‬ولمغازلة الأنظمة الحاكمة وابتزازها،‮ ‬لذلك فان رفض هذا المنهج الاخواني‮ ‬في‮ ‬صناعة الإرهاب هو ضرورة لحماية المجتمع،‮ ‬وعلى الأجهزة الرسمية والأمنية العربية تخليص المؤسسات الرسمية من سيطرتهم،‮ ‬إذا كانت هذه الأجهزة حريصة على مكافحة الفساد،‮ ‬ووقف الدعاية والتجنيد للإرهاب والعنف

فاضل عباس

bumohd44@hotmail.com

الحوار المتمدن - العدد: 2109 - 2007 / 11 / 24

Tuesday, November 20, 2007

انتي دينك ايه؟

هذا السؤال شائع في مصر مثل السؤال عن الاسم، اذا كان بشكل اجتماعي، او حكومي، او تعليمي او في اي مؤسسة داخل مصر… و حتي يأتيني علي الايميل!!
و في ظل هذا الهوس الهستيري بالتصنيف الديني عادة لا اجيب عنه، لان السؤال الغير صالح، لا يأتي غير باجابة باطلة حتي و ان كلا الطرفيين اعتقدوا حق الاعتقاد في طبيعية مشاعية هذا الاجراء الاستفساري التطفلي عن امر شخصي مثل المعتقد الديني
.و دائماً يسير في هذا المنهج:
انتي دينك ايه؟-
هل تفرق كثيراً؟ -
لا، لا طبعاً كلنا اخوات-
اذن لماذا هذا السؤال اصبح من المظاهر المجتمعية التي تصنف ب"الطبيعية" و الذي يبرهن علي عدم طبيعيته اني عندما ابادر بالسؤال عن ما هو الفرق يتفضل السائل بالتقرير انه لا هناك فرق في حالة دفاعية تلقائية لمعرفته في اللاوعي ان هذا سؤال عنصري و تمييزي.
هل تحدد منهج تعاملك مع البشر بناء علي ما يقولون و هم يتحدثون لالههم؟!!
هل تشعر بتهديد لمجرد ان تعلم ان اخريين يصلون صلاة غيرك، اسلامية او بهائية او مسيحية او حتي لا يتلون صلاة علي الاطلاق؟هل تشعر بانك تهدف لتحويل كافة البشرية لوجه واحد، اسم واحد و دين واحد؟اذن عزيزي انت في مشكله... لان بمحض التاريخ الانساني هذا لم يحدث و لو مرة واحدة و بكل الاشكال غير قابل للتحقيق، و النظرية السياسية الاجتماعية تطرقت لهذا الموضوع بشكل علمي حاسم جداً في جزء من تعريف السياسية المعاصر من عدة مصادر:
" السياسة العلمية الحالية المتحضرة قائمة بشكل رئيسي في اعتمادها علي اهمية استخدام النماذج و الافكار الثقافية السياسية التي تعرضت الي الاختبار ثم تم برهان صلاحيتها لكي توظف لتطرح لكحل في المشاكل السياسية القائمة و المعاصرة. " *
و لان هذا هو الاجراء العلمي لطرح الحلول او اي فكرة اصلاحية، يجب ان تكون قد تعرضت الي الاختبار ثم برهان الصلاحية ثم بعد ذلك يتم طرحها كحل استشاهداً بالنتيجة الواقعي للتجربة المعاصرة لكي تكون صالحة للتطبيق، و بما ان توجد فعلاً نماذج لدول معاصرة تعطي الحقوق الدينية بشكل مطلق لمواطنيها و نجحت بالارتقاء سياسياً و اقتصادياً و علمياً و فنياً و انسانياً، اذن نستطيع ان تؤكد ان اعطاء الحقوق الدينية ليس امر معرقل للتطور بل حتمي و يجب طرحه كجزء من الحل الوطني الاصلاحي و انقاصة او تجنبه يبطل الحل لان احدي اجزاء المشكلة الرئيسية يبقي الحال بها كما هو عليه. و عودة للموضوع و لماذا تطرقت لتلك المداخلة، هو اني اريد ان نخرج من المنظور الطائفي التصنيفي للأشياء و البشر و القيم الانسانية، الي منظور كوني اوسع و اكثر طبيعية، و هو الوجه المدني، الوطني و الانساني لتلك القضية الذي يخصني بالاساس، و انا لست بهائية و فقط اقول هذا ليس لانه حق لاحد معرفه ما اؤمن به بل للأستدلال علي النقطة الرئيسية في هذا الجدل، و هو اني اذا قررت في يوم من الايام ان اكون بهائية او مسلمة او بوذية او هندوسية او مسيحية او لا دينية سيكون هو بالامر الشخصي الذي لن انتظر مؤسسة او فرد او جماعة التصديق علية لانه خاضع فقط لمعاييري انا الشخصية في اختياري لمرجعيتي الفردية دون وجه حق لتدخل من اخرين و هذا ما يكفله الدستور المصري و المواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر و الذي يطالب به كل الوطنييون.
و انا شأني شأن الكثير من المصريين الذين لم يكونوا يعلموا شئ عن البهائيين المصريين بسبب القمع و التعتيم القصري علي معتقدهم، ولكني لاول مرة عندما شاهدت حلقة عمرو اديب عن البهائيين المصريين شعرت بالخزي و الخجل من نفسي و الاهانة الشديدة، لاني كنت اجهل تلك المعاناة، و تخيلت لو احد اصدقائي بهائي و لم يشارك معي تلك المعلومة خوفاً من جهلي علي حياته!!
و كم كان سيكون ذلك قبيح و غير محتمل ان اقبله علي انفسي، ان اكون مصدر تهديد بعدم ادراكي لحقيقة و طبيعة الاشياء... و لعل جهلي بعدم العلم عن معاناتهم تسببت في الم لاخرين، فالجهل نخاع كل الشرور، و بي الكثير من العيوب، و لكن اسعي و اتمني في يوم من الايام ان يكون الشر الناتج عن الجهل لا يكون احدهم

المدونون ينافسون مهرجان القاهرة السينمائي

دخلت مجموعة من المدونين المصريين الناشطين في الانترنت في منافسة مع مهرجان القاهرة السينمائي.
إذ يعتزم هؤلاء اقامة مهرجان خاص بهم على الهامش يعرضون فيه مقاطع فيديو لممارسات التعذيب التي تقوم بها اجهزة الامن المصرية.
ومع اقتراب مهرجان القاهرة، المقرر عقده في ديسمبر/ كانون الاول، يخطط هؤلاء المدونون لعرض افلامهم على الانترنت.
ويعتزمون ايضا تخصيص جوائز ساخرة من قبيل "السوط الذهبي" التي ستخصص، حسب قولهم، لابشع الاساءات التي يتعرض لها الناس على يد اجهزة الامن.
يشار إلى أن احد اشهر وابشع تلك الافلام القصيرة التي صورت بكاميرا تليفون محمول تظهر شرطيا وهو يعذب معتقلا بادخال عصا في شرجه.
وتقول منظمات لحقوق الانسان إن التعذيب منتشر على نطاق واسع في السجون ومراكز الشرطة في مصر
وتقول احدث التقارير من تلك المنظمات إن احد هؤلاء المدونين واسمه عبد الكريم سليمان ، والمسجون بسبب كتاباته الانتقادية على الانترنت، تعرض للضرب والسجن الانفرادي.
وتقول تلك المنظمات إن سليمان، المحكوم بالسجن لاربعة اعوام بتهم اهانة الاسلام وشتم الرئيس المصري حسني مبارك، قد وضع في الحبس الانفرادي.
وقالت منظمة مراسلون بلا حدود إنها تسلمت رسالة من سليمان من داخل سجنه قال فيها إنه تعرض للضرب، ولم يقدم له الاكل والماء الكافي.
يشار إلى أن سليمان، وهو طالب حقوق سابق، قد نشر ثماني مقالات على الانترنت منذ عام 2004، هو اول شخص يحاكم في مصر على كتاباته في الانترنت.
وتعتبر منظمات حقوق الانسان الحكم على سليمان بمثابة مؤشر خطير على تدهور الحريات المدنية في مصر، الدولية العربية الاكبر بعدد سكانها.
يذكر ان محكمة في القاهرة كانت قد اصدرت في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني حكما بالحبس على اثنين من عناصر الشرطة المصرية بالحبس ثلاث سنوات بتهمة تعذيب سائق ميكروباص منذ سنتين في قضية هزت الرأي العام في مصر وفتحت ملف التعذيب في اقسام الشرطة المصرية، وحملت بصمات عصر الانترنت.
وصدر الحكم بحق كل من النقيب اسلام نبيه وامين الشرطة رضا فتحي اللذين القي القبض عليهما في شهر ديسمبر/ كانون الاول الماضي في اعقاب البث الواسع النطاق على مواقع المدونات المصرية للقطات فيديو تصور هتك المتهمين لعرض سائق الميكروباص عماد الكبير باستخدام عصا.
وفي وقت لاحق اتهم عماد الكبير كل من ضابط وأمين الشرطة بتعذيبه وضربه في قسم شرطة بولاق الدكرور الذي يعملان فيه، بسبب تدخله في خلاف بين مسؤولي الشرطة وأبن عمه
واظهرت لقطات الفيديو المجني عليه في القضية عماد الكبير ونصفه الاسفل عار ويداه مربوطتان خلف ظهره ورجلاه معلقتان في الهواء وهو يصرخ مستعطفا بينما ينتهك عرضه باستخدام عصا، فيما يقوم هؤلاء الذين يقومون بتعذيبه، والذين لم تظهر وجوههم، باذلاله.
ورغم ان هذا الحادث ليس الاول من نوعه على صعيد التعذيب في اقسام الشرطة الا انه يعد حادثا محوريا كونه قد ظهر الى العلن وذلك باستخدام التقنيات العصرية من كاميرات التليفون المحمول التي صورت اللقطات ومن ثم الى شاشات الكمبيوتر عبر مواقع المدونات ولما ناله من اهتمام من قبل الرأي العام ووسائل الاعلام.
كما سلط هذا الحادث الاضواء على قضايا التعذيب واعطى المدافعين عن حقوق الانسان في مصر من جماعات وافراد زخما قويا لمناهضة التعذيب على ايدى رجال الشرطة.
وتطالب جماعات حقوق الانسان بمحاكمة هؤلاء الذين يلجأون الى استخدام العنف او يسيئون استخدام سلطاتهم في الاجهزة الامنية
وكانت منظمة مراسلون بلا حدود قد أضافت مصر لقائمتها لـ "أعداء الانترنت"، التي تشمل 31 دولة تمارس الرقابة على ما يقوله الناس على الانترنت، وتضايق من ينشر آراء ترفضها الدولة
BBC arabic

Monday, November 19, 2007

دويلة حزب الله

ليست دويلة حزب الله بالدويلة الوحيدة التي عرفها لبنان في تاريخه الحديث، بل هي أحدث هذه الدويلات وربما أخطرها علي الكيان اللبناني، فقبلها كانت هناك دويلات كثيرة ظهرت في بعض مراحل الفوضي اللبنانية من أشهرها دويلة القوات اللبنانية التي كان يترأسها سمير جعجع، ومن علاماتها الفارقة حاجز البربارة و حالات حتما أي ذاك المطار الذي كان في نية القوات اقامته في قرية حالات الكسروانية، ومن هذه الدويلات الادارة المدنية التي انشأها كمال جنبلاط في وقت من الأوقات ثم ورثها عنه نجله وليد جنبلاط، ولا ننسي الدويلات الفلسطينية في العرقوب، والجنوب، وبيروت الغربية والتي كان من رموزها أبوعمار وأبوجهاد وأبواياد، وهي دويلات أسهم في القضاء عليها الإسرائيليون والسوريون معاً.
ويمكن أن يضاف إلي هذه الدويلات دويلة الجنرال ميشال عون التي قامت مناوشات وحروب بينها وبين دويلة القوات ، والتي وضع السوريون حداً لها عندما قصفوا مقر عون من الجو قبل أن يحتلوه، ويضطر عون للجوء إلي حرم السفارة الفرنسية في الحازمية حيث أنقذه الفرنسيون من موت محتم.
وإذا كانت دويلة حزب الله أحدث هذه الدويلات، فهي أخطرها في آن، ذلك إن هذه الدويلة تتعاون عدة عوامل شديدة الأهمية في تكوينها واستمرارها، هي العقيدة والمال والسلاح وطريق الامداد والتموين.
وهي عوامل تكفل لها الحياة المديدة، وبخاصة في ظل ضعف الدولة اللبنانية القديم والمتمادي، فإذا بدأنا بالعقيدة قلنا أنها عقيدة سماوية لا أرضية، وهذه العقيدة عند أعضاء الحزب قوية متينة لدرجة أن الحزبي لا يتردد في الهجوم علي الموت تحية لها، وطلبا للجنة الموعودة التي وعد بها، والمال يتدفق علي الحزب كما يتدفق الماء في النهر، فكيف إذا وقر في الذهن أنه مال حلال نظيف مجلوب من الحوزات المقدسة ومقامات الأولياء؟
والسلاح بعدد رمل البحر ومنه الصواريخ التي تكون في يوم عشرين ألفاً، فتصبح في اليوم التالي علي خير أوفر.. وطريق الامدادات والتموينات سالك علي خطين، فلا رقيب ولا حسيب، فكيف إذا كانت نواطير لبنان قد نامت، وفقد لبنان كل منعة أو عصبية له عند أبنائه؟
وهي دويلة لا تفتقر إلي العصبية التي جعلها ابن خلدون، في مقدمته أساس الدولة، كما هي دويلة متعصبة مبثوث في جيناتها عبء التاريخ الإسلامي القديم، ولا تجيز لغير شيعة علي كرم الله وجهه الاطلاع علي شيفراتها ورموزها، فعلي الرغم من كل ما قيل مرة من أن حزب الله فتح أو يفتح أبواب المقاومة لغير الشيعة، إلا أن أبوابه بقيت موصدة في وجه هؤلاء، وكل ما ظفر به أنصار حزب الله من غير الشيعة، هو اسم المؤلفة قلوبهم ، وهم فئة كان المسلمون الأول، رغبة بتحييدهم، أو كسباً لولائهم، يدفعون لهم المال، ولاشك أن المؤلفة قلوبهم الجدد ينعمون بما نعم به المؤلفة قلوبهم الأول، فالمال وفير، والحاجة إلي تأمين التغطية الداخلية ماسة كسباً للمشروعية، وخوفا من الوقوع في العزلة، ومنعاً من اتحاد الطوائف الأخري بوجه الحزب والطائفة.
وهي دويلة تبسط نفوذها اليوم علي ما لا يقل عن ثلث الأراضي اللبنانية: العاصمة هي بيروت الغربية، أو بعضها علي الأقل، بينما الضاحية الجنوبية، ثم الجنوب بدءاً من صيداً أو حارة صيداً حتي الحدود الدولية مع إسرائيل.
وفي البقاع تمتد أراضي هذه الدويلة في البقاع الغربي كما في الشرقي علي السواء. ومن الطبيعي ألاّ تسمح هذه الدويلة بالدخول لموظفي الدولة وقوي الشرطة والدرك والأمن العام فيها الا تحت المراقبة الشديدة إنها تعمل تحت شعار ما لنا لنا وحدنا، وما لكم لنا ولكم ، أي أن لها سيادتها الكاملة علي أرضها، ولكنها تطالب بحصتها في نفوذ الآخرين وفي حصصهم، لأنها تمثل الشيعة وهم طائفة لبنانية كأية طائفة لبنانية أخري لها ما سواها من الحصص والمغانم!
وإذا كانت الدويلات اللبنانية السابقة قد ظلت في اطار اللاسلكي من حيث الاتصالات، فإن دويلة حزب الله قد وضع بتصرفها أحدث أنواع الاتصالات المعمول بها اليوم. كما أنه بات لها شبكة اتصالات مرئية خاصة بها، ممدودة علي أعمدة الهاتف العام، سواء في بيروت، أو في الضاحية أو في سواهما، ولم تجرؤ الدولة أو الحكومة علي أن تمد يدها بعد إلي أعمدة الهاتف لنزع أي سلك خاص بسواها.
استناداً إلي الباطن، يمكن القول أن أبرز ما يميز هذه الدويلة هو انطواؤها علي فكر لا رحابة ولا انفراج ولا اجتهاد ولا تأويل فيه، فكر أحادي مغلق علي ذاته، متمحور حول فقيه الطاعة له واجبة، ولا لزوم لمناقشته في أوامره ونواهيه، ولكن كلمة السر واضحة في هذه العقيدة. إنها الثأر في يوم قريب أو بعيد من يوم قديم، أو أيام قديمة ولا بأس بالتقية، أو بالدبلوماسية بالتعبير المعاصر وصولاً إلي تحقيق الغاية، والكتمان خبر وسيلة لقضاء الحاجات.
أما استناداً إلي الظاهر، فإن من الممكن الاستدلال علي مواصفات هذه الدويلة وتجلياتها من مظاهر مختلفة في طليعتها شيوع ثقافة خاصة قوامها كتب الولاء القديم التي تبقي العقيدة مستعرة متأججة في النفس، عشرات دور النشر وبيع الكتب تناسلت أو تألفت خلال ربع القرن الماضي وعمدت إلي طبع مالا يحصي من الكتب المذهبية والتراثية، علي المرء أن يعكف علي قراءتها بلا انقطاع، وعليه ألا يقرأ سواها أيضا.
وإلي جانب حضور هذه الكتب، ثمة غياب لجوانب من الثقافة السائدة في عالم الحضارة، فلا مقاه ولا مطاعم في عالم المربعات الأمنية يختلط فيها الرجال بالنساء، ولا موسيقي ولا غناء في أي مكان بما فيه المنازل.
ولا مجال بالطبع للنقد والمنهج النقدي، ولكن المجال كله هو للثناء ومباركة كل ما يقوم به الفقيه أو وكيله، وعندما يظهر أحدهما علي الشاشة، أو علي المنبر، فالأذان مصغية، والنفوس غارقة في الصمت الرهيب، والاستعداد للتضحية بالذات في أوج استنفاره.
لايشك أحد، بمن فيهم الأمريكان والإسرائيليون، في قوة ومناعة هذه الدويلة وكونها الجبهة الأمامية للمواجهة المفتوحة بين ايران وسوريا ربما واعدائها، ولكنها دويلة تشكو من نقاط ضعف كثيرة ومن كونها تواجه أفدح الأخطار والتحديات، بإمكانها بالطبع أن تمطر إسرائيل بما لا يحصي من الصواريخ، ولكن باستطاعة اسرائيل أن تلحق بها أفدح الخسائر أيضا، وهذه الخسائر لن تصيب حزب الله وحده، بل ستصيب لبنان أيضا، ونتابع في عدد قادم
جهاد فاضل - كاتب لبناني
الراية القطرية

Saturday, November 17, 2007

مصر هي أكثر بلد عربي يهاجر منه.. الناس لأنه لم يعد هناك انتماء

أكد الدكتور أحمد عكاشة رئيس الجمعية العالمية للطب النفسي أن ٧٠% مما يدون في كتب التاريخ غير حقيقي، لأن الذي يكتبه إنسان معرض لأن يفعل ذلك بشكل غير شعوري، ويضيف أشياء من ذاكرته لتملأ فجوات في بعض الوقائع التاريخية، واستشهد عكاشة بما كان يحدث في عهد الفراعنة حيث كان يطمس كل ملك تاريخ من سبقه.
وأضاف عكاشة لبرنامج «الطبعة الأولي» الذي يقدمه الصحفي أحمد المسلماني علي قناة دريم: في مسلسل الملك فاروق لم يتم التعرض لسيرة الشعب والطبقة الوسطي وهو مخالف لما جاء في كثير من الكتب التاريخية، التي قدمت فاروق بصورة مغايرة وأنه كان يتدخل في الدستور وفي أشياء كثيرة، وبالتالي «لازم نشغل مخنا شوية» وأن نقيم الأمور لكل مرحلة وفقا للتوقيت وما إذا كان لابد من القيام بتصرف ما أم لا، كما أن عهد فاروق لا يمكن مقارنته بعهد جمال عبدالناصر وأيضا العهد الحالي.
وعن عهد عبدالناصر قال عكاشة: عبدالناصر جاء متأثرا بافتراضية أن معظم الناس فقراء ورغم أنه كانت له سلبياته إلا أنه كان فيه كثير من الإيجابيات وكان في نظر الناس أول مصري يحكم مصر منذ سنين طويلة وحين قامت الثورة ارتكزت علي الديمقراطية بعدما تعب الناس من القمع والاستعباد إلي أن ظهر مقص يقطع في الثورة وهذا كان أحد أسباب إغلاق جريدة «المصري» التي كان يرأس تحريرها «ثروت عكاشة» وقد كان أحمد فتح الله زوج شقيقة عكاشة صديقا مقربا من عبدالناصر، لكنه انقلب ضده.
وأضاف: السلطة مرض نفسي شديد جدا فأي شخص يبقي لفترة طويلة يحدث بالتأكيد تغير في تفكيره وأيدولوجيته وسيكولوجيته، ولذلك ففي كل أنحاء العالم يرفضون بقاء الشخص في منصبه، حتي لو كان رئيس قسم في جامعة، وفي عهد عبدالناصر فقدنا مسألة الديمقراطية وللأسف اكتمل ذلك في عهدي السادات ومبارك مع أننا نميل للحكم الشمولي، وإن كان ذلك لا يمنع من كون الرؤساء الثلاثة مختلفي الذكاء تماما من الناحية الشخصية ، ولكن الزعامة السابقة أصابتهم بنوع من الحساسية وهذا طبع موجود في مصر منذ عهد الفراعنة وليس في كل بلاد العالم وأن يخفي الحاكم من سبقه ولا يضيف إليه بل يقول عنه ما يضره.
وقال عكاشة إن السياسة هي فن تضليل الشعوب، لأن كل سياسي يحاول أن يصل إلي الحكم يخدع ويغري الناس لكي ينتخبوه. لذلك نجد أن ٨٠% من الناس متوسطي الذكاء تحت قيادة ٢٠% يتمتعون بديكتاتورية الذكاء الحاد ولذلك يجب أن نتوقف عند مسألة ضمير المصري ولماذا يهرب المصريون من بلادهم وكيف أن الإعلام يتعامل مع الأمر بطريقة بسيطة، فليس هناك بلد عربي يهاجر الناس منه بهذه الأعداد المهولة في العالم إلا مصر حيث لا يوجد انتماء.
وعن مدي تفاؤله بالأوضاع الحالية في مصر قال: لست متشائما لأن هناك صحوة غير معقولة في مصر اليوم برغم عدم وجود طبقة وسطي تقود هذه الصحوة، كما أنه لا توجد كوادر تتولي المهام فيما بعد وللأسف المصري يتنازل عن حقه ولا يتعلم كيفية الحصول عليه، ولأنه لم يحصل عليه فهو يلجأ للنفاق والغش والانضمام للشلل، فمن حق أي فقير أن يعالج علي نفقة الدولة وأيضا أن يتعلم وليس التعليم بالطريقة أو الشكل الموجود حاليا فمن هاجروا شهادتهم لا تؤهلهم لأي عمل.
كما أن نشأة الضمير النفسي في ظل أمور سلبية كثيرة مثل الفساد دون مساءلة يزيد من الإحساس بالعجز واليأس، أيضا مساحة البهجة عند المصريين قلت جدا ولم تعد هناك أوقات للرفاهية والسعادة، كما زادت معدلات الاكتئاب والانتحار، والمفارقة أنها في الأرياف أكثر منها في المدن، ويتوقع لمرض الاكتئاب أن يصبح الثاني بعد مرض القلب كأكثر الأمراض عبئا علي المصريين عام ٢٠٢٠ ولدينا حاليا مليون و٤٠٠ ألف مصاب بالاكتئاب فمن بين ملايين الحالات التي لديها أعراض الاكتئاب هناك أربعة ونصف في المائة لديهم المرض بالفعل

كتب محمد حسام - المصرى اليوم ١٧/١١/٢٠٠٧

Monday, November 12, 2007

العالم كله قلبه على لبنان، إلا -حزب الله

العالم كله تقريبا قلبه على لبنان، وعلى شعبه ومستقبله واستقراره وازدهاره وتحقيق أحلامه بتربية أطفاله، وإرسالهم إلى المدارس دون حروب وفتن تؤدي لتهجير شبابه وتشريد عياله، إلا الحزب اللاهي وكأنه مستورد وليس جزء من هذا الشعب المنهك الغلبان.
لقد أثبت هذا الحزب بالبرهان القاطع أنه متعلق من الشريان والمصران بسورية وإيران. وأنه إذا انسد الشريان وانقطع المصران فسيصبح في خبر كان. ولهذا فإن قلبه يخفق فقط لحماية النظام السوري من المحكمة ولو أدى ذلك إلى خراب ودمار لبنان، وينبض فقط لتحقيق مصالح إيران على حساب أمن واستقرار وسلامة شعب لبنان.العالم كله يعمل لكي يستطيع النواب اللبنانيون بحرية ودون خوف وترهيب وتهديد انتخاب رئيس صنع في لبنان، حتى روسيا صديقة بشار أفهمته بالقلم العريض بأنها تشدد على «تسهيل إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وعلى ان أمن لبنان واستقراره اساسيان بالنسبة الى موسكو وأن حصول الفراغ الرئاسي سيضع دمشق في مواجهة مع المجتمع الدولي كله». إلا حسن نصر الله الذي يهدد مع جماعته، النواب ويتوعدهم في حال انتخبوا دون موافقته وتطبيقا للدستور. أما بالنسبة للدستور فهو من يفسره ويهرطق ببنوده كما يشاء وعلى النواب أن يذعنوا لتفسيره وينقادوا لهرطقته الصبيانية. وإلا!وهو الذي قال في خطاب "يوم القدس" الجمعة 07.10.5 بتذلل وابتذال ليرضي معلمه بشار، وكانه ليس لبناني ولا يمت للبنان بصلة "أنا أضمن أن سوريا تقبل برئيس توافقي".
ولكن الظاهر حتى اليوم أن الإخفاق سيكون من نصيب الحزب اللاهي كما أخفق في أمور كثيرة منها على سبيل المثال: إسقاط الحكومة، وقف المحكمة، لجم الجيش بوضع الخطوط الحمراء في وجهه، وإشعال الفتنة وغيرها الكثير من الإخفاقات. وسيأتي رئيس جديد بدعم شعبي وعربي ودولي من روحية ثورة الأرز ليلبي طموحات الشعب اللبناني في دعم المحكمة لكشف الحقيقة ومعاقبة القتلة، وتطبيق كل القرارات الدولية المتعلقة بلبنان واهمها 1559 وتثبيت سلطة الدولة على كامل أراضيها ونزع أسلحة الميليشيات لينتصر القانون على شريعة الغاب، ولتنهض الدولة وينتهي عصر الفجور والمربعات.وهناك إخفاق آخر غير منظور سينتظر الحزب اللاهي على المفرق، لأن ما يفتعله هذا الحزب المستورد من خلال هذه المهزلة السوداء في انتخابات رئاسة الجمهورية سيرتد عليه زقوما في المستقبل.لنتذكر عند انتخاب رئيس جديد للمجلس النيابي عام 05 هَمَّ الرئيس حسين الحسيني للترشح ومنافسة نبيه بري الذي لم يكن مرغوبا به من القسم الأعظم من نواب الأكثرية لالتصاقه الوثيق بنظام الوصاية ولانغماسه في مفاسده. فلم يكن من الحزب اللاهي إلا أن زجر الحسيني وزمجر في وجه الأكثرية فارضا بري رئيسا للمجلس على أساس أن الثنائية الشيعية تريد ذلك وتفرض ذلك كيف لا وأن رئيس المجلس شيعي ولا يحق لأحد غيرها أن يفرض على الشيعة رئيسا للمجلس لا يريدونه. وانصاع النواب جميعا على مضض لهذا المنطق الطائفي الأعوج ولم يترشح الحسيني وتم انتخاب نبيه بري رئيسا تلبية لرغبة الحزب اللاهي. هذا الكلام لن يستطيع الشيخ حسن تمريره على اللبنانيين في المستقبل، خاصة بعد أن أظهر وجهه وتهديداته وتوعداته فيما يتعلق برئيس للجمهورية ماروني. وكأنه يريد فرض رئيس جمهورية فرضا على الموارنة ولبنان. وكما يقول اليوم بأن رئيس الجمهورية هو رئيس جمهورية كل لبنان ويجب أن يتدخل في اختياره أيضا سيأتي من يقول له في المستقبل بأن رئيس مجلس النواب هو رئيس مجلس نواب كل لبنان ولا يحق لطائفة أو لثنائية فرضه على بقية الطوائف اللبنانية
.العالم كله قلبه على لبنان، إلا "حزب الله"، فقلبه على سوريا وإيران
. العالم كله قلبه على لبنان، إلا حليف نصر الله ميشال عون فقلبه على الكرسي

Saturday, November 10, 2007

إسلام النقل وإسلام العقل

خلال السنواتِ ما بين 1967 و 1973 (وهي سني دراستي لدرجتي الليسانس في الحقوقِ والماجستير في القانون العام والمقارن) تعرفتُ معرفةً مبدئيةً على "علمِ أُصولِ الفقه". وفي سنواتٍ لاحقةٍ (كنت أقوم خلالها بالتدريس بجامعاتٍ بالخارجِ) عكفتُ على دراسةٍ واسعةٍ لعلمِ أُصولِ الفقه – وخرجتُ عن دائرةِ المذاهبِ السنيِة الأربعِة لشتى مذاهبِ الفقه الشيعي (وأهمها فقه الأمامية) ولسائرِ مذاهبِ فقه الخوارج بفرقهم الأربع الرئيسية (وأهمها فقه الإباضية الذائع في منطقةٍ صغيرةٍ بالجزائر وفي معظمِ سلطنِة عُمان) ومدارسٍ أُخرى في الفقه إندثرت (مثل فقه الطبري صاحب التفسير المشهور باسمه وفقه الليث). وقد أخذني التوغلُ في دراسِة أُصولِ الفقه لعوالمٍ أُخرى لصيقة الصلة بهذا المجال لعل أهمها "علم الكلام" (أو الفلسفة الإسلامية) – إذْ أَوغلتُ في مطالعةٍ متأنيةٍ لما أبقاه الزمنُ من آثارِ المعتزلِة والأشاعرِة …كما كان لصديقٍ مقربٍ (هو الدكتور محمود إسماعيل) أثر كبير في تعريفي على عوالمِ ما يُسمى بالفرقِ الباطنيةِ في التاريخ الإسلامي (وهذا الصديق من أكثر من قرأت له تعمقاً في فكرِ الخوارجِ والقرامطِة وعددٍ كبيرٍ من الفرقِ السريِة "حسب تسميته" في تاريخ المسلمين). وخلال رحلةٍ إستغرقت نحو عشرين سنة تكوّن لدي نفورٌ قويٌ من الذين أُسميهم "عبدة الحرف" و "أسرى النقل" ؛ كما تكون لدي ولعٌ شديدٌ بأصحابِ العقلِ وفي مقدمتهم "إبن رشد" الذي إستفادت منه أوروبا وخسرناه نحن (وخسرنا معه فرصةً تاريخيةً للتقدمِ). ورغم مطالعتي المدققة لكلِ آثارِ ابن تيمية وأعلام مدرسته (من ابن قيم الجوزية إلى محمد بن عبد الوهاب في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي) – فلم تزدن تلك المطالعةُ إِلاَّ نفوراً من هذا التيارِ الكاسحِ وفي نفسِ الوقتِ زاد ولعي من جهةٍ بالمعتزلةِ ومن جهةٍ أُخرى بمن قطعوا رحلةً طويلةً على "دربِ العقلِ" مثل ابن سينا والفاربي …ثم بإمامِ أهلِ العقلِ قاطبةً "ابن رشد". وعندما كنتُ أعكف على مطالعة أَعمالٍ للغزالي مثل (إحياء علوم الدين) و(معيار العلم) و(معيار العمل) و(المنقذ من الضلال) و (المستصفى من علم الأصول) و (تهافت الفلاسفة) وأُقارن قدر ما بها من "بُعد عن العقل" وما بكتابات ابن رشد من "ثقل عقلاني هائل" كنت أُذهلُ: كيف نالت كتاباتُ "الغزالي" كل هذا التقدير(المبالغ فيه إلى أبعد الحدود) وكيف نالت كتابات "ابن رشد" كل هذا التجاهل (المبالغ فيه إلي أبعد الحدود): ويكفي أَن يعكف قارئٌ جادٌ على مطالعةِ كتابِ (تهافت الفلاسفة) للغزالي ثم يعقب ذلك بمطالعته لكتاب ابن رشد (تهافت التهافت) ليرى البونَ الشاسع في العمقِ وإِعمالِ العقلِ. كذلك ما أكثر ما تساءلت: كيف أخفى مؤرخو الفكر الإسلامي مواقفَ الغزالي المؤيدة للحكام المستبدين بشكلٍ مفرطٍ؟ …وفي المقابل: فقد كان "ابنُ رشد" مصدرَ ألمٍ دائمٍ للحكامِ المستبدين الراغبين في (تنويم العقول) لأن في ذلك الضمانة الكبرى لأمرين: بقاء الأَحوال على ما هي عليه ثم بعدهم عن المسائلةِ، فالعقلُ هو مصدر الأسئلة، والأسئلة تؤدي للمساءلة، وكما يردد صديقٌ من المفكرين المستنيرين: فإن الأسئلة مبصرةٌ –والأجوبة عمياءٌ !وأكررُ أنه كثيراً ما شغلني هذا السؤَالُ :لماذا إنتصرَ المسلمون لأبي حامد الغزالي (وهو يمثل النقل وتقديس السلف ولا معنى للعلم عنده إلاَّ العلم بالدين ويفتح المجالَ أمام إلغاء العقل كليةً بإنكاره إمكان تحصيل المعرفة (أو إدراكها) بالحواس في مواجهةِ ابن رشد (وهو العامر بنورِ العقلِ والزارع لكلِ بذورِ نهضةٍ خسرناها)؟ …ما الذي سهَّل للغزالي هذا الإنتشار، وصعّب على ابن رشد مثله؟ …وقد إستغرقَ الأمرُ سنواتٍ عديدةٍ لأعرف أن العلامةَ الفارقَة كانت هي (الإستبداد). فكيف يمكن لحكامِ المسلمين في زمنِ الغزالي وابن رشد أن يروق لهم فكرٌ إلاَّ فكر الغزالي؟ وكيف لأوروبا التي كانت تحارب معركتها العقلية مع الكهنوت أن تنتصر لأحدٍ كما إنتصرت كليةُ الآداب بجامعةِ باريس في القرن الثالث عشر لأفكارِ ابن رشد؟ …لقد كان الإستبدادُ في عالِمنا سائراً نحو ذروته – فكان الإعجابُ بكتاباتِ من وصل لحدِ إلغاءِ دورِ العقلِ هو الإختيار الواقعي الأمثل. وكان الإستبدادُ في أوروبا قد بدأ يترنح، لذلك فإن قوى التنوير قد نصرت ابن رشد العربي المسلم على توماس الأكويني الأوروبي المسيحي (صاحب نظرية السيفين).وهكذا يتضح أن " الإستبدادَ" و "الآراءَ المتشددة" و" طغيانَ رجالِ الدين" و "الدعوةَ للحدِ من إستعمالِ العقلِ والإسراف في النقلِ" هي كُلها مجموعة من الأشقاء المتماثلين في ملامِحهم ومادِتهم الخامِ التي صُنعوا منها كما أَنهم متماثلون في الغاياتِ. ومع ذلك، فإن الأمورَ ليست كلها أما "سوداء" أو "بيضاء" : فرغم أن المسلمين لم يتح لهم أن يستثمروا فكر إبن رشد بالكيفيةِ المُثلى والتي كانت قمينةً في إعتقادي بجعلِ المسلمين على طريقٍ تشبه الطريق التي سارت عليها أوروبا منذ القرن الثالث عشر حتى بلغت ما بلغت من رقى في الفكرِ والحرياتِ العامةِ والإبداعِ والآدابِ والفنونِ والعلومِ، إِلاَّ أن المسلمين عرفوا (بنوعٍ نسبيٍّ من التعميم) "إسلامين" : إسلام يمكن وصفه بالإسلام التركي/المصري وإسلام يمكن وصفه بإسلام البداوة. أما الأول، فلا أملك أن أصفه بأنه كان مشبعاً بدرجةِ النورِ والتقدمِ والحريةِ التي كانت في فكرِ ابن رشد، ولكنه كان إسلاماً وديعاً قابلاً للتعايشِ مع الآخرين، بل ووفر للآخرين في ظلِ الدولةِ العثمانيِة حمايةً لم تحظ بها أقلياتٌ مماثلةٌ في نفسِ الزمن في أي مكانٍ آخرٍ: فقد عاش مسيحيو الشام ويهود البلاد العربية في ظلِ الدولةِ العثمانيِة في ظروفٍ تشبه ظروف المسلمين في معظمِ الأحوال. وحتى عندما كانوا يتعرضون لفتراتٍ من البطشِ، فإن ذلك كان يحدث في فتراتٍ كان يُبطش فيها بالجميع (الحاكم بأمر الله مثلاً). ورغم معرفتي أن هذا الإسلام التركي / المصري لا يمكن وصفه بأنه كان علمانياً، إِلاَّ أنه كان كذلك في جوانبٍ عديدةٍ منه وليس بمعنى إنكار الدين وإنما بمعنى النظر للدينِ كدينٍ وليس كنظريةٍ متكاملةٍ للحياةِ وتنظيمِ أمورِ المجتمع. وفي أماكنٍ أخرى، أخذت مجموعاتٌ بشريةٌ فرضت عليها العزلةُ الجغرافية لكونها في مواقعٍ داخلية غير ذات صلاتٍ بالعالمِ الخارجي ولا تعيش على (السواحل) في تنميِة أفكارِ مدرسة إبن تيمية ثم ابن قيم الجوزية حتى وصلنا إلى أفكار محمد بن عبد الوهاب في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي.ومن الطبيعي أن يحدث صدامٌ بين "الصنفين" : وهذا ما وقع في سني العقدِ الثاني من القرنِ التاسع عشر وفي شكلِ مواجهةٍ بين التيارين، قاد التيار الأكثر استنارة فيه جيشٌ مصريٌ بقيادةِ طوسون بن محمد علي ثم من بعده بقيادة إبراهيم (أعظم أبناء محمد علي)؛ وانتهت هذه الجولة بإنتصارِ النموذج التركي/ المصري.ثم دارت عجلةُ الزمن، وآلت الأمورُ في تركيا لما آلت إليه، وأخذت مصرُ في التراجع. ومع تراجع مصرَ (خاصة إقتصادياً وتعليمياً) وهبوط ثروة أُسطورية لم يسمع بمثلها التاريخ على المدرسة الأخرى (المغرقة في النقل وتجميد العقل) كان من الطبيعي أن يزداد التيارُ النقلي (المتشدد) قوةً ويملك أدوات الذيوع بل ويغزو أرض التيار الثاني ويتغلغل في رجالِ مؤسساتِ هذا التيار. حتى وصلنا لرؤية تجسد التيار النقلي المتشدد في طالبان وأخواتها. ولو كانت الغلبةُ قد قُيضت لإبن رشد أو لو كانت الظروف لم تسمح بتراجع النموذج التركي / المصري، لما كانت الأمورُ قد وصلت إلى ما وصلت إليه خلال العقودِ الأربعةِ الأخيرةإن كاتبَ هذه السطور لا يتوقف في محاضراته في أوروبا وأمريكا الشمالية عن تعريفِ العالمِ بما يُسميه (الإسلام المصري) الذي كان حتى أربعينيات هذا القرن مثالاً لا نظير له في السماحة والمرونة وقبول واحترام الآخرين وعدم الإنشغال (بشكل سيكوباتي) بتفاصيلٍ لأحكامٍ لا يمكن إلاَّ أن تكون "إبنة زمانها ومكانها وظروفها" وكل ما يُطرح عليها من القداسة هو "عمل بشري" لأن القداسةَ للدينِ ولكنها ليست أبداً لفهمِ الناسِ للدين: فلا فهمي أنا للدين ولا فهم أي أحد آخر بالمقدسِ، وإنما هو نتيجةٌ طبيعيةٌ لتكوينِ وظروفِ وبنيةِ المحصولِ المعرفي لكلٍ منا. ولكن كل ما سبق لا ينفي أَن الذين يتحدثون الآن في الغربِ بوجهٍ عام وفي الولاياتِ المتحدة بوجهٍ خاص عن الخطرِ الداهمِ الذي يمثله "الإسلام المقاتل" عليهم أن يسألوا أنفسهم مجموعةً من الأسئلةِ بالغةِ الأهميةِ:- من الذي أَغمضَ عينيه سنوات عديدة عن المُناخِ العام الذي في ظلِه إستشرى النموذج المقاتل للإسلام بينما ترك النموذج المتحضر والإنساني والراقي (الإسلام التركي/ المصري) ليتراجع في ظل تردي الأوضاع العامة (الإقتصادية والتعليمية بوجهٍ خاص) وأن يصبح أرضاً مفتوحة يغزوها النموذجُ المقاتل – من الذي أغمض عينيه قرابة ثلاثين سنة كاملة – ثم يجئ اليوم معلناً غضبَه العارم على هذا المُناخ الذي أَفرزَ هذا المارد؟ - من الذي إبتدع في الخمسينيات (وربما قبل ذلك) لعبة إستعمال ما يسميه البعض (الإسلام السياسي) لخلق توازنات إستراتيجية ضد الإشتراكية (وكانت لمصرَ في السبعينيات جريرتها الكبرى في نفسِ المجال)؟…- هل الغرب لم يدرك أن في مطبخِ النموذج المقاتلِ لا توجد حريات ولا ديموقراطية ولا حقوق نساء ولا حقوق مواطنين إِلاَّ الآن فقط؟…وهل كان هذا "المطبخ" ذاخراً بتلك القيم الإنسانية الراقية في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات؟- لماذا لا يفتح ملف فترة شهر العسل في علاقة المجاهدين الأفغان بالولايات المتحدة؟ وملف علاقة الإسلام السياسي في إيران بالغرب (فرنسا بالذات) قبل وصوله للحكم سنة 1979؟…وقبل ذلك ملف العلاقة بين الحركة السياسية الإسلامية في مصرَ وبريطانيا (التي كانت تحتل مصر وقتها) ولا سيما في ظل حكومتي محمد محمود (1928 و1938)؟ إن العقلَ النقدي الذي تفتخر به الإنسانيةُ المتقدمة يُملي علينا هذه الأسئلة وغيرها – ويملي علينا أن يَقبلَ كلُ طرفٍ أن يتحمل جزءاً من المسئوليةِ عما حدث ويحدث – والعقلُ النقدي يُملي علينا أيضاً أن ننظر بإمعان في النموذجين الذين أشرت لهما في هذا المقال ونتساءل: أيهما الذي يملك القدرة على مسايرةِ الحضارةِ والتواصلِ مع العالمِ والإشتراكِ في مسيرةِ التمدنِ (دون التخلي عن الكثيرِ من خصوصياتنا الثقافية الإيجابية)؟ أهو النموذج الذي أفرزه المطبخ الذي أَسسه أهل النقل (وهم ضحية العزلة الجغرافية وراء كثبان الرمال) أم النموذج التركي/المصري (ذو الوسطية والإعتدال والسماحة) أم النموذج الغائب دائماً (نموذج ابن رشد الذي إستفادت منه الحضارةُ الغربية وخسرنا نحن بهجره والوقوف مع المدرسة المناهضة له والتي تفتح البابَ على مصراعيه أمام الخرافةِ والأسطورةِ واللاعلمِ وإمتطاءِ جواد الاقتتال الذي لا يتوقف عوضاً عن العلم والعمل والبناء والتنمية والتآخي
بقلم / طارق حجي - كاتب ورجل أعمال مصري
جريدة افاق - 10/11/2007