Wednesday, October 31, 2007

مأزق حزب الله :فائض عسكري وخواء سياسي

طوى حزب الله ( أو تظاهر بأنه طوى ) صفحة مشروع الدولة الإسلامية ، في أوائل تسعينيات القرن الماضي ، يوم شارك في السلطة مشاركة جزئية ، راضيا أن يكون جزءا من السلطة التشريعية ورافضا أن يكون شريكا في السلطة التنفيذية ، حتى لا يتلوث بفسادها ، على ما كان يعلن في خطابه السياسي . يومذاك رسم بوضوح حدود مشروعه السياسي وحصرها بتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة ، ورأى أن الاكتفاء بذلك قوة للمقاومة وإبعاد لها عن منزلقات السياسة اليومية .إذن صار حزب الله يقاتل من غير مشروع سياسي داخلي . ذلك أن التحرير وحده هو برنامج نضالي يستهدف عدوا خارجيا ، في حين ينبغي أن ينطوي أي مشروع داخلي على مواجهة معيقات التطور البنيوية ، أي مواجهة التخلف بكل وجوهه السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية ، وهو ما لم يكترث حزب الله إليه بتاتا .لم يكن ذلك الأمر نقيصة حزب الله وحده ، بل نقيصة كل حزب يدعي الانتماء إلى قوى التغيير السياسي . ذلك أن من بديهيات العمل السياسي أن الحزب الذي يبني كل مشروعه على أساس العداء للخارج فحسب ، إنما يؤسس للاستقالة من مهمة التغيير الداخلي ، ويؤسس ، فضلا عن ذلك ، لبناء وعي شوفيني عصبوي ضد الآخر ، الأخر الغريب ،أو المحتل أو الأجنبي أو المستعمر أو المستكبر، أو الأخر المختلف ، أو الآخر"العميل" لأي واحد من هؤلاء . هذا هو الوعي الدائري الذي يطوق نفسه بسياج من الإيديولوجية المغلقة على نفسها ، المشابهة لكل الإيديولوجيات العنصرية ، التي يتحول الآخر بموجبها إلى عدو ، لأنه آخر ،أي لأنه مختلف بالرأي أو بالزي أو بالطقوس . تلك هي التعبئة الكتائبية التي شحنت نفوس اللبنانيين قبيل الحرب الأهلية على الفلسطيني لكونه " غريبا " ؛ الغريب ذاته في التعبئة الكسروانية لدى المارونية السياسية عموما . وهي التعبئة ذاتها لدى شيوعيي الفكر الميكانيكي الأصولي الذي يعادي الرأسمالي لأنه رأسمالي ، والصحيح أن الشيوعية كحضارة أو كنظام متخيل هي نقيض للنظام الرأسمالي وحضارته ؛ وهي التعبئة ذاتها في الفكر القومي ضد الشيوعية باعتبارها فكرا مستوردا ، أي غريبا ؛ وهي التعبئة ذاتها في الفكر الديني ضد فروع متحدرة من أصول الفكر الديني ذاته وضد سواها أيضا ، مما يعتبر في نظره منتميا إلى الآخر ، السنة ضد الشيعة والشيعة ضد السنة كما يحصل اليوم في العراق ، أو المرجئة ضد الخوارج مثلا ، أو حال التكفيريين ضد بعضهم بعضا ، الخ .في ظل هذا الوضع ، الذي يحصر العداء بالغريب الخارجي و بعميله الداخلي ، يتعاظم الخوف من الداخل ، ويتحول جزء كبير من النضال إلى تحصين النظام في الدولة أو في الحزب ضد أي اختراق ، فيتعزز دور الأمن وأجهزته وتتسع مسؤولياته ، لتطغى مع الوقت على كل المسؤوليات ، ويغدو النظام محكوما بالخوف من جمهوره لا بالثقة به ، فيتحصن منه بدل أن يحصنه ضد أمراض العصر التي تسمى التخلف . دليلنا على هذا التوصيف متوفر في تجارب الشعوب والدول ، لا سيما المحيطة بلبنان ، وخصوصا في التجربة اللبنانية بالذات . النظام الأصولي في أفغانستان لم يجد ما يفعله في الداخل سوى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء نحو ظلام العصور الوسطى ، لأن وعيه السياسي لم يكن يتسع إلا للعدو الخارجي ، ولم ينتبه إلى حفاة الأقدام من أبناء شعبه ممن يعضهم الجوع بنابه . صدام حسين انهار نظامه القوي لأنه بناه على العداء للاخر ، الصهيونية والاستعمار والفرس ، والشيوعيين ، وكل بعثي معارض . كل واحد من هؤلاء كان يمثل الآخر الغريب ، الآخر العدو ، بل لأن العداء للآخر شكل الجزء الأساسي من برنامجه الداخلي ؛ حركة 14 آذار العارمة سقطت في امتحان الحكم في لبنان لأن معيارها خارجي أساسا ، وهي لم تنتبه أبدا إلى إعادة بناء الدولة ، بينما بدت كأنها متفرغة فحسب للدفاع عن نفسها ضد المخططات السورية والإيرانية ، حسب تعبير خطابها السياسي ، أو للتخطيط لقلب النظام السوري حسب لغة الخصوم ( من أين لهم أن يفعلوا ذلك ، وإن كانوا يتمنون حصوله )؛ أما حركة 8 آذار فاستنادها إلى المعيار الخارجي أكثر وضوحا ، ذلك أنها لم تنتظر مرور شهر على اغتيال الحريري حتى انتظمت في مظاهرة شكر لسوريا ، في وقت لم يكن دم الحريري قد جف بعد ، ولا جفت دموع الذين يبكونه ويتهمون سوريا ( وعملاءها طبعا ، حسب اللغة الدارجة ) بإهدار دمه ؛ اليسار كله ، يسارنا ، كان يسميه خصومه اليسار الدولي ، لأنهم اعتبروه وكيلا ليسار خارجي ، أي غريب ، وكان هو ، من جهته ، يقيم الاعتبار ، بالأولوية ، للتناقض الخارجي ؛ هكذا فعلت الأحزاب الشيوعية العربية في موقفها من تقسيم فلسطين ، حين تبنت موقف الاتحاد السوفياتي في مواجهة سائر المواقف العربية ، ( ليت العرب جميعهم تبنوا هذا الموقف يومذاك !)، وكذلك فعل الحزب الشيوعي الجزائري حين تبنى موقف الرفاق الفرنسيين وأهمل موقف الشعب الجزائري من الاحتلال الفرنسي ، وكذلك الحزب الشيوعي اللبناني ، يوم وقف إلى جانب ترشيح الرئيس فرنجية لولاية جديدة بصفته " قوميا عربيا " معاديا للإمبريالية والصهيونية والاستعمار ، حسب تعبير بيان المكتب السياسي في حينه ( عام 1988 على ما نذكر ) ، إلى آخر لائحة طويلة من الأمثلة على تغليب العامل الخارجي واعتباره معيارا أول في رسم الخطة السياسية .في ظل غياب البرنامج الداخلي يتحول هم السلطة ، في النظام أو الحزب ، إلى مجرد الحفاظ على نفسها ، أي أن السلطة تصبح هدفا بذاته . هذا ما ظهر في سلوك الأنظمة السياسية العربية التي كانت ترى الأوطان بخير إن هي كانت بخير ، وهو ما اقتدى به حزب الله بعد حرب تموز 2006 ، إذ سبقه النظام السوري إلى إعلان مثل ذاك النصر في إعقاب حرب تشرين ، وصار يحتفل كل عام بالمناسبة ، مع أن نتائج المعركة يومذاك انجلت عن احتلال إسرائيل لمناطق واسعة من الأراضي السورية .في مثل هذه الحالة لن يجد "المنتصر" سبيلا إلى إقناع الجمهور بنصر غير مقنع إلا استخدام أساليب ترهيبية كالتخوين مثلا الذي يمكن أن يرمى به كل معترض . لقد تناولت أقلام كثيرة هذا الجانب من الموضوع وأشبعته بحثا ، مفندة الحجج الانتصارية ، داخضة مزاعمها ، مستخدمة من الأدلة ما هو مقنع بالمنطق الصوري والمنطق العملي بأن الخسارة السياسية من هذه الحرب كانت أكبر بكثير من كل البطولات الفعلية ، وهي بطولات لا يرقى إليها الشك ، في مواجهة العدو الصهيوني . لذلك لا يعنينا هنا معاودة تفنيد مزاعم الانتصار ، بمقدار ما يعنينا أن نبين كيف دفعت المزاعم بحزب الله نحو المأزق .
مأزق الخواء السياسي
نقصد بالخواء السياسي غياب برنامج سياسي واضح يناضل حزب الله تحت رايته ، نقول ذلك من غير أن نغفل أهمية الدور الشخصي لعدد من العلماء والسياسيين والمعممين في قيادات الحزب العليا والوسيطة ، غير أن دور الأفراد لم يكن أبدا ، في التاريخ ، بديلا عن البرنامج السياسي .لقد تورط حزب الله حين قرر سلفا أنه سينتصر في المعركة مع إسرائيل ، وهو ما وعد به أمينه العام اللبنانيين عموما والمحازبين خصوصا ؛ ذلك أن المبررات والحجج والبراهين التي تستخدم في الوعد لا يمكن أن تكون هي ذاتها بعد المعركة . في الوعد يمكن أن تستخدم كل وسائل التعبئة والنخوة والاستنهاض بكل أنواعها، الوطنية والقومية والإيديولوجية ( ومنها الدينية ، وخصوصا الفكرة المهدوية لدى الشيعة الإثني عشرية ) ، أما بعد انجلاء غبار المعارك فمن المنطقي أن يكون العلم هوالأساس في الحسابات الدقيقة للربح والخسارة .في خضم المعركة يعتبر الإيمان ، الإيمان بالقضية ، عاملا أساسيا في بناء الثقة والصمود والمواجهة ، ويدان كل نهج يشكك أو يضعف المعنويات أو يزرع الإحباط أو يبعثر الجهود أو يخون الوطن، الخ ، الخ . أما عند نهاية المعركة فكل حساب يستند إلى الإيمان والاستنهاض والنخوة والعواطف فحسب ، الخ . هو بالضرورة حساب مغلوط .في حالة الانتصار يأخذ المنتصر من المهزوم . حزب الله لم يستطع أن يأخذ من إسرائيل شيئا،على غرار ما حصل غداة حرب نيسان 1996 ، لذلك ارتد إلى الداخل اللبناني ، وراح يطالب الأطراف الداخلية بثمن الانتصار . ذلك كان باب الدخول في المأزق . لقد كان ممكنا أن تتصرف قيادة حزب الله، على غرار القادة الكبار في التاريخ، بما يفتح الباب أمام نقاش علمي لما جرى ، فتستقيل القيادة وتدعو إلى مؤتمر عام للحزب يجري فيه نقاش كل شيء ، لكنها أصرت على محاسبة الشعب اللبناني بدل أن تحاسب نفسها ، وعلى دفع الاحتقان المذهبي إلى ذروته ، وعلى تصعيد الصراع السياسي على السلطة ، ودائما من غير برنامج إلا السعي إلى السيطرة على السلطة ، ما شكل تورطا في تعميق المأزق .حزب الله فضح مأزقه عندما استقال من الحكومة ، ذلك أنها المرة الثالثة التي يستنفر ضدها . المرة الأولى عندما رفض مشاركتها استنكار التهجم على رئيسها (يوم وصف الرئيس السوري رئيس الوزراء اللبناني بالعبد المأمور لعبد مأمور) ، والثانية حين رفض الموافقة على مطالبتها المبدئية بمحكمة دولية (يوم اغتيال النائب جبران تويني ) والثالثة اعتراضا على الموافقة الرسمية على مشروع المحكمة الدولية . في المرات الثلاث حرص على التمايز عنها دفاعا عن سوريا لا دفاعا عن لبنان من عدوان إسرائيلي .كان سبق هذه الرغبة بالتمايز ، على أساس شعارات وطنية ، إعلانه الصريح والواضح تضامنه مع سوريا في مواجهة اللبنانيين المتألمين على اغتيال قياداتهم (بصرف النظر عن صحة الاتهام أو عدمه ) ، في مظاهرة الوفاء لسوريا في ساحة رياض الصلح ، وفي التجمع الحاشد في الجنوب الذي نظم خصيصا لترفع فيه شعارات التخوين الصريحة وصور التقبيح الشنيعة . ثم تلا ذلك شهر عسل مع " الخونة " الذين صاروا من الرموز الوطنية الكبرى ! كل ذلك في غضون أشهر تقلبت فيها معايير الوطنية والخيانة وانقلبت رأسا على عقب ، أكثر من مرة . تقلب المعايير هو الدليل بعينه على هذا المأزق .فهم مغلوط لمعنى الوحدة الوطنية بين أن يكون عون في خطاب حزب الله " حالة إسرائيلية " ( بالإمكان العودة إلى أرشيف الصحف للتأكد من ذلك ) ، وأن يصير دخوله الحكومة تجسيدا أصيلا للوحدة الوطنية ، مفارقة تخالف كل منطق .ولئن كنا لا نوافق على أي من طرفي المفارقة ، فنرى بأنها ناجمة عن فهم مغلوط لمعنى الوحدة الوطنية . الوحدة الوطنية هي الانتماء إلى وطن واحد وشعب واحد . إلى وطن سيد حر مستقل . ولا يمكن أن تتجسد الوحدة الوطنية بتجمع أطراف يرشقون بعضهم بعضا بتهمة الخيانة الوطنية والعمالة للخارج ، سيان إن اجتمعوا في حكومة أو مجلس نيابي أو احتفال ؛ هذا فضلا عن أن حزب الله كان قد وافق على المشاركة في الحكومة من غير أن ينتقص غياب العماد من وحدتها أو من وطنية بيانها الوزاري . المدخل إلى الوحدة الوطنية إذن يبدأ بالكف عن هذا السجال التخويني المجنون ، وبالعودة إلى لغة الحوار العاقل الهادىء ، والمسؤولية الأولى في ذلك تقع على عاتق حزب الله قبل سواه ، وعلى عاتق كل المشاركين في جوقة التخوين المقيتة التي لم تترك سترا إلا وهتكته أو شرفا إلا ودنسته ، خلافا لكل الأعراف الوطنية والاجتماعية وحتى الأخلاقية . تعالوا نناقش كيف يمكن أن يمارس كل منا حقه في بناء تحالفاته الخارجية ، مع سوريا وإيران أو مع أميركا ، من موقع الانتماء الراسخ إلى الوحدة الوطنية ، وإلى لبنان السيد الحر المستقل ، من دون أن يرمى بتهمة التكفير والخيانة .الوحدة الوطنية تبدأ ببناء الدولة ، دولة القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص ، دولة الديمقراطية والحريات العامة والعدالة الاجتماعية ، دولة الفصل بين السلطات والتناوب على السلطة، الخ .والمدخل إلى مثل تلك الدولة قانون انتخاب يعتمد النسبية ولبنان كله دائرة انتخابية واحدة . إذذاك لا يعود لأحد الحق في أن يحتكر تمثيل طائفة أومذهب أو منطقة ، ولا يعود بمستطاع أحد جر طائفته ، على غرار ما فعلته الكتائب بالمسيحيين في بداية الأزمة ، وعلى غرار ما يتهدد مستقبل الشيعة اليوم ، إلى مغامرات الحروب الأهلية المجربة على امتداد عقود ، والمتكررة على امتداد قرون ، والتي يخسر الجميع فيها ولا ينتصر أحد ، حتى لو كان هذا "الأحد " سوريا أو إسرائيل أو أي طرف محتمل نظريا في الشرق أو في الغرب .
ماذا لو احتل حزب الله لبنان ؟!
حزب الله في تصريحاته حريص على الوحدة الوطنية ، وعلى الديمقراطية ، وعلى نبذ الحرب الأهلية . غير أن جمهورا كبيرا من اللبنانيين تنتابه الخشية على مصير الوطن ويعيش في حالة من القلق الدائم على مصيره العائلي والمالي ، من هنا يبدو الإقبال كثيفا على الهجرة . بمعزل عمن يملك الحقيقة من بين أطراف الصراع في لبنان ، يبدو من الملح أن تبحث جميع القوى السياسية عن مخرج من أزمة الشحن المذهبي المدمر ، وعلى عاتق حزب الله أكثر مما على عاتق سواه تقع مسؤولية ذلك ، لأنه الوحيد ، نظريا على الأقل ، الذي يملك ترسانة من الأسلحة والوحيد الذي تجعله تلك الترسانة مهيأ ، نظريا أيضا ، لمغامرة الحرب الأهلية ، أو متهما ، على الأقل بذلك .ليس ذلك من قبيل الافتئات على حزب الله ، بالرغم من تقديرنا بأن اللبنانيين لم يتخلوا فعليا عن السلاح الذي ربما يكفيهم فحسب للمباشرة بالحرب الأهلية ، وبعد ذلك الله هو المدبر . أما ما جرى تسليمه من السلاح للسلطة اللبنانية بعد الطائف فلم يكن إلا تعبيرا سياسيا ، أي رمزيا ،عن الموافقة على اتفاق الطائف . لكن لنفترض أن حزب الله يملك القدرة أكثر من سواه على الحرب وعلى جني انتصار عسكري منها ؛ لنفترض أنه قادر بترسانته ،التي يتباهى بها ،على احتلال لبنان ، فماذا بإمكانه أن يفعل بهذا الانتصار ؟ بإمكانه أن يستلم السلطة مباشرة أو عبر أحد حلفائه ( العماد عون مثلا ) ، لكنه سيجد نفسه أمام مهمة وحيدة ممكنة ، هي إدارة الأزمة اللبنانية بدل حلها ، هذا إذا كان يعتمد في منطق تحليله على أن العوامل الخارجية هي الأساس في رسم إطار الحل للأزمة اللبنانية . وهذا يشكل ، في نظرنا ، وجها آخر من وجوه المأزق ، لأنه في مثل هذه الحالة سيجسد ، بالملموس، ارتباط تضحياته بقضايا خارجية وبقوى خارجية ، أكثر منه بمصلحة الشعب اللبناني .إن حزب الله ، على ما يقول في تصريحاته ، يملك قوة عسكرية بشرية تفوق الحاجة إلى عمليات مقاومة ضد الاحتلال ( لا هو ولا سواه احتاج إلى أكثر من مئات المقاومين لتحرير الأرض المحتلة) ويملك عدة عسكرية تفوق الحاجة إلى مقاومة الاحتلال ( من بينها آلاف الصواريخ على ما يصرح قادته ) . إذن ما هي حاجته إلى هذا الفائض العسكري ؟ طرح هذا السؤال أمر منطقي ، عند من يعرف أن تنامي أية قوة عسكرية هو بحد ذاته مشروع حرب أو بحث عن مشروع حرب ، وتزداد خطورته إذا هو لم يقترن بمشروع سياسي واضح . بسبب هذا ( لا بسبب الخيانة ) قيل في السر وفي العلن أن حزب الله هو الذي هيأ للحرب مع إسرائيل ، لأن من الطبيعي أن يتساءل اللبنانيون عن الغاية من الأنفاق والتحضيرات العسكرية الواسعة النطاق ، بما فيها إدخال الصواريخ بعد الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب عام 2000 ، ولن يكون السؤال منطقيا لو كان ذلك قد حصل قبل ذلك .ومن الطبيعي أيضا أن يتساءل اللبنانيون عما إذا كان حزب الله يهيء اليوم شمال منطقة الليطاني ، وصولا إلى عكار ، إلى ما سبق وهيأه لجنوبها ؟ إن حزب الله الذي يحتكر القرار بشأن السلاح والحرب والسلم ، بعيدا عن أي تشاور ، يصر من ناحية أخرى ، على أن ينتزع من الأكثرية حقها في ممارسة السلطة . تلك مفارقة لا يمكن لأي خطاب ، مهما يكن بليغا ، أن يحولها إلى معادلة منطقية . إذ كيف يكون حزب الله مع المشاركة الكاملة في شأن ومع احتكار القرار في شأن آخر ؟ إن ما لا يبنى على المنطق والإقناع العقلي ليس سوى ضرب من "التشبيح " السياسي ، يشبه كل صنوف التشبيح التي مارستها ميليشيات الحرب على أموال الناس وأعراضها وأفكارها ، من خارج القانون . بسبب هذا النوع من التشبيح ، خلافا للقانون، يمكن أن تتهم المقاومة بأنها ميليشيا ، مع أنها، في سلوكها الأخلاقي والمالي ، تجل عن هذه التسمية . إنه تشبيح القهر ، وإرغام الناس على الاقتناع قسرا بما لا يقتنعون به عقلا ، والتهويل على الرأي المخالف بالويل والثبور وعظائم الأمور ، وأدناها التخوين ، وادعاء تمثيل مصالح من لا يقبلون بأن تمثل مصالحهم بالشحن الطائفي والمذهبي، وادعاء احتكار المعرفة في العلم وفي أمور الدنيا وتحويلها إلى معرفة غيبية محاطة بالقداسة فيما أمور الدنيا والسياسة ، ومنها تلك التي يدافع عنها حزب الله ، مدنسة بالمصالح المادية وبعيدة عن أية قداسة .... الحل في حوار حول بناء الدولة والوطن

Tuesday, October 30, 2007

د. علاء الأسواني: في حوار للوفد: البلد على أعتاب فوران سياسى

النظام نجح في القمع والتضليل وفشل في كل شئ
الثورة تضع الزعيم وليس العكس
الفهم السلفي للإسلام جعل الشعب يستكين
النظام يتاجر بالدين مع الغرب لتحقيق مآربه
كل الأشياء فى عيادة د. علاء الأسوانى، تدل على أنه مبدع، بأكثر ما تدل على أنه طبيب. المقاعد المرصوصة فى صالة الاستقبال، الديكور البسيط، المطعم برسوم كاريكاتيرية ذات دلالات. الموسيقى الهادئة التى تلف المكان صعوداً وهبوطاً. كل شىء حتى ابتسامة مدير العيادة المرحبة بالزبائن أو إن شئت الدقة بالضيوف.
ذهبت اليه لاجراء هذا الحوار فى حى جاردن سيتى الهادئ، ودلفت الى حجرة الكشف الخاصة به، وفى ذهنى أسئلة كثيرة سياسية وأدبية واجتماعية. وليس من بينها أى سؤال طبى. أى اننى بدلاً من أن أسأله ـ وهو طبيب الأسنان ـ عن »وجع« الضرس الذي يأتي »لما الواحد ياكل حاجة ساقعة« ـ علي حد وصف راقية ابراهيم في فيلم الوردة البيضاء وجدت نفسي أسأله عن »وجع« البلد الذي جعل حياتها جحيماً. وبدلاً من سؤاله عن »السوس« الذي ينخر الأسنان. وجدتني أسأله عن »سوس« الفساد الذي ينخر عظام المجتمع، حتي وصلنا ـ بتعبير الشاعر احمد عبد المعطي حجازي ـ الي القاع.
طرحت عليه أسئلتي، فجاءت ردوده قوية وحاسمة حيث انه بحسب فهمي له ـ لا يهوي كثيراً خطوط البين بين، لأنه يعشق الخط المستقيم.لحظة بعد أخري، ودقيقة بعد دقيقة، بدأت أشعر بحجرته الفسيحة التي نجلس فيها، تضيق علينا بسبب سحابات الدخان التي ملأت المكان. إذ إنه يدخن ـ الي حد ما ـ كثيراً، بل انه كلما جاء ذكر النظام »وسنينه« يشعل سيجارة جديدة ويطفئ الأخري قبل ان تنتهي. لينفث من خلالها غضبه الذي رأيته، وكأنه عواصف رعدية.
أول جملة قالها ـ في الجزء الأول من الحوار الذي ينشر اليوم ـ كانت »الموضوع تجاوز الرد«. وآخر جملة كانت »البلد تنتظر تغييراً كبيراً« وما بين تجاوز النظام، والتغيير المنتظر.. يدور الحوار التالي:
* النظام دائماً ـ كلما ثارت قضية لا يرد ولا يوضح أي شيء للرأي العام؟
ـ لأن الموضوع تجاوز مساحة الرد. أنت تطلب رداً من نظام عندما يكون ديمقراطياً، لكن ما لم يكن ذلك، فلا تنتظر منه شيئاً، فالنظام الديمقراطي يعرف ان القرار يؤثر ويتأثر بالرأي العام. لكن نحن لدينا مشكلة. وهي أن القرارات في الأنظمة الاستبدادية لا تتأثر بالرأي العام. وهذه من عيوب الاستبداد، فالقرار فيها لا يتأثر بالرأي العام.
* ولماذا يتم تجاهل الرأي العام؟
لأن القرار يتخذه شخص في أعلي السلطة، وبعد ذلك يتم تنفيذه. أما الرأي العام فيتم التعامل معه بالقمع. وانظر الي تعامله مع قضايا بيع الأصول والبنوك، تجد ان الكلام عنها ـ من الرأي العام ـ بالنسبة للسلطة »لا بيودي ولا بيجيب« رغم حملة الوفد التي جاءت فيها بعقول البلد من كافة التيارات السياسية والفكرية والاقتصادية، ورغم ذلك الدائرة تدور، والبيع يتم علي قدم وساق. بل والأسوأ من ذلك ان البيع يتم بدون شفافية.
* تشويه حالة من حالات الفساد؟
ـ حالة واحدة، بل قل حالات، انه لا توجد به أي شفافية، رغم ان فيه مليارات ذهبت ولا نعرف عنها أي شيء، وهناك ارقام مسجلة عن مصانع وشركات تم بيعها بـ»ربع« الثمن. وقضية عمر افندي تشهد علي ذلك. وما حدث فيها يكفي لاسقاط حكومة بأكملها، وليس وزيراً فقط.
* لكن الذي حدث أن الوزارة لم تسقط والوزير مازال علي مقعده؟
ـ هذا لأنك لست في نظام ديمقراطي. ان هذا الرجل ذهب الي اللجنة وضغط علي الأعضاء فيها لمصلحة المشتري، حسبما فهمت من الرجل الشريف المهندس يحيي حسين. وهذه الواقعة كفيلة بان تنهي حياته السياسية.
* تقصد وزير الاستثمار د. محمود محيي الدين؟
ـ آه طبعاً.. لقذ ذهب ليضغط عليهم، باستثناء المهندس يحيي حسين، الذي فشل معه، فيما نجح مع الآخرين، وقال لهم ذلك صراحة »احنا عايزين نراعي المشتري اكثر من كده«.
* رغم انه من المفروض ان يحرص علي مصلحة البائع الذي هو الشعب؟
ـ بالضبط.. لكن العكس هو الذي حدث، وبدلاً من الحرص علي مصلحة الشعب الذي يريد ويبيع أملاكه دون حتي مشورته أو استئذانه، نجده يقف بجوار المشتري، ويسهل له الصفقة.
* وبماذا تفسر ذلك؟
ـ تفسيري ان الموضوع تجاوز الخلاف في وجهات النظر، فالبلد تم بيعه بانتظام بطريقة منظمة ودقيقة، وان كانت مريبة.
* لكن الشعب امام ذلك نشعر وكأنه غير موجود؟
ـ الشعب لا يملك شيئاً.. فهذا النظام لا يترك للرأي العام أي مشاركة في القرار: فالقرار ـ بعد اتخاذه ـ يتم تنفيذه. وبعد هذا يأتي دور أمن الدولة والأمن المركزي للتعامل مع من يعترض.
* وعلي أي الأسانيد يستند النظام في بطشه بالرأي العام؟
ـ الموضوع يعيدك الي طريقة تولي السلطة.. فطريقة تولي السلطة تحدد وعيك، وعلاقتك بالمواطن ورأيه. فلو انت منتخب، فالمؤكد ان شغلك الشاغل سيكون الحرص علي الرأي العام، لأنه هو الذي ينتخبك، ومثلما جاء بك يستطيع أن يذهب بك. ولفترات كان يحدث هذا في مصر زمان. لكن هذا لا يحدث في الفكر الاستبدادي.
* إذن تعتمد الأنظمة الاستبدادية علي القمع؟
ـ بدون كلام هذا ما يحدث للرأي العام اليوم. فالمستبد جاء بالقوة، وهو يستمد قوته بالقمع. وكذلك سلطته وحوله العشرات الذين يقنعونه، بأنه الشخص الملهم، وان كل ما يقوله إلهام
.* وعلي هذا الأساس يعيش مطمئناً؟
ـ نعم.. ولذلك لا يمكن ان يحترم الرأي العام. لأنه يعلم انه في أي لحظة يستطيع قمعك، وهذا مضاد لفكرة الاحترام المتبادل مابين السلطة والشعب. والنظام يعيش علي نظرية »قمع الرأي العام«، هي الحل. وهو بذلك في ـ رأيي ـ يشبه الرجل المقامر.
* بمعني؟
ـ كما تعلم فالرجل المقامر، كل يوم »يستلف« من هذا وذاك. لكن في لحظة ما، سيأتي موعد تسديد الفواتير التي استدان بها والنظام منذ سنتين او اكثر في مرحلة دفع الفواتير.
* أي فواتير تقصد؟
ـ فواتير الاهمال والفساد. لقد ظلوا يرددون ويتغنون بالبنية الأساسية، حتي انهم كتبوا لها الأغاني والملحمات، ثم نكتشف ان في البلد »9« محافظات بدون مياه شرب. فأين البنية الأساسية التي »فلقوا« عقولنا بها طيلة هذا العهد السعيد. لذلك فهذا النظام عاجز عن حل هذه المشاكل المتراكمة بسبب الفساد، الذي هو مسئوليته. لذلك هو يدعم ادوات القمع عن طريق معاداة القضاة والعمال ـ والصحفيين وحتي الفلاحين واخيراً الموظفين. وهذه منطقة خطيرة.
* خطيرة علي من بالضبط؟
ـ علي النظام.
* لماذا؟
ـ لأنه في لحظة ما لن يستطيع ان يواصل هذا القمع. ولقد حدث هذا من قبل في تاريخ مصر. سوف تخزله ادوات قمعه، لانها لن تستطيع الاستمرار أمام من يخرج ليقطع الطرق السريعة كما حدث مؤخراً. وما يحدث في مصر اليوم يشبه تماماً ماحدث فيها في الفترة من »46« الي »52«. فالصورة مكررة، والمشاهد تكاد تكون هي.
* وما وجه الشبه بينهما؟
ـ في الفترة من 1946 الي 1952 اضرب رجال البوليس، وتم فتح الكوبري علي الطلبة، وكان هناك احساس بان القديم لم يعد صالحاً، والجديد لم يتضح بعد. والفساد منتشر وهناك اجماع من كافة المؤسسات علي أنه سيحدث تغيير كبير وحتمي.ولم يعد هناك جدال في أن هؤلاء »زمان واليوم« غير صالحين والتغيير قادم قادم. لكن متي وأين وكيف؟ هذه أسئلة لم تتضح بعد الاجابة عنها. ولا أحد يستطيع الاجابة عنها.
* هل يعني ذلك اننا علي اعتاب فوران سياسي؟
ـ بالتأكيد.. وقراءة تاريخ مصر علمتني ألا تكون لديك توقعات معينة في توقيتات معينة. لأنه من الصعب التنبؤ برد فعل الشعب المصري. فهذا الشعب ذكي جداً، شعب تعود علي الاستبداد والاحتلال لسنوات طويلة، وهذا الذي جعله شعب الحلول الوسط.
* هل هذا مدح أم قدح؟
ـ انت عندما تطلب حاجة، ولا تجدها، فانك ـ كمصري ـ عبقريتك تجعلك تختار حاجة ثانية خالص، تكون في المنتصف ما بين هذا أو ذاك. ولو كان الشعب المصري لم يفعل ذلك ما استمر حتي اليوم علي ظهر الأرض. لأن مصر بسبب موقعها الاستراتيجي كانت بلاء عليهم. ومن اول الاسكندر الأكبر وحتي بوش الأصغر وكل من يسيطر علي العالم لابد ان يسيطر علي مصر.
* والشعب المصري حتي يعيش أوجد الحل الوسط؟
ـ الحل الوسط هو واجهتك الأخيرة، لكن هناك لحظة من اللحظات يتأكد للمصري أن الحلول الوسط لم تعد تفيد. ونحن اليوم امام تلك اللحظة. وفي هذه اللحظة انت لا تستطيع توقع ردود الفعل والمثال علي ذلك ثورة 1919.
* ألم يكن متوقع حدوثها؟
ـ نهائياً.. فالتقارير التي قرأتها والصادرة عن السفارة البريطانية بعد نفي سعد باشا قالت »لن تحدث ثورة« فالشوارع هادئة والمصريون يجلسون في الحانات وعلي المقاهي. لكن في نفس الوقت كان هناك مجموعة من الطلبة »طلبة الحقوق« ذهبوا الي بيت الأمة لمقابلة الباشوات. وقالوا لهم »الطلبة« نحن مستعدون لعمل أي حاجة في الكلية مظاهرة مثلاً تضامناً مع الزعيم. لكن الباشوات قالوا لهم »كفاية اللي حصل للرجل« ونحن نسعي بطرق اخري مع الإنجليز. والموضوع سوف يحل قريباً.
* وعاد الطلبة بخفي حنين؟
ـ بالعكس من هنا بدأت الثورة.. عاد الطلبة الي الجامعة ومن شارع القصر العيني وحتي الجامعة كانت الثورة قد اشتعلت، وقامت من الاسكندرية الي أسوان وهذا حدث في التاريخ المصري كثيراً.. وهذا يدل علي اننا يجب الا نتوقع ردود فعل الشعب المصري بطريقة محددة، لأنه دائماً عنده مفاجآت
.* وهل تتوقع منه مفاجأة؟
ـ قراءة التاريخ تؤكد علي ذلك. ومن منا كان يتوقع أو يتصور أن يخرج »27« ألف عامل باضراب كما حدث في اضرابات المحلة الأخيرة. وأنا ـ قبل 5 سنوات ـ ما كنت اتصور ان تخرج مجموعة من الشباب وينزلون الي قلب القاهرة ويهتفون بسقوط النظام. المؤكد بالنسبة لي أن فيه حاجة في البلد بتتغير وتتبلور، وفي تقديري اننا قريبون من تغيير كبير جداً.
* إذا ما حدثت مفاجأة كالتي يتوقعها البعض.. فما هي القوي التي تقود الجماهير والساحة خالية إلا من الاخوان؟؟
** أنا أعتقد أن الموضوع معكوس، بمعني أن الثورة هي التي تصنع الزعيم وليس العكس.
* اعتقادك هذا علي غير ما يعتقد البعض من أن الزعيم هو الذي يصنع الثورة؟
** ليس في كل الحالات.. ومصر علي سبيل المثال كان فيها الثورة الشعبية هي التي صنعت الزعيم »الثورة كانت 19 والزعيم كان سعد باشا زغلول« سعد زغلول قبل الثورة كان رجلاً عادياً. نعم كان لديه مواهب، وتطلعات، ومشاركات وطنية. لكن هذه مواصفات قد يشترك فيها الكثير. انما الثورة عندما قامت صنعت زعامته.
*إذن الكادر الثوري يخرج من رحم الثورة نفسها؟
** انظر علي سبيل المثال إلي قادة العمال في اضرابات المحلة الأخيرة. واسأل نفسك من هؤلاء؟ وعلي أي قدر من الوعي؟ لقد كانت ادارتهم واعية جداً، رغم انهم لا علاقة لهم باللجان النقابية، وفيهم نساء، وقالوا نحن لا شأن لنا بالسياسة. وعندما حدثت محاولة للالتقاء عليهم، وقفوا في مواجهتها. من هؤلاء؟ هم ناس عادية جداً، لكن الحالة صنعتهم، علماً بان الفرد فيهم لوحده قد يخاف من ضابط شرطة لو التقاه بمفرده.
* لكنه في الأحداث واجه كتائب أمن مركزي بأكملها؟
** وكان من الممكن أن يواجه ضعفها. لأن الحالة بداخله، فرضت نفسها، فصنعت منه حالة ثورية. ومن هنا أقول: إن الحالة الثورية تصنع الزعماء.. وبالتالي لا نستطيع أن نأتي بمسطرة و نقيس علي واقع متغير.
* لكن البعض يخاف من »الفوضي« في ظل عدم وجود أي فصيل آمن للقيادة؟
** الطبيعي ألا يكون هناك أحد. فالحكومة قامت ـ ومازالت تقوم بتفصيل الأحزاب علي مقاسها. وذات مرة كتبت الجارديان البريطانية أن الحكومة المصرية هي الحكومة الوحيدة في العالم التي تختار المعارضة المناسبة لها.
* هذا لأن النظام يرفض المعارضة الحقيقية التي تودي لتبادل السلطة.
** نعم.. لأنه كما قلت يريد معارضة علي هواه. وأنا منذ أيام تبين لي ـ رغم انني أزعم متابعتي الجيدة للحياة السياسية في مصر ـ إن في مصر حزباً اسمه حزب المحافظين، علي طريقة حزب المحافظين في بريطانيا. وجاءت معرفتي به بعد ما وجدت اسمه ضمن ثلاثة أحزاب مصرية تتهم د. سعد الدين إبراهيم بالعمالة.
* إذن أنت تتوقع أن يكون في البلد اتجاهات أخري سياسية أو غير سياسياة غير معلنة قد تظهر في لحظة ما؟
** هذا توقعي.. في البلد حالة حقيقية، وسوف تنجب رجالها أو انجبتهم ونحن لا نعرف بعد. والمثال الدال علي ذلك تجده في القضاة. قبل موقفهم الأخير الذين يدافعون فيه عن مصر كلها حاضرها ومستقبلها، كانوا مستشارين عاديين. لكن فجأة وجدتهم يقودون القضاة في معركة مقدسة ومحترمة لحماية الشعب المصري. إذن هناك شئ حدث وكان نتيجته أحمد مكي والبسطويسي ومحمود مكي ، وزكريا عبدالعزيز والخضيري وغيرهم، وهؤلاء قادة بالفعل حقيقيون.
* هذا يعني أن أبواب الأمل في الشعب مازالت مفتوحة؟
** طبعاً.. كان قبل 10 سنوات من الممكان أن تسأل عن الشعب المصري وتقول »هو فين«؟ لكن اليوم الشعب المصري موجود وفاعل ومؤثر. ورغم ذلك نحن لا ننكر أن لدينا معوقات في الوعي المصري.
* معوقات سياسية أم اجتماعية؟
** معوقات في فهم الدين نفسه، ومن ثمة تنعكس هذه المعوقات علي الوعي السياسي والاجتماعي. لقد وقعنا في قبضة فهم للدين غير صحيح. وهذا هو الفهم الذي بشرنا به الفهم الوهابي أو السلفي. وهذا الفهم في النهاية لا يخدم الشعوب ولا الحرية ولا الديمقراطية بقدر خدمته للأنظمة الاستبدادية.
* بمعني؟
** وجهة النظر السلفية يكاد يكون فيها شبه اجماع علي أنه لا يجوز الخروج علي الحاكم المسلم
.* حتي لو كان مستبداً؟
** حتي لو كان أي شيء.. وهذه وجهة نظر تصنع أرضية كبيرة للاستبداد، بل وتساعده في أن يقر وجوده. وفي المقابل يستكين الشعب.* لكن علي فترات نري مظاهرات يقوم بها أفراد الشعب منها ما نراه في الأزهر؟** لن تجد فيها احتجاجاً أو مظاهرة أو رفضاً لفساد أو استبداداً أو غلاء أو تزوير انتخابات. لكنك ستجدها تخرج مثلاً ضد رسوم في الدنمارك وأنا ضد هذه الرسوم بالطبع ـ علما بان علاقتي بالدنمارك لاتزيد عن الجبنة. والنظام يستغل ذلك ويشعل فيه الزيت ليرتفع لهيبها أكثر وأكثر؟
* وما هدفه من ذلك؟
** فرصة لطيفة يجمل بها وجهه. فالدنمارك ليست أمريكا ولا إسرائيل، وبالتالي لا بأس من »شوية« مظاهرات علي »قد المقاس« المطلوب. لكن يخرج الشعب في مظاهرة ضد هتك أعراض بناته لم يحدث؟ يخرج ضد تزوير فاضح للانتخابات لم يحدث؟ ضد القمع والفساد أيضاً. لم يحدث
.* ولماذا يحتج ويتظاهر علي ما يحدث هناك ولا يفعل ذلك علي ما يحدث له هنا؟
** لأن الكتاب الذي يوزع عليه، هو كتاب مرجعيته الفهم السفلي للدين. وللأسف في الكتاب لا توجد حقوق سياسية لك كمواطن. بل يقول لك هذا الفكر لا يجوز الخروج علي الحاكم المسلم، طالما ينطق بالشهادتين، ويؤدي الفروض. وطبعاً الحكام المستبدون في الوطن العربي يؤدون الفروض كلها علي أكمل وهل هناك ماهو أكثر من ذلك؟ وجه. بل إن بعض الفقهاء زادوا علي ذلك؟** طبعاً.. قال بعض الفقهاء ـ زيادة في الاستكانة للشعوب ـ لا تخرج عليه وإن جلد ظهرك وسرق مالك. وفيه بعضهم قال وإن فسق أو زنا.
* وبذلك أغلقت كل الأبواب؟
** بالضبط كده.. بل وزيادة في الأمر.. لو خرج الحاكم وقال يا جماعة معلهش أنا كفرت ـ وهذا مستبعد حدوثه ـ لكن علي فرض. في هذه الحالة بعضهم قال: حتي لو أعلن كفره وأصبح كفره واضحا، فعليك أن تقيس. لو أنت خرجت عليه. فهل خروجك سيكون ناجحاً؟ أما إذا لم يكن كذلك فعليك »برضه« أن تلزم الطاعة، حتي يبدله الله.
* لكن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم؟
** الذي تقوله هذا هو الفهم الصحيح للاسلام. لكن الذي أتحدث عنه هو فقه السلاطين، وهو ليس له علاقة بالاسلام اطلاقاً. وهذا ليس فهمي للإسلام، لكنه فهم سلفي متأخر للإسلام. وهذا الفهم انتشر في مصر وسواء جاء عن طريق السعودية أو عن ان 25% من الشعب المصري سافر الي الخليج، إلا أن النتيجة واحدة.
* وهل لهذا الفكر أو الفهم تأثيره علي الوعي السياسي ؟
** بالتأكيد كان سبباً في تأخر ونضج الوعي السياسي للشعب المصري». لأن هذا الفهم يجعلك تفصل العام عن الخاص. ولو أنك مثلا لا تجد وظيفة. فهذا معناه، إما أن الحكومة لا توفر فرص العمل لك؟ وإما أنك لا تصلي وبالتالي ربنا غير راض عنك.
* والمؤكد أن النظام استفاد من هذه الحالة؟
** لم يستفد فقط، بل دعمها، وفتح المنافذ لمشايخها. حتي يظل المواطن منغلقا علي ذاته، ويفصل بين الظرف الخاص والظرف العام. وحتي يجعلك دائماً هكذا في حالة من الاستكانة. لو غرقت في عبارة تقول.. ربنا عايز كده وان احترقت في قصر ثقافة تقول »نصيبي« ولو نقلوا لك دما ملوثا تقول »محدش بياخد أكثر من نصيبه« وان زوروا الانتخابات وسرطنوا الأكل ولوثوا المياه تقول »منهم لربنا«. لكنني مازالت أكرر أن هذا الفكر السلفي ليس له علاقة بالاسلام الحقيقي، فالاسلام كان ثورة.
* الإسلام ثورة؟
** بالطبع.. و ثورة حقيقية.. لأن الاسلام قبل الثورة الفرنسية مثلاً كان فيه العدل والمساواة والرخاء. أما الفكر السلفي فهو يخدم النظم المستبدة
.* حتي الدين يستغله النظام في تحقيق مآربه؟
** بدون شك.. وعد معي بالذاكرة الي واقعة فاروق حسني وزير الثقافة عن الحجاب، والتصريحات التي أطلقها بشأنه وأثارت الرأي العام الداخلي. هذه التصريحات يستخدمها النظام لصالحه أمام الغرب، فهو يطلقها من أجل الترجمة، حتي يعلن من خلالها مواقف له.
* وما أهدافه؟
** الهدف أن يقول للغرب ـ بعدما ينقلب الرأي العام في مصر وتحدث ضجة كبيرة ـ هو أن يقول لهم اننا الحائط الأخير أمام الاخوان المسلمين. وبالتالي يساند الغرب النظام ويقف بجواره.
* لكن أعضاء الحزب الوطني أنفسهم كانوا يهاجمون الوزير في البرلمان؟
** هذه أدوار يتم توزيعها.. وكذلك أطلق أحمد نظيف من قبل تصريحا قال فيه »مصر دولة علمانية« هذه وغيرها تصريحات للخارج. نعم لقد هاجم أعضاء الحزب الوطني الوزير بل أن كمال الشاذلي نفسه قام بالهجوم. وأنا متفق مع الشاذلي في دفاعه عن الحجاب. لكن لم يقل لنا الشاذلي هل تزوير الانتخابات والفساد والاستبداد والقمع في حاجة مثل الحجاب للدفاع والهجوم عليهما أم لا؟
* ونتيجة الي كل ذلك الي أين وصلنا؟
** أصبحنا »بلدين« في بلد واحدة. وأنا لظروف معينة أعايش البلدين.. وأري الفرق ما بين مصر الصغيرة التي لا يتعدي عددها 20% وهي في غني فاحش وبين مصر الأخري 80% في فقر قاتل
.* علي ضوء ذلك ما تقييمك للحكومة؟
** فشلت في كل شئ. فالنظام لم ينجح الا في القمع والتضليل. القمع يقول عنه انه أمن والتضليل يقول عنه إعلام.
* لكن البعض يري أن النظام أعطانا حرية و ديمقراطية غير مسبوقة
** أعطانا حرية الكلام وليس حرية التعبير.*
وما الفرق بينهما؟
** الفرق شاسع.. حرية التعبير تبدأ بالكلام وتنتهي بسيادة القانون. لكن حرية الكلام لا تؤدي الي شئ فقط تكلم كما تشاء ونحن سنفعل ما نشاء. وهذا ماهو موجود في البلد اليوم
الوفد - 29/10/2007
حوار أجراه: خيرى حسن

فريال بنت فاروق.. تأملات في لقاء تلفزيوني

يوم الجمعة 19/10/2007، الساعة الثامنة والنصف مساء بتوقيت القاهرة، جلست أنتظر اللقاء التلفزيوني، على قناة إم بي سي، للأميرة فريال بنت فاروق، بعد أن قرأت عن لقاء معها بثته قناة العربية وفاتني، لأنني لست من مشاهدي التلفزيون إلا بتوصية من أحد الأصدقاء لبرنامج محدد أو فقرة مهمة أو طامة كبرى. سمعت قريبتي، عرضا، تشير إلى بث للقاء مع الأميرة فريال، فتمسكت بالفرصة، ولم أعرف هل هو لقاء آخر غير الذي فاتني أم أنه إعادة. جلست متوجسة لا أعلم بأي لغة سوف تتكلم فريال وإلى أي مدى سوف يرتفع ضغطي، وكان ضغطي قد ارتفع إلى معدلاته الخطرة 180 على 105، بعد الاستماع إلى كلام متواصل للدكتور محمد عمارة ـ مغرب الاثنين 1/10 ـ مغرب الثلاثاء 16/10/2007 – بإذاعة القرآن الكريم، نسف فيه حضرة الدكتور العلامة سجله المجيد في البحث العلمي ولغة العلماء.
الأميرة فريال، طفلة جيلي الأولى، تصغرني بعام وثلاثة أشهر بالتمام، عن يوم مولدها نشرت مجلة «الهلال» في عددها ديسمبر 1938 في الصفحة الثالثة صورة الأمر الملكي إلى: «حضرة صاحب المقام الرفيع رئيس مجلس الوزراء، حمدا لله تعالى على ما أنعم وتفضل فقد وهب لنا من لدنه في الدقيقة الأولى من الساعة الرابعة من مساء يوم الخميس المبارك الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 1357، الموافق للساعة الثامنة من مساء اليوم السابع عشر من شهر نوفمبر سنة 1938 بقصر المنتزه مولودة أسميناها فريال...
في كتاب «قراءة الأطفال»، المقرر علينا في روضة الأطفال 1944 نقرأ: «هذه صورة أميرتنا المحبوبة...» تحت وجه طفلة جميلة باسمة العينين يطوق شعرها المنسدل على كتفيها شريط معقود فوق رأسها على هيئة وردة بيضاء يانعة، طالما حاولنا محاكاتها بنتائج لم تصل أبدا إلى غايتنا. أحببناها بصدق وغنينا لها بشغف، من دون غصب أو نفاق، «فريال يا فريال، يا طلعة الإقبال»، ونحن نرتدي ملابس الزهرات ونتمنى لو كانت «فريال» في وسط الدائرة ونحن محتفلات بها متحلقات حولها. لعلها كانت صلة الوصل في محبتنا للملك والدها والملكة والدتها. لم تستفزنا في خيالاتنا عنها، بل كنا نفرح بكل صورة جديدة لها يسمح بنشرها. في 26 يوليو 1952، لم تكن قد أكملت الرابعة عشرة، وفي صور رحيل الملك السابق فاروق على يخته المحروسة مع زوجته ناريمان ورضيعه الملك أحمد فؤاد، وبناته الثلاثة الأميرات: فريال وفوزية وفادية، كانت عيوننا تبحث عن فريال «وحدها» المأسوف عليها منا. ظهر على «قناة إم بي سي 1» تنويه بصورة الأميرة الصبية فريال مأخوذة من لقطات يوم الرحيل ومعها عنوان «قدر أميرة»، ثم بدأ «ريكاردو كرم» في تقديمه لـ«صاحبة السمو الملكي»، انتقلت الكاميرا بعده إلى «فريال». سبحان الله! أهذه أنت يا «فريال»؟ نعم إنها مقبلة في أقل من شهر على إتمام تسعة وستين سنة بعيدا عن يوم مولدها بقصر المنتزه بالإسكندرية في الردهة القوطية، ونعم، إنها تظهر لأول مرة لنراها بعد خمس وخمسين سنة من امتناع طويل عن الظهور إعلاميا، قررته هي نفسها أو العائلة، لكن ما كنت لأظن................
لم أكمل جملتي، كان يجب أن أتريث لأسمعها تصر على أن تتكلم بالعربية وتصر على أن تشدها من ذاكرتها، ولو بصعوبة، من دون أن تخلطها بأي كلمة من لغة أجنبية، ولو كانت الفرنسية التي هي في الغالب لغتها «الأم».
«فريال»، الطفلة النضرة ذات الشريط المعقود وردة بيضاء فوق رأسها، صاحبة «السمو الملكي» تنسحب «مظهرا»، لتنبعث من روح هذه السيدة البالغة من العمر تسعة وستين عاما، طفلة أكثر نضارة وحيوية ومرحا، تقدم قلبها «وردة بيضاء» وأراها بلقب «صاحبة السمو الإنساني». تقول بعزة: «أنا مصرية مسلمة»، «أنا في يد الله»، «أعوذ بالله»، «أحب الحقول لأنها خضراء ومافيش أسوار»، «السرايات مش ملكنا... ملك الوطن».
وجهها مغسول بعيدا عن محاولات التزين وعمليات التجميل. تتكلم بتلقائية وذكاء وخفة ظل، تتجنب الأذى فلا يصدر عنها أو يأتي إليها. ترفض تعبير «لعنة القدر»، بل تكاد تقنعنا بأن القدر فضل لها الخلاص من القصور الملكية التي تسميها «قفصا» ـ أي سجنا أو معزلا تلفه الأسوار ـ حيث كانت لغة القصر الملكي هي الفرنسية أو التركية، وحيث لم تكن ترى أو تختلط بأطفال في مثل عمرها سوى شقيقتيها، «فوزية» التي ولدت عام 1940، و«فادية» التي جاءت بعدها عام 1942، فهي ضحية تربية ملكية خاطئة وجافة وجانية، تفضل لأطفالها العزل مع مربيات أجنبيات، جنسا ولغة ودينا، لتكرس ذلك الانفصال والتعالي بين الأسرة الملكية، وحاشيتها، وتوابعها، وبين الشعب المصري ولغته ودينه وثقافته.
تنطق حضرة صاحبة السمو الإنساني «فريال» بحلاوة كلمة «الوطن»، وتقول «أنا مصرية والمصريين أخواتي» في سياق كلامها بعامية مصرية ركيكة وضحلة، تلمس مستوى عامية غير المتعلمين الذين كانوا مصدرها الأول في التقاط قدرة التحدث بالعربية، وهي مع ذلك وعلى الرغم من هذا القصور اللغوي الواضح، استطاعت أن تغزل فصاحتها وبلاغتها مع معوقات التعثر في التعبير بلغة عربية، فصحى أو عامية، ترقى إلى مستوى أفكارها النبيلة وسماحتها الإنسانية، متمشية مع المثل المصري الدارج «الشاطرة تغزل برجل حمار»، وأنا أسوق هذا المثل متعمدة لأنني رأيتها فرحة جدا عندما استطاعت أن تستشهد بمثل مصري يقول: «يوم بصل ويوم عسل»، وبعد أن قالت إنها تحب الحيوانات لأنها: «مش بوشين» – أي ليست منافقة بوجهين.
أيتها المواطنة المصرية فريال: يا صاحبة السمو الإنساني، صدقيني لو قلت لك أنه في أيام ارتجافك من البرد والوحدة في «السرايات الملكية»، كنا، وأبسط طفل فلاح فقير في ريف مصر، الذي كان ولا يزال محروما ومهملا، على استعداد لنكون معطفا دافئا لك، فقط لو كانوا قد فتحوا «القفص» لتخرجي إلينا
صافي ناز كاظم
الشرق الأوسط 30/10/2007

عبد المنعم سعيد: الأنظمة المتعاقبة تسقط ٧٠٠ عام من التاريخ المسيحي في مصر

الواقع العربي الحالي لا يحتاج إلي شرح»..
بهذه الجملة علّق الدكتور عبد المنعم سعيد، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، علي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعيشها الدول العربية في الوقت الراهن،
موضحاً أن الكثير من البلدان العربية يشهد حالة من العنف الشديد، وحتي تلك التي لا يوجد فيها عنف، تشهد توترا شديدا وعلاقة صعبة بين الأغلبية والأقلية مثل مصر- حسب وصفه.
وقال السعيد، خلال جلسة «التنوع الثقافي في المجتمعات العربية.. مصدر غني لا فتيل أزمات»، والتي عقدت أمس الأول في دبي، ضمن فعاليات مؤتمر المعرفة الأول الذي تنظمه مؤسسة «محمد بن راشد آل مكتوم»، إن التنوع ربما يكون ميزة في الدول التي نجحت في التغلب علي مشاكلها، مشيراً إلي أن المدارس الفكرية الثلاث، التي تعاملت مع مسألة التنوع الثقافي، قللت منها، وفي مقدمتها المدرسة القومية التي قامت بتغليب فكرة الدولة القومية،
مما أدي إلي حدوث تراكمات تاريخية وعدم اعتراف بالمشكلة، وكذلك فعلت المدرسة اليسارية الاشتراكية التي رأت أنها مسألة فقر في الأساس، فالعامل الشيعي الفقير، من وجهة نظرها، سيكون أقرب للعامل السني الفقير منه إلي الشيعي الغني.
وأضاف: «أما المدرسة الإسلامية، فتوقعت أن يوثق الرابط الإسلامي العلاقة بين الجميع، بمختلف اثنياتهم، والمقصود بهذه المدرسة الجانب السني علي وجه الخصوص، بينما المدرسة الليبرالية هي التي نجحت عالمياً في تقديم الحلول، واستمدت بعض أفكارها من الإسلام والمواطنة»، لافتا إلي أن الديمقراطية فقط هي التي قدمت نظاما سياسيا يقبل التوازن،
وأنه لا توجد وصفة جاهزة لحل مشكلة التنوع العرقي والثقافي في الدول العربية، لكن هناك شروطا، أهمها عدم الإنكار، بمعني إقرار الجميع أن هناك مشكلة وتوترا بين الأقليات.
ومن الشروط كذلك- حسب السعيد- الاعتراف بالتنوع، حيث قال: «النظم المصرية، علي اختلاف اتجاهاتها، تسقط ٧٠٠ سنة من التاريخ المسيحي في مصر ، ويضاف إلي الشروط: المساواة أمام القانون والنمو الاجتماعي والاقتصادي، لأن الكعكة الضئيلة تؤدي إلي التشابك والصراع، كما أن الدول التي تعيش في سلام مع جيرانها تكون أكثر قدرة علي التعامل مع مسألة التنوع».
وأوضح الدكتور عبد المنعم سعيد، في ورقته التي حملت عنوان «الوحدة والتنوع في العالم العربي»، أن هناك عشرات الأسباب التي تقف وراء اختفاء الحرية في بلد من البلدان، وهذه الأسباب، المتعلقة بالحكام والطغاة والمؤسسات والأنظمة الاقتصادية والاجتماعية، يجري ذكرها علي كل لسان.
واستدرك قائلا: «غير أن هناك سبباً لا يذكر كثيرا، وهو أن من يريدون الحرية يصمتون عندما يتعلق الأمر بحرية الآخرين سواء كانت هذه الحرية متعلقة بالحقوق السياسية أو الاجتماعية ، ولكن قبل ذلك وبعده حرية الاعتقاد، وحرية التنوع والاختيار» .
وعقب الدكتور مصطفي الفقي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب ، مدير الجلسة قائلا: «عشنا عقودا طويلة في مصر ننكر المسألة القبطية، وعندما بدأنا نتعامل معها تحسنت المشكلة بالرغم من الفتن الطائفية والمشاكل العابرة التي تحدث بين الحين والآخر».
ومن جانبه، قال الدكتور جابر عصفور: «إن العلاقة بين الثقافة المركزية والثقافات الفرعية أو ثقافة الأقليات علاقة مستبدة، تقوم علي أساس ديكتاتوري تتبناه الأنظمة العربية المستبدة التي تمارس عنفا قمعيا
دبي- محمد فودة ٣٠/١٠/٢٠٠٧
المصرى اليوم

محمد حسنين هيكل: نظم الحكم القائمة لم تؤسس لنفسها شرعية دستورية ولم تعد سلطتها تفويضاً وإنما قمع

ألقي الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، محاضرة في جامعة أوكسفورد ، مساء أمس، بعنوان: «جسور وعوائق».
جاءت المحاضرة بدعوة من رئيس الجامعة اللورد كريس باتن، ومعهد رويترز للصحافة، وحضرها رئيس مؤسسة رويترز وأعضاء من السلك الدبلوماسي وإعلاميون وأساتذة الجامعة الشهيرة، وطلبتها، وأعقبها حفل استقبال، وعشاء لكبار الشخصيات.
وتنشر «المصري اليوم»، هنا، نص المحاضرة، التي تعتبر الأولي منذ تأسيس المعهد عام ٢٠٠٦.

اللورد «باتن» رئيس جامعة أوكسفورد
حضرات السيدات والسادة
يسعدني ويشرفني أن تتفضلوا بدعوتي أول متحدث في المحاضرة التذكارية بكلية الصحافة التي أسس لها هذا التوافق بين جامعة «أوكسفورد» ووكالة «رويترز».
إن هذا التوافق بين جامعة عريقة (أوكسفورد) ووكالة أنباء شهيرة (رويترز) يصعب أن يكون لقاء مصادفات، إذا دققنا أسبابه وتمثلنا نتائجه.
ومن وجهة نظر عملية - وعلمية كذلك - فإن الصحافة علي تنوع وسائلها وأدواتها لديها ثلاثة طرق اقتراب واضحة إلي وظيفتها الحيوية في مجتمعات الحرية والتقدم.
أول طرق الاقتراب: أن تكون الصحافة - مكتوبة أو مسموعة أو مرئية - خطوطا مفتوحة تنقل القرار السياسي علي اختلاف مجالاته: داخلية وخارجية - اقتصادية واجتماعية - إستراتيچية وعسكرية - من مواقع صُنعه إلي أوسع دوائر المواطنة التي يهمها شأنه، بحيث يتأكد الحق العام في العلم به، وتتوافر إمكانية التعرف علي موجباته، والاستعداد لآثاره وتكاليفه،
والاطمئنان إلي اتساقه مع الإرادة العامة في الوطن وخارجه، ولكي يظل تحت المتابعة الدستورية والقانونية، ويصبح الرأي العام قادرا علي ممارسة مسؤولية الرقابة عليه، وعلي إعادة توجيهه ديمقراطيا إذا لزم.
وطريق الاقتراب الثاني: أن تكون وسائل الصحافة وأدواتها خطوطا مفتوحة - أيضا - ما بين مجالات الفكر والعلم والفن من مراكز حيويتها، سواء في الجامعات، أو المعاهد ومراكز البحث، أو مسارح العرض والأداء وأشكالها المتعددة في التعبير - إلي جمهور واسع له الحق أن يري ويستوعب ويستمتع.
وطريق الاقتراب الثالث: أن تحاول نفس الوسائل والأدوات قصاراها كي تنقل وتستثير أنفع وأرفع حوار بين القرار السياسي وشؤونه الجارية وقضاياه واهتماماته - وبين الأفكار وقدرتها علي تخصيب الفعل الإنساني وتوليده، لكي يجمع الحوار ما بين الفعل والفكر، ويؤكد القيمة ويحفز إرادة إنسانية ذكية وقوية - وهنا فإن التوافق بين الجامعة العريقة ووكالة الأنباء الشهيرة يصبح مرغوبا فيه ومطلوبا.
إن طرق الاقتراب الثلاثة كما وصفتها لا تحقق مطلوبها بهذه البساطة التي وصفتها، فالواقع العملي أكثر تعقيدا، لأن مراكز صُنع القرار لا تمارس فعلها في المثالي المفترض، وإنما تمارسه تحت سطوة صراعات تاريخية كبري ومصالح يتعارض بعضها مع بعض، والكثير منها غائر في زمانه، أو جامح في مقاصده، أو عنيف في ممارساته، وفي ظل هذه الأحوال فإن القرار السياسي تحكمه - بالقطع - عوامل غير مثالية!
بالتوازي فإن مجالات صُنع الأفكار ومنجزات العلوم وتجليات الفنون لا تطرح ما لديها في ذات الفضاء المثالي المفترض، وإنما تتأثر هذه المجالات في مجمل نشاطها بضغوط يناسبها أن تضرب علها تزيح، أو تحجب علها تحتكر، وهنا تبرز عوائق تعرقل المثال الحر للقيمة والقدوة.
يلي ذلك أن قنوات الاتصال التي تمثلها الصحافة لا تمارس دورها في نقل الأخبار والأفكار وصوت وصدي الحوار، علي خطوط مستقيمة سالكة ومطهرة، وإنما تتعرض قنواتها المفتوحة علي الطرق الطويلة لأنواع ودرجات من التدخل والتحيز تمليها الصراعات والضغوط والمصالح، وحتي الأهواء والأمزجة.

حضرات السيدات والسادة
إنني سعيد بهذه الفرصة التي أتحتموها لي كي أتحدث أمامكم في هذه المناسبة التي توافقت فيها جامعة عريقة مع وكالة أنباء شهيرة علي لقاء يسهم في دعم كفاءة الإعلام من حيث إعداده وتأهيله لأداء دوره دون عوائق بين القرار والأفكار والحوار، وبحيث يتحمل هذا الإعلام مسؤوليته في أزمنة متغيرة.
إننا نتحدث كثيرا عن عالم واحد لكن مثل هذا الحديث فيه قدر من المبالغة، أو ربما التمني، فقد نكون في حكم الجغرافيا عالما واحدا، لكننا في حكم التاريخ عالمين: شمال وجنوب، وليس يجدي أن نتأدب ونجامل في الحقيقة، وكذلك ليس يجدي أن نكتفي بالنظر إلي النخب المتعولمة في الجنوب، وننسي الكتل الهائلة من البشر وراءها - بل وبعيدا عنها.
إن هناك عالمين: شمال وجنوب - والفجوة بين الاثنين واسعة وخطرة، وهي تزداد اتساعا وخطرا إذ تلتبس الحقائق وتتداخل الهواجس بين المثالي المفترض وبين الواقع العملي المعقد عند صناع القرار والأفكار، وعندما تتلكأ قنوات النقل والتدفق الحر، وتتلوي مرات وتنسد مرات، وتصبح الفجوة هوة، والهوة هاوية، وتتحول الرسالة لغما في حرف أو قنبلة في رسم!
حضرات السيدات والسادة
إذا كانت دعوتكم مبعث سعادة وشرف لي، فهي في ذات اللحظة مسؤولية تدعوني أن أتحدث معكم بصراحة وأمانة، أزعم أنها قد تكون مقبولة مني وربما مغفورة.
ذلك أنني رجل من عالم الجنوب يدرك هموم عالمه لأنه يعيش واقعه، وهو يتحدث إلي عالم الشمال ويحسب أنه يستطيع فهمه، بظن أن الظروف أتاحت له أن يعيش مهنة الصحافة في الجنوب وفي الشمال معا، فقد كتب في العالم العربي وعنه، ومارس في الجريدة والكتاب والتليفزيون هناك،
ثم إن الظروف منحته فرصة أن يمارس هنا كذلك - وانطلاقا من هذا البلد بالتحديد، حيث قامت صحف ودوريات بريطانية عديدة مثل «التايمس» و«الجارديان» و«الإندبندنت» و«الأبزرفر» بنشر مقالاته وأحاديثه،
ثم إن مؤسسات نشر عريقة قامت بإصدار الطبعات الأصلية من كتبه، فظهرت كاملة في المكتبات لطالبيها، ثم نشرت علي فصول مسلسلة حملتها صحف كبري مثل «الصنداي تلجراف» و«الصنداي تايمس» إلي جانب مقالات وأحاديث وغيرها، وكل ذلك أخذ عمله إلي لغات كثيرة وصلت به واسعا وبعيدا!
حضرات السيدات والسادة
قلت إن انتمائي لعالم الجنوب يجعلني مدركا لهمومه ومشاكله، وقلت إنني زائر للشمال يظن أو يتوهم أنه يتفهم هذا العالم ومحركاته، وقلت إن المسافة بين العالمين واسعة وتزداد اتساعا، وأسمح لنفسي بالقول ومن هذه الحافة بين العالمين بأننا نحتاج الآن وبسرعة إلي جسور لعبور هذه المسافة، وإلا تصادمت الكتل ووقعت انفجارات مهولة تسقط مثل الكواكب التي يختل مدارها في ثقوب سوداء في مجاهل الفضاء! - وبعض ذلك وارد، واحتمالاته تتزايد إن لم نبذل جهدا، وأول الجهد أن نتصارح، مهما كانت المصارحة مزعجة!
دعوني أبدأ وأقول بتعميم إجمالي إن عالمنا في الجنوب يشعر بأن القرار الصادر من مراكز القوة الدولية - كما يصل إليه - يصدمه بقسوة لا يبدو أنها تأبه وتهتم - وبإصرار علي العنف لا يبدو أنه يخشي أو يتحرج - ثم إن صوت الحوار لا يدعوه إلي مشاركة، لأن القرار في معظم الأحيان ينقض عليه بغتة ودهما.
يشعر عالمنا في الجنوب كذلك أن دنيا الأفكار والعلوم والفنون - كما تضيء أمامه من بعيد - ليست مقبلة عليه أو مرحبة به كما يأمل ويتمني.
ثم إن صوت الحوار يصل إلي الجنوب - إذا وصل - مثقلا بشوائب من التحيز بل والعدوانية!
وهنا وفي هذا السياق فإنني أستأذن أن أطرح أمامكم ثلاث ملاحظات، آمل أن توضع في اعتباركم، راجيا أن لا يعتبر القول فيها نوعا من الشكوي أو عارضا من هواجس عقد نفسية لدي القائلين بها، وإذا بدا ظاهر هذه الملاحظات بعيدا عن الموضوع، فإنني آمل في صبركم لعله يتضح أنها قريبة منه إن لم تكن في صميمه.
أولي الملاحظات: أننا لسنا أمام صراع حضارات متعددة متعارضة يمكن أن تتصادم أو تتصالح، لأن شواهد التطور التاريخي تومئ إلينا بأنها حضارة إنسانية واحدة، صب فيها الجميع ما زاد عندهم أوقات الفيض، وسحب منها الجميع ما لزمهم أوقات الجفاف، وساعدوا - كل في زمانه - علي ملء خزان هائل للحضارة الإنسانية أصبح شراكة طبيعية ورصيدا جماعيا متاحا بالحق لمن يريد ويستطيع.
ومن المفيد هنا أن نتذكر أنه مع اتساع الأرض واتصال التاريخ - فإن كافة الشعوب والأمم قدمت ما راكمته من ثقافات البيئة والمعرفة والتجربة - وعن طريق الانتقال الحر للمنافع - إضافات سخية ومستمرة وتلقائية - إلي المشترك البشري الجامع.
ذلك حدث حالة التأمل والفلسفة بحثا عن الحق والحقيقة - حالة كشف العقل حين تعرف الناس في الفجر الإنساني الأول علي ملكات التصور، وتوصلوا إلي سر الحرف في الأبجدية وسحر الرقم في العدد - حالة التنبه إلي معجزة الزراعة - حالة صناعة الأدوات والمعدات - حالة فنون المعمار - حالة فتح الطرق واستئناس وسائل المواصلات - حالة صنع السفن وركوب البحار - حالة النظر إلي الفلك ومسارات النجوم، إلي آخره.
في هذه الحالات وغيرها فإن الثقافات الطالعة في كل مكان شقت جداول وينابيع محلية، فاضت علي جوارها عندما تبين هذا الجوار نفعها، ثم التقت هذه الجداول والينابيع لتكوِّن ما يمكن أن نسميه مجمع ثقافات أو أحواض حضارة بعضها يكاد يكون مرسوما محددا كخط بالقلم ومثاله الأظهر حوض البحر الأبيض - ثم إن الأحواض الحضارية في كل إقليم من أقاليم الدنيا امتلأت وفاضت، وتمددت واتصلت بحيث بسطت محيطا واسعا لحضارة إنسانية قابلة للانتشار، قادرة علي العطاء، عابرة للزمان والمكان.
وعلي امتداد عملية التفاعل بين الثقافات وهي تتدفق من مواقعها الأولية وأحواضها الأوسع إلي المحيط الكبير، وما بين الصب والسحب من الرصيد المشترك للحضارة الإنسانية فإن الحوض الحضاري للبحر الأبيض تحركت عليه تيارات تتبدي وكأنها خريطة مناخية حية موصولة بين معابد وقصور بابل ومنف إلي أروقة وأعمدة أثينا - إلي مكتبة الإسكندرية، إلي دار الحكمة في بغداد - إلي دمشق - إلي قرطبة، ثم عبر صقلية نحو جنوب أوروبا - إلي إيطاليا - ثم إلي الشمال نحو ألمانيا وفرنسا وبريطانيا،
ثم يتجه الخط عابرا للأطلسي إلي أمريكا ينفذ من الشاطئ إلي الشاطئ في اتجاه الباسيفيك، ليعود فيطل علي شرق آسيا، فإذا الحيوية المتجددة لفيض البحر الأبيض عبر الأطلنطي - تجتاز المحيط الهادي لكي تلتقي هناك بالحوض العميق للحضارة الصينية.
لقد تصادف هذا الصيف أنني وقفت أمام مكتبة الإسكندرية التي أعيد بناؤها، ثم كنت بعد أيام عند سفح "الأكروبول"، ثم صعدت سلم كنيسة القديس «بطرس» في الفاتيكان، ثم تجولت متأملا معالم النهضة ومقتنيات القصور في «فلورنسا»، ثم مشيت فوق جسور ينيسيا نحو ميدان القديس «مرقس»، وعند هذه المواقع ومشاهدها ملأت خواطري عبارة كتبها الأستاذ Stefano Carboni أمين متحف «المتربوليتان» في نيويورك قال فيها: «إن حوض البحر الأبيض المتوسط حدود سائلة!
Liquid Frontiers"، وذلك وصف دقيق لحركة
الثقافات في صنع أحواض حضارية، ثم فيضان هذه الأحواض لتصنع محيطا حضاريا عالميا وإنسانيا واحدا، وربما أننا إذا عدنا لحظة إلي مجال السياسة نتذكر أن هذا المحيط الإنساني ينسب - ولو من باب المجاز - في كل عصر إلي القوة الغالبة فيه: فهو فرعوني في عصر - إغريقي في عصر ثان - روماني في عصر ثالث - مسيحي في عصر رابع - إسلامي في عصر خامس - أوروبي في عصر سادس - أمريكي هذه اللحظة العابرة!
ومع تعدد اللغات في حالة الثقافات، فإن الحضارة لها لغة رئيسية في كل آن - هي لغة القوة الغالبة في زمانها، فهذه اللغة الرئيسية نطقت يونانية لحظة - لاتينية لحظة أخري - عربية بعد ذلك - ثم فرنسية أو إنجليزية في هذا الزمان - وقد تصبح نبرة أخري غدا أو بعد غد!
وعلي تقلب العصور فإن غلبة القوة لا يصح أن تُنسينا شراكة الرصيد الإنساني لمحيط الحضارة - فوق أي إمبراطورية - أو لغة!
أنتقل إلي ملاحظة ثانية ملخصها أنه قبل سنوات قليلة وقع استغلال فجيعة إنسانية محزنة ضربت مدينة نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١، وبهذا الاستغلال تحولت الفجيعة إلي عملية تلاعب مقصود بالصور وبأسلوب خداع البصر،
فإذا العالم يفاجأ بأن صورة المسلم - عربيا وغير عربي - قد أزيحت لتحل محلها صورة المتعصب الإرهابي، ثم تضافرت عناصر من عوالم القرار والأفكار والحوار تحت ضغوط المصالح المتصارعة بقصد ترسيخ هذا التلاعب بالصور وخداع البصر، إلي حد إعادة كتابة قصة الإرهاب في التاريخ، فإذا الشمال بريء منه، وإذا الشرق الأقصي بعيد عنه، وإذا الدين الإسلامي وحده مرادف للانتحار والقتل في المخيلة العامة الشائعة في الشمال.
نلاحظ أن رمزا دينيا له مقامه هو بابا الفاتيكان «بنديكتوس السادس عشر» وقف يتحدث عن الإسلام وعن الحضارة في جامعة ألمانية، فإذا هو يلحق «التمدن» بالشمال، والهمجية بالجنوب الإسلامي، ويقرر ولو بالتلميح أن الفارق بين العالمين: «أن الغرب أخذ من المسيحية ثم من الفلسفة اليونانية ما يميزه عن غيره في إعلاء قيمة الإنسان»،
وكان أمل كثيرين ورجاؤهم لو تذكر خليفة «بطرس الرسول» أن المسيحية كلها غيث نزل علي الشرق وفاض علي الغرب رسالة وحكمة - حواريين وقديسين - قصصا وتعاليم - صلوات وترانيم، كما أن السيد «المسيح» نفسه من مواليد «الناصرة»، والقديس «بطرس» - الذي يقوم الفاتيكان علي رفاته من أبناء القدس - كلاهما من الشرق، وأن القديس «مرقس» الذي تقوم كنيسته بمعمارها المتميز علي أجمل ميادين أوروبا «سان ماركو» مولود في أقاصي صعيد مصر،
وكان مدفنه في الإسكندرية، ومنها أخذ رفاته (ولا أقول سُرق) في القرن التاسع إلي «ينيسيا» - وذلك رغم أن كبار فناني النهضة جنحوا إلي تصوير هؤلاء الرسل والقديسين والحواريين معظم الوقت أصحاب بشرة بيضاء وعيون زرقاء وشعر ذهب.
هذا عن التأثر بالمسيحية في شأن تمدن الشمال أو تمدن الغرب.
وأما عن نفحة الفلسفة الإغريقية، فليس هناك من لا يعرف أن الفلسفة الإغريقية لها مقدمات سبقتها وجوار مشرقي أحاط بها وانساب إليها، ثم إن الفلسفة الإغريقية ضاعت من أوروبا في ظلام القرون الوسطي، بينما كان الجنوب الإسلامي في حالة انتعاش وتدفق ثقافي،
وضمن تفاعلات هذا الانتعاش والتدفق فإن الفلسفة الإغريقية عادت إلي أوروبا عن طريق فلاسفة الأندلس العرب، وعلي رأسهم الفيلسوف المسلم الأشهر «محمد بن أحمد بن رشد الأندلسي»، ولم يكن «ابن رشد» وغيره من فلاسفة الإسلام مجرد وسطاء أو ناقلين، وإنما كانوا مجددين زادوا بالدرس، وتوسعوا وأحاطوا.
هي إذن حدود سائلة علي حد وصف أستاذ متحف "المتربوليتان" الحكيم.

حضرات السيدات والسادة
بقيت ملاحظة ثالثة أتمني أن ألمسها في رفق.
إنني توسعت كثيرا في حديث التاريخ، بينما حديثنا عن الصحافة، وظني أن هناك صلة من نوع ما بين الاثنين، معقدها أن الشرق المسلم ومعه مسيحيوه يدفع الضرائب مرتين:
الأولي - لأن حركة التقدم العالمي بسبب ثورة العلوم والتكنولوچيا لم تعطه حتي الآن فرصة لالتقاط الأنفاس، يمسك لحظتها بالعصر ويواصل معه، وفي حين أن الشرق البودي نجح - أحيانا - في الإمساك باللحظة، فإن الشرق الإسلامي ومعه مسيحيوه تعذر عليهم اللحاق لأسباب معقدة ليس هذا مجالها.
والثانية - وهي التي تعنيني لاتصالها بموضوع الإعلام، وملخصها أن الشرق المسلم يعاني من أن الأقلام والأضواء والعدسات كلها توجهت وتركزت عليه، بينما هو يعاني المرحلة الأصعب في الانتقال من قديم إلي جديد، ومن تأخر إلي سبق، ومن عتمة إلي نور.
وبالطبع فإنكم تتذكرون أن ولادة الجديد عندكم جرت وراء ستار، وأما في عالمنا فإنها جارية في منتصف النهار، وكذلك كان الجديد عندنا حملا ومخاضا وميلادا عاريا تحت الوهج وعلي مرأي ومسمع من عالم يتابع ما يجري، متجاهلا حقيقة أن الحمل والمخاض وولادة الجديد ـ حتي وإن كانت مؤلمة عندكم كما هي عندنا ـ فإن الفارق أنها جرت عندكم مكتومة لتظهر بعدها في كتب التاريخ بأثر رجعي، لكنها عندنا جرت علي الهواء مباشرة فبدت وكأنها فضائح بالصورة والصوت واللون.
حضرات السيدات والسادة
لقد كنتم محظوظين في اجتياز الجسور من التخلف إلي التقدم - ولم يكن لدينا مع الأسف هذا الحظ أو بعضه.
ويسأل بعض زملائنا هنا في الشمال: وماذا نفعل؟ - وأليست تلك طبيعة عصر السرعة؟ والتساؤل صحيح - والرد عليه بأمانة: أن الإعلام في الغرب ليس مطالبا - بالتأكيد - وهو يغطي الشأن الجاري في الجنوب بأن يستعيد السجلات كل مرة - لكن المرادف المعنوي لتعذر الاستعادة هو استذكار درجة من ثقافة الإدراك والتعاطف والموضوعية.
دعوني أقل إنه ليس من باب التعسف أن نسأل: ماذا لو أن الصحافة الحديثة وضمنها وكالات أنباء مثل: «رويترز» أو مؤسسات مثل A.B.C، وC.B.S، وN.B.C، والجزيرة، وSKY، وFOX، وC.N.N، كانت حاضرة زمن حروب الأباطرة والملوك - والكرادلة والعلماء - والمذاهب والطوائف - والقوميات والطبقات - والإمبراطوريات والتحديات الإمبراطورية لها في أوروبا؟!
ماذا علي سبيل المثال لو كانت هذه الصحافة الحديثة حاضرة أيام مذبحة «سان بارتولميو» - مثلا - حين جري ذبح مئات الألوف من «الهوجونوت» الفرنسيين علي أيدي مواطنيهم من الكاثوليك، بتحريض كرادلة ونبلاء؟!
وماذا لو كانت هذه الصحافة الحديثة حاضرة في ميدان «الكونكورد» حيث كانت مقصلة الثورة الفرنسية تدور وتقطع رؤوس الملوك والأمراء والسياسيين والمفكرين كل يوم من الصباح إلي منتصف الليل؟! - أو لو عبرت البحر إلي برج لندن، تنقل ما يجري وراء أسواره للإخوة من النبلاء والمحظيات وأولياء العهود من مآس وأهوال؟!
وماذا لو كان هناك بث علي الهواء مباشرة لوقائع الحرب الأهلية الأمريكية، حين قتل فيها الأخ أخاه، وانتهك عرضه، وحرق زرعه واستباح مدنه وقراه في أطول مجزرة عاشتها أمريكا، وأغزر شلال دم تدفق في العالم الجديد؟!
وماذا لو كان البث المباشر نفسه حاضرا ينقل علي الهواء مباشرة مشاهد بعض أو أشد الأعمال ظلما في تاريخ الإنسانية؟! - تلك التي كان الشمال لسوء الحظ فاعلها، من ظاهرة الاستعمار إلي ظاهرة العبودية - وإلي ظواهر أخري متوالية في قلب القرن العشرين، وضمنها الستالينية والفاشية والنازية، ومعاداة السامية، ومحارق الهولوكوست التي طالت اليهود وغيرهم من الأجناس والأعراق.
وماذا لو أن هذه الوسائل كانت حاضرة وعلي الهواء مباشرة تنقل الحرب الأهلية في إسبانيا، وتنقل فظائع «جويرنيكا» و«فالينسيا» و«توليدو»، بدلا من أن تعتمد في وصفها علي لمحات من كتابات فنانين وساسة من وزن «بابلو بيكاسو» و«أرنست همنجواي» و«أندريه مالرو» و«هيو توماس»؟!
تذكرون أن وسائل الإعلام الحديث لم تلحق إلا قرب النهاية بأهوال الحرب العالمية الأولي، وإلي حد محدود بالحرب العالمية الثانية، ونعرف بالطبع أن هاتين الحربين العالميتين كانتا صراعا بين قوي الشمال ذاتها، لكن الأطراف المتحاربة نقلت ميادين القتال إلي جميع القارات وفرضتها علي كل الأمم والشعوب،
وكانت الحصيلة الإنسانية ما بين ستين وسبعين مليونا من القتلي، وما بين مائة وخمسين إلي مائة وسبعين مليونا من الجرحي في الحربين معا، وعندما جاء المشهد الأخير في الحرب العالمية الثانية ووقع استعمال السلاح النووي،
فإنه لم يكن هناك نقل مباشر علي الهواء، وعلي أي حال فقد اكتفينا جميعا بسماع أصداء المأساة قائلين في نَفَس واحد شمالا وجنوبا: لن يتكرر ذلك مرة أخري، ومع ذلك ورغم هذا التعهد الإنساني الجامع فإنه عندما نشبت المعارك في أفغانستان والعراق، لم تتورع القوات الأمريكية عن استعمال أنواع من أسلحة «اليورانيوم» المستنفذ، وتلك درجة من الاستهتار - بالوعد وبالإنسان - يصعب اغتفارها.
حضرات السيدات والسادة
تلاحظون أنني أطلت الحديث فيما جري عندكم، وكنت في ذلك عامدا حتي تبين الصورة أمامكم، ومع أن ذلك إلحاحا، أعتذر عن طوله ولا أعتذر عن مقصده، فمن الإنصاف أن نتمثل وجها آخر للحقيقة وهذا هو الحال دائما، فإلي جانب ما عرضت لطرف منه - وكان يمكن أن أمضي في قوائمه إلي ما لا نهاية - فإن هناك فضلا يصعب إنكاره مبدئيا علي صحافة الشمال،
أوله ودون تحفظ، أن بعض قضايانا توجهت إليها لمحات مضيئة لضمائر يقظي قاومت ضغوطا وتهديدات نعرف مدي خطرها ونقدر درجة نفاذها إلي دوائر صنع القرار والأفكار والحوار.
وعلي سبيل المثال فإنه رغم سطوة أصدقاء إسرائيل فإن بعضا من الحقيقة ظهر وبان عن قضية الشعب الفلسطيني الذي اقتلع من أرضه وأزيح إلي معسكرات وجيتوات مقهورة يائسة - ثم إنه رغم سلطان ما سُمي جماعة المحافظين الجُدد ومعهم مجموعة المستشرقين الجدد - فإن حقيقة ما جري في العراق تكشفت ابتداءً من غزو وطن عربي وتمزيقه بغرور وجهالة القوة وبذرائع مختلقة - كما أننا عرفنا أن الشعب العراقي فَقَدَ نصف مليون مواطن قتلوا،
وثلاثة ملايين خرجوا لاجئين من وطنهم، بعضهم داخله في العراق، وأكثرهم في المنافي خارجه، ثم إننا بفضل تلك الضمائر اليقظي في الشمال عرفنا ما جري في معاقل القهر من «جوانتانامو» - إلي «أبوغريب» - إلي الفالوجة - إلي البصرة - إلي الموصل.
إن تلك الضمائر الحية في صحافة الشمال هي التي كشفت كثيرين من هؤلاء الذين قدموا خططا سياسية، والذين قدموا فتاوي علمية في خدمة مشروع أخذه ما يعتري الإمبراطورية من حماقة القوة، وتجاهل ما تراكمه الإمبراطورية من حكمة الخبرة، ليثبت أن مشروعه هو الأقصر عمرا في تاريخ الإمبراطوريات، لأنه الأقصر نظرا بينها!
إننا وأهم من ذلك كله في تجربة الصب والسحب من الرصيد الإنساني المشترك في المحيط العالمي الأوسع، أخذنا هذا العلم البديع الذي قام هذا المعهد ليخدم أهدافه وهو: الصحافة مكتوبة مسموعة مرئية، ولا أتجاوز إذا قلت إنه أدي دورا هائلا في حياة عالمنا.
إنكم بالطبع سبقتم وطورتم، مستعينين باختراقات التكنولوچيا، حتي أصبح الإعلام العابر لمسافات الكون، أبرز ظواهر العصر وأقوي محركاته.

حضرات السيدات والسادة
علي أن طبائع مراحل التطور كما تفتح باستمرار، تقيد أحيانا فتضع حدودا لما يمكن أن يأخذه الناس عن غيرهم، بل يتحتم عليهم أن يصنعوه في تجربتهم بآلامهم، لأن هناك مجالات يستحيل فيها اختصار المعاناة بالنقل أو بالمحاكاة، تجنبا لإعادة اختراع العجلة من جديد.
وأول هذه المجالات هو مجال الحرية ليس بمعناها الشاعري وإنما باعتبارها توجها إلي نظم دستورية وقانونية مضمونة بعقد اجتماعي وسياسي يفرض احترام الحقوق، وبحيث يستطيع أي مواطن حر أن يمارس مسؤولية المواطنة.
إن تجارب الحرية يصعب نقلها ويصعب انتشارها، وتعميمها بالحركة الطبيعية الذاتية لعملية التطور، بل يتحتم صناعتها من البداية إلي مقصودها، أو صيانة هذا المقصود والدفاع عنه، لأن العصور لا تتماثل - والأحوال لكل أحكامها.
فعبر القرن العشرين - بالذات - تحددت القواعد والأصول عندكم، وأصبح ممكنا إرساء أصول وترسيخ بناء، وذلك لم يحدث بعد عندنا في الجنوب، حيث مازالت الحدود مضطربة، ومازالت القواعد واهية، لأن الصراع من أجل التنوير والحرية والتقدم يتخبط محتدما وتحت ظروف عصية.
بينها أن هذه المعركة في الجنوب تختزل في لحظة زمنية راهنة معارك، واجهت الشمال متتالية، فهناك تعاقبت وتوالت عصور التغيير: الحرية والتنوير - الصناعة والتجارة - العدل الاجتماعي - المواصلات والاتصالات - الإنترنت وعالم النشر الإلكتروني - لكنه عندنا تزاحم ذلك كله مع تباين الخلفيات والرؤي والضرورات.
وبينها أن تداخل العصور أحدث ضغوطا ومؤثرات حادة، قومية ودينية وطائفية ومذهبية أدت إلي خلط بين الأولويات، وإلي شطط في الوسائل قاد أحيانا إلي مجاهل تاهت بعيدا بالمقاصد.
وبينها أن المناخ الذي يحيط بعملية ولادة تجري علي الهواء مباشرة، علي قارعة الطريق وفي منتصف النهار يصيب جميع الأطراف بكل الأعراض التي تصاحب الانكشاف، ومنها الاضطراب والادعاء والإخفاء والتعمية.
وبينها أن نظم الحكم القائمة عجزت عن أن تؤسس لنفسها شرعية دستورية أو قانونية، ولم تعد سلطتها اختيارا وتفويضا وإنما إملاء وقمع، تعطلت إزاءه دواعي الرشد السياسي والاجتماعي وإدارة الأزمات، وذلك ساعد علي الإساءة لمشهد التطور عندنا وإساءة إلي صورته.
ومع أنني أتردد كثيرا قبل أن أضيف أي مسؤولية إلي حساب غير المعنيين في الأصل بها، فلابد من القول - ودون حرج - إن العنصر الخارجي يلعب دورا شديد السلبية في منطقتنا من الجنوب - بالتحديد الشرق الأوسط.
فهناك في قلب هذه المنطقة ثلاثة دواعٍ للخطر أشير إليها باقتضاب لكي أتجنب تكرارا شائعا ومملا رغم صحته، وهي بالترتيب: الموقع الاستراتيچي - وأهمية البترول حتي يظهر بديل له - وإسرائيل.
وهنا فمن الحق أن أضيف أن التفاعل بين عوار الشرعية الذي أصاب الدولة العربية الراهنة - مع ضغوط التطور في الداخل علي النظم - مع دواعي الخطر من العناصر الخارجية - كل ذلك أدي إلي فجوات واسعة سمحت بالتدخل الدولي في الشأن الداخلي للمنطقة، علي أنه لسوء الحظ أن بعض النفاذ الخارجي إلي المنطقة لم يكن دائما ضيفا ثقيلا دعا نفسه، وإنما وصل مدعوا مرغوبا فيه لمناورات السياسة الداخلية وتوازناتها المتصورة أو المتوهمة!

حضرات السيدات والسادة
إذا كنت قد وجهت بعض الملاحظات وفي لهجتها نبرة حدة، فإنني لم آت إلي هنا مكابرا ولا معايرا.
وإذا كنت في الملاحظات نفسها قد اعترفت بالتقدير لضمائر حية أدت أمانتها عندكم، فإنني لم آت إلي هنا مادحا أو مهنئا.
وإذا كنت أخيرا قد لمست جانبا من الأوضاع الراهنة في أحوالنا، فإنني لم آت إلي هنا شاكيا أو محرضا.
لقد جئت إلي هنا لداعٍ رئيسي هو أن أطل علي مشهد المحيط الحضاري الإنساني، قريبا من شاطئ المهنة التي تعنيكم وتعنينا - وجئت وورائي مؤسسة تحمل بمحض المصادفات اسمي، شاغلها خدمة الكفاءة المهنية لشباب الصحفيين العرب.
وقصاري ما أريده وذلك قصدي وهدفي، لا يخرج عن المشاركة معكم في بناء جسر علي موقع من مواقع الحضارة الإنسانية الواحدة التي صبت فيه كل الأمم ما تجمع لديها من نتاج ثقافاتها مما يكون صالحا للجميع، وحقا للجميع، لأنه ملك الجميع.
وشكرا لكم
30/10/2007 المصرى اليوم

Sunday, October 28, 2007

المرأة بمصر الفرعونية

تمتعت النساء في مصر القديمة بمساواة شبه تامة مع الرجل حيث كان لها وضع اجتماعي وقانوني ربما لم تحظى به المرأة في أي حضارة قديمة أخرى، كما أنه لم تكن ولادة الأنثى لدى المصري القديم من بواعث حزنه ويأسه كما هو الحال في بعض الحضارات القديمة التي عرفت عادة "الوأد" لبناتهن وهن على قيد الحياة فور ولادتهن.

منح القدماء المصريين بناتهن أسماء تحمل قدراً كبيراً من الاعتزاز والحب ومن هذه الأسماء "وبت نفر" أي بشير السعادة، و"نحتني" أي تلك التي أرجوها، و"تاحر نحنس" أي تلك التي تدعو لها الدنيا، و"سنت إبتس" أي أخت أبيها، و"حنوت سن" أي سيدتهم، وإجمالاً فإن الأدب في مصر القديمة حمل الكثير من النصائح التي تعد من أمجاد الحكمة المصرية عن المساواة بين الرجل والمرأة والحفاظ على كرامة الزوجة والمرأة ورفعه شأنها،

من أشهر تلك النصائح تلك التي ساقها "بتاح محب" ومنها "إن كنت حكيماً اعتن ببيتك، وأحب زوجتك حباً نقياً، واملأ بطنها بالكعام، وغط ظهرها بالكساء، ولاطفها وحقق لها رغباتها أثناء حياتك". وهناك أيضاً نصائح "آني" من عصر الدولة الحديثة إذ يقول لابنه "عامل زوجتك برعاية إن كنت تعرف عنها أنها ممتازة ولا تقل لها أين هذا إن كانت وضعته في مكانه الصحيح، أعد لأمك كل ما فعلته من أجلك، أعط المزيد من الخبز واحملها كما حملتك ثقلاً وحين ولدت وبعد تمام شهورك حملتك على عنقها وظل ثديها في فمك ثلاث سنوات، ولم تكن تشمئز من قاذوراتك وأرسلتك إلى المدرسة كي تتعلم الكتابة، وفي كل يوم كانت تنتظرك بالخبز والجعة في بيتها" وبالطبع كل تلك النصائح هي تذكير دائم للمتلقي بفضل المرأة الأم وضرورة احترام المرأة الزوجة وحب الإبنة

.في ظل هذا التقدير للمرأة ومراعاة المساواة بينها وبين الرجل، كانت المرأة تقف على قدم المساواة مع الرجل في الميراث حيث تحصل على نفس نصيب الإبن من ميراث الأب، لكن الإبن الأكبر كان يحصل على ميراث أكبر من بقية إخوته الذكور والإناث نظراً لدوره في رعاية الأسرة من بعد أبيه، وإذا لم يعقب الميت سوى بنت واحدة أخذت وحدها التركة كاملة دون أن يشاركها أحد، أما إذا لم يكن للميت سوى زوجة واحدة يحق لها الحصول على ثلث التركة ويحصل الأقارب الآخرون على الثلثين، ومن الطبيعي وبعد كل تلك المساواة في الأموال كان المصريون لا يحظرون على المرأة ممارسة أي نوع من المهن والحرف وما يؤكد ذلك أن المرسوم الملكي الذي صدر في عهد الأسرة الثانية "الدولة القديمة" قضى بصلاحية المرأة لشغل وظيفة الملك ، والتاريخ القديم حفل بأمثلة كثيرة على حرص الملوك على استشارة زوجاتهن المليكات في الأمور العامة، كما أن الملكة كانت تكفل للقصر وللمعبد كل أوجه النشاط التكميلي الذي لا يمكن الاستغناء عنه. حتشبسوت و نيتوكرس و نفروسبك أسماء لسيدات جلسن على عرش مصر ، إلا أن منصب الوزارة لم تشغله سوى سيدة واحدة من عصر الأسرة السادسة وفيما عدا ذلك كانت مناصب الوزارة قصراً على الرجال حتى في الفترات التي حكمت فيها الملكات. المصري القديم معروف بميله الواضح نحو التدين وبالتالي كانت خدمة المعابد من أهم الوظائف وأرفعها قدراً وذلك ليس فقط على صعيد القبول الاجتماعي ولكن أيضاً على المستوى المادي المرتفع الذي كان للمعابد، حيث كانت لها إدارتها وأوقافها الخاصة. بالنسبة للنساء كانت أبواب الالتحاق بسلك الكهنوت مفتوحة أمامهن بعد أن تتلقى الواحدة منهن قسطاً من التعليم الديني، وقد اشتهرت في التاريخ المصري القديم كاهنات كثيرات كحتحور ونيث، كما أن النساء المصريات عملن في المعابد كموسيقيات.أما بالنسبة للزواج فقد كان يفرض على المرأة الاقتصار على زوجها من حيث العلاقات الجنسية وكانت عقوبة من تخالف ذلك بالحرق على مرأى ومسمع النساء، وإلقاء الرماد المتخلف في النيل، كما أن الزانية تلك عندما تموت كانوا يظنون بأن روحها لن تعود لجسدها في البعث وتلك العقوبة وفق منظور المصريين القدماء للبعث تعد أمر شديد الصعوبة، ومع الوقت تطورت عقوبة الزنا بالنسبة للمرأة لتأخذ شكل أقل قسوة حيث كانت تجدع الأنف وبذلك هي تحرم من أكبر مقومات الجمال.تلك القسوة والصعوبة التي كانت تفرض على المرأة الزانية يؤكد أن البغاء لم يكن مهنة تمارسها النساء في ذلك العصر أما "التسري" فقد عرف في مصر القديمة على نطاق محدود، وربما يكون قاصراً فقط على الملوك وكبار الإقطاعيين وفي الغالب كانت السراري من الإماء أو الأسرى الأجنبيات وأبناء هؤلاء كانوا ينسبن لأمهاتهم وليس لأباءهم لأنهم نتيجة علاقة غير شرعية

باسنت موسى 28/10/2007

فوبيا «الملك فاروق

يبدو أننا تحولنا إلي بلاد «رد الفعل» فقط.. ففي الأغلب الأعم دائما ما تسير الحياة بالقصور الذاتي وبلا أي مشاكل ما لم تصدر التعليمات بغير ذلك.. والتعليمات دائما ما تصدر من جهات مجهولة.. ولا أحد يؤكد صحتها.. ولا أحد ينفيها.. ولا أحد ينسبها إلي مسؤول بعينه.. ولا أحد من المسؤولين يتنصل منها.
ففي وقت سابق وأثناء إذاعة مسلسل «الملك فاروق» أشاد كل النقاد والكتاب في معظم الصحف القومية بالمسلسل: وبروعة إخراجه ودقة أحداثه.. وعظمة ديكوره.. وبراعة أبطاله.. وموضوعية تناوله.. وحصل المسلسل في وقت قصير من بداية إذاعته علي أعلي درجات الاستحسان.. وأوسع نسبة مشاهدة.. وعندما تحولت الكتابة إلي حالة من حالات التعاطف مع الملك الشاب الذي شهدت سنوات عمره الغضة أحداثاً تاريخية ومنعطفات حادة وخطيرة غيرت مجري حياته فقد شهدت فترة حكمه أحداث الحرب العالمية الثانية.. وحرب فلسطين.. وحريق القاهرة.. وعلي المستوي العائلي شهدت طلاق أخته الأميرة فوزية من شاه إيران.. وطلاقه الملكة فريدة.. وقصص والدته الملكة نازلي مع أحمد حسنين باشا وما لحقه من أضرار نفسية وسياسية علي يديها..
كل هذه الأحداث جعلت معظم الناس تتعاطف مع الملك الشاب الذي (لم ير يوما حلوا في حياته) من وجهة نظر كاتبة السيناريو (د. لميس جابر)، ولكن هذه هي الحقيقة.. وهكذا هي الحياة.. تمضي بابن آدم من ربوة عالية إلي هوة سحيقة.. ومن هوة سحيقة إلي قمم الجبال.. ولا أحد يدرك لها منطقاً ولا يعرف لها حكمة سوي الله عز وجل خالق الموت والحياة، سبحانك (تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء)..
ورغم كل ذلك فإن الانطباع الأخير الذي تبقي لدي عامة الشعب.. أن الحياة في ظل الملكية رغم كل ما أحيط بها من فساد.. واحتلال.. ومؤامرات كانت فترة غامضة لدي عدة أجيال جاءت بعد الثورة ولم تعرف إلا ما سمحت بنشره ثورة يوليو.. وتم بالفعل إهالة التراب وجبال النسيان علي أسرة محمد علي بأكملها.. ولكن هذا المسلسل أتاح للجمهور العادي الذي لم يدرس تاريخ بلاده ولم يعرف عنه أي شيء سوي ما (صرفته) له أجهزة إعلام ثورة يوليو ١٩٥٢ عن العهد البائد..
وهذا ما أزعج النظام المصري الحالي الذي يمثل الحلقة الثالثة من ثورة يوليو.. ونجح المسلسل في إثارة الدهشة لدي البسطاء.. عن طبيعة الحكم السياسي في الفترة الليبرالية التي كان النظام السياسي فيها ملكيا برلمانيا.. فالملك يملك ولا يحكم.. وعرفت الناس عن يقين من خلال أحداث المسلسل أنه علي الرغم مما أحاط بهذه الفترة الملكية من ظلم وفساد واستبداد كما قيل لنا.. إلا أن الملك لم يكن يملك سوي ما ورثه عن والده..
وأن كل الاقتصاد كان ملك الأفراد.. وكل المرافق العامة كانت ملكا للدولة ولا يمكن للحكومة أن تتصرف في مليم واحد من الموازنة العامة للدولة إلا بموافقة البرلمان.. وأن دخل الحكومة يأتي من الضرائب.. ومن هنا بدأت الناس في عقد المقارنات بين هذا النظام.. والنظام السياسي السائد منذ ١٩٥٢.. فحتي الملك إن كان فاسدا ولصا.. فليس تحت تصرفه حسابات وأموال البلاد.. بأرضها ومصانعها وقناة سويسها.. وبنكها المركزي.. وبنوكها العامة.. بصحافتها وصحفها.. بمدنها القديمة والجديدة.. بزرعها وأرضها وسمائها.. بعمر أفنديها.. بسكك حديد مصر وطيرانها.. وهكذا.. فالحكومة ورجال الحزب..
والنظام بأكمله لم يكن حر التصرف ولا مطلق اليد في ثروات البلاد.. وكل هذه الثروات كانت ملكا لأفراد ولا أحد يستطيع أن يمد يده عليها.. لذلك كان الاقتصاد المصري أقوي من الآن بمراحل رغم الاحتلال والسراي والفساد.. وكان الجنيه المصري أعلي سعرا من (الجنيه الذهب).. وكان الجنيه الذهب يساوي (٩٧.٥ قرش صاغ مصري).. والثورة استلمت البلاد والجنيه المصري أقوي من الاسترليني والدولار والريال والمارك الألماني والين الياباني.. وحتي بداية السبعينيات كان الدولار بـ(٣٥ قرشاً مصرياً) والريال السعودي بعشرين قرش صاغ.
وهذه المفارقات هي التي أزعجت الحكومة فصدرت التعليمات فيما يبدو من جهات مجهولة بمهاجمة المسلسل بضراوة.. وبدأت موجات الهجوم الشرس تتصاعد.. وتتصاعد.. حتي وصلت إلي حد إهانة الملك وأسرة محمد علي من أول محمد علي باشا الكبير إلي آخر سلسال أسرة محمد علي فاروق المسكين.. ولكن يبقي سؤال: أي حكومة هذه..
وأي نظام ذلك الذي تهزه أحداث مسلسل.. مضي عليها أكثر من سبعين سنة هل الحكومة بمثل هذه الهشاشة.. وهل النظام أصابه كل هذا الفزع من مجرد مسلسل.. أم الحكومة أصابتها ( فوبيا الملك فاروق ).. وأصبحت تخاف من خياله.. رغم رحيله عنا من عشرات السنين

بقلم محمد بغدادى ٢٨/١٠/٢٠٠٧

المصرى اليوم

Friday, October 26, 2007

الأيدي الآثمة في سوريا لا تحجب موقع بل تحجب وطن

انطلق موقع (صباح الخير ياشام) ثمرة لحلم مجموعة من أناس لا يدعون الحنكة السياسية، و لا يملكون تعالي المثقفين، و لا يخبئون نوايا المتسلقين كالعوسج في هذا البلد، و لكنهم و دون أي سؤال، مؤمنين بوطن جميل و شفاف، و متطلع دائماً إلى الغد ..................هو حلم راودنا و لا يزال رغم ولادته,,,,,,!!!!!!!!!!!!!!! لماذا لا يزال موقع (صباح الخير يا شام حلماً)؟
لأنه لا يفتأ يتعرض مرة تلو الأخرى لهزات تهدّد وجوده في كل مرة. فمنذ نشأته لاحقته أيدي السوء بالتشويه و الإساءة، لأنه حقق نسبة قراء قياسية في زمن قياسي، و قد وصلت هذه الأيادي حد الإساءة الشخصية لبعض من إدارته على صفحات بعض المواقع المأجورة، و قد كان ردّ صباح الخير ياشام يحمل عبق اسمه، و أعلن مسامحته للجميع بعد عودته.إلا أن ذلك استثار حفيظة البعض، فتعرض الموقع مرة، لا بل مرات لهجوم من قبل مخترقي المواقع - بقصد إجرامي- ليضعوه في صورة غير لائقة و دون المستوى الذي يبدو عليه، و عندها قمنا نحن بالاتصال بالجمعية السورية للمعلوماتية و طلبنا منهم إيقاف الموقع و حجبه احتراماً منا لأنفسنا أولاً و للقارئ السوري و العربي ثانياً، و نحن مدركون خطر تعرضنا لخسارة قرائنا، إلا أننا عندما عدنا محصنين الموقع ضد محاولات الاختراق و الذي كلفنا وضع الموقع في حالة من التقوقع نسبياً، من حيث عدم قدرتنا على تفعيل سجل الزوار و برنامج التعليقات لئلا يخترق من جديد حيث لا تزال الأيدي السوداء تتربص بنا، إلا أن ما يعزينا أننا عند عودتنا اكتشفنا أن قراءنا الأوفياء كانوا ينتظرون عودة الموقع بشغف و مسؤولية كبيرتين، لا بل قد عزز هذا الهجوم موقعنا كما عزز احترام أبناء وطننا له، و في هذا عزاء لنا، و دفع كبير كي نستمر، حيث أنهم كانوا يقومون في كل مرة بتدمير الموقع تدميراً كاملاً و كنا نقوم بإعادة بنائه، و سنظل....فموقعنا موقع وطني فكري بامتياز بدءأ من شكله و ألوانه حيث اعتمد و ألوان العلم السوري لباساً له و تعمّد بها، و انتهاء بمضمونه الفكري النظيف من أية أغراض سوى المساهمة في بناء فكر حر و جديد و نظيف لدى الشباب السوري. وهو نزيه عن أية أغراض سياسية ، و لا حتى مرابح تجارية ، كما أنه لا ينال دعماً مالياً من أحد إلا من قبل الشخص الذي أنشأه و يتبناه منبراً حراً لكلمة سورية حرة بامتياز.و بعد فشل كل النكبات، وتجاوزها، فوجئنا بالجمعية السورية للمعلوماتية تتصل و تطلب منا حذف مقالات (ابن كريشان) و التي تهاجم الفكر الأصولي المخرِّب، و المغرض و الإرهابي دون هوادة من خلال طرح فكر عقلاني و منطقي بنّاء، ليس فيه لبْس، و قد استجبنا لطلب الجمعية السورية المعلوماتية مباشرة و بكل احترام رغم عدم قناعتنا، ليس خوفاً من أحد و لكن إثباتاً منا لمصداقيتنا و إيماننا بشرف الكلمة، وحفاظاً على الموقع، آثرنا أن نخسر بضع مقالات على خسارة الموقع كاملاً. و لأننا نؤمن بما نفعل قمنا باستقصاءاتنا عن هذا الموضوع و اكتشفنا أن هناك أصواتاً جبانة و أيادي رخيصة – و هي للأسف لمن يدّعون العلمانية و الفكر و الحر و المنهج الليبرالي و يتطفلون عليه!!!!!!_ قد قامت بتوجيه تهم لهذه المقالات و ألبستها لباساً غير لباسها و من قرأ المقالات لن ينقصه الذكاء ليعرف من وظف نفسه لخدمة الفكر الحالك.و اليوم يأخذ الموضوع طابعاً رسمياً و حكومياً؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ فموقع (صباح الخير ياشام) قد لبس الحجاب بأمر من السيد وزير الاتصالات و دون سابق إنذار، و دون تفسير أو تبرير. فحين استفقنا لنقرأً النشرة الصباحية فوجئنا بأن الموقع محجوب بأمر رسمي!!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟لماذا أيها السيد الوزير؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ما الذي وخزك في موقع صباح الخير يا شام؟هل تزعجك وردته الشامية التي تطل على كل قراء العالم رمزاً للمدينة الأجمل و الأكثر عراقة في التاريخ؟ أم أن عبق اسمه الفواح قد أصاب الأنوف المعتادة على رائحة جيف النشرات الفضائحية، و المواقع التي تلاحق أخبار الفنانات و الفنانين؟ و حوادث الطرقات، و فضائح الناس ؟ أم أن هويته الوطنية أصابت من أصابت في الصميم؟ فكلمة (شام) تشرق كشمس الصباح على كل من يزور الموقع فيفتح عينيه و قلبه على وجبة وطنية شريفة من وطن نقي و عزيز بأبنائه الشرفاء، و شريف بأقلام أولاده الأوفياء؟أن الهوية السورية الوطنية الواضحة لموقع صباح الخير يا شام لا تخفى على أحد، لا بل هي عنوانه، بدايته و منتهاه، فقد نذر هذا الموقع نفسه ليدافع و يعزز كل ما هو ثمين و نفيس و جميل و شريف و اسمه باختصار((سوريا))، و يهاجم كل ما هو رخيص و بخس و خسيس و متخاذل و اسمه باختصار((أعداء سوريا)).
نعم صباح الخير يا شام موقع حارب و يحارب و سيظل يحارب كل صوت يرتفع ضد هذا البلد الغالي سواء كان من داخله أم من خارجه، و لن يعبأ بأية يد خفية كانت أم مرئية تحاول أن تطاله.إنه واحد من أكثر الأمور إثارة للسخرية (حجب موقع) أو تحجيبه،و لعل تجربة الحوار المتمدن تعطي مثالاً حياً على أن لا أحد مهما بلغت سطوته يستطيع أن يسقط الكلمة الحرة أو يسجنها.
و ليعلم القائمون بهذا العمل البخس أنه في سوريا الحرة لا يسقط إلا الساقط و الساقط من سقط قلبه.أما موقع صباح الخير يا شام فسيظل الوردة الشامية الفوّاحة، التي تطل كل يوم على كل سوري نظيف و شريف و نبيل يقصد الكلمة الحرة و الصادقة و يبحث عنها و يستقصيها، و إن لم يستطع هو الوصول إليها فنحن نعده أننا سنرشقه بياسمين موقعنا كل يوم و نوصل كلمتنا إليه
.نحن إدارة صباح الخير ياشام نعلن للجميع أن هذا الموقع لن يقبل بالحجب و لا بالاحتجاب و لا بالتحجيب و نأمل ممن يخدش موقعنا عفن فكرهم أن يعودوا و يقرؤوا مقالات موقعنا عن الحب و التسامح و الألم و الأمل لعلّهم يفهمون و ربما يتّقون حسبما يدّعون

Sunday, October 21, 2007

أزمة البحث العلمي في مصر

التصاريح الأمنية والبيروقراطية والمحسوبية والعمل الفردي»..
كلمات لخص بها ثلاثة علماء مصريين دخلوا موسوعة
«WHO IS WHO»
للعام الحالي أزمة البحث العلمي في مصر.
واتفق العلماء الثلاثة علي أن المناخ المصري طارد للبحث العلمي مشيرين إلي أنهم يلجأون إلي للخارج لنشر إنتاجهم العلمي في ظل غياب الدوريات المصرية العلمية المتخصصة.
وما بين الصخور والمبيدات وأمراض المناعة كانت تخصصات العلماء الثلاثة التي منحتهم أبحاثهم ذلك التكريم الذي يضع ظلالا علي أزمتنا العلمية ويرسم علامات استفهام بحجم تأخرنا العلمي مقارنة بدولة مثل إسرائيل،
كما يحرج الدولة التي تضم في هيئاتها العملية علماء نابهين يعملون ويفكرون لإفادة مجتمعهم باختراعات وأبحاث تحمل مردودا يصب في صالح تطور المجتمع، ولكنهم لا يجدون الرعاية والاهتمام ويصطدمون بمعوقات تجعل العمل البحثي أمرا بالغ الصعوبة، وعلي النقيض من ذلك وجد هؤلاء العلماء الاهتمام والرعاية من مؤسسات وهيئات دولية ليتوجوا قصة نجاح كللوها بتكريم موسوعة
«WHO IS WHO».
مخلص عبدالملاك اكتشف طريقة لإنتاج الذهب من صخور «الأفيوليت» بطريقة اقتصادية
الدكتور مخلص كمال عبدالملاك حصل علي بكالوريس العلوم الجيولوجية عام ١٩٩٤ ليعمل جيولوجياً بجامعة أسيوط في المشروعات الخاصة بوزارة التعاون الدولي بغرض البحث والتنقيب عن المياه الجوفية.
اشتغل مدرساً بقسم الجيولوجيا بجامعة أسيوط حتي تم تعيينه في المركز القومي للبحوث كمساعد باحث في عام ١٩٩٨ وحصل علي الماجستير ثم الدكتوراه من جامعة القاهرة في عامي ٢٠٠٠ و٢٠٠٤، وأصبح عضواً في بعض الجمعيات العلمية «الجمعية الجيولوجية المصرية» و«نادي العلوم الجيولوجية» و«علوم الفضاء» و«جمعية علم المعادن المصرية» و«وحدة الاستشارات الجيولوجية بالمركز القومي للبحوث».
تركزت أبحاث عبدالملاك علي دراسة صخور القاعدة المصرية الموجودة في شبة جزيرة سيناء والصحراء الشرقية، وكان الهدف من الدراسة تحديد أصل هذه الصخور وأهميتها الاقتصادية وتعاون في معظم أبحاثه مع مؤسسات في أمريكا واليابانوبعد نشر أبحاثه في عدد من المجلات العلمية العالمية تم اختياره ليدرس في بعض الجامعات الأمريكية وتوج هذا المشوار باختياره في موسوعة
«Who is Who»
للعلماء البارزين علي مستوي العالم.
وقال عبدالملاك «استحدثت نظرية جديدة في تفسير أصل صخور الأفيوليت بالصحراء الشرقية، حيث وجدت أن هذه الصخور تمثل قيمة اقتصادية لمحتواها العالي من الذهب والكرومين والماجنيزيت والتلك، وقد تم تطبيق هذه النظرية في العالم بعد أن طبقت لأول مرة في مصر».
وعن المعوقات والتحديات التي تواجهه كباحث في مصر قال «أبرزها التصاريح الأمنية فلا أستطيع البدء في أي عمل بحثي إلا من خلالها، فطبيعة عملي تستوجب العمل في مناطق حدودية لا يجوز العمل فيها إلا من خلال تصريح أمني».
وأضاف «المشكلة الأخري التي لا تقل أهمية عن سابقتها عدم دقة التحاليل الكميائية نظراً لافتقاد العاملين بمراكز التحليل الكميائية التدريب الجيد علي كيفية استخدام الأجهزة الحديثة».
ودلل عبدالملاك علي ذلك قائلاً «اشترت جامعة القاهرة عام ١٩٩٧ جهازاً للتحاليل الكيميائية بخمسة ملايين جنيه، ولم يتم تشغيله حتي الآن نظراً لغياب العناصر المؤهلة للعمل عليه».
وأكد أن أبحاثه جميعها نشرت خارج مصر في حين لم ينشر إلا بحث واحد فقط داخل مصر وأرجع ذلك إلي المعوقات التي تواجهه في نشر أبحاثه ومنها أن نشر البحث الواحد يستغرق وقتاً طويلاً في حين يحدث العكس في الدول المتقدمة».
وأوضح عبدالملاك أن الوقت الذي انتظره لنشر بحث واحد فقط في مصر يعادل نشر أربعة أبحاث له في الخارج مؤكداً أن عملية النشر هنا بها محسوبيات وتتكلف عملية النشر مبالغ باهظة في الوقت الذي لا تصل رواتبهم كباحثين في مركز البحوث إلي ربع هذه المبالغ، أما نشره في الخارج فلا يكلفه شيئاً، وكشف عبدالملاك عن حاجة الباحثين الجيولوجين إلي سيارات مجهزة للرحلات الحقلية لأن غيابها يعد عقبة في طريق الوصول إلي النتائج.
وقال عبدالملاك إنه فوجئ باختياره عضواً في موسوعة «WhoisWho» وأضاف: «كانت مفاجأة وصرت أصغر عضو في الموسوعة فعمري لم يتجاوز الـ٣٥ عاماً، واختياري يعد بداية انطلاق خاصة أنني أول عالم مصري جيولوجي يدخل هذه الموسوعة».
وأكد عبدالملاك أن العمل الفردي الذي يسود في المراكز البحثية المصرية أحد العوائق التي تواجه العلماء والباحثين المصريين، وقال «ما يدفع الباحث إلي العمل بشكل فردي هو الترقيات والدرجات البحثية، فالتقييم الجماعي العقيم ينتقص من حق الفرد، ولذلك فإن الباحث يتنحي عن العمل الجماعي لصالح الفردي في ظل هذه الأجواء».
وتحدث عبدالملاك عن أبحاثه التي نشرت في الخارج وتدرس في الجامعات الأمريكية قائلاً «كشفت في أبحاثي عن أهمية صخور «الأفيوليت» الاقتصادية، وبدأت دول الدرع النوبي «مصر والسودان وأثيوبيا والسعودية والأردن وفلسطين وإسرائيل واليمن» في تطبيق نظريتي»، ولفت إلي اكتشافه الأخير وهو عملية التحول التي تحدث في صخور الأفيوليت لتنتج نوعاً آخر يسمي «التلك» ويتركز فيه معدن الذهب بحوالي ألف ضعف مقارنة بمحتويات صخور الأفيوليت قبل التحول.
وقال عبدالملاك: إنه يجري الاتفاق حالياً علي مشروع أمريكي مصري للاستفادة من صخور الأفيوليت اقتصادياً.
وتحدث عن بحوثه الأخري التي تناولت الصخور القلوية وأثبتت أهميتها الاقتصادية من خلال أحتوائها علي مواد مشعة مثل اليورانيوم والثريوم والرصاص ونسبة عالية من العناصر الأرضية النادرة مثل النيوبيوم والزركينيوم والتيريم.
وذكر عبدالملاك أنه في بداية عرضه أبحاثه علي باقي زملائه نال منهم سخرية كبيرة قائلاً «اعتبروا من يشذ عن مدارسهم العلمية مصدراً للسخرية غير أن أبحاثي اثبتت عكس ما يدعون».
وتلقي عبدالملاك عروضاً للعمل في أكثر من دولة مثل الصين والولايات المتحدة وأستراليا وإيطاليا وعرضاً أخيراً من المغرب ووافق علي الأخير وسيبدأ فيه بعمل دراسة مقارنة بين صخور الأفيوليت في مصر ومثيلتها في المغرب.

محمود بهجت.. اخترع وسائل تشخيصية للاكتشاف المبكر لفيروس «سي»
الدكتور محمود محمد بهجت، المشرف علي معمل المناعة والأمراض المعدية بمشروع «الطريق إلي نوبل» بالمركز القومي للبحوث، حصل علي بكالوريوس العلوم من قسم العلوم الحيوية جامعة عين شمس، ثم حصل علي الماجستير في العلوم الحيوية، ثم دكتوراه فلسفة العلوم، تخصص الكيمياء الحيوية عام ٢٠٠١ من ألمانيا، وحصل علي جائزة الدولة التشجيعية في العلوم البيولوجية لعام ٢٠٠٦.
يقول بهجت عن دخوله موسوعة
(who is who)
: «دخولي الموسوعة يعد بداية الطريق، فطموحي يصل إلي نوبل»، مؤكداً أن ذلك لن يأتي من فراغ، ولكن لابد أن تتوفر في الباحث الفكرة ثم راع لهذه الفكرة، وثالثاً مردودها البشري، وأخيراً العمل بروح الفريق.
ويضيف بهجت: بعد أن حصلت علي الدكتوراه في ألمانيا عرضت علي وظيفة باحث، إلا أنني رفضت وقابلوا رفضي بمنحي أجهزة معملية قيمة، وعدت إلي القاهرة ليستقبلني الدكتور هاني الناظر رئيس المركز القومي للبحوث والذي منحني معملاً صغيراً خاصاً بي، وتطور ليصبح معملاً أكبر من ذي قبل، ثم انتقلت من «باحث إلي أستاذ مساعد يشرف علي تسعة طلاب».
وأكد بهجت أن المدرسة العلمية في مصر متناثرة وبحاجة إلي تعميم الفكرة والوعي بأهمية البحث العلمي، وقال: الدولة تتعامل مع الباحث علي أنه موظف، ومن ثم لن تتم صناعة العلماء، وينبغي إدخال النظام الانتقائي في البحث العلمي إذ لا يصح أن يستمر عضو هيئة بحوث في مكانه أكثر من ٥ سنوات حتي تتجدد الدماء البحثية.
وضرب مثلاً علي ذلك قائلاً: اشمعني الأهلي بيجيبوله أبوتريكة من الترسانة، لازم نجمع كل النوابغ داخل المركز، ونحن في حاجة إلي نظام فرز علمي مبني علي التنافسية لكي نستطيع بعد عشر سنوات إفراز مجتمع علمي مصري، ولابد أن يعتمد هذا علي نظام كشافة ثم فرز وانتقاء.
وأوضح بهجت سبب اختياره في الموسوعة قائلاً: إن اختياري في موسوعة «هو إذ هو» جاء لأبحاثي الخاصة بمرض الإصابة بطفيل البلهارسيا ومرض الالتهاب الكبدي الوبائي الناجم عن الإصابة بفيروس «سي» وتركز البحث علي استخدام وسائل تشخيصية حديثة للاكتشاف المبكر للإصابات.
وأضاف بهجت: المناخ في مصر هو نفسه المناخ في العالم، فعلاج الكبد هو «الانترفيرون» غير أن هناك حالات لا تستجيب لهذا العلاج، ومشكلة هذا المرض الحقيقية تكمن في أنه لا يصيب إلا الإنسان والشمبانزي، أي أنه لا يخضع في تجاربنا علي حيوانات التجارب، لذا فإن الوصول إلي نتيجة أكيدة للعلاج مرتبط بإصابة الحيوان أولاً، ثم البحث عن سبل العلاج، وذلك سيحتاج علي الأقل ١٠ من حيوانات «الشمبانزي»، كما أن استجابة الشمبانزي للتجارب مختلفة عن الإنسان، لذا فإننا نحاول زراعة فيروس «سي» علي خلايا كبدية من مصادر بشرية، ونستحدث مزارع خلايا من أصول بشرية، ثم نختبر انقسام الفيروس عليها وسلوكه.
وأكد بهجت: الفيروس لا ينقسم داخل كبد فئران التجارب، ومحاولاتنا الآن ليست من أجل الوصول إلي العلاج فحسب، ولكن من أجل إيجاد القيمة المناعية، وذلك بمحاولة إنتاج لقاح يستحث الجهاز المناعي لإيقاف العدوي قبل وصوله إلي الكبد، فهناك أنزيمات مهمة جداً يستخدمها الفيروسات والطفيليات لاختراق الجهاز المناعي للإنسان، وسبيلنا هو تثبيط نشاط الأنزيمات من خلال هذه الأبحاث وعددها ٢٥ بحثاً نشرت في مجلات علمية وتوجد علي موقع:
nc٦i.nlm.nih.gov/pub.mect.
وأعرب بهجت عن أمله في مجتمع علمي أفضل يتم اختياره علي أساس التنافسية، موضحاً أن النجاح الذي وصل إليه وهو لم يتعد ٣٧ عاماً ساهم فيه الدكتور هاني الناظر، مؤكداً أن أي باحث يحتاج إلي رعاية وتبن خاصة العلماء النابهين، وأشار إلي أن السوق المصرية في حاجة إلي الإقتناع بأهمية البحث العلمي، مشدداً علي ضرورة التخلي عن «عقدة الخواجة».
وفاء حجاج.. استحدثت طرقا جديدة لمكافحة أمراض النبات دون استخدام مبيدات
الدكتور وفاء حجاج أستاذ باحث مساعد في قسم أمراض النبات بالمركز القومي للبحوث. وحصلت علي بكالوريوس في العلوم الزراعية قسم النبات بكلية الزراعة جامعة القاهرة، ثم حصلت علي درجة الماجستير في العلوم الزراعية قسم أمراض النبات بجامعة عين شمس وكانت رسالتها للدكتواه بعنوان «ذبول الكمون في الأراضي المستصلحة الجديدة وطرق مقاومته» ثم حصلت علي دكتوراه الفلسفة في العلوم الزراعية قسم أمراض النبات من كلية الزراعة بجامعة عين شمس.
وبعدها حصلت علي براءتي اختراع واحدة عن مبيد حيوي لمقاومة مرض العفن الرمادي الذي يصيب الطماطم والكوسة والفراولة والعنب وأخري عن مبيد حيوي لمقاومة مرض البياض الدقيق، الذي يصيب محاصيل الخضر والفاكهة، دخلت موسوعة «هو إذ هو» العالمية لعام ٢٠٠٧ بأبحاثها عن المكافحة الحيوية لأمراض النبات باستخدام وسائل الطبيعة مثل الكائنات الدقيقة وإكثارها لكي تكون بديلا عن المبيدات الكيماوية، وقالت «توصلت إلي التحكم في مقاومة المرض من خلال التحكم في التركيب الداخلي للنبات للوصول إلي درجة عالية من المقاومة للمرض،
كما استطعت التحكم في الكائنات المسببة للمرض بمنع تكاثرها ونموها من خلال رش مركبات مسؤولة عن التثبيط لدي هذه الكائنات وبالفعل نجحنا في إنتاج نباتات مقاومة للأمراض بإدخال صفات جديدة تلعب دورا في المقاومة، وحذرت حجاج من التوسع في استخدام المبيدات في مقاومة الآفات قائلة «ينبغي أن يتم ذلك في أضيق الحدود وفي فترات معينة نظرا لأضراره علي الصحة والبيئة، وأن يكون البديل استخدام المبيدات الحيوية، وتكمن المشكلة في أن هذه المبيدات تنتج عن طريق عدد قليل من المصانع مما يمكن معه القول بإن سوق المبيدات الحيوية عشوائية».
وأضافت المشكلة الحقيقية أن المبيدات الكيماوية تنتج محصولاً بكميات وفيرة في حين أن المبيد الحيوي ينتج الكميات الحقيقية للمحصول، وهو ما يدفع المزارع إلي اختيار المبيدات الكيماوية لذا فنحن بحاجة إلي نشر الوعي وتدريب المزارعين عن طريق الندوات أو الدورات التدريبية علي استخدام مثل هذه المبيدات البديلة التي لا تضر البيئة والصحة.
وقالت وفاء حجاج: إنها قامت بنشر أغلب أبحاثها «٤٤ بحثا» خارج مصر في كل من أمريكا والبرازيل واليابان وألمانيا، لأن الدوريات العلمية التي تنشر في مصر تفتقد العلمية وتتحكم المحسوبيات.
وأوضحت وفاء حجاج أن نشرها للأبحاث خارج مصر خلق لها بيئة من العلاقات الجيدة بينها وبين الدول الأخري خاصة السويد فهي عضوة بالوكالة السويدية للتعاون الدولي، حيث منحتها أكثر من مهمة علمية بالسويد، والتي استطاعت من خلالها التعرف علي الجديد في مجال الزراعة المستدامة والزراعة العضوية مقارنة بما هو موجود في مصر.
وأعربت وفاء حجاج عن أمنيتها بإنشاء وحدة للثروة الميكروبية لتكون بديلا عن المبيدات وتمد النباتات بالكائنات سواء للمقاومة أو للتسمين لتستخدم في عمليات المكافحة
كتب أيمن حمزة ومروي ياسين ٢١/١٠/٢٠٠٧
المصرى اليوم

Friday, October 19, 2007

يوليو واخواتها السبعة

اسعدنا وابكانا مسلسل الملك فاروق فى رمضان ومن قبله الحديث العفوى الذى تحدثت به الاميرة فريال لمحطة ال ام بى سى. لقد نسجت حركة يوليو جبل من الاكاذيب حول العصر الليبرالى فى مصر واطلقوا عليه " العصر البائد"،فهل يمكن أن يكون العصر الوحيد الذى بنيت فيه مصر الحديثة وتمتع الشعب بتجربة ديموقراطية معقولة وانتجت فيه مصر اغلب اعلامها فى الثقافة والفكر وبرزت فيه الوطنية المصرية بجلاء والتحمت وازدهرت الوحدة الوطنية فى مصر عصرا بائدا؟

. فماذا يمكن ان نطلق على عصر الفاشية المصرية والفساد والنهب والتطرف والشعارات الذى نعيشه بعد هذه الثورةالمدمرة؟

. إنه عصر "الرعاع". لقد حكمنا الرعاع الذين افسدوا كل شئ فى مصر وامتلئت الكتب بجبال من الاكاذيب بداية من الاسلحة الفاسدة فى فلسطين والتى كانت محض خيال صحفى إلى صناديق الذهب والمجوهرات التى حملها فاروق معه إلى الخارج إلى حياة العربدة والسكر التى كان يعيشها فاروق رغم إنه كان ينفر من الخمر حسب وصف اقرب الناس اليه وهى طليقته الملكة فريدة.وبرع محمد حسنيين هيكل فى التشنيع على العصر البائد وصنع لنا شخصية اسطورية من محض خياله وهى شخصية عبد الناصر. عبد الناصر الذىيعرفه الشارع العربى هو من صنع خيال هيكل اما عبد الناصر الحقيقى فهو الذى كان يشتم الملوك العرب بامهاتهم فى خطب عامة ويصف رئيس وزراء بريطانيا بالخرع ويقول طظ فى امريكا ويستخدم فى خطبه اسلوب فتوات الحارة وسلم جيش مصر لاحد اصدقائه من الحشاشيين وملأ سجونه بالمثقفين وتحالف مع الاخوان فى خراب القاهرة وحرقها واقسم على المصحف والسيف فى غرفة مظلمة امام قائد التنظيم السرى الارهابى للاخوان المسلمين وذلك حسب شهادة خالد محيى الدين لقناة الجزيرة. يقول عبد المنعم عبد الرءوف احد الضباط الاحرار " انه كون اول خلية لضباط الاخوان المسلمين فى اكتوبر عام 1942 من كل من جمال عبد الناصر، الذى كان برتبة نقيب، والملازم اول حسين حمودة وخالد محيى الدين".تشتت العائلة الملكية فى ارجاء العالم، فعاش فاروق فى ايطاليا وعاش ابنه الطفل فى موناكو على حساب الامير رينيه وعاشت بناته فى سويسرا بمساعدة الاسرة المالكة السعودية وسكنت الملكة فريدة فى باريس فى شقة اهداها لها شاه ايران واضطرت الى بيعها تحت ضغط الحاجة وباعت ملابسها ايضا،وعمل ابناء فاروق فى مهن عادية فى المدارس والفنادق، فاين هى صناديق المجوهرات التى تحدث عنها اعلام عصر الرعاع؟.احتكر رجال الثورة الحديث باسم الشعب من اول بيان وانذار لهم وجه الى الملك فاروق فقال البيان "عريظة موجهة للملك تحمل مطلبين على لسان الشعب". من اول يوم احتكروا الحديث باسم الشعب ومارسوا الجرائم باسم الشعب ودمروا استقلال القضاء باسم الشعب وصادروا الحريات باسم الشعب واحتكروا تفسير الوطنية باسم الشعب، وباسم الشعب ايضا زجوا بحلفائهم من الاخوان فى السجون واذاقوهم كؤوس المرارة والعذاب.عندما كان النحاس يقول باسم الشعب وقعت معاهدة 36 وباسم الشعب الغيها كان يحق له هذا، فقد كان زعيما للاغلبية فى انتخابات نزيهة اما محترفى الشعارات وتزوير الانتخابات فلا يحق لهم اطلاقا ذكر كلمة شعب على السنتهم، باسم الشلة نعم، باسم الرعاع والعوام نعم ولكن ليس باسم الشعب.السادات الذى كان تباعا وقاتلا ومتعصبا يعيش ابناءه فى قصور فى مصر والغرب، وابناء عبد الناصر ينعمون فى الملايين والفساد حتى ان خالد عبد الناصر حصل على اعلى كوبون من الطاغية صدام، وزوج ابنته اشرف مروان كان متورطا مع المافيا وتجار السلاح والارتزاق من الحركات الارهابية المسلحة ومتهما بالجاسوسية،وفاق حسنى مبارك الجميع، فى حين عاش ابناء الملوك فى حياة بسيطة وشظف العيش.فى عصر الرعاع كل شئ جائز الاغتيالات والقتل ودس السم والتشهير بالناس، وصل الامر الى تصوير الناس فى اوضاع جنسية والتشهير بهم فى الشوارع كما حدث مع حسام ابو الفتوح ومن قبله مع الرجل القوى وزير الدفاع الاسبق ابو غزالة واتهامه فى قضية لوسى ارتين لخلافات على عمولات السلاح ومن قبلهم ابتزاز الممثلات والفنانات جنسيا على ايدى صلاح نصر وعصابته.فى عصر الرعاع سمعنا اقذر العبارات والشتائم، اما العصر البائد فيصفه انيس منصور بقوله" كان مستوى الحوار رفيعا.وانا ادعى اننى عرفت كل بنات الملك فاروق وعرفت الملكة فريدة عشر سنوات والملكة نازلى وسمعت ورايت وشاركت. لم اجد كلمة نابية واحدة ولا عبارة منحطة".ولم يقتصر تاثير ثورة يوليو على مصر فحسب وانما امتد وجهها الكالح الى كل المنطقة العربية الى اخواتها السبعة من الحكام المستبدين الفسدة مدمنوا الشعارات فى العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان والجزائر ومنظمة التحرير.واستضاف رجال يوليو البلطجية على ارض مصر ومنهم البلطجى المجرم صدام حسين ومفجر الخراب فى السودان جعفر النميرى خليفة الله السابق فى الارض والمعتوه حاكم ليبيا الحالى الذى يصف نفسه بانه الابن البار ليوليو ولعبد الناصر ونعم الوصف.لم يعد قادرا على ازاحة الرعاع من على كراسيهم الا رعاع مثلهم وهذا هو جوهر الصراع الدائر الان فى الشرق الاوسط بين الرعاع ورعاع الرعاع، او الرعاع الجدد وهم الاسلاميون. الصراع دائر بين اخوة فى الرضاعة، بين حلفاء الامس، بين الذين احتكروا الوطنية وقسموا الناس حسب اهوائهم بين وطنى وخائن وبين الرعاع الجدد الذين قسموا الناس بين مؤمن وكافر، بين محتكرى الوطنية ومحتكرى الحقيقة المطلقة،بين الذين يزعمون انهم يتحدثون باسم الشعب والذين يزعمون انهم يتحدثون باسم الله

.فالف لعنة كما يقول سعد الدين ابراهيم على المستبدين الحاليين ومليون لعنة على الرعاع الجدد المتربصين بالمنطقة.... من القاعدة الى الاخوان المسلمين.

بقلم : مجدي خليل

magdi.khalil@yahoo.com

نقلا عن موقع ايلاف